“خرجة” بنموسى.. حديث ومغزل

خرجة جديدة لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، كشف من خلالها عن عورة المنظومة التعليمية، التي لم يعد بيتها يسر الناظرين والزائرين والعابرين، بعدما أدلى بمعطيات أفاد من خلالها بأن نسبة كبيرة من تلاميذ التعليم الابتدائي لا يتقنون إجراء عملية حسابية بسيطة، موضحا في هذا الإطار، أن 13 في المائة فقط، من تلاميذ السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، يجيدون إنجاز عملية قسمة برقم واحد، بينما 87 في المائة منهم، لا يتقنون إنجاز عملية حسابية بسيطة، ودون الخوض في تفاصيل الدراسة التي استند عليها السيد الوزير في إثارة هذه الأرقام المخيفة، فالمتأمل لهذه المعطيات الرسمية المدلى بها، يتخيل له أن التعليم العمومي اجتاحته الرياح المرسلة للإصلاح من الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولم يتبق لصناع القرار الإصلاحي التربوي سوى الاشتغال على الخطط البيداغوجية والديداكتيكية الملائمة، لتمكين تلاميذ الابتدائي من مهارات الحساب وما يرتبط به من جمع وطرح وقسمة، بينما واقع الحال يدعو إلى القلق، بل ودق جرس الإنذار، لأن مشكلة تلاميذ الابتدائي تحضر ليس فقط في الحساب، بل وفي العلوم واللغة الأجنبية والكتابة والقراءة والتعبير والتواصل والقائمة طويلة، وبدون شك، تتعمق الأزمة في أوساط تلاميذ المجالات الهامشية الحضرية والعالم القروي والمناطق النائية، حيث تقسو الطبيعة وتختفي شمس التنمية تماما.

وتوجيه الوزير الوصي على القطاع لبندقيته نحو “طريدة” التعليم الابتدائي، ليس معناه أن الأزمة التعليمية تحضر فقط في السلك الابتدائي، وتختفي مظاهرها المقلقة في باقي الأسلاك، بل هي أزمة عابرة لحدود الأقسام والمستويات والأسلاك من الابتدائي إلى التأهيلي مرورا بالإعدادي، بل وتتجاوز ذلك إلى الجامعي، وإذا كان ما نقدمه من رأي يحتاج إلى معطيات وأرقام وربما إلى دراسات تربوية متعددة المستويات من أجل تشريح أمثل لواقع حال المنظومة التعليمية، فإن ما نعاينه في واقع الممارسة المهنية، يشفع لنا لنجازف في القول إن الأزمة التعليمية عميقة جدا، ربما أكثر مما يتصور المسؤول الأول عن القطاع، ويكفي قولا أن الكثير من التلاميذ يصلون إلى السلك التأهيلي “مصابون” بما يشبه “الإعاقة” المعرفية والمنهجية والنقدية والتواصلية، وبعضهم لا يحرك ساكنا وبعضهم الآخر يجد صعوبات كبيرة في قراءة نص في مادة العربية أو التاريخ والجغرافيا، أما المواد العلمية واللغات، فنسبة العجز لن تكون إلا كبيرة وحرجة جدا، وتتسع بؤرة الأزمة في ظل ما تتم معاينته من مشاهد العبث والتهور والعنف وانعدام المسؤولية وغياب الجاهزية والقابلية والاستعداد في أوساط شرائح واسعة من التلاميذ، مع وجود الاستثناء طبعا، وإذا كانت العبرة بالخواتم، فخواتم الأزمة تحضر في جائحة الغش المدرسي الآخذة في التمدد والانتشار سنة بعد أخـرى، والتي لم تعد لصيقة بفروض المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية، بل امتدت عدواها إلى الجامعة وإلى الكثير من مباريات التوظيف و الولوج إلى المدارس العليا.

