لعروسي يسطر السيناريوهات المحتملة للأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس

لم تذك الأزمة الدبلوماسية التي تسبب فيها استقبال رئيس تونس قيس سعيّد لزعيم ميليشيا “البوليساريو” الانفصالية، على هامش انعقاد القمة الثامنة للتعاون الياباني الإفريقي “تيكاد” في تونس نهاية الأسبوع الماضي، ردود فعل هيئات سياسية وحزبية ومدنية من البلدين المغاربيين فقط، بل ساهمت أيضا في دفع عدد من الأكاديميين والباحثين إلى التفاعل مع الموضوع.

وتوقفت ورقة بحثية مطولة نشرها المعهد المصري للدراسات (مقره إسطنبول) ضمن سلسلة “تقديرات سياسية”، للدكتور محمد عصام لعروسي، تحت عنوان “الأزمة المغربية-التونسية: حسابات الربح والخسارة”، عند واقعة “تكذيب مذكرة كتابية رسمية صادرة عن اليابان في 19 غشت 2022 لمزاعم وزارة الخارجية التونسية بشأن توجيه رئيس المفوضية الإفريقية دعوة فردية مباشرة للجبهة الانفصالية المزعومة من أجل حضور منتدى تيكاد-8”.

واعتبر كاتب ورقة “تقدير موقف”، التي جاءت في 11 صفحة، أن “استدعاء سفير المغرب لدى تونس للتشاور، والانسحاب من قمة تيكاد احتجاجا على استقبال زعيم جبهة البوليساريو، ما هو إلا رسالة بمثابة إنذار وجهته الدبلوماسية المغربية للرئاسة التونسية، مفادها أنه في حال تمادي الاعتداءات المتكررة التي يمكن أن تشكل مخططا تحريضيا على المغرب وثوابته الراسخة”، فإن ذلك “يمكن أن يعصف بالعلاقات المغربية التونسية وأن يصل بها الأمر إلى حد تعليقها أو تجميدها أو حتى قطعها إذا اقتضى الأمر ذلك”.

كما أورد لعروسي، في ورقته التحليلية التي توصلت هسبريس بنسخة منها، أن دعوة تونس للجبهة الانفصالية لحضور المنتدى سالف الذكر، تظل “قرارا انفراديا اتخذه الرئيس قيس سعيد تجاوبا مع الرغبة الجزائرية التي طالما استهدفت دفع حكام قرطاج لاختيار واعتماد موقف متماثل مع الموقف الجزائري بالنسبة لقضية الصحراء المغربية”.

الاستفزاز التونسي

عاد أستاذ العلاقات الدولية إلى جذور الاستفزاز التونسي الذي بدأ منذ امتناع تونس عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 الصادر سنة 2021 بشأن تمديد عمل بعثة “المينورسو” لمدة سنة إضافية، خالصا إلى أن الواقعة الأممية “تؤكد التقارب السياسي بين قصر المرادية وقصر قرطاج ورضوخ تونس لإملاءات النظام الجزائري”.

الخبير المغربي في تسوية النزاعات زاد أن الفترة الأخيرة شهدت “تقاربا تونسيا-جزائريا ملحوظا جسّده حضور قيس سعيد في حفل الاستعراضات العسكرية بالجزائر، وتوقيعه اتفاقيات مشتركة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعرفها بلاد الياسمين”.

في المقابل، سجل لعروسي “هيمنة الصمت السياسي على العلاقات المغربية التونسية، لكنه صمت مقصود وممنهج يعكس الجمود الدبلوماسي بين الرباط وتونس في السنوات الأخيرة”.

الاتحاد المغاربي

“من خلال الاعتراف واستقبال زعيم البوليساريو، يكون قيس سعيد قد ارتكب خرقا سافرا للفصل السابع من الدستور التونسي الذي يعتبر أن (الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة)”، يسجل كاتب الورقة البحثية قبل أن يؤكد أنه بناء على هذا الأساس، فإن “قيس سعيد يكون قد جانب الصواب في اختياراته الخارجية وأغلق قوس حلم اتحاد المغرب العربي الكبير”.

في هذا الصدد، لم يتوان الأكاديمي ذاته في التذكير بموقف قيس سعيد الذي “كان قد دعا خلال ندوة صحافية أجراها عقب وصوله إلى العاصمة الليبية طرابلس في 2021، إلى إحياء نشاط اتحاد المغرب العربي”.

