ذ. حسن فتوخ “دور القضاء المغربي في حماية حرية الصحافة – جنحة القذف – دراسة في المفهوم و المسطرة والمعايير القضائية”

  المنصة القانونية – ذ. حسن فتوخ
مستشار بمحكمة النقض و أستاذ بالمعهد العالي للقضاء

    تعتبر حرية الصحافة أساسا لنبض الحياة داخل المجتمعات الديمقراطية، ومقياسا لتقدمها وانفتاحها من خلال توفير آليات الولوج إلى المعلومة و تداولها بشكل يضمن حق المواطنين في الإطلاع على ما يجري داخل مجتمعهم. ومن ثمة فإن المغرب عمل على تكريس الضمانات المتعلقة بحرية الصحافة من خلال دستور سنة 2011 الذي يعكس حقيقة الارتقاء بها، لأن الحق في المعلومة أصبح من بين أهم الحقوق التي يقع على عاتق الدول احترامها وتوفير كافة الضمانات القضائية لحمايتها، وذلك لأنه من بين أهم الحقوق الإنسانية التي تدور في فلك حماية ذاتية الإنسان بغض النظر عن جنسيته، أو لونه أو لغته. وعليه فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح يتمثل في معرفة ماهية الحدود الفاصلة بين حرية الصحافة ومعها لازمتها حرية التعبير المكفولة دستوريا، وبين جنحة القدف المنصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون المغربي؟





وجوابا على ذلك، وفي إطار العلاقة الجدلية بين الحرية والمسؤولية نعرض لمقولة جون جاك روسوفي هذا الشأن جاء فيها ما يلي :

”ليس بوسعي إلا أن أطيع القانون إذا أنا أصغيت لعقلي الخالص. وعلى هذا النحو، فإنني أكون حرا، لأنني لا أطيع إلا نفسي. وإذا كنت أخرق ومهددا غالبا لأن أكون كذلك فإنني أكره أن أكون حرا على أن أطيع العقل “.
وهذا الخوف من المسؤولية الناتج عن خرق القانون، أكده أيضا أحد رواد نظرية العقد الاجتماعي بقوله: ” أنا والخوف توأمان “.
ومفاد هذا العقد الاجتماعي أن الأفراد تنازلوا عن جزء يسير من حرياتهم الطبيعية مقابل الانخراط في سك المجتمع المتحضر وخضوعهم للقانون باعتباره قيدا وإن حماهم من قيود أثقل من القيود نفسها. وتأسيسا على ذلك، فإن الصحافة في المغرب توجد بين سندان حرية الصحافة ومطرقة المقتضيات الزجرية الواردة في القانون الجنائي وقانون الصحافة المؤرخ في 15/11/1958 الذي نص على مجموعة من الجرائم الماسة بالأشخاص التي ترتكب عن طريق النشر، ويجمع بينها قاسم مشترك يتمثل في كونها تشكل اعتداء على الشرف والاعتبار ومساسا بمكانة الأشخاص وحرياتهم الأدبية داخل المجتمع.
وفي خضم هذا الجدل القائم بين حرمة الأشخاص كحق، وحرية الصحافة في التعبير ونقل الخبر وإيصال المعلومة بأمانة، تبقى السلطة القضائية المستقلة هي الضمانة الأساسية للحقوق والحارسة للحريات من خلال التطبيق العادل للقانون والتوفيق بين حرية الصحافة والحرية الأدبية للأشخاص التي تخول للأفراد الحق في الطمأنينة والسكينة على أسرار حياتهم الخاصة، وذلك بتكييف العبارات المنشورة بواسطة الصحافة في حق المتهم للتأكد من مدى توافر العناصر التكوينية لجريمة القذف التي هي موضوع هذه الدراسة مع خضوع تعليل المحاكم لرقابة محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون. فما هو المفهوم الذي كرسته محكمة النقض لجريمة القذف من خلال عمل محكمة النقض؟ وكيف تعاملت مع مسطرة تحريك الدعوى العمومية بشأنها؟ وما هي المعايير القضائية التي كرستها من خلال تعاملها مع هذا النوع من الجرائم التي تعتبر قيدا على حرية الصحافة؟
ولعل تناول هذا الموضوع يقتضي منا تقسيمه إلى محورين كالتالي:
  • المحور الأول: تعريف القذف ومسطرة إقامة الدعوى العمومية بشأنها
  • المحور الثاني: المعايير القضائية لاستخلاص عناصر جنحة القذف
المحور الأول: تعريف القذف و مسطرة إقامة الدعوى العمومية بشأنها
أولا: تعريـف جنحـة القـذف 
عرفت الفقرة الأولى من الفصل 44 من قانون الصحافة القذف كما يلي: « يعد قذفا إدعاء واقعة أو نسبها إلى شخص أو هيئة إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو اعتبار الشخص أو الهيئة التي نسبت إليها ». كما أن الفصل 442 من القانون الجنائي تضمن التنصيص على نفس التعريف المذكور مع ملاحظة مفادها أن محكمة النقض اعتبرت أن الفصل المذكور يحيل على قانون الصحافة فيما يخص العقوبة وليس من أجل تكوين عناصر جنحة القذف حسب ما يتضح صراحة من خلال حيثيات أحد قراراتها كالتالي:
”وحيث إن المحكمة لما قضت بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بإدانة المطلوب من جنحة القذف وقضت بعدم الاختصاص اقتصرت في تعليل ذلك على القول: “بأن السب والشتم والقذف المجرم والمعاقب عليه بمقتضى قانون الصحافة يشترط فيه لاعتباره جنحة من اختصاص المحكمة الابتدائية أن يتم بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة وهو ما لا يتوفر في التهمة موضوع المتابعة…”، دون أن تعلل ذلك بما فيه الكفاية خاصة وأن الفصل 442 من ق.ج يحيل على قانون الصحافة فيما يخص العقوبة وليس من أجل تكوين عناصر جنحة القذف والمحكمة لما قضت في قرارها على النحو المذكور لم تجعل له أساسا من القانون الأمر الذي يعرض قضاءها للنقض والإبطال “.