تصريح السيد الوزير يأتي في سياقات تربوية مترابطة، أولها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي بلغت سنتها السابعة، وثانيها القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي تجاوز سنته الثالثة، وثالثها يرتبط بدخول النموذج التنموي الجديد حيز التنفيذ، ورابعها يخص الحوار الاجتماعي القطاعي الجاري بشأن النظام الأساسي المرتقب لموظفي وزارة التربية الوطنية، وعلى الرغم من “التحركات الإصلاحية” التي تقوم بها الوزارة الوصية على القطاع على أكثر من مستوى، فواقع الممارسة، يعطي الإحساس والانطباع على أن لا شيء تغير على أرض الواقع، وكأن رياح الإصلاح تتوقف عند أبواب المدارس العمومية، بدل أن تتسلل إلى داخلها، بدليل أن شرائح واسعة من تلاميذ السلك الابتدائي يصعب عليهم حل عملية بسيطة في الحساب كما صرح بذلك الوزير الوصي على القطاع.

أزمة المدرسة العمومية من غير اللائق اختزالها في تلميذ يجد صعوبات في إنجاز أو حل عملية بسيطة في الحساب، ولا بد من الاعتراف بأن الأزمة هي “أزمة بنيوية”، تتحكم فيها عوامل متعددة المستويات مرتبطة أولا بالمنظومة التربية ذاتها (مناهج متجاوزة؛ برامج غارقة في الكم لم تعد تساير المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية؛ منظومات تقويمية نمطية؛ الاكتظاظ؛ بنيات استقبال فاقدة للجاذبية والاستقطاب؛ حياة مدرسية رتيبة؛ تقوقع المدرسة حول الذات؛ غياب نظام أساسي للشغيلة التعليمية موحد ومنصف ومحفز وعادل…).

ومرتبطة ثانيا، بعدد من الفاعلين والمتدخلين في الحقل التربوي التعليمي، من قبيل الأسر (الكثير من الأسر لم تعد تتحمل أدوارها التربوية والتأطيرية والتوجيهية كاملة حيال أبنائها التلاميذ، وبعضها رفع الراية البيضاء ورمى الكرة بأكملها في مرمى المدرسة)، وباقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية من قبيل دور الشباب والثقافة والرياضة، والأحزاب السياسية والمجالس العلمية وجمعيات المجتمع المدني والإعـلام (هذه المؤسسات تراجعت أدوارها التأطيرية والتوجيهية، وهي تتقاسم بدرجات ومستويات مختلفة، مسؤولية ما وصلت إليه الناشئة من تراجع قيمي وأخلاقي ومن تدني خطير ومقلق في منسوب المواطنة، وبعضها بات مساهما في نسف أدوار الأسرة والمدرسة، عبر إشاعة ثقافة التفاهة والسخافة، ونقصد هنا “الإعلام التافه” الذي يقدم للأجيال الصاعدة مفهوما جديدا للقدوة والنموذج والمثال، مقرونا بالتفاهة والسخافة والتفسخ والانحطاط، بإصراره اللامسؤول على تحويل التافهين والمفلسين إلى نجوم ساطعة تحلق بطلاقة في سماء الثقافة والفن والإبداع).

ومرتبطة ثالثا بتعمق بؤر التفاوتات السوسيو اقتصادية والفوارق المجالية، بكل ما لذلك من تداعيات مباشرة على “مبدأ تكافؤ الفرص” بين التلاميذ (في هذا الإطار من غير المقبول إطلاقا أن نقارن بين تلميذ في أعالي الجبال حيث تختفي التنمية تماما، وتلميذ في مدينة كبرى بحجم الدار البيضاء أو الرباط أو مراكش أو طنجة أو مكناس أو أكادير، كما لا يمكن أن نقارن بين تلميذ في مدينة كبرى متوفرة أمامه جميع شروط ومستلزمات الدراسة، من سكن لائق وتغذية جيدة وهاتف وأنترنت ودعم مدرسي وأنشطة تربوية ومواكبة أسرية مادية ومعنوية ونفسية، وبين تلميذ يعيش في حي هامشي وفي سكن غير لائق، وسط أسرة تعيش على وقع الهشاشة والإقصاء، أو تلميذ يدرس في مدرسة رفيعة توفر عروضا تربوية مميزة، وتلميذ يدرس في مدرسة فاقدة لأدنى شروط الجودة، أو بين تلميذ يدرس في قسم من 20 تلميذا، وتلميذ يدرس في قسم تقترب ساكنته من عتبة الخمسين…)…

وعليه، وبما أن الأزمة “بنيوية”، فالحلول لا بد أن تكون “مبدعة” و”خلاقة” و”مبتكرة”، في إطار رؤية إصلاحية استراتيجية متبصرة، تمر أولا عبر:

