دور النيابة العامة في حماية العقار أثناء مسطرة التحفيظ العقاري

محتويات الموضوع
2 أولا: ممارسة التعرض باسم الغير

الفقرة الثانية: تدخل النيابة العامة لحماية حقوق الأغيار 

  إذا كان الأصل هو قيام كل شخص بمباشرة حقوقه والدفاع عنها بنفسه فإنه لا مانع من أن ينوب البعض عن غيره في القيام بها، ولذلك قد لا تقدم التعرضات بصفة شخصية من كل متعرض[28]، بل يبيح القانون أن تقدم التعرضات بواسطة الغير (أولا)، كما أجاز القانون كذلك تقديم طلب تقييد الحقوق لفائدة القاصرين وكذا المفقودين من قبل الغير (ثانيا). 

أولا: ممارسة التعرض باسم الغير 

   يقصد بالتعرض ذلك الادعاء الذي يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ بمقتضاه ينازع المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ أو في مدى هذا الحق أو في الحدود، أو يطالب بحق عيني مترتب له على هذا العقد وينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر في مطلبه. 

   والتعرض-كما هو معلوم- يجب أن يصدر من طرف شخص له صفة أو مصلحة، واتصالا بموضوع بحثنا تنص الفقرة 2 من الفصل 26 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 07-14 على أنه ” يمكن التدخل في المسطرة عن طريق التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين، وذلك من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين ووكيل الملك والقاضي المكلف بشؤون القاصرين والقيم على أموال الغائبين والمفقودين”. 

  ويتضح من مقتضيات الفصل 26 السالف الذكر أن النيابة العامة تمارس التعرض لفائدة الأشخاص المحددة وهو حق خوله المشرع للنيابة العامة حفاظا على مصالح هؤلاء التي لا يستطيعون حمايتها إما لقصور سنهم أو لعدم أهليتهم القانونية أو لكونهم غائبين أو مفقودين[29]. إلا أنه وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 26 دائما نجد أن المشرع قد قيد تدخل الغير لممارسة التعرض ببعض الشروط ويتعلق الأمر أساسا بإثبات هويته، وكذا تبرير تدخله بالوثائق الصحيحة والبيانات المتعلقة بالمنوب كما هي محددة في الفصل 25 من ظهير التحفيظ العقاري الذي نسخ وعوض بقانون رقم 07-14. 

لذلك فالتساؤل المطروح في هذا الصدد يتعلق بمدى تقييد تقديم وكيل الملك للتعرض نيابة عن أحد الأشخاص المذكورين في الفصل 26 السالف الذكر باحترام الشروط المذكورة أعلاه؟

أي هل النيابة العامة عند ممارستها للتعرض باسم الغير تخضع لنفس الشروط التي يخضع لها المتعرض أو الغير والمتعلقة بضرورة إثبات الهوية والإدلاء بالبيانات وإرفاق التعرض بالمستندات والحجج المؤيدة ومن أداء الوجيبة القضائية؟

  إن التعرض الذي يقدمه وكيل الملك في الحالات المحددة في الفصل “26” المذكور سابقا، شأنه شأن أي تعرض يتطلب شروطا شكلية ومؤيدات (-أ-)،لكن السؤال المطروح بخصوص تعرض النيابة العامة عن الغير، هو مدى ممارستها لهذا التعرض وتوفير الحماية اللازمة لحقوق الأشخاص الذين أوجب المشرع التدخل في المسطرة لأجلهم؟ (-ب-). 

-أ- مسطرة التعرض: 

  التعرض هو الوسيلة التي يبادر صاحب حق إلى ممارستها لإيقاف إجراءات التحفيظ خلال الأجل القانوني المقرر وذلك إلى أن يوضع حد للنزاع بتصالح الأطراف ذوي العلاقة أو بقرار نهائي من القضاة[30]

  وحسب الفصل 24 [31] من ظهير التحفيظ ” يمكن لكل شخص أن يتدخل عن طريق التعرض في أعمال التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عن انتهاء التحديد المؤقت في الجريدة الرسمية، إن لم يكن قام بذلك الإجراء من قبل…” فالمشرع في هذا الفصل فتح الباب على مصراعيه أمام كل من يرى في نفسه أنه متضرر من مطلب التحفيظ أو أن له حقا عينيا معينا عليه [32] من أجل تقديم تعرض يحمي به هذا الحق، والسبب في ذلك كما يرى أحد الفقهاء، هو منح أكبر قدر من الضمان لمن يمكن أن يكون طالب التحفيظ سببا للنيل من حقوقه.[33]