ومن جهة أخرى، فالقدف من الناحية القضائية عرفته محكمة النقض المغربية في أحد قراراتها بأنه  ”كل ادعاء أو عزو عمل يمس بشرف أو حرمة الأشخاص أو الهيئة التي يعزى إليها العمل…”
ويستفاد من هذين التعريفين التشريعي والقضائي أن القذف هو فعل غير شرعي معاقب عليه بمقتضى القانون كلما تعلق الأمر بالمساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو الهيئات المعنية به، مع مراعاة الحالات التي يمكن أن يكون فيها القاذف في حل من أية متابعة قضائية كلما كانت الوقائع التي يتضمنها القذف صحيحة ومتعلقة بالحياة العامة عملا بنص الفصل 57 من ق ص.


(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

وغني عن البيان أن المشرع المصري قد عرف القذف من خلال المادة 302 من قانون العقوبات التي نصت على أنه:
”يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هـذا القانون أمـورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من اسند إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه “.
ويلاحظ أن هناك فرقا في التعريف بين التشريعين أعلاه، بدليل أن المشرع المصري أضاف بأن الأمور المسندة لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة قانونا، في حين أن المشرع المغربي اقتصر فقط على أن تكون الواقعة المسندة تمثل اعتدا على شرف واعتبار الشخص أو الهيئة المسنوبة إليها.
وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد القضاء المغربي يأخذ بالتوجه الوارد في التشريع المصري، حيث اعتبر في إحدى النوازل المعروضة عليها أن المشتكي لم يسند للمطالب بالحق المدني وقائع في غاية الخطورة من شأنها أن توجب عقابه لو تبثث في حقه. وبذلك يكون القضاء المغربي قد اعتمد معيار جرمية الوقائع المسندة للشخص المقذوف حتى يمكن أن يتحقق القذف المنصوص عليه وعلى عقوبته في الفصل 442 من القانون الجنائي.
ثانيا : شكليات الاستدعاء الواردة في الفصل 72 وأثره على الدعوى العمومية
1- البيانات الواجب توافرها في الشكاية المباشرة المقدمة من طرف المتضرر ومدى انطباق الفصل 347 من قانون المسطرة الجنائية عليها؟
يجب التمييز بين إقامة الدعوى العمومية المتعلقة بجنحة القدف من طرف المتضرر عن طريق تقديم شكاية مباشرة إلى المحكمة الابتدائية المختصة في إطار الفصل 73، وبين إقامة الدعوى العمومية بشأن نفس الجنحة من طرف النيابة العامة.
ذلك أن الشكاية المباشرة لا تستلزم شروطا شكلية خاصة لقبولها، وإنما يجب أن تتضمن فقط ذكر التهمة الموجهة وتحديد صفتها والظهير الواجب تطبيقه على المتابعة فضلا على البيانات الواجب توافرها في الشكاية المباشرة وعلى القواعد العامة الخاصة بإقامة الدعاوى المدنية الناتجة عنالجريمة حسب ما أكدته محكمة النقض في قرار لها جاء فيه ما يلي:
” … حيث إن الدعوى موضوع النازلة أقيمت في إطار ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بالحريات العامة في فصله 73، وإن الظهير المذكور لا يشترط لصحة الشكاية المباشرة إلا ذكر التهمة الموجهة وتحديد صفتها والظهير الواجب تطبيقه على المتابعة فضلا على البيانات الواجب توافرها في الشكاية المباشرة وعلى القواعد العامة الخاصة بإقامة الدعاوى المدنية الناتجة عن الجريمة وأن المحكمة المطعون في قرارها عندما ذهبت في تعليلها لتبرير عدم قبول الشكاية المباشرة على مجرد  أن الفصل 8 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أن إقامة الدعوى المدنية ضد مرتكبي الجريمة وشركائهم طبقا للفصلين 366 و 367 من نفس القانون اللذين ينصان على أن الاستدعاء المباشر الذي تسلمه النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني يجب أن يكون موجها ضد المتهم والأشخاص المسؤولين عن الحقوق المدنية “.
