لكريني: “المسيرة الخضراء” المغربية حدث تاريخي وأسلوب حضاري لتدبير الأزمات

قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وتحليل الأزمات بكلية الحقوق بمراكش، إن “المسيرة الخضراء شكّلت حدثا تاريخيا مهمّا في تاريخ المغرب الحديث، فهي تجسيد لأسلوب حضاري راق لتدبير الأزمات، مثّل في مضمونه حدثا سلميا استثنائيا خلال مرحلة دولية حبلى بالتوتر والحروب واعتماد الأساليب الزجرية في تسوية المنازعات”.

وأشار لكريني، في مقال له بعنوان “المسيرة الخضراء أسلوب حضاري لتدبير الأزمات”، إلى أن هذه “الذكرى تتزامن مع سعي المغرب لتكييف سياساته الخارجية مع المتغيرات والتحوّلات التي فرضها المحيطان الدولي والإقليمي، عبر إرساء دبلوماسية مبادرة وبراغماتية، والانفتاح على عدد من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا..، دون التفريط في الشركاء التقليديين في الاتحاد الأوربي، ثم التعاون في إطار جنوب – جنوب”.

وختم لكريني مقاله بالتأكيد على أن “تحقيق مزيد من المكتسبات يقتضي تجنيد كل المقوّمات، على مستوى تطوير أداء السياسة الخارجية الرسمية، وتحرّك الدبلوماسية الموازية أيضا، مع ترسيخ الممارسة الديمقراطية والاستمرار في تعزيز مشاريع التنمية بهذه الأقاليم”.

وهذا نص المقال:

بعد حصوله على الاستقلال، أكد المغرب في عام 1958 على مغربية الأقاليم الصحراوية، وطالب بضرورة تصفية الاستعمار في هذه المنطقة. إلا أنه لم يتمكن من طرح قضية المطالبة برحيل إسبانيا عن أقاليمه الجنوبية أمام الأمم المتحدة إلا في سنة 1964، وقد تجاوبت الجمعية العامة بشكل إيجابي مع هذه المطالب، عندما حثّت إسبانيا على منح الاستقلال لهذه المناطق انسجاما مع قرارها رقم 1514.

عمدت إسبانيا في بداية سبعينيات القرن الماضي على تشجيع المدّ الانفصالي بهذه الأقاليم، وهو ما اعتبره المغرب حينئذ أمرا يتعارض بشكل صارخ مع حقوقه الشرعية على ترابه، ولم يتردد في مواجهة ذلك، حيث عمل على مواجهة هذه المحاولات، وسارع إلى توضيح حقوقه وشرح مواقفه وتفنيد المواقف المعادية، كما حذر كلا من الجزائر وموريتانيا من مسايرة الطرح الإسباني المنحرف.

وتعززت جهود المغرب تجاه تأكيد حقوقه على أقاليمه الجنوبية، بعدما أصدرت محكمة العدل الدولية في “لاهاي” رأيها الاستشاري بتاريخ 16 أكتوبر 1975، الذي أكدت فيه أن الصحراء لم تكن إبان احتلالها من قبل المستعمر الإسباني أرضا خلاء ولا مالك لها، واعترفت بوجود روابط قانونية وعلاقة ولاء تجسدها البيعة بين مختلف القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب..

وفي السادس من شهر نوفمبر من عام 1975 سيشهد المغرب تنظيم المسيرة الخضراء بمشاركة 350 ألف مواطن متطوّع باتجاه الصحراء، اخترق معها المشاركون الحدود المصطنعة التي كانت تفصل بين المغرب وهذا الإقليم تحت أنظار القوات الإسبانية، التي لم تعد قادرة على الاستمرار في معاكساتها لمطالب المغرب الرامية لاستكمال وحدته.

