هكذا يعزز التعاون الأمني والاستخباراتي العلاقات بين المغرب وإسبانيا

تواصل العلاقات المغربية الإسبانية رسم مسار إيجابي متصاعد في الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد رسالة رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس، واعتراف حكومة مدريد بواقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء المغربية، مقابل تقدير الرباط لموقف المملكة الإسبانية من هذه القضية.

حركية التعاون والتنسيق بين البلدين الجارَين، في الأشهر القليلة الماضية، تعززت في معظم القطاعات وعلى جميع المستويات، مع توالي وتبادل زيارات مسؤولين مغاربة وإسبان، كان آخرُها ما شهدته الرباط يوم أمس من عقد مباحثات رفيعة بين كبار مسؤولي الشرطة والأمن في المملكتيْن.

وحل وفد أمني إسباني رفيع المستوى، يتقدمه فرانسيسكو باردو بيكيراس، المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية، في إطار زيارة عمل إلى المملكة المغربية؛ استقبله خلالها عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، مع عقد لقاء ثنائي بين الجانبين، حسب ما أفادت به مصادر أمنية لجريدة هسبريس.

الوفد ذاته ضم، على الخصوص، كلا من أوغينبو بيريرو بلانكو، المفوض العام للاستعلامات، ورفاييل بيريز، المفوض العام للشرطة القضائية، وخوان تابوردا الباراز، المفوض العام للأجانب والحدود، ومالو سانشيز، المسؤولة عن قسم التعاون الأمني الدولي، وفرانشيسكو خيسوس راميريز خارا، مستشار المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية.

وكان هذا اللقاء “فرصة للجانبين لوضع مجموعة مواضيع أمنية ذات الاهتمام المشترك على طاولة النقاش وتبادل الآراء”، خصوصا تلك المتعلقة بمكافحة التهديدات التي تشكلها جماعات الإرهاب المتطرف وشبكات الجريمة المنظمة التي تنشط بمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن سبل مواجهة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر والتهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، بالإضافة إلى تعزيز آليات وقنوات تبادل المعطيات العملياتية ذات الصلة بالشأن الأمني”.

ويعد التنسيق والتعاون المستمر في الشق الأمني بين المغرب وإسبانيا ثمرة شراكة إستراتيجية، وتجسيدا “لإرادة راسخة لمواصلة تمديد وتدعيم علاقات الشراكة والتعاون الثنائي التي تربط المصالح الأمنية بالمغرب مع نظيرتها في إسبانيا”، تهدف حسب المصدر ذاته إلى “الارتقاء بها إلى شراكة متقدمة مبنية على أسس متينة قوامها الثقة والمصداقية وخدمة المصالح المشتركة بين البلدين، بشكل يسمح بتحقيق الأمن والاستقرار ويفسح المجال أمام تقاسم التجارب والخبرات في مجال مكافحة التحديات التي تطرحها مختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية”.

مباحثات الأمنيين المغاربة والإسبان تدارست، كذلك، سبل الرفع من الشراكات المؤسساتية في مجالات حيوية؛ من قبيل “أمن المنافذ الحدودية والشرطة العلمية والتقنية، فضلا عن تدعيم برامج التكوين الشرطي في مختلف التخصصات المهنية، خصوصا في مجال تأهيل فرق النخبة الشرطية والرفع من قدراتها في تدبير التدخلات الأمنية عالية الحساسية”.

الرباط تحفظ أمن مدريد

نبيل دريوش، خبير مختص في العلاقات المغربية الإسبانية، قال إن لقاء المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية بنظيره المغربي “يعكس، أولا، الأهمية التي توليها إسبانيا للتعاون الأمني والاستخباراتي مع المغرب والذي عرف قفزات نوعية منذ الهجمات الإرهابية التي هزت مدريد في 11 مارس 2004”.

ولفت دريوش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هناك “حقيقة صارت أشبه ببديهية عند جميع الحكومات الإسبانية؛ مفادها أنه بدون تعاون مغربي يصبح الأمن القومي الإسباني مهددا”، موضحا أن هذه الزيارة تأتي “تفعيلا لخارطة الطريق بين المغرب وإسبانيا التي تتضمن 16 نقطة، بينها تكثيف التعاون الأمني بين البلدين لمحاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود”.