والحال إن الشكاية المباشرة الموجهة ضد المطلوبين في النقض وجهت ضد كاتبة المقال ومدير النشر بأسمائهم الشخصية والعائلية وعناوينهم الواردة في جريدة بيان اليوم ولم يقع لبس أو غموض في هويتهما وأن بعض الأخطاء في الهوية التي لا تحول دون التعرف على المشتكى به بشكل كامل لا تأثير له على صحة الشكاية . كما أن قول القرار بأن مقتضيات الفصل 347 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أن الحكم أو القرار يجب أن يحتوي على بيان المترافعين بهويتهما الكاملة في الدعوى وهذا البيان يتضمن اسم المتهم الشخصي والعائلي ونسبه ومسقط رأسه وتاريخ ازدياده ومقر سكناه …الخ، وأنه باستقراء النصوص المذكورة فإن الشكاية المباشرة يجب أن تتضمن الاسم الحقيقي والهوية الكاملة للمشتكي به الذي سيوجه له الاستدعاء المباشر للحضور في الجلسة وأنه بعد الإطلاع على الشكاية المباشرة ونسختي الحالة المدنية للمشتكي بهما وكذا بطاقتيهما الوطنية يتبين أن الشكاية المباشرة تضمنت خطأ في اسم والد المشتكى بها (…) وكذا رقم بطاقتها الوطنية وتضمنت خطأ بخصوص اسم (…) واسم أمه ومسقط رأسه وبذلك فأسماء المشتكى بهما مخالف للأسماء الواردة في الشكاية المباشرة  ”ورتبت على ذلك عدم قبول الشكاية المباشرة مع أن البيانات المتطلبة في الفصل 347 المستدل به من طرف المحكمة إنما تتعلق ببيانات الأحكام وليس الشكاية المباشرة وأنه لا يوجد في قانون المسطرة الجنائية ولا قانون الصحافة ما يوجب ذكر بيانات خاصة بالإضافة إلى البيانات الضرورية للتعرف على هوية الأطراف والتي أوردها الطاعن فعلا ضمن شكايته المباشرة . والمحكمة عندما ذهبت على النحو المذكور يكون قرارها فاسد التعليل مما يتعين معه نقض القرار ”.

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});


2- جزاء تخلف الشروط الواجب توافرها في الاستدعاء المنصوص عليه في الفصل 72
تجب الإشارة إلى أن محكمة النقض قد كرست مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لضمانات حقوق الدفاع المقررة قانونا لفائدة المتهمين في جرائم الصحافة من خلال تأكيدها على جواز قبول الدفع ببطلان الاستدعاء أمام المحكمة بعد الجلسة الأولى وقبل بدء مناقشة القضية ما دام لا ينطوي على أي خرق لمقتضيات المسطرة الجنائية، وهو ما يتجلى من خلال حيثيات أحد قراراتها التي ورد فيه ما يلي:
”لما كان قانون الصحافة قانونا خاصا مقدما في التطبيق على القانون العام فإن عدم التقيد بما ورد بخصوص البيانات الجوهرية الواجب تضمينها في الاستدعاء يعد خرقا جوهريا يؤدي إلى البطلان، وقبول الدفع ببطلان الاستدعاء أمام المحكمة بعد الجلسة الأولى وقبل بدء مناقشة القضية ليس فيه أي خرق لمقتضيات المسطرة الجنائية “.
وغني عن البيان أن عدم احترام الشروط والبيانات الواردة في الفصل 72 يترتب عنه لزوما بطلان الاستدعاء، وبالتبعية بطلان المتابعة سواء أقيمت الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو من قبل الطرف المدني وهذا ما أكدته محكمة النقض من خلال أحد قراراتها كما يلي:
” … لكن، حيث من جهة فإن مقتضيات الفصلين 72 و 73 من قانون الصحافة قبل تعديلهما بظهير 03/10/2002 صريحة في أن دعوى القذف سواء أقامتها النيابة العامة أو الطرف المدني يجب أن تبلغ إلى المتهم عن طريق استدعاء يتضمن التهمة الموجهة وتحديد صفتها والنص القانوني الواجب التطبيق وذلك ليتمكن هذا الأخير من عرض الوقائع موضوع المتابعة أمام المحكمة والإدلاء بالحجة التي تبثث حقيقتها وأن خلو الاستدعاء من البيانات المذكورة يترتب عنها جزاء بطلانه.”
