حسن مومن يتحدث ونحن نتفاعل…

يقول الكاتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو في كتابه “كرة القدم بين الظل والشمس”: (تدور الكرة والعالم يدور). يُعتقد أن الشمس هي كرة مشتعلة، تعمل خلال النهار وتتقافز في الليل هناك في السماء، بينما القمر يعمل، مع أن للعلم شكوكه في هذا الشأن. ولكن الأمر المؤكد في المقابل، بكل يقين، هو أن العالم يدور حول الكرة التي تدور. (ص: 180).

لن نختلف على أن الكرة توقفت عن الدوران في مدينة الخميسات وأوقفت العالم المحيط بها وانطفأت الشمس التي تضيء الرياضة وتجر القاطرة، فريق الاتحاد الزموري لكرة القدم، ونحن ننظر إليه يتجه إلى حتفه مبتسما (محمود درويش) بائسين، ويغوص نحو غياهب الأقسام السفلى، نتساءل: هل هي أزمة نتائج أم المشكل أعمق يصل إلى مساءلة السياسة الرياضية في المدينة ويقرع أجراس همنغواي فوق رؤوس كل الفاعلين؟ هل يكفي أن نصرخ: لا تطفئ الشمس (إحسان عبد القدوس) في وجه المسير كي تدور الكرة مرة أخرى ويدور العالم معها؟ أم أننا في حاجة إلى نقد ذاتي (علال الفاسي) تأسيسا على فكرة: الأزمة بنيوية، من أجل الإصلاح الشامل؟

يقول سقراط: تحدث كي أراك، ويعبر الكلام هنا عن كل مكونات التفكير والتعبير عن الآراء، والرؤية تحتوي في طياتها باقي أخلاقيات النقاش الهادف والبناء الذي ينشد استشراف المستقبل وتقييم الحاضر بناء على معطيات الماضي. ومن هذا المنطلق احتضن المقهى الثقافي ENJOY، المنضوي تحت لواء شبكة المقاهي الثقافية في المغرب، لقاء مفتوحا مع الإطار الوطني حسن مومن، تحت عنوان: “المسار والواقع”، في إطار سلسلة لقاءات رياضية يكون فيها الأستاذ عزيز السعودي محاورا للضيوف. لقد حاول الأستاذ حسن مومن في مستهل اللقاء أن يستعرض مختلف التطورات التي عاشتها الرياضة المغربية، كرة القدم، خصوصا خلال الفترة التي عايشها، مستعينا بتجربته بمجموعة من الفرق الوطنية سواء مدربا أو مديرا رياضيا، وكذلك خلال فترة تواجده بالمنتخب الوطني. بعد ذلك عرج على واقع الرياضة بمدينة الخميسات، معتمدا على مقارنة بين الماضي وأول صعود لفريق الاتحاد الزموري للخميسات إلى القسم الوطني الأول سنة 2000 بعد نزوله سنوات السبعينيات. ولم يعتبر الأمر ضربة حظ ومجرد دوران للكرة، بل جاء بعد سنوات من الاشتغال والصبر لتحقيق استراتيجية وضعت قبل عشر سنوات تقريبا، انطلقت بالتكوين والاعتماد على أبناء المدينة لتجاوز الإكراهات الاقتصادية. والأمر نفسه تكرر كذلك خلال موسم 2008 مع المدرب الحسين عموتة عندما احتل الفريق المركز الثاني. ومن هنا ينبثق السؤال: كيف نعيد قطار الفريق إلى سكة هذه الإنجازات؟ وهل معطيات الواقع مازالت صالحة لتطبيق الاستراتيجية نفسها؟

بعيدا عن المطالب بإقالة الرئيس أو المدرب، أو حتى تصريح اللاعبين… وكل أشكال تسطيح النقاش. حاول الأستاذ حسن مومن أن ينقب في عمق الأزمة من خلال استحضار نماذج وتحديد المسؤوليات واستحضار أدوار الفاعلين. لن نختلف على أن الفريق يعاني من مشاكل على مستوى التدبير، لها ارتباط بما تعيشه أيضا المدينة من عبث وتخبط في التسيير على المستوى السياسي العام. وهذه المشاكل التدبيرية لها ارتباط بما هو اقتصادي، المدينة لا تستطيع أن تتحمل مصاريف فريق في القسم الاحترافي ليستجيب لدفتر التحملات، لذلك تبقى البدائل الأخرى التي أشار إليها الإطار الوطني تعِدُ بالنجاعة والانعتاق من براثن الأزمة. دون الاعتماد على التكوين وإعادة الاعتبار لكرة القدم في الأحياء، لن نصل إلى هذا الهدف. ومن هنا يمكن أن نتساءل مع الأستاذ: هل الانتقال من ملاعب الأحياء، الترابية التي كان ينبعث اللاعبون من ترابها، إلى ملاعب القرب اصطناعية العشب حقق الغايات المنشودة؟ وكما قال ذ. حسن مومن بلسانه: هل هي ملاعب قرب أم ملاعب بُعد؟ يجب توجيه الدعوة إلى إعادة النظر في كيفية تدبير هذه المرافق الرياضية التي جاءت من أجل تقريب الرياضة من المواطن، كرة القدم هي لعبة الفقراء، ومن العار أن يطلب من طفل دفع مستحقات الانخراط، أو من الشباب تأدية أثمنة لمزاولة كرة القدم التي كانت مجانية. بهذه الطرق نُبعد عنهم رياضتهم الشعبية ونلقي بهم إلى مطبات الانحراف والجريمة، ونضرب عرض الحائط السياسات الوطنية التي أنشئت من أجلها هذه الملاعب (مجانية ممارسة الرياضة). كما تحدث الأستاذ حسن مومن عن مشاكل التكوين في المغرب، النجاح الكمي وتخرج عدد مهم من المكونين والأطر سنويا يرخي بظلاله ويغطي على الفشل النوعي للتكوين. واستحضر نموذج ألمانيا من خلال رفض منح أحد اللاعبين المعروفين درجة من درجات التدريب عطفا على مستواه الثقافي والمعرفي. وجب الفصل اليوم بين مهمة اللاعب السابق، وبين مهمة المؤطر التي تتطلب وعيا بيداغوجيا ومهارات علمية ومعرفية في التكوين والتأطير، والقطع مع التطبيع مع بعض السلوكات التي تجعل من التكوين، خاصة في الفئات السنية الصغرى، فرصة شغل للاعبين سابقين من أجل إرضاء الجمعيات الرياضية.