  وقد حدد المشرع مجموعة من الشكليات[34] التي يجب على طالب التحفيظ احترامها حتى يتم قبول تعرضه، إذ يمكنه تقديم هذا التعرض بشكل شفهي أو كتابي أو حتى بالمراسلة، وذلك لدى الجهات المحددة له، وهي المحافظة العقارية أو المحكمة الابتدائية أو مكتب القائد أو مركز قاضي التوثيق بالإضافة إلى المهندس أثناء عملية التحديد. 

  ويشمل التعرض سواء قدم بشكل كتابي أو شفهي على نفس الإجراءات ونفس البيانات[35]، لكنه في الحالة الأخيرة يحرر محضرا في نظيرين بحضور المعني ويسلم أحدهما إلى المتعرض، والطلبات التي لم تقدم مباشرة للمحافظة توجه إليها فورا[36]، وذلك قصد تسجيلها في سجل التعرضات. 

  ويمارس التعرض مبدئيا في مواجهة طالب التحفيظ وفي حدود الحق المطلوب تحفيظه فلا يتعداه للمطالبة بحق أو بحقوق أخرى أو ينازع في حق متعرض آخر غيره[37]، كما يجب أن يكون الحق المطالب به حقا عينيا عقاريا خاضعا للتسجيل وعلى المتعرض أن يثبت هويته، وإذا كان نائبا فإن عليه أن يدلي بوثائق صحيحة تؤكد نيابته[38]، كما يجب عليه أن يعين موطنا مختارا في مقر المحافظة إذا لم يكن له موطنا فعليا[39]،

وأن يوضح بيانات العقار المتعرض عليه ومجال تعرضه. 

  وبالإضافة إلى كل ذلك، يجب على المتعرض أن يدلي ويعضد تعرضه بالحجج والمستندات ووسائل الإثبات المقبولة قانونا[40]، إلا أن عدم تقديمه هذه المستندات لا يعني عدم قبول التعرض، ولكن يجب على المحافظ تسجيل هذا التعرض بسجل خاص معد لهذا الغرض ويوجه للمعنيين إنذارا قصد إيداع المستندات المذكورة مع تذكيرهم بمقتضيات الفصل 48 من ظهير التحفيظ الذي يعاقب على التعرضات الكيدية أو التعسفية أو المقدمة بسوء نية.[41]

    من خلال كل ما سبق يطرح التساؤل حول كيفية تقديم النيابة العامة أو وكيل الملك للتعرض؟ أي هل يجب عليه احترام كل هذه الشكليات وإتباع المسطرة المحددة من قبل المشرع؟ أم أن هذه المسطرة خاصة بالأفراد العاديين ووكيل الملك غير ملزم بها ويمكنه تجاوز بعض شكلياتها؟ 

*الإجابة عن هذه الأسئلة في الفقرة الموالية. 

-ب- التعرض الممارس من قبل النيابة العامة بين النظرية والتطبيق. 

  تنص الفقرة الثانية من الفصل 26 من ظهير التحفيظ على أنه ” يمكن في جميع الأحوال- على شرط أن تقدم الإثباتات المنصوص عليها سابقا- التدخل في المسطرة عن طريق التعرض باسم الأشخاص المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين وذلك من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين والأقارب[42] ووكيل الدولة والقاضي ووكيل الغياب”. 

  وبالإمعان في هذا النص يتضح أن النيابة العامة يمكنها التدخل عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ باسم الأشخاص المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين. وهذا الاختصاص مخول أيضا للأوصياء والممثلين الشرعيين والأقارب وقاضي القاصرين ووكيل الغياب ” ولا يخفى ما لمثل هذه الإباحة من فائدة في حماية حقوق هؤلاء جميعا من المفاجأة برسوم عقارية نهائية وغير قابلة للطعن تقضي على حقوقهم بدون رجعة”.[43]

  لكن تدخل الغير في ممارسة التعرض مقيد ببعض الشروط التي يجب احترامها، وهي تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 26، والمتمثلة في إثبات الهوية والإدلاء بوثائق صحيحة وبيانات متعلقة بالحالة المدنية للمنوب[44]، وفي حالة تعلق الأمر بشركاء أو الإرث يجب الإدلاء بعقود المناسخات. 