وإذا كان الفصل 72 من القانون المذكور قبل تعديله ينص على أنه  ”يتضمن طلب الحضور التهمة الموجهة وتحديد صفتها … الخ فإن المقصود بطلب الحضور هو الاستدعاء وليس طلب الإدعاء كما ورد في الوسيلة…”
وإذا كان الفصل 72 من القانون المذكور قبل تعديله ينص على أنه ” يتضمن طلب الحضور التهمة الموجهة وتحديد صفتها … الخ ” فإن المقصود بطلب الحضور هو الاستدعاء وليس طلب الإدعاء كما ورد في الوسيلة… ومن جهة أخرى ولما كانت المتابعة تؤسس لقبولها على الاستدعاء المتضمن للبيانات الواجبة تحت طائلة البطلان فإن بطلان هذا الاستدعاء يؤدي حتما إلى بطلان المتابعة وتبعا لذلك فإن محكمة الدرجة الثانية عندما قضت ببطلان المتابعة بعدما تأكد لها أن الاستدعاء لم يكن متوفرا على البيانات المشار إليها تكون قد طبقت مقتضيات الفصلين المحتج بهما تطبيقا سليما فجاء قرارها معللا ومؤسسا والوسيلة على غير أساس”.
3- توجيه الاستدعاء من طرف رئيس كتابة الضبط يترتب عنه عدم قبول الشكاية المباشرة
يثار النقاش حول الجهة التي تسهر على تبليغ الاستدعاء الوارد في الفصل 72 إلى المتهم، هل هي جهة النيابة العامة أم جهة رئيس مصلحة كتابة الضبط، وما أثر ذلك أيضا على مآل المتابعة برمتها؟
يجيبنا العمل القضائي من خلال أحد القرارات مؤكدا ما يلي:
” … وحيث إنه بعد عرض القضية على أنظار المحكمة الابتدائية أصدرت الحكم المشار إلى ديباجته بهذا القرار…والمطعون فيه بالاستئناف من طرف دفاع المشتكي بالمطالب بالحق المدني ودفاع المتهم وقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف مع تخفيض مبلغ الغرامة المحكوم بها في حق المشتكى به إلى (10.000 درهم) نافدة مع الصائر وفي الدعوى المدنية التابعة برفع مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا إلى مبلغ 200.000,00 درهم، وإقراره في الباقي وتحميل المشتكى به الصائر، وهو القرار الذي تم نقضه من طرف المجلس الأعلى بعلة أن المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية تفرق بين إقامة الدعوى العمومية ومباشرتها إذ تشير إلى أن الدعوى العمومية يقيمها ويمارسها قضاة النيابة العامة بينما الموظفون المكلفون بذلك قانونا والطرف المدني يقيمونها فقط طبقا للشروط المحددة في القانون، وبذلك يكون القرار عن الدفع المتعلق بتوجيه الاستدعاء من طرف رئيس كتابة الضبط وليس من طرف السيد وكيل الملك جوابا ناشرا وتحريفا للنصوص القانونية المشار إليها أعلاه مما يستوجب نقضه.
وحيث إن محكمة النقض إذا بتت في نقطة قانونية وجب على محكمة الإحالة أن تتقيد بالنقطة التي بتت فيها.
وحيث إن الشكاية المباشرة قدمت من طرف دفاع الطرف المدني ضد المتهم في إطار الفصول 38، و42، و44، و47، و48، و67 من قانون الصحافة، والفصول 442، 443، و444 من القانون الجنائي.
وحيث إنه خلال جريان المسطرة أمام المحكمة الإبتدائية تم توجيه الاستدعاء للمتهم من طرف رئيس كتابة الضبط وليس من طرف النيابة العامة.
وحيث إنه كان من الأجدر أن توجه الاستدعاء من طرف النيابة العامة بصفتها الممارسة للدعوى العمومية، أما الطرف المدني فله حق إقامتها وفقا للشروط المحددة قانونا لذلك (الفصل 36) من قانون المسطرة الجنائية.
وحيث إن الفصل 72 من قانون الصحافة رتب جزاء البطلان للاستدعاء الغير المحترم للشروط المحددة فيه.
وحيث إن ما بني على باطل فهو باطل. وحيث إنه تبعا لذلك يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به، والحكم تصديا بعدم قبول الشكاية المباشرة “.
وتأكيدا لنفس المنحى، شددت محكمة النقض في حيثيات أحد قراراتها على ضرورة احترام حقوق الدفاع المكفولة قانونا تحت طائلة ترتيب جزاء بطلان الإجراءات الخارقة للقانون من خلال اشتراطها لما يلي:  ”لصحة المتابعة في القضايا المتعلقة بالصحافة يلزم احترام الشكليات القانونية الخاصة بتحريك الدعوى حسب مقتضيات الفصل 72 من قانون الصحافة، والتي تقضي بأن الدعوى العمومية تحرك باستدعاء تبلغه النيابة العامة أو الطرف المدني قبل تاريخ الجلسة بخمسة عشر يوما على الأقل، على أن يتضمن البيانات القانونية وإلا ترتب على ذلك بطلانه بشكل إلزامي “.
