الحكومة المغربية إلى أين؟

اعتبرت حكومة 2021 الحكومة 33 منذ 1955 يرأسها السيد عزيز أخنوش. أعضاؤها 24 وزيرا، منهم 7 نساء، إضافة إلى رئيس الحكومة. وقد تشكلت من ثلاثة أحزاب: التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال. وقد تم تعيينها من قبل جلالة الملك. وتقدمت أمام البرلمان ببرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والخارجي، ونوقش في كلا المجلسين، مع تصويت لمجلس النواب. وبذلك تمت عملية التنصيب.

لقد مرت سنة على عمل الحكومة، والكل يتساءل معها عن الحصيلة السنوية: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وغيرها. وطبعا سيختلف الناس في التقويم لأن العمل الحكومي تدافع بين وعود الأحزاب المشاركة في الحكومة، ومدى الالتزام بمضامين البرنامج الحكومي وهو دفتر التحملات الملتزمة به أمام الجميع، والمعارضة التي تشكل واجهة مهمة لمراقبة الفعل الحكومي، وهذا ما يقتضيه التداول السياسي. إضافة إلى التتبع المدني والأكاديمي لعمل الحكومة.

إن المتتبع للعمل الحكومي يصعب عليه القيام بتقويم موضوعي لحصيلتها. والعلة في ذلك أنها قليلة التواصل مع البرلمان والمجتمع المدني والناس أجمعين. فلماذا هذا الإحجام؟ سؤال لم نجد له جوابا، وتبقى اللقاءات المحتشمة للناطق الرسمي غير كافية ولا تشفي الغليل. مع العلم أن التواصل السياسي هو القيمة الأساسية للفاعل السياسي والحكومي. بل هو واجب من واجبات الحكومة بكل أعضائها.

إن ما يحدث اليوم في المغرب من تراجعات تفسر من قبل الحكومة بأسباب متعددة نحو: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والمتغيرات المناخية، وتداعيات كوفيد-19. رغم ذلك لم يقتنع المغاربة بهذه التعليلات لماذا؟ لأن الحكومة أولا لا تتواصل من أجل شرح ما وقع بالأدلة القاطعة، والأرقام، والتحليل السياسي الراقي، وغير ذلك، لأن الحكومة تعرض ذلك كنشرة أخبار يستمع لها الجميع وربما نشرات الأخبار قد تفتح نقاشا مع خبراء يستفاد منه أحيان، لكن الحكومة التي تدبر الشأن العام صامتة إلا قليلا. ثانيا تفتقر إلى الجرأة القوية من أجل عرض حلول لما وقع، وتقديم التبرير الموضوعي فيما عجزت فيه. أحسن ما قرأت في هذا الباب هو في بعض الدول الديمقراطية فرضت ضريبة على الأرباح التي تجاوزت المألوف خلال فترة جائحة كورونا، ولم يحتج أصحاب الشركات لأن هذا من مقتضيات المواطنة حيث التلازم بين الحق والواجب.

يبدو لي أن حكومة اليوم حسب تصريحاتها منسجمة انسجاما كبيرا، ولا تتكون إلا من 3 أحزاب، كل هذا في تقديري يفرض تواصلا مطردا وعلميا ومهنيا. ولكن للأسف عندما تتابع بعض جلسات البرلمان فإن الإنسان يتساءل عن كفاءة بعض الوزراء، مع الإشارة أن الجلسة تنقل وطنيا ودوليا، أين الخلل؟ أظن أنها حكومة كفاءات، ولا إخال الكفاءة تفتقر إلى آليات التواصل والتعبير، وهذا فن يجب أن يستوعب. هل يمكن أن نتحدث اليوم عن استراتيجية حكومية لما تبقى من عمرها إذا شاءت الأقدار ذلك؟ يبدو لي أن هناك غموضا كبيرا. هل يسمع الحديث على النموذج التنموي الجديد؟ إذا ما أحوجنا إلى تواصل علمي يقنع المواطنين بالإجابة العلمية على الأسئلة المطروحة.