وخلص الخبير المغربي في الشأن الإسباني، مستنتجا ضمن تصريحه، أن “هذا التعاون هو تنزيل للمرحلة الجديدة في العلاقات المغربية الإسبانية التي يتوقع أن تشهد بناء علاقات استراتيجية بين البلدين متعددة الأبعاد؛ يظل البعد الأمني واحدا من الركائز المهمة والضرورية التي يبنى عليها هذا التعاون”.

وتابع مؤلف كتاب “الجوار الحذر، العلاقات المغربية الإسبانية من وفاة الحسن الثاني إلى تنحي خوان كارلوس” مسجلا بالقول: “لاحظنا مؤخرا الخطر الكبير الذي باتت تمثله مافيات الهجرة غير الشرعية التي هددت بشكل كبير السياج الأمني لمدينة مليلية المحتلة، مثلما أن هذا التعاون في هذه المرحلة يروم الانفتاح على مجالات أمنية جديدة لتبادل الخبرات فيها بين البلدين”، لافتا إلى أن “هذه الرغبة الإسبانية في تطوير تعاونها الأمني تدل على ان مدريد في حاجة أكبر من الرباط نفسها إلى الكفاءة الأمنية المغربية لمواجهة مخاطر الإرهاب والجريمة العابرة للحدود ومافيات الاتجار في البشر، متوقعا “تواصُل مثل هذه اللقاءات التي لم تعد تقتصر على وزراء داخلية البلدين بل امتدت إلى توثيق الصلات مع مسؤولين أمنيين كبار مغاربة”.

شريك موثوق

إحسان الحافظي، الباحث في العلوم الأمنية، سار في الاتجاه نفسه بالقول معلقا على الموضوع: “تابعنا كيف أن الإسبان ظلوا حريصين على عدم تأثر التعاون الأمني بالخلاف السياسي العابر بإدراك مسبق أن المغرب أصبح ضرورة حيوية لأمن إسبانيا أخذا بعين الاعتبار أن مدريد تنظر إلى الجوار المغربي بصفته المجال الأمني الحيوي، حيث إن المصالح الأمنية المغربية، من منظور الشراكة الأمنية الثنائية، تشكل الجدار الأول في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.

وأضاف الحافظي قائلا، في حديث مع جريدة هسبريس، إن “الشراكة الأمنية بين المغرب وإسبانيا تعتبر اليوم مدخلا لكل تقارب سياسي واقتصادي ودبلوماسي بين البلدين؛ مدللا على ذلك كون “هذه الشراكة لم تنقطع أو تتأثر حتى في مرحلة الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد”.

“مسار الشراكة بين الرباط ومدريد، ومن خلال العرض الأمني المغربي، هو عامل تقارب إستراتيجي أبان عن نجاعته في العديد من الأحداث والتحديات الأمنية الناشئة”، أكد الباحث ذاته الذي أردف بذكر “مساهمة المصالح الأمنية المغربية في تحييد الكثير من المخاطر التي كانت تستهدف أمن إسبانيا، ومَكن التعاون الاستخباراتي بين البلدين من الحد من نشاط شبكات تجنيد الإرهابيين نحو “تنظيم داعش” في بؤر التوتر وكذا تنفيذ عمليات أمنية متوازية بين المغرب وإسبانيا تهم تفكيك شبكات إرهابية بالإضافة إلى تطويق ‘مافيا’ الاتجار في البشر والهجرة غير الشرعية”.

وتوقع الحافظي أن يأخذ التعاون الأمني المغربي الإسباني “منحى جديدا مستقبَلا، لا سيما بعدما طرحت إسبانيا رسميا في اجتماع حلف الناتو بمدريد، نهاية يونيو الماضي، ضرورة تعزيز الشراكة الأمنية مع الجنوب للحد من التحديات القادمة من جنوب أوروبا”.

يشار إلى أن ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد أكد، خلال ندوة صحافية تلت اللقاء الثنائي الذي جمعه بوزير الخارجية الإسباني على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، في ماي الماضي، “اعتماد الرباط على مدريد كشريك موثوق وصادق ومسؤول لبناء شراكة نموذجية تتأسس على التاريخ المشترك والمصالح المتعددة والجوار”، خاتما بأن “المغرب يريد الاشتغال مع إسبانيا لوضع إطار للتنسيق في الفضاء الأورو-متوسطي والإفريقي”.

#هكذا #يعزز #التعاون #الأمني #والاستخباراتي #العلاقات #بين #المغرب #وإسبانيا

زر الذهاب إلى الأعلى