4- مدى تقيد محكمة الموضوع بالمتابعة المسطرة من طرف وكيل الملك أو تلك الواردة بالشكاية المباشرة
لما تضع محكمة الموضوع يدها على القضية بناء على متابعة من طرف النيابة العامة، فإنها لا تكون ملزمة بالجنح موضوع الدعوى العمومية التي تم تحريكها المسطرة في صك المتابعة، على اعتبار أن المحكمة لها حق تكييف الوقائع المعروضة عليها التكييف السليم ولا تتقيد بما تحيله عليها النيابة العامة من متابعات، بل تطبق عليها النص القانوني الواجب التطبيق والنموذج القانوني المطابق لتلك الوقائع.
وقد أكدت محكمة النقض هذا التوجه من خلال أحد قراراتها معتبرة أن محكمة الاستئناف لما أعادت التكييف وخلصت إلى أن وقائع القضية تنطبق عليها العناصر التكوينية لجنحة نشر وإذاعة بواسطة الخطب في أماكن عمومية تخـل بالنظام العام وتثير الفـزع بين الناس طبقا للفصلين 38 و 42 من قانون الصحافـة والنشر الصادر بتنفيذه ظهير 15/11/1958 وقضت بمؤاخذة الظنين من أجل ذلك، لم تبرز معه العناصر الواقعية والقانونية للجنحة التي أدانت بها العارض وفق ما يقتضيه الفصلان 38 و42 من قانون الصحافة بما في ذلك بيان الادعاءات التي نسبت إلى الظنين نشرها وسوء نيته في القيام بهذا الفعل وما نتج عنه من إخلال بالنظام العام وما أثاره من فزع بين الناس، الأمر الذي جاء معه قرارها قاصر التعليل المنزل منزلة انعدامه ومعرضا للنقض والإبطال.
ومن جهة أخرى، فإن محكمة الموضوع لها نفس الصلاحية في إعادة التكييف ولو تعلق الأمر بشكاية مباشرة بشأن جريمة من جرائم الصحافة حسب ما كرسته محكمة النقض في أحد قراراتها التي اعتبرت بمقتضاه أن  ”إعادة تكييف المحكمة للأفعال المنسوبة للطاعن واعتباره مشاركا لا فاعلا أصليا رغم أن الشكاية المباشرة لم تنص على ذلك، ليس فيه أي مساس بمبدأ الحياد، ما دام أنها لم تشدد من وضعية الطاعن ولم تضف أية أفعال أو وقائع أخرى لم تتضمنها الشكاية المباشرة، وبذلك فالقرار المطعون فيه لم يخرق أي مقتضى قانوني والوسيلة على غير أساس “.
5- متابعة المشارك في جرائم الصحافة أو إدانته غير مشروطة بمتابعة الفاعل الأصلي
من بين أهم الخصوصيات المشاركة في جرائم الصحافة لا تخضع للمقتضيات العامة المنظمة لصور المشاركة المنصوص عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي، وإنما تطبق عليها المادة 68 من قانون الصحافة التي لا تشترط متابعة الفاعل حتى يتسنى معاقبة المشارك.
وقد كرست محكمة النقض هذا المقتضى في أحد قرارتها لما اعتبرت أن متابعة المشارك في الفعل الجرمي أو إدانته غير مشروطة بمتابعة الفاعل الأصلي، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قضت بإدانة الطاعن من أجل جنحة المشاركة في القذف ونشر خبر زائف إنما طبقت مقتضيات المادة 68 من قانون الصحافة التي تعتبر كاتب المقال مشاركا وليس فاعلا أصليا، وأن هذه المادة لا تشترط متابعة الفاعل الأصلي لمتابعة المشارك.
نورد في هذا السياق طلب النقض المرفوع من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بخريبكة بمقتضى تصريح أفضى به بتاريخ 28/03/2012 لدى كتابة الضبط بالمحكمة المذكورة الرامي إلى نقض القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية لدى نفس المحكمة في القضية عدد: 1630/2011 وتاريخ 20/03/2012 والقاضي بإلغاء الحكم الابتدائي المحكوم بمقتضاه على المطلوب (م.ع) من أجل القذف بغرامة نافذة قدرها 300 درهم والتصريح بعدم الاختصاص وبإحالة القضية على من له حق النظر.


(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

المحــور الثانــي: المعايير القضائية لاستخلاص عناصر جنحـة القـذف
تتجلى فلسفة المشرع في تجريمه للقذف في ضمان الحماية الأدبية للأشخاص ( الشرف والاعتبار)، إذ أن حرية الصحافة مقيدة بعدم المساس بالحياة الخاصة للأفراد واشترط لقيام تلك الجريمة ضرورة توافر مجموعة من العناصر المنصوص عليها في الفصلين 44 و 50 من ظهير الصحافة 15/11/1958 وهي كالتالي:
1. ادعاء أو إسناد واقعة
2. أن يمس القذف الشرف أو الاعتبار 
3. أن يتم القذف بشكل علني  
4. ســـــوء النيــــــة
انطلاقا من هذه العناصر يتبين أن جريمة القذف تستلزم توافر الأركان التالية:
– الركن المادي المتمثل في إتيان الشخص لفعل إجرامي معاقب عليه قانونا. 