شكّلت المسيرة الخضراء حدثا تاريخيا مهمّا في تاريخ المغرب الحديث، فهي تجسيد لأسلوب حضاري راق لتدبير الأزمات، مثّل في مضمونه حدثا سلميا استثنائيا خلال مرحلة دولية حبلى بالتوتر والحروب واعتماد الأساليب الزجرية في تسوية المنازعات..

إن الاحتفاء بالذكرى يجسّد مناسبة لاستحضار أبعاد هذه المبادرة الوازنة في أوساط الجيل الحاضر كسبيل لترسيخ قيم المواطنة، وتقييم مسار القضية بمكتسباتها وإشكالاتها.. في ارتباط ذلك بالإصلاحات السياسية وجهود التنمية المبذولة، والأداء الدبلوماسي في مواجهة التحرشات المختلفة التي يباشرها الخصوم عبر ترديد المقولات التقليدية المتصلة بـ”تقرير المصير”، وبخاصة بعد طرح المغرب مشروع الحكم الذاتي، الذي يجسد حلّا توفيقيا واقعيا يوازن بين خياري الاستقلال والوحدة وإقرار الأمم المتحدة نفسها بأن السبل المجرّبة سابقا (الاستفتاء) لم تفرز حلولا، ولم تعد لها أهمية أو راهنية، فيما تزايد الوعي الدولي بخطورة وتكلفة الخيارات الانفصالية التي غالبا ما تفضي إلى كيانات فاشلة وهشة.

تتزامن الذكرى مع سعي المغرب لتكييف سياساته الخارجية مع المتغيرات والتحوّلات التي فرضها المحيطان الدولي والإقليمي، عبر إرساء دبلوماسية مبادرة وبراغماتية، والانفتاح على عدد من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا..، دون التفريط في الشركاء التقليديين في الاتحاد الأوربي، ثم التعاون في إطار جنوب – جنوب، مما مكن من تحقيق مجموعة من المكتسبات، في علاقة ذلك بإحباط منطق الإدارة بالأزمات الذي نهجه الخصوم خلال السنوات الأخيرة، وضمان استئثار الأمم المتحدة بالملف دون غيرها، بعد التموقع داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فيما لا تخفى الأهمية الاستراتيجية لإقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء، واستمرار إدارة البيت الأبيض الحالية على الموقف نفسه، كما تم تحويل الأزمة مع كل من إسبانيا وألمانيا إلى فرصة أتاحت بلورة موقف إيجابي واضح من القضية.

أما قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع، فقد تمحورت خلال السنوات الأخيرة حول التأكيد على دور الجزائر في النزاع، مع دعوتها المباشرة وغير المباشرة إلى المساهمة في توفير المناخ الإيجابي لتسوية هذا الملف في إطار من حسن النية، والحرص على تجديد مهمة بعثة المينورسو وربطها بمراقبة وقف إطلاق النار، وليس الاستفتاء، وعلى ضرورة بلورة حلّ سلمي، وواقعي، وتوافقي، مما يفهم منه رفض الحلول السابقة، علاوة على التأكيد على جدّية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والإقرار بالهدوء الذي يعمّ الصحراء المغربية، مع اعتبار إرساء حلّ للنزاع بمثابة بوابة لاستقرار المنطقة وأمنها ونموها، والتأكيد على أهمية الثّقة لإنجاح العملية السياسية، والمطالبة باحترام وقف إطلاق النار، والتوقف عن انتهاك الاتفاقات المبرمة.

إن تحقيق مزيد من المكتسبات في هذا الشأن يقتضي تجنيد كل المقوّمات، على مستوى تطوير أداء السياسة الخارجية الرسمية، وتحرّك الدبلوماسية الموازية أيضا، مع ترسيخ الممارسة الديمقراطية والاستمرار في تعزيز مشاريع التنمية بهذه الأقاليم.

#لكريني #المسيرة #الخضراء #المغربية #حدث #تاريخي #وأسلوب #حضاري #لتدبير #الأزمات

زر الذهاب إلى الأعلى