  ذهب أحد الفقه[45] إلى أن الإدلاء بهذه البيانات واجب على المتعرض شخصيا أو على نائبه عندما يتعرض نيابة عن القاصر أو ناقص الأهلية أو الغائب ولم يفرق في ذلك بين الأب أو الوصي أو المقدم أو وكيل الملك أو وكيل الغياب فالجميع يجب أن يثبت هويته وأن يدلي بالوثائق المعززة لذلك. إلا أن هذا الرأي خالفه بعض الفقه، ذلك أن النيابة العامة تمارس التعرض لفائدة المحجورين والغائبين والغير الحاضرين حماية لحقوقهم وحفاظا على مصالحهم التي لا يستطيعون حمايتها، إما لقصور سنهم أو لعدم أهليتهم القانونية أو لكونهم غائبين أو مفقودين[46]. 

وانطلاقا من هذا الهدف الذي تسعى إليه

فإنه لا يمكن تصور أنها قد تعمل على الإضرار بحقوق الأشخاص الذين تقدم التعرض باسمهم، وبالتالي فإن شرط إثبات الهوية بالنسبة لوكيل الملك غير وارد، فهذا الشرط خاص بالأشخاص الذين يقدمون التعرض باسم غيرهم إذ أن ضبط هوية هؤلاء تمكن من مقارنتها مع الهوية الواردة بصك النيابة الذي بموجبه تثبت الصفة في تقديم التعرض باسم الغير، كما أنها تيسر تطبيق جزاء الفصل 48 من الظهير في حالة التعسف في ممارسة التعرض بالإضافة إلى المتابعة الجنائية في حالة ثبوت انتحال المتعرضين بطريقة تعسفية هوية من لهم الحق في النيابة في تقديم تلك التعرضات[47]،

الأمر الذي لا يمكن تصور وقوعه من طرف النيابة العامة، لأنه مكلفة بحماية من تتعرض باسمهم وليس العكس.ونتيجة لذلك فإن النيابة العامة يسقط عنها شرط إثبات الهوية وكذا شرط الإدلاء بوثائق صحيحة تثبت صحتها كنيابة عامة، لأن هويتها وصفتها واحدة ومستمدة من القانون ولا يمكن انتحالها أو تزويرها على عكس باقي صفات الأطراف الأخرى[48] التي خولها المشرع حق التعرض عن الغير، حيث يمكن انتحال صفة نائب أو وصي أو وكيل بهدف تحقيق مصالح شخصية مثلا.[49]

    لكن الإشكال الذي يثور بخصوص تعرض النيابة العامة عن الغير، هو الوقت الذي يقدم فيه هذا التعرض؟ وفي هذا الإطار يرى أحد الباحثين[50] أن اختصاص وكيل الملك بتقديم تعرض بالنيابة قاصر على الحالة التي يحيل فيها المحافظ على الأملاك العقارية والرهون الملف على المحكمة استنادا إلى الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري. 

 إلا أن الأخذ بهذا الرأي يعني حسب باحث آخر[51]،

ضياع حقوق المحجورين والغائبين والمفقودين وغير الحاضرين، لأن إقامة التعرض من طرف وكيل الملك-حسب الرأي السابق- يبقى رهينا بتقديم تعرضات أخرى إلى المحافظ وإحالة هذا الأخير الملف إلى المحكمة حتى ينعقد لوكيل الملك الاختصاص بقبول التعرض. وبالتالي أعتقد أن تقديم التعرض بالنيابة من طرف وكيل الملك يتم داخل الأجل العادي للتعرض وحتى خارجه، ولكن أمام المحافظ العقاري ما دام الملف معروضا بين يديه، ويختص وكيل الملك بتقديم هذا التعرض وقبوله عندما يعرض الملف على المحكمة، وهنا تجتمع له الصفتان صفة المتعرض، وصفة صاحب الاختصاص بقبول التعرض الاستثنائي. 