– الركن المعنوي الذي يتجسد في القصد الجنائي.
أولا: الركن المادي لجريمة القذف
يتحقق الركن المادي في جريمة القذف بإدعاء أو إسناد واقعة تمثل اعتداءا على شرف أو اعتبار شخص أو هيئة معينة علنا، وعليه فقيام جريمة القذف يشترط تحقق ثلاثة عناصر :
– نشاط إجرامي ويتمثل في فعل الإدعاء أو الإسناد. 
– موضوع ينصب عليه هذا الإدعاء أو الإسناد ويتمثل في الواقعة المسيئة المنسوبة للشخص أو الهيئة.  
– العلانية.
1- نشاط إجرامي يتمثل في فعل الادعاء أو الإسناد
يختلف مصطلح الإدعاء عن مصطلح ا الإسناد من حيث المعنى، بدليل أن الإدعاء يقصد به الرواية عن الغير أو ترويج أقوال تحتمل الصدق والكذب، أما الإسناد فينصرف إلى إسناد أمر أو واقعة إلى شخص معين على وجه اليقين والتعيين.
وبالرغم من اختلاف المعنى بين المصطلحين أعلاه، فإن المشرع المغربي جعل الجزاء واحدا وحد الجزاء في هذه الجريمة سواء تم القذف عن طريق الادعاء أو الإسناد، مما يؤكد أن القاذف لا يمكنه أن يكون في حل من المسؤولية الجنائية أيا كانت الصيغة المستعملة تشكيكا أو يقينا، وسواء تم القدف عن طريق النشر أو المراسلة المكشوفة أو بالطرق الإلكترونية، اللهم إذا تعلق الأمر بمجرد انتقاد شخص دون توجيه اتهام له بما يشينه.
وفي هذا السياق أكدت محكمة النقض في أحد قراراتها أن: ” القذف لا يتحقق إلا بنسبة أمر واقعة معينة إلى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد، أما مجرد انتقاد شخص دون توجيه اتهام له بما يشينه فلا يعتبر قذفا، إذ هو مجرد ممارسة لحرية التعبير”.
2- موضوع الادعاء أو الإسناد
ويمثل في الواقعة المحددة التي يدعيها أو يسندها القاذف إلى الشخص المقذوف. وتعيين الواقعة الماسة بالشرف أو الاعتبار هو العنصر الجوهري الذي يميز موضوع الإسناد في جريمة القذف عن موضوع الإسناد في جريمة السب التي تتحقق بدون تحديد واقعة معينة.
وبذلك يكون المشرع قد ربط بين الواقعة المسندة إلى الشخص، وبين المساس بشرفه أو اعتباره. أو بعبارة أخرى، فإن القذف يتحقق بالمساس بشرف أو حرمة الشخص أو الهيئة المسندة إليها الواقعة().
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن الفرق بين مصطلحي الشرف والاعتبار؟
إن المساس بالشرف يهم الشخص في ذاته أو في كرامته واستقامته. أما المساس بالاعتبار فهو يتعلق التقدير والمكانة التي يحظى بها الشخص داخل المجتمع.
وفي هذا الإطار فقد ميز العمل القضائي بين هذين المفهومين معتبرا أن ” أن قوانين المهنة الإعلامية وضوابطها تنبني على الموضوعية والحياد الايجابي بعيدا عن القذف والإهانة والمس بالحياة الخاصة للأفراد “.
وجدير الذكر أن محكمة النقض اعتبرت أن المسؤولية الجنائية عن القدف تتحقق حتى وإن كان القدف والسب قد نقل عن جريدة أخرى حسب الثابت من حيثيات أحد قراراتها كالتالي:
” المحكمة لما قضت على الجريدة بأدائها تعويضا مدنيا لفائدة المطلوبة من جراء ما لحقها من ضرر، تكون قد اعتبرت الضرر لحق بها من جراء ما تضمنته الجريدة من سب وقذف وجه صراحة وعلنا للمطلوبة وتناولت تحقيرا جليا وإنقاصا من كرامتها ومكانتها كمؤسسة سياحية وأساءت إلى سمعتها وكرامتها دون الإدلاء بأي وسيلة إثبات في الموضوع، مما يجعل مسؤولية الجريدة قائمة حتى وإن كان القذف والسب المذكور قد نقل عن جريدة ما فإن ذلك لا يمنع من قيام المسؤولية في ذلك النقل “.