شرعية الرئيس

عن أزمة “الشرعية” التي يعاني منها الرئيس التونسي، ذكرت الورقة أن التوجه نحو الحكم الفردي وديكتاتورية الاختيارات وتفضيل المصالح الاقتصادية على رغبة وإرادة الشعوب، “يكشف حقيقة الارتباك والتهور الذي يميز قرارات الرئاسة التونسية في الوقت الحالي، وخاصة على مستوى السياسة الخارجية، حيث يبدو أن الاستجابة للضغط الجزائري تدفع سعيد إلى تبني قرارات غير شعبية”.

معددا دواعي “التقارب الجزائري-التونسي”، تابع لعروسي تحليله موردا “توقيع العديد من اتفاقيات التعاون وتنسيق المواقف بخصوص إغلاق وفتح الحدود المشتركة والاستفادة من الدعم الجزائري من إمدادات الغاز، واتخاذ مواقف متقاربة بشأن أزمات إقليمية ودولية (الأزمة الليبية مثلا) واستلام تونس مساعدات وقروض جزائرية سخية”، قبل أت يخلص إلى أنها دفعت قيس سعيد إلى “ارتكاب خطأ استراتيجي بإخراج تونس عن سياق الحياد الإيجابي وتغيير دورها من دولة ذات أدوار ووظائف استراتيجية في المنطقة المغاربية إلى مجرد حديقة خلفية للنظام الجزائري”.

الربح والخسارة

كان لافتا من خلال “تقدير الموقف” أن تكون الحصيلة من الناحية الجيوسياسية والاستراتيجية هي “منطقة إقليمية فرعية مقسمة ومشتتة الأوصال وخاضعة لاستقطابات عدة ويتحكم فيها منطق التحالفات، خاصة الدور الفرنسي في استمرار الصراع المغربي الجزائري على قضية الصحراء المغربية والتقارب الذي عرفته العلاقات الفرنسية الجزائرية في الآونة الأخيرة”.

كما سجل الباحث في المقابل “الجمود الذي تشهده العلاقات المغربية الفرنسية، وعدم رضا قصر الإليزيه على استقلالية القرار المغربي ونهج المغرب لسياسات مستقلة في إطار البحث عن شراكات وتحالفات قوية مع الدول الغربية والعربية كدول مجلس التعاون الخليجي والدول الإفريقية”.

خبير العلاقات الدولية والاستراتيجية اعتبر ضمن حسابات الربح والخسارة لأزمة تونس والرباط، أن “مساعدة الجزائر لجارتها الشرقية لحماية الحدود المشتركة وتقديم جملة من المساعدات للشعب التونسي في فترة كورونا، لا يبرر فداحة الاختيارات على مستوى السياسة الخارجية التونسية وخسارة المنطقة المغاربية والمغرب على الخصوص، لاسيما أن المنطقة منقسمة بما فيه الكفاية ولا تحتاج إلى المزيد من صب الزيت على النار”.

الأزمة والتصعيد

رغم جهود دبلوماسية وصفت بـ”الناجحة” على المستوى “الماكرو دبلوماسي”، بذلت لتقديم وإنجاح الطرح المغربي حول قضية الصحراء المغربية في محافل إفريقية وعالمية، أثار الدكتور لعروسي الانتباه إلى أنه من وجهة نظر إدارة الأزمة، فإن “العديد من علامات الاستفهام تظل مطروحة بخصوص دور الدبلوماسية المغربية” في ملف العلاقات مع الدوائر الرسمية التونسية.

ولفت الأكاديمي إلى “وجوب التحرك مسبقا قبل اندلاع الأزمة لتكوين مدركات ذهنية جديدة حول سلوك السياسة الخارجية التونسية، من خلال إنجاز تقارير استخباراتية ودبلوماسية تنذر بخطورة هذا التقارب على المصالح المغربية”، منبها إلى أن “دور السفير المغربي في تونس هو استمزاج الآراء ومحاولة التقارب مع دوائر النخب السياسية التونسية وشرح قضية الصحراء للرأي العام التونسي والتأثير على دوائر صناعة القرار؛ وهو ما كان ممكنا بعد أن اجتمعت العديد من المؤشرات على وجود هذا التقارب التونسي-الجزائري المعادي للمصالح المغربية”.