كما وجبت الإشارة إلى أن أي فريق “كبير” في المدينة يشتغل بالموازاة مع الفرق الأخرى داخلها، مثل فريق بلدية الخميسات، حيث تكون الفرق الأخرى “الصغرى” مختبرات لمنح اللاعبين مجالا للمشاركة والاحتكاك بباقي الأقسام وكذلك لدعم الفريق الأول، ففريق الأمل يرسل عددا مهما من اللاعبين لفريق البلدية من أجل دعم ترسانته. هذه الاستراتيجية التي انطلقت منذ سنوات وجب مساءلتها: كم من لاعب أنتجته ويمارس حاليا بالفريق الأول؟ وكم لاعبا التحق بفرق أخرى في القسمين الأول والثاني بعد تطوير تجربته؟ أم أن هذه الخطة فقط حل من حلول التخلص من اللاعبين، وكذلك لإرضاء فريق اعتاد أن يسلم إدارته الفنية للاعب منتسب لقدماء اللاعبين؟ وما هو مصير اللاعبين الذين تجاوزوا السن القانونية لمزاولة كرة القدم في أقسام الهواة؟

كما أشار الأستاذ حسن مومن في ختام كلامه إلى ضرورة إعادة النظر في طريقة وضع السياسات الرياضية، وطرق التدبير والتسيير، وتحديد مسؤوليات كل الفاعلين، من جمعيات وصحافة رياضية وكذلك باقي مكونات المجتمع التي تتدخل بشكل غير مباشر. وبالحديث عن الصحافة الرياضية، أو الصحافة بشكل عام في مدينة الخميسات، يمكن أن نطرح السؤال: هل تقتصر مهمة الصحافي على كتابة منشور “فايسبوكي” ليخبرنا أن الفريق انهزم أو انتصر؟ أم أن مهمته تمتد ليكتب لنا مقالات يحلل فيها الوضع ويشرحه، ويقوم بتحقيقات صحافية، موظفا كل آليات التحقيق الصحافي، ليبحث في عمق الأزمة ويأتي بمعطيات تساعد على الفهم والتحليل ويقربها من الرأي العام، وكذلك حضور مثل هذه اللقاءات من أجل إغناء النقاش وطرح الأسئلة الجادة المتخصصة، عوض الاكتفاء بحائط المبكى الافتراضي.

وفي الأخير لا بد من التوجه بأسمى عبارات الشكر والتقدير للأستاذ حسن مومن الذي شارك الحضور تجربته وباقي معارفه في الميدان بسخائه المعتاد. كما لا ننسى شكر المحاور الذي أطر النقاش بشكل مهني، الأستاذ عزيز السعودي، وباقي الحضور الذي أغنى النقاش بالأسئلة والتفاعل. ويبقى السؤال معلقا على حائط الفشل الكروي: لماذا غابت الفعاليات الرياضية بالإقليم كالجمعيات الرياضية لقدماء اللاعبين والمحبين والأنصار، والصحافة الرياضية عن اللقاء؟ هل تكفي النقاشات في المقاهي و”فيسبوك” من أجل الانعتاق من براثن الأزمة؟ وكي لا يقول قائل إن اللقاء تزامن مع مباراة اتحاد الزموري لكرة القدم، اللقاء استمر حتى الساعة السابعة مساء.

“كرة القدم كانت ومازالت علامة رئيسية من علامات الهوية الجماعية، انا ألعب، إذن أنا موجود: أسلوب اللعب هو طريقة في الحياة، يعكس الوجه الخاص لكل مجتمع ويؤكد حقه في التميز. قل لي كيف ألعب أقول لك من أنت”. (إدواردو غاليانو، كرة القدم بين الظل والشمس، ص: 183)

#حسن #مومن #يتحدث #ونحن #نتفاعل..

زر الذهاب إلى الأعلى