هل مشروع قانون المالية 2023 يمكن اعتباره تواصلا صامتا من أجل تقديم معالجات موضوعية لقضايا مطروحة نحو: الاستثمار خاصة وأن جلالة الملك رسم البنية التحتية وخريطة الطريق فهل ستكون الحكومة في مستوى تعليمات جلالة الملك وطموحات المواطنين ووضعية المقاولات والشركات؟ إضافة إلى ندرة المياه، والمشاريع الاستراتيجية التي وردت في الخطابات الملكية. ماذا عن قانون الإطار على المستوى التعليم والتربية؟ إذا لم يرق إلى هويات المواطن المغربي فلتكن عند الحكومة الجرأة على تعديل ما يمكن تعدليه، لأننا بهذا العمل المتعثر نهدر الزمن التربوي، والخاسر الأكبر التلاميذ والطلبة والأباء والوطن ككل. لأن التعليم هو التيمة المركزية للبناء الحقيقي. ثم ماهي وضعية المدرسة العمومية في إطار حركية تبدو صائبة؟ ماذا عن الخدمات الصحية؟ وماذا عن الإصلاح الإداري؟ ماذا قدمت الحكومة من أجل التقليص من نسب التضخم وتداعياته على نمط العيش عامة؟ ماهي نسبة النمو المتوقعة في ظل هذا التقاعس؟ لقد توعدت الحكومة بتعبئة 300 مليار درهم بالنسبة للاستثمار في القطاع العام. وقد أكد المتخصصون بأنه لو تم هذا فرضا فإن العطب سيظل بارزا على مستوى نسبة التشغيل، بالمقارنة مع الاستثمار في القطاع الخاص. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مواضيع أخرى فنتساءل هل الحكومة ستكون في مستوى التوجيهات الملكية؟ إن الماء قضية الجميع، لذلك من المنطقي أن تعي الحكومة الرؤية الملكية في هذا الباب، وأهم معالمها التدبير الجيد لندرة المياه، مع استحضار النسب المستهلكة في الفلاحة، وفي هذا الإطار هل تم تقويم المخطط الأخضر وانعكاساته على الفلاحين الصغار؟ كيف نوفر التقنيات العصرية من أجل استثمار أكثر من مليون هكتار؟

من خلال هذه الإطلالة يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

لا يمكن للحكومة تجاوز التحديات المطروحة إلا بالتنسيق الجيد مع كل الأطراف، وكسب ثقة المواطنين، والعمل المطرد والتواصل الفعال مع الجميع من أجل التوضيح والتفسير والإقناع، والتوفر على الجرأة لتقديم اقتراحات عملية للمشاكل المطروحة. والأخذ بعين الاعتبار ما اقترحته المعارضة على رئيس الحكومة بعد اجتماعه الأخير بأحزاب المعارضة في البرلمان. لأن المشكل الحقيقي اليوم هو التراجع السياسي والديمقراطي الذي خيم على الساحة منذ تنصيب الحكومة الحالية. وسيظل ارتفاع الأسعار بنسبة مرتفعة قد تتجاوز النسب المعقولة وصمة عار في سجل هذه الحكومة. ورغم بعض الإنجازات المحتشمة فإن المشهد السياسي اليوم يتسم بالأعطاب والهشاشة. فهل الحكومة قادرة على الجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود؟ كيف ستضمن الاستقرار الاجتماعي؟ هل هيأت منظومة للنهوض بوضعية المرأة والأسرة؟ كيف ستعزز قدرات الاقتصاد الوطني؟ كيف نبني مغرب التقدم والكرامة؟ كيف نشرك جميع المغاربة في عملية التنمية؟ كيف نستفيد من الفرص والآفاق من أجل جلب الاستثمار وتحفيز الصادرات والنهوض بالمنتوج الوطني؟ كانت هذه مجموعة من الأسئلة مستقاة من خطاب جلالة الملك يوم 30 يوليوز 2022 بمناسبة عيد العرش. وقد صرح رئيس الحكومة في اجتماع مجلس الحكومة يوم 27أكتوبر 2022 “وتبذل أي الحكومة قصارى جهودها بفضل التوجيهات النيرة لجلالة الملك نصره الله”. فهل فعلا سيجد المواطن ضالته في حصيلتها الأولى التي صدرت في أكتوبر 2022. تحت عنوان «المغرب ..لي بغيناه كاملين”؟

#الحكومة #المغربية #إلى #أين

زر الذهاب إلى الأعلى