محاكمة طوطو

محاكمة طوطو

هشام عمريالإثنين 31 أكتوبر 2022 – 10:21

محاكمة طوطو محاكمة جيل بأكمله، جيل العالم الافتراضي، جيل فايسبوك وتيكتوك وإنستغرام، حيث صارت الحقيقة فرضية إلى أن يتم الاصطدام بها في عالم الواقع، الواقع الذي لا يعترف إلا بالواقع كما هو دون مساحيق تجميل وسناب شات، واقع لا يعترف إلا بالجد والعمل والمثابرة، بعيدا عن السلفيات والتباهي والحياة الخادعة و”المؤثرين” الذين وجدوا الأرضية خصبة ومهيأة للتأثير. جدلية الافتراضي والواقعي جعلت من الإنسان يعوض تعاسته الواقعية، تعاسة البطالة وقلة الحيلة واليد القصيرة، بسعادة افتراضية مزيفة.

جيل من مخلفات الاستبداد على جميع الأصعدة، الاستبداد السياسي والاقتصادي والثقافي. “الاستبداد يضطر الناس إلى استباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل، ومراغمة الحس وإماتة النفس ونبذ الجد وترك العمل… إلى آخره، وينتج عن ذلك أن الاستبداد المشؤوم هو يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة” (عبد الرحمان الكوكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد).

طوطو يعبر بلغة جيله، ومرآة لواقعه. الفن يعكس صورة الواقع الذي ينتمي إليه الشعب؛ ففي مرحلة الاستعمار نشطت الأغنية الوطنية، وفي مرحلة النضال السياسي تزدهر الأغنية الملتزمة، وفي زمن التفاهة تتناسل الأغاني الشعبوية، التي يحكمها منطق “التوندونس” والربح والخسارة. الراب خرج من رحم معاناة السود الأمريكان من استبداد البيض؛ وكذلك الراب المغربي في كثير من أغانيه يعبر عن معاناة الشباب مع الفقر والتهميش.

لست ضد الراب، بل من المعجبين به، ولست ضد أي نوع غنائي، فالأذواق لا تناقش، ولست ضد طوطو، يكفي أنه أثار كل هذه الضجة، ولا يهم إن كانت مقصودة وتدخل في إطار سياسة الإلهاء، المهم أن له جمهوره. ولست ضد الإبداع فللشباب طاقات هائلة لكي يبدعوا وينتجوا في جميع المجالات؛ يكفي أن نترك لهم فرصة للتعبير عن ميولاتهم ومواهبهم.

الشباب الطوطوي ضحية لسياسات التعليم الفاشلة؛ سياسات الإصلاح وإصلاح الإصلاح، هكذا دواليك حتى سقطنا في الحلقة المفرغة التي لا خروج منها إلا بمعجزة من السماء. أما معجزة الأرض المتمثلة في الإرادة السياسية فليست للمسؤولين إرادة ذاتية حقيقية لينزلوا الإرادة السياسية على أرض الواقع، وكيف تكون لهم هذه الإرادة إذا كانت السياسات الحالية تعيد إنتاجهم، تعيد إنتاج مناصبهم وامتيازاتهم وثرواتهم، والضحية هو الوطن، فلكي تبني الوطن يجب بناء الشباب على حد قول مهدي بنبركة.

محاكمة طوطو محاكمة للسياسة الاجتماعية الفاشلة للدولة، بعيدا عن لغة الأرقام التي تثبت فشل هذه السياسات، وكيف تحمل كل حكومة مسؤولية الفشل للحكومة السابقة. وهناك حالات تبقى استثنائية للشباب الذي برعوا في شتى المجالات، وهذا دليل على أن هذا الوطن يزخر بالكفاءات، يكفي أن تصقل بسياسات تجعل من الرأسمال اللامادي أولوية الأولويات؛ فكم من شاب اعتبر فاشلا في وطنه وعندما هاجر إلى الخارج أبدع وصنع العجب العجاب.

#محاكمة #طوطو

زر الذهاب إلى الأعلى