عضو بلجنة النموذج التنموي يعاين واقع تنزيل البرامج في مختلف القطاعات

قبل حوالي سنة، عرفت الساحة السياسية نقاشا حول شرعية النموذج التنموي الجديد الذي قامت لجنة معينة من طرف الملك محمد السادس بإعداد تصوره، بعدما أكد الملك أن النموذج السابق استنفد كل إمكانياته، مقابل شرعية البرنامج الحكومي المنبثقة من الاستحقاقات التشريعية والتصويت البرلماني.

وسطر النموذج التنموي الجديد توصيات خاصة بمختلف المجالات والقطاعات، وحدد أُفُقَ 2035 سقفا زمنيا لتنزيلها في إطار البرامج التي تسطرها الحكومة الحالية والحكومات التي تليها.

هذا الطموح كما ورد في التقرير الذي أعدته اللجنة، يستوجب في جوهره تعبئة كل إمكانات البلاد عبر وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية، سواء باعتباره فاعلا أو مستفيدا من مسيرة التنمية.

فإلى أي حد عبرت البرامج التي يتم تنزيلها إلى حدود اليوم عن الطموح الذي سطره أعضاء لجنة النموذج التنموي في التقرير؟

بالنسبة لمحمد بنموسى، خبير استشاري في السياسات الاقتصادية عضو اللجنة المذكورة، فإن الحكومة لن تستطيع أن تحقق الأهداف التي حددها النموذج التنموي الجديد بفعل “تضارب المصالح في قمتها، بينما الحمض النووي لهذا النموذج يتمثل في تفكيك اقتصاد الريع ومحاربة كل أشكال تضارب المصالح واستغلال النفوذ والرشوة والتهرب الضريبي…”، مبرزا أن “هناك العديد من الحالات والملفات التي تدل على رفض الحكومة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها المغرب، على مستوى قطاع المحروقات، المصفاة المغربية للبترول سامير، التدابير الضريبية المجحفة لقانون المالية 2023، إصلاح القانون الجنائي، إصلاح القطاع البنكي، إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وكذا إعادة النظر في النظام الأساسي لبنك المغرب وفرض الصلاحية المزدوجة، بالإضافة إلى الإلغاء التدريجي للرخص والمأذونيات”.

واقع السياسات العمومية

محمد بنموسى عبّر عن قلقه إزاء واقع الحكامة والحياة السياسية، مشيرا إلى وجود عدد من السياسيين والبرلمانيين متابعين في إطار ملفات قضائية، وتحوم حولهم شبهات، مبرزا أن هذا الأمر يعطي انطباعا عن تدهور مقلق في أخلاقيات الحكامة العامة والحياة السياسية.

وفي سياق الحديث حول البرامج الخاصة بالقطاعات الاجتماعية، سجل المتحدث بإيجابية “سير برنامج تعميم التغطية الاجتماعية بوتيرة مرضية، وكذلك تنفيذ إصلاح التربية الوطنية والتعليم الأولي”، مبرزا أن “الإشراف الملكي المباشر على هذه الأوراش يفسر إلى حد كبير هذا المستوى الجيد من الأداء الحكومي”. لكن من الناحية الأخرى، يضيف الخبير ذاته، “أقدمت الحكومة على تطبيق سياسات مجحفة، تتعلق بالقرارات الجبائية المتخذة في إطار قانون المالية لسنة 2023 التي أثقلت العبء الضريبي على الطبقة الوسطى والمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وذلك خدمة لصالح توسيع الامتيازات الضريبية المفرطة التي يتم توزيعها لفائدة المجموعات الخاصة المهيمنة والمقاولات الكبرى والفئات الثرية والميسورة”.

وأوضح بنموسى أن الجهود الميزانياتية الممنوحة لقطاع الصحة والتعليم العالي والثقافة والرياضة، “عبارة عن رش مالي، ولا تشكل بتاتا إعادة النظر في تراتبية أولويات ميزانية الدولة. ناهيك عن غياب الإصلاح الضريبي مع وضع ضريبة تضامنية على الثروة غير المنتجة، ومراجعة جدول الضريبة على الدخل عن طريق رفع عتبة الشريحة الأولى من الجدول الضريبي وخفض معدلات الشرائح المتوسطة وزيادة معدلات الشرائح العليا، ومراجعة نظام الضريبة على الإرث، وتسقيف الإعفاء الضريبي على الهبات العقارية بين الأقارب، وترشيد النفقات الجبائية وتسقيفها لكل دافعي الضرائب، وحذف مختلف أنظمة الاقتطاع من المنبع، وتوسيع الوعاء الجبائي، وتفعيل اللجنة الوطنية لمحاربة التملص الضريبي، وتطبيق برنامج واسع النطاق لمكافحة التهرب الضريبي والغش الجبائي”.

وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من قبيل دعم قطاع النقل، قال الاستشاري في السياسات الاقتصادية: “على الحكومة تفعيل قانون المنافسة الذي يسمح لرئيسها باتخاذ القرار السياسي والإداري لإخراج مدة ستة أشهر قابلة للتجديد مرة أخرى بعض المنتوجات من لائحة البضائع التي تخضع أسعارها لمبدأ الحرية في السوق، نظرا لوضع استثنائي، وذلك من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة والحد من تأثير أثمنة بعض المواد الأساسية، من بينها المحروقات والمواد الغذائية”.

من ناحية أخرى، أشار الخبير عينه إلى أن “ارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية أدى إلى ارتفاع المداخيل الضريبية التي تستخلصها الدولة من المحروقات والمتكونة من الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الاستهلاك الداخلي”، مبرزا أن “عددا من الدول في العالم وافقت على خفض المداخيل الضريبية على المحروقات لدعم القدرة الشرائية للمستهلكين، إلا أن الحكومة اعتبرت الأمر فرصة لاستخلاص مداخيل جبائية استثنائية، إذ يتوقع قانون المالية لسنة 2023 أن تبلغ مداخيل ضريبة الاستهلاك الداخلي حوالي 17 مليار درهم من رسوم المحروقات، و12.5 مليار من رسوم التبغ، أي ما يناهز 30 مليار درهم إجمالا”.

وفي السياق نفسه، قال بنموسى إن “المغرب يعاني من مشكل التركيز في قطاع المحروقات، وشبهات في تحديد الأسعار، والملف مازال مفتوحا وعالقا لدى مجلس المنافسة الذي يبدو متماطلا في الحسم فيه”.

الحوار الاجتماعي ووضعية المرأة

سجل بنموسى بإيجابية عمل الفرقاء الاجتماعيين وروح المسؤولية والتعاون التي يتحلون بها، داعيا إلى تنفيذ التزامات الحكومة تجاه الطبقة الشغيلة بشكل كلي.

وأشار إلى أن التمثيل النقابي في المغرب ضعيف كما وكيفا، مبرزا أن “على الهيئات النقابية، بدون استثناء، أن تراجع نفسها لتعزيز مصداقيتها، كما هو الأمر بالنسبة للأحزاب السياسية، وأن تبادر بمشروع إصلاحي جذري كفيل بعصرنة الحوار الاجتماعي داخل المقاولات الخاصة والمؤسسات والإدارات العمومية”.

وبخصوص النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية، شدد بنموسى على أن “الحوار الجاري بين النقابات والوزارة الوصية على القطاع يجب أن يرتكز على ثلاثة مبادئ، هي: رفع مستوى الأجور والحقوق الاجتماعية للأساتذة، ورفع مستوى متطلبات الجودة في التدريس، وإيجاد حل نهائي للأساتذة المتعاقدين وإدماجهم في نظام موحد يضمن الإنصاف”.

وحول وضعية المرأة والنقاش الدائر بخصوص مدونة الأسرة، قال عضو لجنة النموذج التنموي الجديد إن “هذا النقاش ينبغي أن يظل ملتزما بتعاليم الدين الإسلامي وفي الوقت نفسه الانفتاح على القيم العالمية المبنية على المساواة والحريات الفردية”.

وأضاف أن “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أوصت بخلـق فضـاءات للنقـاش المجتمعـي والفقهي في بعـض القضايـا المجتمعيـة، مـن قبيـل الإجهـاض والوضـع القانوني للأمهـات العازبـات وزواج القاصـرات والولايـة القانونيـة علـى الأطفـال، وذلـك بمشـاركة ممثلـي الهيئـات الدينية والفاعليـن المعنييـن بالمجتمـع المدنـي والخبـراء”.

وأوضح أن “النموذج التنموي يقترح بخصوص مسألة الإجهاض إعـداد تشـريع يتسـم بالمرونـة وينـص علـى الأخلاقيـات، يحتـرم التعاليـم الدينيـة السـمحة وحـق الجنين فـي الحيـاة والحفاظ علـى الصحـة البدنيـة والنفسـية للمرأة، كما يقترح إقرار مسـؤولية الأب فـي حالـة ولادة طفـل خـارج إطـار الـزواج اعتمــادا علــى التقنيــات والاختبــارات الجينيــة، وتقييد السلطة الممنوحة للقضاة فيما يخص الترخيص بزواج القاصرات، وإعطاء الولاية القانونية على الأطفال للوالدين معا، والحيلولة دون أن يكون التعصيب خيارا تلقائيا وإنمـا أن يتـم إخضـاع تطبيقـه لتقديـر القضـاة، حسـب مقاربـة تأخـذ بعيـن الاعتبـار كل حالـة علـى حـدة، ووفـق معاييـر تحيـل خصوصـا علـى دور القريـب، المطالـب بحـق العصبـة، فـي الاعتنـاء بالهالـك وحمايتـه قيـد حياتـه”.

#عضو #بلجنة #النموذج #التنموي #يعاين #واقع #تنزيل #البرامج #في #مختلف #القطاعات

زر الذهاب إلى الأعلى