3- العلانيـة:
لم يعرف المشرع المغربي مفهوم العلانية في ظهير 15 نونبر 1958 إلا أن الأمثلة الواردة بالفصل 38 من نفس الظهير توحي صراحة بأن العلانية تنتج أثرها إذا تم الفعل بالأماكن أو الاجتماعات العمومية، سواء عن طريق القول أو بواسطة الكتابة والتخطيط.(). وهذا مفاده أنه كي يقوم عنصر العلانية يستلزم أن يتصل علم الجمهور بما يعبر عنه القاذف. وهذا ما أكده العمل القضائي في أحد القرارات التي ورد فيها ما يلي: ” أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام تفرض التحري والدقة في صحة الخبر قبل إذاعته لاسيما عندما يتعلق الأمر بالنظام العام وإما من شأنه إثارة الفزع بين الناس اعتبارا لطبيعة وسيلة النشر والتي تجعل الخبر خارجا عن سيطرة مذيعه وملكا للجمهور والمشاهد “.
كما أن محكمة النقض المغربية اعتبرت في أحد القرارات أن: ” العبارات المهينة وغير اللائقة الصادرة في حق بعض الموظفين العموميين وكذا بعض الهيئات المنظمة والمنشورة عبر المقال الصحفي المومأ إليه أعلاه وكذا على صفحات الأنترنيت باعتبارهما وسيلتي نشر عمومية لا يمكن أن تكيف قانونا إلا باعتبارها قذفا…” .
ثانيا: الركن المعنوي لجريمة القذف.
يتخذ الركن المعنوي في جريمة القذف صورة القصد الجنائي الخاص الذي يقوم متى توفر للجاني العلم بأن الإدعاء أو الإسناد الذي ينسبه للشخص المقذوف ينطوي على المساس بالشرف والاعتبار .
ويستخلص القصد الجنائي الخاص من خلال توفر المتهم على روح الانتقام وإرادته الممنهجة في تلويت سمعة الشخص والمساس بمكانته داخل المجتمع من خلال العبارات المستعملة من طرف القاذف في حق الشخص المقذوف حسبما أكده العمل القضائي كما يلي:
“… حيث يستفاد من أجوبة الظنين أمام المحكمة أن هدفه من نشر المقالين هو فضح واقعة ترامي المشتكي على الملك العمومي لكونه يستغل حصانته البرلمانية وأن هذه الحصانة هي التي تحتل الملك العمومي وأن والده رجل كبير في السن ولا يمكن لإنسان عادي أن يقوم بهذا الترامي.
وبما أن الظنين ومن خلال أجوبته في سائر مراحل البحث يؤكد ترامي المشتكي، ولا يقول إنه متهم بالترامي بمعنى أنه أصدر حكما باتا على واقعة الترامي حصلت من «خ» وعائلته، مع أن هذه الجنحة حدد لها المشرع في الفصل 570 من القانون الجنائي شروطا دقيقة لحفظ الأمن العمومي بصفة فورية، وإلا انتقل الأمر إلى منازعة مدنية، وتكليف كل طرف بمستنداته وحججه، وهو الأمر الذي لم يستحضره الظنين عند كتابة المقال ولم يتحرى فيه.
وحيث أدلى المشتكي بشهادة إدارية صادرة عن رئيس جماعة (…) تفيد أنه لا يملك ولا يستغل أي عقار بتراب الجماعة منذ سنة 2000، كما أدلى بشهادة إدارية صادرة عن قائد المنطقة تفيد بنفس الشيئ، وبالتالي فالتساؤل هو أين النفوذ الترابي للمشتكي الذي ضم له ما ترامى عليه حسب الظنين.
وبما أن الترامي هو فعل شخصي ومادي ولا يتصور فه فاعل مادي وفعال معنوي، والحجة أو المرجعية التي يعتمدها الصحفي حسب الفصل 49 من قانون الصحافة هي تلك الحجة القبلية أي ضرورة تواجدها قبل الكتابة فضلا عن كون حضور الإبن في نزاع يخص والده لإيجاد حل حبي لا ينهض حجة على ارتكاب الفعل أو الضلوع فيه، وإلا لأصبح كل من يتفاوض ولو في إطار الوكالة صحيحة عن مدعى علي أو مجرم، وهو أمر غير مستساغ فضلا عن كون أية متابعة حسب رسالة رئيس الجماعة ستكون في مواجهة الوالد و ليس الإبن.
وبما أن الظنين كشف عن صفة المشتكي واسمه كبرلماني يستغل نفوذه على الأفعال المنسوبة إليه، وفي ذلك جلب الاحتقار ومس بالاعتبار وتشويه السمعة ”


(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});

ومن جهة أخرى فإن استخلاص محاكم الموضوع للعناصر التكوينية لجنحة القذف من الوقائع المعروضة عليها يدخل ضمن سلطتها التقديرية دون رقابة عليها من طرف محكمة النقض حسبما كرسته هذه الأخيرة في أحد قراراتها كما يلي:
” حيث إن محكمة الاستئناف لما أيدت الحكم الابتدائي استندت إلى كون الطاعن عقب بمقال بجريدة (….) على مقال سبق للمشتكية أن نشرته بنفس الجريدة ، واستظهر في مستهله بآية قرآنية كريمة تقول << يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة وتصبحوا على ما فعلتم نادمين >> وأضاف بأن ما نشر بجريدة (…) في حقه لا يصدر إلا عن حاسد وحاقد أو مريض لا هم له سوى التخريب والتشويش وممارسته الإرهاب الإعلامي، وهو ما اعتبرته المحكمة قذفا وسبا في حق المشتكية على اعتبار أن الطاعن وصفها بالفسق والإرهاب وبالحسد والمرض . والمحكمة لما قيمت الوقائع المعروضة عليها وكيفتها التكييف القانوني الملائم في إطار سلطتها في تقدير الوقائع المعروضة عليها ، تكون قد بينت الوقائع التي كونت منها قناعتها وأبرزت كافة العناصر التكوينية لجنحتي القذف والسب، فجاء قرارها معللا بما فيه الكفاية والوسيلة على غير أساس.