– تنزيل جيل جديد من المناهج والبرامج الدراسية وطرائق التدريس ومنظومات التقويم والتوجيه، والارتقاء الحقيقي ببنيات الاستقبال وبالتجهيزات والوسائل التعليمية وبأنشطة الحياة المدرسية، والنهوض بمستوى التكوين الأساس والتكوين المستمر، والتخفيف من “كم” البرامج (العبرة في الكيف وليس في الكم – التخفيف من الكم، قد يتيح أغلفة زمنية مهمة، تستثمر في أنشطة الحياة المدرسية…) والتصدي لجائحة “الاكتظاظ” الذي يستحيل معه، كسب رهانات الجودة المأمولة.

– تشخيص أمثل للخيارات البيداغوجية التي ظهرت في سياق جائحة كورونا، ونخص بالذكر “التعليم عن بعد” و”التعليم بالتناوب” و”التعلم الذاتي” و”نظام التفويج”، وهذه الخيارات قابلة للتطوير والتجويد، ويمكن استثمارها ليس فقط، للتصدي لجائحة الاكتظاظ الذي بات لا يطاق، بل ولإرساء منظومة تعليمية “مرنة” و”ميسرة” تحضر فيها كل الأنماط البيداغوجية، أو على الأقل، أن تكون هذه الأخيرة موازية وداعمة للتعليم الحضوري الذي لا يمكن البتة، الاستغناء عنه.

– إرساء منظومة حديثة للتحفيز، تستحضر ما بات يتحمله نساء ورجال التعليم من مسؤوليات ومهمات جسام، من قبيل “حراسة المباريات المهنية” و”مباريات التوظيف” و”الامتحانات الإشهادية”، وما يرتبط بها من تصحيح ومسك للنقط بمنظومة مسار، و”الإسهام في أنشطة الحياة المدرسية”، فضلا عن “إنجاز وتصحيح ومسك نقط فروض المراقبة المستمرة”، حتى يتم الإقبال على هذه المهمات المتعددة الزوايا، بما يلزم من جاهزية وقابلية واستعداد.

– إيلاء أهمية بالغة للتعليم الأولي والابتدائي، على مستوى المناهج والبرامج وطرائق التدريس والتنشيط والتقويم وأنشطة الحياة المدرسية وبنيات الاستقبال، باعتباره القاعدة الأساس، لما نتطلع إليه جميعا من إصلاح حقيقي، فإذا استقام عـود هذا التعليم الأولي والابتدائي، استقامت المنظومة التعليمية برمتها.

– وضع حد لما تعيشه الكثير من المؤسسات التعليمية من مشاهد العبث والتهور والعنف والتمرد على القوانين الأساسية الداخلية في أوساط الكثير من التلاميذ، الذين يصلون إلى المرحلة التأهيلية مشبعين بسلوكات لامدنية، تتحمل وزرها الأطر الإدارية والتربوية، وهذا معناه، أن مجهودات كثيرة يجب أن تبذل على مستوى القواعد، ونقصد هنا السلك الابتدائي وبعده السلك الإعدادي، لا على مستوى التعلمات ولا على مستوى المواظبة والسلوك والانضباط، لأن المدرسة هي تربية وأخلاق واحترام والتزام، قبل أن تكون مجالا للتعلمات، وبقدر ما نرى أن تفشي السلوك اللامدني في الأوساط المدرسية، تتحكم فيه ظروف داخلية مرتبطة بالمدرسة (محدودية الضبط في الابتدائي والإعدادي وبعدهما التأهيلي – الاكتظاظ – التهاون في فرض احترام القوانين الأساسية الداخلية…)، وأخرى خارجية (مسؤولية الأسرة – تأثير الشارع – تأثير الإعلام…)، بقدر ما نرى أن الإدارات التربوية في الأسلاك الثلاثة، لا بد أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في إعادة الهيبة والوقار للحرم المدرسي، عبر الصرامة في فرض احترام القوانين الأساسية الداخلية، وعدم التهاون مع العابثين والمتهورين والمخلين بالعمليات التعليمية التعلمية داخل الأقسام الدراسية، وتفعيل أدوار المجالس بكل مستوياتها، لكبح جماح موجات العبث والتسيب، أما صناع القرار التربوي، فلا بد أن يدركوا أن المذكرات “الطوباوية” التي تنزل بين الفينة والأخرى من قبيل “مذكرة البستنة”، لم تقو على زحزحة “قارة السلوك اللامدني”، ولن تقوى على ذلك، ما لم يحضر خطاب “الصرامة” و”الالتزام” و”فرض هيبة القانون”، لأن التلميذ الذي يخترق القانون الداخلي بلباسه وتحليقة شعره المثيرة للانتباه، وبكثرة تغيباته وبعدم انضباطه داخل الفصل وعرقلته للتعلمات، بكل ما لذلك من مساس جسيم بحقوق زملائه في التعلم، وغشه في فروض المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية، وتعنيفه للأساتذة أحيانا، وعدم إحضاره للكتاب المدرسي وعدم كتابته للدروس وعدم إنجاز واجباته المدرسية، لا يمكن البتة، التعامل معه بمنطق “مذكرة البستنة” أو بنظرة “المتعلم” لأنه لا يحمل من الصفة سوى الاسم، وليس من خيار لتجاوز هذا الواقع المؤلم، إلا بتجاوز خطاب “الفشوش” و”مصلحة المتعلم”، وتبني خطاب “الصرامة” و”المسؤولية” و”الالتزام”، حرصا على هيبة ووقار الحرم المدرسي، وحفظا لحقوق تلاميذ آخرين يرغبون في التعلم، ويستحقون أن نمكنهم من بيئة تعلمية ملائمة وآمنة ومستقرة، ويكفي في هذا الصدد، إجراء مقارنة بسيطة بين مؤسسات التكوين المهني والمدارس العمومية، لنكتشف الفرق بين ثمار “الصرامة” وحصاد “البستنة”…

