مجاهد “يتسلق الشجرة التي تُخفي الغابة” في العلاقات المغربية الإسبانية

قال يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، في حديثه عن العلاقات المغربية الإسبانية، إن “الصحافة” و”البحث الأكاديمي الجامعي” لهما دور مهم في رسم وتعميم التمثلات والصور التي يحمل كل منا عن الآخر، أي كيف يرى المواطن الإسباني المغرب والمغاربة وكيف ينظر المواطن المغربي إلى إسبانيا والإسبان.

وبعدما أكد مجاهد، في كلمة افتتاحية ألقاها في المؤتمر الـ38 مع صحافيي جنوب إسبانيا المنظم من طرف الجمعية المغربية للصحافة بتطوان، أنه “من اللازم على الصحافة أن تخلق باستمرار جسورا بينها وبين البحث العلمي”، ذكّر بأن “الصحافة ستكون الوسيلة الناجعة لتجاوز الشجرة التي تخفي الغابة؛ غابة العلاقات التاريخية والجغرافية والسوسيولوجية والإنسانية التي تمتد لقرون بين البلدين الجارين، إسبانيا والمغرب”.

وهذا نص الكلمة الافتتاحية:

نواصل الحوار في فضاء مؤهل ليكون الحاضن لمستقبل هذه العلاقات؛ لأنه بالرغم من الاختلافات في طبيعة العمل المهني الصحافي والبحث الأكاديمي، فإن هناك نقاط التقاء كثيرة، تتمثل، على الخصوص، في السعي إلى الموضوعية في التحليل ونشر المعطيات الصحيحة المستندة على التحقيق الجدي، واحترام حق المواطن في تلقي معلومات وآراء تلتزم بالنزاهة، وعرض مختلف المواقف ووجهات النظر، احتراما للتعددية والاختلاف.

وهنا، أود أن أتعرض لأمرين اثنين أعتبرهما حاسمين في مستقبل العلاقات بين البلدين، ويتعلقان بمن له الدور المهم في رسم وتعميم التمثلات والصور التي يحمل كل منا عن الآخر، أي كيف يرى المواطن الإسباني المغرب والمغاربة وكيف ينظر المواطن المغربي إلى إسبانيا والإسبان.

الدور الأول تلعبه، في نظري، الصحافة؛ لأنها هي التي تروج يوميا، بل الآن، على مدار الساعة، عبر التواصل الرقمي، للصور والمواقف والأخبار التي تصنع الرأي العام وتكيف النظرة إلى الآخر.

وهذا ما يحصل في العلاقات المغربية الإسبانية، حيث إن للصحافة والإعلام دورا كبيرا في ما شهدته هذه العلاقات وما ستشهده مستقبلا؛ مما يحملنا، نحن كصحافيين، مسؤولية كبيرة، في ما يمكن أن تتطور نحوه الأوضاع، لأنه بالرغم من السياسات التي تعتمدها الحكومات، فإنها قد تجد مقاومة شديدة من طرف الصحافة التي تتحكم فيها ثقافة ترسخت عبر السنين ولا يمكن مراجعتها وتقييمها، إلا إذا توفرت الأدوات الضرورية لذلك.

ومن هذه الأدوات العودة إلى أصل مهنة الصحافة، المتمثلة في القيم النبيلة التي نجدها واضحة في مواثيق أخلاقيات وقواعد هذه المهنة، سواء على الصعيد الدولي أو الوطني أو تلك التي تتفق عليها مجالس التحرير داخل المؤسسات الصحافية والإعلامية.

ماذا تقول هذه المواثيق والقواعد المهنية؟

إنها تعتبر أن الصحافة هي مهنة البحث والتقصي، أي أنها تطلب من الصحافيين أن يتأكدوا من الأخبار التي ينشرونها وأن تكون لهم الحجج الكافية والدلائل القاطعة على الأحكام التي يطلقونها وأن يبتعدوا عن تعميم الأوصاف والنعوت دون التحقق من صحتها، كما أن عليهم أن يعرضوا مختلف وجهات النظر، دون تحيز، في إطار التوازن المفروض الالتزام به في هذه المهنة.

لا يمكن للصحافي أن يكون نزيها وموضوعيا إذا كان ينطلق من أفكار مسبقة وصور جاهزة، أو يضع نفسه في خدمة طرف معين، بشكل أعمى، كما لو كان ناطقا رسميا باسمه، ويتجاهل الأطراف الأخرى المعنية بموضوع معين أو قضية ما، كما لو كان غير موجود أو أن الحكم قد صدر ضده مسبقا، غيابيا.