وتجدر الإشارة إلى أن سوء النية في جريمة القذف هو قرينة نسبية وبسيطة تنتفي في حالة ثبوت الباعث المشروع لدى القاذف أو تقيد هذا الأخير بحق النقد وحرية التعبير. وهذا ما أكده العمل القضائي الذي اعتبر أن: ” الوقائع الواردة في المقالين المشار إليهما تمت في إطار شروط حق النقد وحرية التعبير دون المساس بشخص المطالب بالحق المدني”.
غير أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق يتعلق بمدى جواز التحلل من المسؤولية الجنائية استنادا للدفع بالأمية؟
تجيبنا محكمة النقض من خلال أحد قراراتها معتبرة أن ” حيث إن تنصيصات القرار المطعون فيه بكون الطاعنة اعترفت بنشر وقائع جنحة القذف بجريدة … بتاريخ … استخلصته المحكمة من تصريحها المضمن من محضر استماعها لدى الضابطة القضائية عدد … بتاريخ ….. بكونها هي التي قامت بنشر المقالات المرتبطة بالموضوع بجريدتي … و … بمساعدة جمعية … لمحاربة العنف ضد المرأة وأنها لا زالت مصرة على النشر والكتابة في جميع وسائل الإعلام. وأكدت أمام محكمة الاستئناف بتاريخ 27/09/2010 بأنها اتصلت فعلا بالجريدة المذكورة، ويتجلى من المقال المنشور ب … ليومي … و …، المدلى بنسخة منه بالملف، تحت عنوان ” … ” يتبين بأنه يتكلم بلسانها. وبذلك فالمحكمة ثبت لها من الاعتراف والمقال المذكورين أنها هي المسؤولة عن نشر وقائع جنحة القذف التي أدينت من أجلها. وأن ادعاء الأمية لا يعفيها من المسؤولية عن النشر ما دام أن تلك الوقائع جاءت على لسانها وتحت مسؤوليتها. كما لم يثبت للمحكمة، من وثائق الملف، أن جمعية … لمحاربة العنف ضد النساء هي التي قامت بنشر المقال المذكور. والقرار المطعون فيه معلل بما فيه الكفاية والوسيلة على غير أساس”.
ثـالثـا : الجـــزاء القـانـونـي
إن ضمان الحماية القانونية للأشخاص سواء الطبيعية منها أو المعنوية أو الهيئات العامة استلزم من المشرع التنصيص على عقاب كل من ادعى أو نسب واقعة إلى شخص أو هيئة معينة ، وجبر الضرر عما يلحق بهم جراء المساس باعتبارهم وشرفهم، إلا أن الجزاء يختلف باختلاف صفة الأشخاص التي يعنيها القذف حسب صراحة المقتضيات الواردة في الفصل 45 وما يليه من قانون الصحافة.
خـاتـمــة :
صحيح أن القضاء المغربي قد كرس عدة مبادئ للموازنة بين حرية الصحافة، وبين الحريات الأدبية للأشخاص، وصحيح أيضا أن الدستور المغربي لسنة 2011 قد نص على مجموعة من الضمانات التي تكفل حرية الصحافة، إلا أننا نأمل أن يخرج مشروع قانون الصحافة إلى حيز الوجود في القريب العاجل خاليا من أية عقوبات سالبة للحرية، ومنظما لمهنة الصحافة ومفهوم الخطأ المهني بشكل دقيق، ومتضمنا لضمانات مسطرية تستجيب للمبادئ المنصوص عليها ضمن المواثيق الدولية حتى تتبوأ حرية الصحافة المكانة اللائقة بها على الصعيدين الوطني والدولي باعتبارها من جهة أولى- حسب الجمعية العامة للأمم المتحدة- شرطا مسبقا لجميع الحريات الأخرى وأساس نبض الحياة داخل المجتمعات، ومن جهة ثانية – وحسب رأي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان – معيارا للتعددية والتسامح وروح التفتح في المجتمعات الديمقراطية ، ومن جهة ثالثة – مؤشرا لقياس مدى توسع هامش الحرية أو التضييق عليه، وحتى يستعيد المغرب رتبته التي فقدها دوليا حسب تقرير منظمة فريودوم هاوس.
زر الذهاب إلى الأعلى