   وعموما فإن النيابة العامة عند تقديمها للتعرض نيابة عن المحجورين أو الغائبين أو المفقودين، فإنها تتبع نفس مسطرة تقديم التعرض مع بعض الفوارق البسيطة، حيث يقوم وكيل الملك أو نائبه بتحرير تعرض يكون غالبا في شكل كتابي يحال إلى السيد المحافظ يذكر فيه اسم المتعرض لفائدته وحالته القانونية، هل هو قاصر أم غائب أم مفقود، كما يحدد نوع الحق المتعرض عليه ويرفق الطلب بالبيانات المتعلقة بالحالة المدنية للمتعرض لفائدته وبالوثائق المدعمة والمثبتة للحق موضوع التعرض[52]. 

   وبعد تقديم النيابة العامة لهذا التعرض، فإنها تخضع لجميع القواعد التي يخضع لها أي متعرض فتعد بذلك مدعية ” وتتقمص شخصية المتعرض لفائدته وعليها أن تقدم كل البيانات والإثباتات التي عليهم تقديمها ولها متابعة الدعوى إلى أن يصدر بشأنها حكم نهائي”.[53]

 وقاعدة اعتبار المتعرض مدعيا يقع عليه عبء الإثبات استنتجها الاجتهاد القضائي واستقر عليها منذ فترة طويلة، إذ ترجع جذور هذه القاعدة إلى عشرينيات القرن الماضي عندما وضعتها محكمة الاستئناف بالرباط وأكدتها محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 21 يناير 1959[54]

، وتبناها المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 25 يوليوز 1963[55] وقرارات أخرى لاحقة، اعتبر فيها المتعرض مدعيا وطالب التحفيظ مدعى عليه ولا تناقش حججه إلا إذا أدلى المتعرض بحجج إثبات تعرضه[56]، وهو ما سارت عليه أيضا محاكم الموضوع ومن بينها محكمة الاستئناف بالحسيمة التي جاء في حكم لها ما يلي: ” وحيث من الثابت فقها وقضاء أن المتعرض في مسطرة التحفيظ يعد مدعيا يقع عليه عبء إثبات ادعاءاته ولا تناقش حجج طالب التحفيظ إلا بعد إثباته لذلك- أي المتعرض- بحجج منتجة في النزاع”.[57]

  وانطلاقا من هذا فإن النيابة العامة يجب عليها الإدلاء بكافة وسائل الإثبات والحجج والوثائق أثناء تعرضها وإلا تم إنذارها من قبل المحافظ قصد إيداع هذه الإثباتات وإلا تم إلغاء التعرض[58]، ولعل هذا ما يجعل- حسب أحد الممارسين-[59] النيابة العامة لا تمارس هذا الحق –التعرض عن الغير- إلا إذا توفرت على وسائل الإثبات التي ترى أنها فعالة لإثبات الحق المتعرض عليه، وهذا أمر بديهي باعتبارها جهازا يسهر على تطبيق القانون، وليس من القانون في شيء أن تمارس حق التعرض في غياب وسائل الإثبات لأن ذلك يدخل في إطار التعسف في استعمال هذا الحق. 

  وعموما فإن ممارسة النيابة العامة للتعرض عن الغير يبقى مجرد اختصاص نظري لا يجد سبيلا للتطبيق على أرض الواقع، ذلك أن التعرض باسم المحجورين غالبا ما تتم ممارسته من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين لهم، أو من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين، أما التعرض باسم الغائبين والمفقودين، فإنه يتم من طرف كاتب الضبط المعين للقيام بهذه المهمة. أما بخصوص التعرض باسم غير هؤلاء من الغائبين الذين لم يحضروا من غيبتهم في وقت القيام بعملية التحفيظ وخاصة ساعة يوم التحديد، فإنه يتم من طرف أقاربهم في انتظار حضورهم إن لم يكونوا من الصنفين السابقين اتصالا.[60]أما وكيل الملك فإنه يعد آخر من يمكنه ممارسة هذا الحق وذلك متى وجد سببا وجيها يدعوه إلى ذلك كما لو رأى تقصيرا في ممارسته من طرف من سلف ذكرهم.[61]

