تفشي ظاهرة شراء البحوث الجامعية في المغرب

تفشي ظاهرة شراء البحوث الجامعية في المغرب

”في 2014 و2015 و2016 أنجزت ثلاثة بحوث تخرج لنيل شهادة الإجازة لصالح ثلاثة طلبة مغاربة في تخصص علم الاجتماع”، يقول مغربي عشريني اشتغل، سابقا، في مجال بيع البحوث الجامعية.

المعني بالأمر أضاف، في تصريح لـ ‘أصوات مغاربية’، أنه تقاضى 2000 درهم (200 دولار) مقابل كل واحد من البحوث المذكورة، التي تطلَّب إعدادها جميعا 9 أيام فقط، مبينا أن حاجته إلى المال ووقت فراغه الكبير هو ما دفعه إلى القيام بذلك، إذ أنه عندما بدأ يمارس عملا يوفر له دخلا شهريا قارا توقف عن القيام بذلك، حسب ما صرح به.
وفي بداية العام الجاري، نشرت صفحات على فيسبوك إعلانات تفيد أنها تبيع بحوثا جامعية جاهزة، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 600 و1600 درهم، وهو الأمر الذي دفع عمداء كليات بالمغرب إلى وضع شكايات لدى المديرية العامة للأمن الوطني، فضلا عن فتح الشرطة القضائية، حينها، لتحقيق حول الموضوع.
الرامي: المسؤولية مشتركة
يرى الأستاذ الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالمغرب، عبد الوهاب الرامي، أن هناك إيمانا بعدم جدوائية البحث العلمي في بلدان العالم الثالث بما فيها المغرب، بحيث يكون الهدف منه، حسبه، هو الحصول على الشهادة بالنسبة للطالب، والترقية على مستوى الجامعة بالنسبة للأستاذ، وهو ما يؤدي وفق الرامي إلى ارتباط البحث العلمي بـ ‘التكسب’.
“في إحدى المرات ضبطت بحث تخرج لنيل شهادة الإجازة في الإعلام والاتصال مسروقا بالكامل من ألفه إلى يائه”، يضيف الرامي في تصريح لـ ‘أصوات مغاربية’، مبينا أن الطالبة التي قدَّمت إليه البحث سرقته بالكامل من الجزائر، إذ لم تغير، حسبه، حتى الإهداء والشكر الخاصين به، وهو الفعل الذي وصفه الرامي بالخطأ الجسيم والشنيع، وقال إنها تستحق عليه الفصل النهائي من الدراسة، ولكن المجلس التأديبي للمؤسسة الجامعية التي كانت تدرس بها الطالبة اختار إعادة السنة الجامعية عقابا لها.
وفيما يخص مسؤولية انتشار هذه الظاهرة، فإن الرامي، يلقيها على الطلبة والأساتذة والوزارة الوصية على القطاع، بحيث يقول إنه يجب على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تضع تصورا خاصا بهذا النوع من السرقات، كما يجب، حسبه، أن يوضع قانون خاص بمعاقبة الطلبة الذين يضبط في حقهم هذا النوع من السرقات.
“يجب على الأستاذ الذي يلقن الطلبة مادة منهجية البحث العلمي أن يقوم بتحسيسهم على هذا المستوى ويوقظ ضمائرهم، لكي لا يقوموا بسرقات أدبية، فضلا عن وجوب تنبيهه لهم إلى عواقب هذه السرقات”، يصرح الرامي، مردفا أنه يجب أن توزع على الطلبة أرضية، مقررة مسبقا، خاصة بالمسطرة التي ستطبق في حالة ضبط هذه الممارسات.
كما يكشف الرامي أن هناك، كذلك، أساتذة جامعيين مغاربة يقومون بسرقات أدبية خاصة على مستوى الدراسات التي ينشرونها، ولكنه يبين، في المقابل، أن هناك أساتذة جامعيين مغاربة آخرين يصفهم بالنزهاء والطاقات الخلاقة، “التي لا يمكن إلا تقديرها نظرا لنزاهتها”.
الخلفاوي: مجرمون