– القطع مع مشكلة الساعات الخصوصية المؤدى عنها في المدارس الخصوصية، حرصا على كرامة ومصداقية أساتذة التعليم العمومي، الذين تضطرهم ظروفهم المادية، إلى ما يشبه “التسول” كل موسم دراسي بين “مقاولات التعليم الخصوصي” بحثا عن فرصة عمل إضافية، ترمم “بكرة” مشاكلهم المادية، وفي هذا الإطار، وبقدر ما نحن مع المنع الكلي لهذه الظاهرة المقلقة، لما لها من تداعيات مباشرة على جودة التعلمات بالمدارس العمومية، بقدر ما نلح على ضرورة مواكبة هذا الإجراء بحلول عملية محفزة، من قبيل تخصيص “تعويض شهري” خاص بساعات الدعم المدرسي العمومي، لفائدة الأساتذة الذين ينخرطون تطوعيا في هذا الدعم. (العمل الإضافي الذي يقوم به الأساتذة داخل المدارس الخصوصية، يفترض أن يستثمر داخل المدرسة العمومية في شكل دعم مدرسي وتنشيط للحياة المدرسية، فمن غير المقبول أن تظل مدارس خصوصية أقرب إلى المقاولات، تستفيد من أساتذة التعليم العمومي، تستثمرهم بل وتستغلهم لتحقيق أهدافها الربحية، بدل أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في تكوين أطرها).

– تحمل الأسر مسؤولياتها المواطنة في تربية أبنائها وحسن تأطيرهم وتوجيهم، بل وأن تكون شريكا للمدرسة في رسم المسارات الدراسية للأبناء / التلاميذ، والإسهام المشترك في بناء ومواكبة “مشاريعهم الشخصية” (هذه المشاريع الشخصية تحتاج إلى منظومات تعليمية عصرية تحضر الجودة في كل تفاصيلها، وإلى “أقسام مخففة” تقطع مع جائحة الاكتظاظ التي استفحلت في الموسم الدراسي الجاري، وحولت الكثير من الحجرات الدراسية إلى ما يشبه “علب السردين”، وإلى أسر مسؤولة متتبعة ومواكبة للمسار التعليمي لأبنائها، وبنية اقتصادية متقدمة قادرة على احتضان كل المشاريع…، وأي حديث عن مشروع متعلم في سياق الوضع التعليمي والاقتصادي والتنموي القائم، لن يكون إلا عبثا، إن لم نقل “عكر فوق الخنونة” إذا ما جاز التوصيف)، شأنها في ذلك، شأن باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التي لا بد أن تتحمل بدورها، مسؤولياتها كاملة، في بناء ما يحتاجه الوطن من مواطنين صالحين ملتزمين، مشبعين بالقيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية..