وبحسب الخبير ذاته، فإن المؤشرات “كانت واضحة وكان يجب التنبيه إليها والعمل على كسب العديد من الجوانب المؤثرة في السياسة التونسية ومحاولة ثني الرئاسة التونسية عن كل سلوك قد تكون له عواقب غير محمودة، مع تنبيه السفير المغربي للنظام التونسي أن هذا التقارب التونسي الجزائري لا يخدم مصالح المنطقة المغاربية”.

وأوردت الورقة التحليلية أن “دور الدبلوماسية في إدارة الأزمة قد يكون في مأزق حقيقي بعد اختلاف توجهات الطرفين، واتخاذ مواقف متناقضة وتشبث كل طرف بمواقفه، وبالتالي انتقال الأزمة من مستوى منخفض إلى مستوى أعلى”.

سيناريوهات مفتوحة

ختم الأستاذ لعروسي ورقته لـ”تقدير الموقف” بتوقع سيناريوهات من المحتمل أن تأخذها الأزمة الدبلوماسية الحالية وأبعادها الخطيرة، “نتيجة للعوامل الرئيسة التي وسمت توتر العلاقات بين المغرب وتونس في ظل حقبة قيس سعيد”.

الأول هو “سيناريو تحسين العلاقات بين البلدين”، يقول لعروسي، معتبرا أنه “من السيناريوهات الصعب تحقيقها، خصوصا في ظل الوضعية الراهنة التي تشهد هزة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المغربية-التونسية”، قبل أن يستدرك بأن هذا السيناريو “يبقى من السيناريوهات الممكنة في حالة تراجع السلوك العدائي لنظام سعيد، ومراعاة مبادئ حسن الجوار وأسس العلاقات الدبلوماسية، مع التزام تونس بعدم خلق تحالفات هدفها الأساسي معاداة المغرب في قضية وحدته الترابية”.

السيناريو الثاني، يردف لعروسي، يتمثل في السيناريو الحالي الذي يؤشر على “استمرار توتر العلاقات في ظل الوضع القائم”، مع إمكانية أن “يمتد لفترة ليست بالقصيرة في ظل السياسة التي ينتهجها نظام قيس سعيد، المتسمة بالسلوك المتهور واللاعقلاني تجاه المغرب”.

في هذه النقطة بالذات، توقفت الورقة عند “التحول في الموقف التونسي” الذي قدّر لعروسي أنه “يحمل دلالة واضحة على دعم النظام التونسي الحالي لميليشيا انفصالية، وهي دعوة إلى التجزئة بدلا من الوحدة؛ ما يشكل تهديدا خطيرا ليس على مصالح المغرب القومية، بل تهديدا أمنيا على المنطقة برمتها”.

سيناريو “تعليق أو تجميد العلاقات الدبلوماسية” يظل هو الخيار الثالث أمام البلدين، بحسب لعروسي الذي جعله رهينا بـ”استمرار النظام التونسي في تجاوزاته ضد المغرب ووحدته الترابية، من خلال الإعلان صراحة أو بشكل ضمني دعمه السياسي لجبهة البوليساريو، مع السير قدما في هذا النهج”.

وذكرت الورقة في هذا الصدد بأن تجميد العلاقات أو قطعها هي “سياسة نهجها المغرب فيما يخص قضية الصحراء المغربية مع عدة دول تمادت في التعدي على السيادة المغربية (فنزويلا وإيران)”.

وختم الخبير ورقته بالتأكيد على أن “الأزمة الدبلوماسية بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية تعد سابقة خطيرة بين البلدين اللذين تجمعهما العديد من السمات المشتركة والمصير المشترك”، موردا أن “معاداة المغرب وتغيير الموقف التونسي من قضية الصحراء المغربية، يعتبر متغيرا محوريا وتحولا غير مدروس في العقيدة الدبلوماسية التونسية التي التزمت الحياد بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، كما يكشف عن ضعف المؤسسات الدستورية في تونس وتوجهها نحو الاستبداد داخليا، ونحو الوصاية الجزائرية خارجيا”.

#لعروسي #يسطر #السيناريوهات #المحتملة #للأزمة #الدبلوماسية #بين #المغرب #وتونس

زر الذهاب إلى الأعلى