تهور الرئيس التونسي يستحضر تكهن العروي بمستقبل الفضاء المغاربي

بدا المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي واثقاً وهو يتحدّث في حوار صحافي بث قبل سنوات على قناة “الأولى” المغربية، عن المغرب باعتباره “جزيرة”؛ فقد كرّرها أكثر من مرّة وهو يحاول أن يوضّح فكرته لمحاورته أن على المغرب والمغاربة أن يتعاملوا وكأنهم سكان الجزيرة، قائلا: “المغرب جزيرة لا تُرى لكن انظري (يقصد الصحافية) إلى الخريطة وسترين أن المغرب جزيرة”، قبل أن يضيف: “قدرنا هو أننا جزيرة ويجب أن نتصرف كسكان جزيرة”.

العروي في هذا المقطع من الحوار الذي استدعاه مجموعة من النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” خلال اليومين الأخيرين، لم يشر بعبارات واضحة إلى مقصده، لكنّ متداوليه وجدوا فيه جواباً على تساؤلاتهم حول ما يصفونها بـ”الحرب متعددة الجبهات” المفتوحة على المغرب مؤخرا من طرف بعض دول الجوار، آخرها من جانب دولة تونس، موازاة مع تحقيقه، بحسبهم، “انتصارات دبلوماسية عديدة”، خاصة حين ختم المفكّر المغربي تصريحه في هذا السياق بالقول: “إنها جزيرة مطوّقة”.

مناسبة استدعاء هذا المقطع من الحوار هي الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها دولة تونس، بعد تخصيص الرئيس قيس سعيّد استقبالا رسمياً لزعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، بعد أن حطّ بمطار “قرطاج” على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية، ليحضر “ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا” المقامة حاليا بتونس، ضداً على رغبة اليابان، وفق دعوة موقعة من قبل كل من رئيس الوزراء الياباني والرئيس التونسي، لم تشمل “جبهة البوليساريو”.

“جزيرة في مواجهة التغيرات المناخية”

محمد بودن، خبير في العلاقات الدولية رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، قال إنه يجد في توصيف المفكر المغربي عبد الله العروي “الكثير من الإلهام الذي ينبغي أن يمثل قوة دفع في اتجاه المزيد من الاعتماد على الذات والتعامل مع التقلبات بحزم واستباقية”.

واعتبر بودن، ضمن تصريح لهسبريس، أن تاريخ وجغرافية المملكة المغربية يؤكدان أنها دولة صامدة ومتينة تواجه “أمواج المطامع والاستهداف وتتعاطى مع تحولات المواقف، كما تقف جزيرة في مواجهة التغيرات المناخية”.

وأوضح خبير العلاقات الدولية أن هذه المطامع وهذا الاستهداف أضعفا الآمال في الاتحاد المغاربي، التي قال إنها “كانت كبيرة، لكنها تحولت بسبب السياسة الجزائرية إلى آمال فارغة من مضمونها ولا يسندها الواقع والإنتاج والتكامل بين المكونات الخمسة؛ بحيث رغم المشاعر ووحدة المصير واللغة والثقافة والدين التي يمكنها كعوامل أن تعمل لصالح تكامل واندماج البلدان الخمسة في الفضاء المغاربي، إلا أن التحديات أثرت بشكل كبير على التحام جناحي هذا الفضاء المغاربي”، وفق تعبيره.

الجزائر ضد الاندماج المغاربي

تجمع تحليلات الخبراء والمحلّلين على أن الجزائر كانت ولا تزال ضد الاندماج المغاربي الاقتصادي والتكاملي. وهكذا، اعتبر خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن “سعي الجزائر نحو الاندماج كان مضلّلا”، مؤكداً أن “توقيع اتفاقية مراكش سنة 1989 لم يكن أبداً في أجندات الدولة الحقيقية للجزائر وهي دولة العسكر التي كانت وراء واقعة فندق أطلس أسني لقطع الطريق أمام مخرجات هذه الاتفاقية”.

وأشار شيات، في تصريح لهسبريس، إلى الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها دولة تونس باستقبالها لإبراهيم غالي، موضّحاً أن ذلك سيجعلها “لاعباً ثانوياً في المنطقة المغاربية بعد اختيارها خانة التبعية للجزائر التي من الممكن أن تدفعها إلى أبعد من ذلك، وهو إقامة علاقات دبلوماسية مع جبهة البوليساريو”.

“هذه التبعية للجزائر والفشل الذي راكمه قيس سعيّد على المستوى الداخلي وأضاف إليه الفشل الاستراتيجي والتصور الإقليمي، يحتّم على المنطقة المغاربية أو شمال إفريقيا أن تبقى في ثنائية: إما هيمنة الجزائر على دول ضعيفة لا تملك قرارا سياسيا وجذبها إلى الديكتاتورية والانغلاق وقتل الفكرة المغاربية، أو هيمنة الدول التي تملك استقلالية في القرار وتؤمن بالاندماج الاقتصادي والتكاملي”، يورد الخبير في العلاقات الدولية.

أما محمد بودن، فقال إن الفكرة المغاربية “سبقت بعشرات السنين هذه الأحداث الطارئة، ومن المفروض ألا يكون هذا القاسم المشترك حاجزا بين المكونات المغاربية، كما لا يمكن لكيان انفصالي أو من يوفر له الحاضنة ويضع أمامه السجاد الأحمر أن يتطفل على تاريخ المنطقة المغاربية وتجانس شعوبها”.

بدوره، زهر الدين طيبي، باحث في العلوم القانونية والسياسية بجامعة محمد الأول بوجدة، قال إن “الاتحاد المغاربي دخل غرفة الإنعاش منذ ولادته”، مشيراً إلى أن خروج تونس من منطقة الحياد إلى “أخرى أكثر من رمادية، نسف كل ما يمكن أن تنتظره الدول المغاربية من هذا الاتحاد”.

خطوة مفاجئة

لم يخف الشارع المغربي تفاجأه بخطوة تونس الأخيرة، خاصة بعد المواقف التي عدّدها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الداعمة لتونس من طرف المغرب. ويرى زهر الدين طيبي أن عنصر المفاجأة في هذه الخطوة يكمن في كون مصدرها “بلد شقيق”، ذاهباً أيضاً إلى استحضار الزيارة الملكية إلى تونس سنة 2014 في ظل التهديدات الإرهابية التي كانت تشهدها البلاد وخروجه عن البروتوكول في شارع الحبيب بورقيبة، وأخذ صور مع المواطنين تشجيعاً للسياحة في هذا البلد.

وأوضح طيبي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “المغرب أثبت في أكثر من محطة تواجده بجانب دولة تونس الشقيقة، كان آخرها المستشفى الميداني الذي أرسله المغرب إلى تونس خلال جائحة كورونا، حيث لبّى هذه الدعوة وكان من أوائل الدول التي قدّمت لها مساعدات”.

وأضاف أن موقف الحياد في قضية الصحراء المغربية الذي أصرت الحكومات التونسية السابقة على الاحتفاظ به على مدى عقود، ساهم أيضاً في مفاجأة المغاربة، مبرزا أنهم (المغاربة) يجدون موقف الحكومة الحالية “غير مفهوم وغير مقبول”، قبل أن يشير إلى أن “هناك اختطافا لسياسة الدولة التونسية من طرف الجزائر”، على حد تعبيره.

#تهور #الرئيس #التونسي #يستحضر #تكهن #العروي #بمستقبل #الفضاء #المغاربي

زر الذهاب إلى الأعلى