– الرهان على مشروع الحماية الاجتماعية والمشاريع التنموية التي سيطلق عنانها، النموذج التنموي الجديد، في التخفيف من حدة الفوارق السوسيو اقتصادية والتفاوتات المجالية، بما يضمن كسب رهانات التنمية الشاملة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية، وفي هذا الإطار، يصعب البتة، بلوغ مدرسة الجودة والحياة، ما لم يتم التصدي لكل مشاهد الفقر والهشاشة والإقصاء والبؤس الاجتماعي، لما لها ليس فقط، من تداعيات مباشرة على نمو الأطفال/التلاميذ وتوازنهم النفسي والوجداني وعطائهم الدراسي، بل ومن ضرب لمبدأ “تكافؤ الفرص” بين التلاميذ، ومن تكريس واضح لظاهرة “الهدر المدرسي”، الذي يضع كل موسم دراسي، شرائح واسعة من التلاميذ خارج منظومة التربية والتكوين، بكل ما لذلك من انعكاسات على مستوى التنمية البشرية بالمغرب.

ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فالمسألة التعليمية الوطنية هي أكبر من عملية حساب بسيطة مستعصية أمام شرائح واسعة من تلاميذ السلك الابتدائي، هي أزمة “بنيوية” كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، تحتاج إلى حلول بنيوية، يتقاطع فيها التعليمي والتربوي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والمجالي والبشري والإعلامي والتواصلي والإشعاعي، ومن يظن أن حل أزمة المدرسة العمومية يقع تحت مسؤولية الوزارة الوصية على القطاع بمفردها، فهو يحتاج إلى تغيير المنظار، لأن التعليم هو “شأن مجتمعي” لا بد أن ينخرط فيه الجميع من دولة وحكومات ومؤسسات عمومية ومجالس منتخبة، ومن مؤسسات تنشئة اجتماعية ومجتمع مدني وإعلام ومن باحثين وخبراء في حقل التربية والتكوين، من أجل إرساء مجتمعي لمنظومة تعليمية عصرية، قادرة على قيادة المغرب نحو مرحلة الإقلاع التنموي الشامل، ومهما كانت قوة ومتانة التعبئة المجتمعية بشأن المدرسة العمومية، لا بد أن تحضر القناعة الراسخة من جانب صناع القرار السياسي والتربوي، في أن التعليم هو “الوصفة السحرية” القادرة على كسب رهانات النموذج التنموي الجديد، وأن المدرس/ة هو رافعة الإصلاح ومهندسه ومحركه ومفتاحه وصمام أمانه.

ونختم بالقول، بما أننا نعيش في سياق الحوار الاجتماعي القطاعي بشأن النظام الأساسي المرتقب لموظفي وزارة التربية الوطنية، لا بد أن تدرك الوزارة الوصية على القطاع ومن خلالها الحكومة “الاجتماعية”، أن قطار الإصلاح يمر قطعا عبر محطة “انطلاقة” عنوانها العريض “نساء ورجال التعليم”، وبدون إعادة الاعتبار لهؤلاء “ماديا” و”مهنيا” و”اجتماعيا” و”تحفيزيا”، فالرحلة لن تكون إلا “متعثرة” و”مرتبكة” و”مترددة”، منتجة لإخفاق تعليمي جديد، في ظروف وسياقات جديدة، على أمل أن تكون النقابات الأكثر تمثيلية في مستوى هذه اللحظة التربوية، دفاعا عن حقوق ومصالح ومكاسب “أسرة تعليمية”، تستحق الأفضل والأجود، وما ذلك بعزيز على نساء ورجال، يحترقون في صمت داخل حجرات دراسية باتت أحيانا جحيما في ظل جائحة الاكتظاظ، لبناء العقول وإرساء القيم الوطنية والدينية والإنسانية، خدمة لوطن عزيز، نتمناه على الدوام، آمنا ومطمئنا وشامخا ومزدهرا، تحت مظلة شعار خالد عنوانه العريض “الله”.. “الوطن”.. “الملك”.

#خرجة #بنموسى. #حديث #ومغزل

زر الذهاب إلى الأعلى