وبالتالي فإنه حتى ولو بلغ إلى علمه أن حقا من حقوق الأشخاص الذين أجاز له القانون التعرض باسمهم مهدد بمسطرة التحفيظ، فإنه غالبا ما يقتصر على إشعار قضاة القاصرين والمحاجير بضرورة سلوك المسطرة القانونية الواجبة في الموضوع.[62]

وهذا الإجراء من طرف النيابة العامة هو محل انتقاد في نظري لأن المشرع منحها سلطة تقديم التعرض نيابة عن الأشخاص المذكورين في الفصل 26 نظرا لكونهم يحتاجون لحماية حقوقهم ولا يوجد من هو أقدر على توفير هذه الحماية من جهاز النيابة العامة، فاختصاصها هذا، اختصاص أصلي يجب عليها ممارسته بإيجابية وإلا ضاعت تلك الحقوق كما حصل بالفعل بالنسبة لبعض الأشخاص الغائبين الذين أهملت النيابة العامة التدخل لفائدتهم وتقديم التعرض على أحد مطالب التحفيظ المقدمة للمحافظة العقارية بوجدة. 

   وتتلخص وقائع النازلة[63] أنه كان هناك مطلبان للتحفيظ أحدهما تحت عدد 20565 والآخر عدد 20731، وقد كان هناك تعرض متبادل بين المطلبين ونظرا لتغيب أصحاب مطلب التحفيظ عدد 20565 مرارا عن عمليات التحديد وعدم حضورهم أو من ينوب إلى المحافظة من أجل أداء مصاريف استئناف إجراءات التحفيظ رغم مراسلتهم من طرف المحافظ والذي لم يستدل على عنوانهم، فقام بتوجيه طلب إلى وكيل الملك من أجل البحث عن المعنيين بالأمر وبعد البحث لم يتم الاستدلال على عنوانهم فقام وكيل الملك بإخبار المحافظ بنتائج البحث وعلى إثر ذلك قام هذا الأخير بإلغاء مطلب التحفيظ الأول عدد 20565[64] وقام بتأسيس الرسم العقاري بناء على المطلب الثاني عدد 20731 الذي كان عليه تعرض من طرف أصحاب المطلب الأول الملغى، وبالتالي ضياع حقوقهم في العقار مع أنه كان من الممكن تلافي ذلك لو قامت النيابة العامة بتقديم التعرض نيابة عنهم باعتبارهم غائبين.[65]

خلاصة الأمر فإن الفصل 26 من ظهير التحفيظ العقاري الذي يمنح الحق لوكيل الملك بتقديم التعرض نيابة عن المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين

يبقى مجرد حبر على ورق ولا يتم تفعيله، لذلك ومن وجهة نظرنا نرى إلى جانب أحد الباحثين بأن عدم تفعيل جهاز النيابة العامة لمقتضيات الفصل 26 من ظ.ت.ع أمر غير مبرر[66]، فما دام المشرع منح لها هذا الاختصاص الأصلي والرئيسي وذلك بهدف توفير حماية لهؤلاء الأشخاص الذين يعجزون عن حماية حقوقهم بأنفسهم، فإنه يجب عليها ممارسة هذا الحق ممارسة إيجابية وذلك بغية حماية المراكز القانونية لهؤلاء الأشخاص. 

ثانيا: تقييد حقوق القاصرين والمحجورين 

 كما هو معلوم فإن كل حق عيني عقاري يكسبه الشخص على عقار محفظ يجب أن يقيد في الرسم العقاري[67] وفق مسطرة خاصة نظمها المشرع المغربي تنظيما دقيقا، وهذا التقيد يعتبر قرينة قانونية وحجة قوية يمكن الاحتجاج بها تجاه كافة الأشخاص[68] سواء فيما بين أطراف العقد[69] أو مواجهة الغير.[70]

 ونظرا لعدم توفر القاصرين والمحجورين على الأهلية القانونية لمباشرة حقوقهم بأنفسهم فقد أوكل المشرع هذا الدور للنيابة العامة عندما نص الفصل 78 من ظهير التحفيظ العقاري على أن حقوق القاصرين والمحجورين تقيد بطلب من نوابهم الشرعيين أو الأوصياء عليهم وإلا فبطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين أو وكيل الملك. 