من جهته، يفيد مدير المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي المغربية، محمد الخلفاوي، أن السرقة العلمية ظاهرة ليست وليدة اليوم وموجودة على المستوى العالمي، مبرزا أنه يمكن الإقرار بوجود حالات منها على المستوى الوطني، لكنه ينفي، في المقابل، إمكانية وجود أساتذة جامعيين يسرقون أعمال زملائهم، بحيث يقول موضحا “في الحالات التي يتم فيها الحديث عن هذه الممارسات لدَى الأساتذة الجامعيين المغاربة، يكون الأمر متعلقا بسوء تفاهم لا غير”.
“في مجال العلوم الدقيقة، لا يمكن للطلبة المغاربة الذين يعدون بحوثا لنيل شهادة الدكتوراه أن يقوموا بسرقة هذه الأخيرة، لأن كل طالب منهم لا يناقش أطروحته إلا بعد أن ينشر، على الأقل، مقالين في مجلة محكمة معروفة. وإذا لم يقم بذلك، فإنه لا يسمح له بمناقشة أطروحته لنيل الشهادة”، يوضح الخلفاوي لـ ‘أصوات مغاربية’، مبينا أن المجلات المحكمة لا تنشر مقالا إلا بعد أن تتأكد من كونه يحترم ميثاق عدم انتحال البحوث، المصطلح عليه بـ’الأُونْتِي بْلَاجْيَا’، وبعد أن تطلع عليه لجنة علمية خاصة بالكتابة.
وفي السياق نفسه، يبين المتحدث أن جميع الطلبة المغاربة الذين يدرسون في سلك الدكتوراه يوقعون على ‘ميثاق عدم انتحال البحوث’، كما أن البحث يناقشه في الأخير خمسة أساتذة باحثين، “وهو ما يصعب عملية السرقة الأدبية من قبل الطلبة”، دون أن يستبعد إمكانية حدوثها ولكن بنسبة قليلة، خاصة مع ظهور خدمات شبكة الإنترنت.
ويعتبر الخلفاوي أن بحوث سلكي الإجازة والماستر لا تعد بحوثا؛ بحيث يفيد أنه في سلك الإجازة يطلب من الطالب المغربي القيام فقط ببحث صغير يلخص فيه بعض الكتب والتجارب، وهو الأمر الذي لا يبذل فيه مجهودا، حسب المصدر ذاته، الذي يزيد أن الطالب المغربي في سلك الماستر يتم تجهيزه وتأهيله للقيام ببحث، مبينا أنه ليس عيبا أن يقتبس الطلبة في مجال العلوم الإنسانية أجزاء من بحوث منجزة في أوقات سابقة ويدرجونها في بحوثهم، “شريطة ألا ينسبوها إلى أنفسهم”.
وفي ما يخص الجهود المبذولة من قبل الوزارة الوصية على القطاع للحد من هذه الظاهرة، يقول الخلفاوي “في المجلس الإداري للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط، الذي عقد بتاريخ 1 نونبر 2017 وترأسه كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أُوصِيَ بشراء برمجية خاصة بالأونتي بلاجيا، ستوضع رهن إشارة الجامعات المغربية وجميع مراكز البحث التي تشرف على تقديم الأطروحات، بحيث أن أي بحث سيكتشف أن فيه أكثر من 30 في المائة مقتبسة من أعمال سابقة سترفض مناقشته”.
وفي المقابل، يعتبر المتحدث أن برمجية ‘الأونتي بلاجيا’ لن تحد لوحدها من هذه الظاهرة، بحيث أن ما سيحل المشكل، حسبه، هو أن يعرف الطالب أنه لا يمكنه أن يبني مساره العلمي على عمل ليس هو من أنجزه، مضيفا أنه يجب أن يتابع كل من ضبطت في حقه هذه الممارسات قضائيا.
وبالنسبة للأشخاص المغاربة الذين يقومون ببيع بحوث تخرج جامعية جاهزة، يقول المتحدث “من يعد تلك البحوث مجرم ومن يشتريها أيضا مجرم”.
ويعد البحث العلمي معيارا أساسيا لدى التقارير والتصنيفات والمؤشرات الدولية الخاصة بترتيب الجامعات حول العالم، وهو الجانب الذي تحتل فيه الجامعات المغربية مراتب متأخرة باستمرار.
المصدر: أصوات مغاربية
زر الذهاب إلى الأعلى