في الصحافة هناك قواعد مهنية وقيم أخلاقية لا بد من احترامها، وإلا تحولت الصحافة إلى دعاية وإلى أداة تضليل للرأي العام؛ بل أكثر من ذلك تتحول الصحافة آنذاك إلى حجاب يمنع رؤية الحقيقة في المجتمع، ويدفعه إلى اتخاذ مواقف خاطئة.

ولا يمكن أن نتصور حجم الضرر الذي تلحقه صحافة الدعاية والتضليل بمصالح الشعوب وآفاق التعاون بينها لصالح رؤية سياسية أو إيديولوجية أو إثنية أو عرقية متعصبة أو مصالح ضيقة، في الوقت الذي من الواجب على الصحافة أن تسمو على هذه الإكراهات خدمة لأهدافها المعلنة في مواثيق الأخلاقيات وقواعد العمل المهني.

الدور الثاني يلعبه البحث الأكاديمي الجامعي، الذي يمكن اعتباره الأداة المثالية، نظريا، لترويج صور وحقائق، موضوعية وعلمية، عن الآخر، على الرغم من أن هذا المجال بدوره يتعرض للانتقاد، أيضا، كما حصل مع ما سمي في المغرب بالسوسيولوجيا الاستعمارية التي أنتجها مجموعة من الباحثين، الفرنسيين على الخصوص.

لكن لدينا في المرحلة التاريخية التي نعيشها فرصة لكي نطور الأبحاث والدراسات، على صعيد الجامعات والمعاهد المتخصصة؛ مما سيمكن الباحثين والمثقفين من معرفة المجتمعين المغربي والإسباني، بناء على معطيات وتحاليل علمية، سواء في ميدان التاريخ أو علم الاجتماع والسياسة وغيرها من التخصصات التي قد تكون مفيدة في إنتاج معلومات أكثر دقة وأكثر قربا من الواقع.

سيكون هذا مفيدا بالنسبة للصحافة وكذلك لصناع القرار، وللمثقفين والباحثين الذين لهم دور في إنتاج الأفكار والتأثير في الرأي العام وتصحيح النظرة الخاطئة التي قد تكون مبنية على الجهل فقط.

ومن واجب الجامعات والمعاهد العليا أن تطور هذا التعاون العلمي؛ لأنه سيساهم حتما في تصحيح الصور الخاطئة والأفكار المسبقة، التي لا أساس علمي لها. وما يمكن تسجيله هنا هو ضعف البحث المتبادل، على الصعيد الجامعي، بين المغرب وإسبانيا؛ الأمر الذي من الضروري تجاوزه، بين بلدين جارين تجمعهما علاقات تاريخية وآفاق تعاون بناء.

بالإضافة إلى كل هذا، فإنني أعتبر أنه من اللازم على الصحافة أن تخلق باستمرار جسورا بينها وبين البحث العلمي؛ فالبحوث والدراسات التي تنتجها الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث تشكل مادة غنية للصحافيين بالمعطيات المهمة التي تنتجها والتي تعتمد أكثر على أدوات التحقيق والتقصي والتحليل العلمي. ولعل التعاون الدائم بين الصحافة الأخلاقية والبحث الأكاديمي أن يطور ثقافة الابتعاد عن إطلاق الأحكام الجاهزة والجري وراء الإثارة الرخيصة، في وقت أصبحت الصحافة مهددة بتفشي الممارسات السيئة في وسائل التواصل الاجتماعي من طرف مؤثرين ومؤسسات تبحث عن الربح السريع ويحكمها المنطق التجاري البحت.

لذلك، أحيي، مرة أخرى، هذا الاجتماع في رحاب الجامعة، لما يحمله من دلالة رمزية، حول الآفاق الواعدة للتعاون بين الصحافيين المغاربة والإسبان، حتى يقدموا لشعبيْهم منتوجا صحافيا جيدا يخدم مصالحهما، في التقدم والتنمية ومواجهة الأزمات والتحديات التي نلاحظ أنها تزداد حدة، على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ مما يتطلب تجاوز الخلافات، الممكن تجاوزها، والبحث عن مجالات الاتفاق، لتغليب كفة التفاهم، في ميزان العلاقات بين البلدين.

بذلك، تكون الصحافة هي تلك الوسيلة الناجعة لتجاوز تلك الشجرة التي تخفي الغابة؛ غابة العلاقات التاريخية والجغرافية والسوسيولوجية والإنسانية، التي تمتد لقرون بين البلدين الجارين، إسبانيا والمغرب.

#مجاهد #يتسلق #الشجرة #التي #تخفي #الغابة #في #العلاقات #المغربية #الإسبانية

زر الذهاب إلى الأعلى