  إذن يلاحظ من خلال صياغة الفصل المذكور أن النيابة العامة يمكن لها تقديم طلب تقييد حقوق القاصرين والمحجورين بالسجلات العقارية إلا أن هذا الدور الممنوح لجهاز النيابة العامة والذي يهدف إلى حماية الحقوق المكتسبة لهؤلاء الأشخاص إنما جاء على سبيل الاحتياط فقط، وذلك متى تقاعس نوابهم الشرعيين أو الأوصياء عليهم عن القيام بهذا الدور. والنيابة العامة عند قيامها بهذا الدور الاحتياطي الممنوح لها بصريح الفصل 78 فإنها تكون ملزمة بتقديم الوثائق المثبتة للحق المكتسب من طرف القاصر ومراعاة الشروط المتطلبة قانونا في مسطرة تقييد الحقوق بالسجلات العقارية.[71]

وإذا كان المشرع قد منح الصلاحية لجهاز النيابة العامة في طلب تقييد حقوق القاصرين والمحجورين بالسجلات العقارية، فإن هذا الحق يؤهلها للقيام بأي إجراء يؤدي إلى تحقيق هذه الغاية كطلب تقييد احتياطي للحفاظ على رتبة الحق المكتسب إذا خيف ضياعه بسبب التراخي في طلب تقييده[72]. 

وقد اعتبر أحد الفقه[73] أن طلب التقييد الذي يتقدم به وكيل الملك لفائدة القاصرين والمحجورين فيه جلب المنفعة لهؤلاء والصيانة لحقوقهم من الضياع الذي قد يقع عند عدم المبادرة للتقييد من طرف نوابهم الشرعيين أو الأوصياء عليهم طبقا للفصل 78 من ظهير التحفيظ العقاري. إلا أنه إذا كان المشرع قد عني بحقوق القاصرين بالسجلات العقارية من طرف النيابة العامة في حالة تقصير الأوصياء عليهم أو نوابهم الشرعيين في طلب التقييد،

فإن التساؤل المطروح يتعلق بمآل حقوق القاصرين المكتسبة على عقارات في طور التحفيظ؟ 

بخصوص هذه الحالة نجد أحد الباحثين ذهب إلى اعتبار الفصل 78 السالف الذكر يستوجب ضمنيا الحقوق المكتسبة من طرف القاصرين على العقارات في طور التحفيظ رغم سكوت المشرع عن هذه الحالة وعدم الإشارة إليها بشكل صريح معززا رأيه بكون المشرع مادام قد منح الحق للنيابة العامة بتقديم التعرض باسم المحجورين والقاصرين وهو مجرد إدعاء فمن باب أولى أن يكون لها صلاحية حماية الحقوق المكتسبة للقاصرين على عقارات في طور التحفيظ وهي عادة ما تكون ثابتة بموجب رسوم ومستندات[74]. 

لذلك وبناء على ما سبق يجوز للنيابة العامة حماية هذه الحقوق عن طريق الإيداع طبقا للفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري[75]، أو عن طريق الحلول عملا بالفصل 83[76]، وذلك حتى لا تتعرض هذه الحقوق للتطهير من جراء قرار المحافظ[77]. 

الفقرة الثالثة: تدخل النيابة العامة من أجل تنظيم عملية التحديد 

تعتبر عملية التحديد الطبوغرافي للعقار موضوع مطلب التحفيظ عملية تقنية بالأساس يقوم بها مهندس مساح ينتمي إلى هيئة المهندسين الطبوغرافيين، حيث ينتقل إلى عين المكان بحضور الأطراف لمعاينة العقار المراد تحديده ولأخذ المقاييس اللازمة لمعرفة حدوده ومعالمه ومشتملاته قصد وضع تصميم مدقق عن الوضعية المادية للعقار، كما أنها تعتبر عملية قانونية كذلك لأنها تمكن المحافظ من التعرف على الوضعية القانونية للعقار[78]، وتتجلى أهمية هذه العملية في كونها تساهم في حسم النزاع، لأنها تمكن المحافظ من التأكد بطريقة واضحة من جدية الأمر وقيمة المطلب أو أحقية المتعرض عليه[79].

وبالرجوع لمقتضيات الفصل 19 من ظ.ت.ع المغير والمتمم بالقانون رقم 14.07 نجد أن المشرع جعل المحافظ على الأملاك العقارية الجهة الساهرة على تسيير عملية التحديد، وينتدب لهذه الغاية مهندسا مساحا طبوغرافيا محلفا من جهاز المسح العقاري[80]. 

  وعملية التحديد في إطار مسطرة التحفيظ العقاري تعتبر في المرحلة الأولى تحديدا مؤقتا بحيث يمكن أن تلحق معالم العقار المراد تحفيظه من تعديلات وتغييرات خلال جريان المسطرة الإدارية، كما يصبح التحديد المؤقت نهائيا إما على حالته وبدون أن يلحقه أي تغيير أو بعد إنجاز تحديد أو تحديدات تكميلية وذلك في أفق الإعلان عن انتهاء التحديد وتعيين آخر أجل لإبداء التعرضات[81]. 

وبالرجوع إلى الواقع العملي نجد أن عمليات التحديد التي يسيرها المهندس بعد خروجه إلى عين المكان قد تمر في ظروف آمنة وهادئة في بعض الأحيان،

بحيث يقوم المهندس بعد استفساره للحاضرين في هذه العملية والمستدعون من طرف المحافظ[82] بتحرير محضر بانتهاء التحديد مشيرا فيه إلى النقط المحددة في الفصل 21 من ظهير التحفيظ العقاري المغير والمتمم بقانون 14.07، إلا أنه في مقابل هذه الحالة قد تواجه المهندس المنتدب عدة عراقيل تعطله عن القيام بمهمته، وفي هذه الحالة منح المشرع الصلاحية للنيابة العامة من أجل التدخل بهدف تنظيم هذه العملية وتوفير الظروف الملائمة للمهندس من أجل القيام بمهمته. 

  فبالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 20 من ظهير ت.ع نجد أن المشرع خول للمحافظ على الأملاك العقارية أو كل من له مصلحة في إنجاز عملية التحديد كطالب التحفيظ أو متعرض تقديم طلب إلى السيد وكيل الملك قصد تسخير القوة العمومية ومن تم توفير الظروف الملائمة لإجراء هذه العملية. 

 ويعد هذا الإجراء من أهم المستجدات التي جاء بها قانون رقم 14.07 حيث أوجب القانون على وكيل الملك تسخير القوة العمومية لتوفير الظروف الملائمة لإجراء عملية التحديد وذلك بطلب من المحافظ أو ممن له مصلحة في ذلك[83]. 

 وغالبا ما يتم اللجوء إلى هذا الإجراء حينما يتبين للمحافظ على الأملاك العقارية بأن هناك أشخاص يعرقلون إجراء عملية التحديد لكونهم ينازعون طالب التحفيظ في مطلبه[84]، وتدعوا الضرورة في مثل هذه الحالة إلى مطالبة النيابة العامة بتسخير القوة العمومية، وذلك بعد توجيه طلب إلى وكيل الملك عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 20 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 14.07، يلتمس منه مؤازرة المهندس المساح بالقوة العمومية من أجل استئناف عملية التحديد بعد أن تعذر عليه إجراءها بسبب عرقلتها بمنع المهندس من القيام بمهامه في التاريخ المقرر لإجرائها[85]. 

  وبالرجوع إلى صياغة الفقرة الأولى من الفصل 20 نجدها جاءت لصالح المحافظ على الأملاك العقارية وكذا لكل من له مصلحة في طلب تسخير القوة العمومية. 

 وبناء عليه، فإن هذا الطلب يمكن أن يتقدم به المحافظ كلما تعذر على المهندس المساح المنتدب من قبله القيام بمهمة التحديد، كما يمكن للمعني بالأمر كذلك أن يتقدم بهذا الطلب إلى وكيل الملك ملتمسا منه تسخير القوة العمومية لفائدته قصد توفير الظروف الملائمة للمهندس الطبوغرافي لتحديد عقاره موضوع مطلب التحفيظ وذلك كلما تشكك أن عملية التحديد لن تمر بسلام. 

تابع قراءة المقال في الصفحة الموالية

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى