تهور الرئيس التونسي .. “الحديقة الخلفية للجزائر” تزيد متاعب الفضاء المغاربي

تطورات متسارعة مازالت تعيش على إيقاعها العلاقات المغربية التونسية، بعد دخولها “مرحلة أزمة دبلوماسية” معلَنة بعد استدعاء سفيريْ البلدَين في الرباط وتونس للتشاور، فضلا عن إصدار وزارة الخارجية التونسية لردٍّ اعتبره الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية المغربية أنه “بيان لم يُزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل ساهم في تعميقه”.

وأضافت الخارجية المغربية، مستغربة “محاولة البيان التونسي تبرير التصرف العدائي وغير الودي للسلطات التونسية تجاه القضية الوطنية الأولى والمصالح العليا للمملكة المغربية”، أنه “ينطوي على العديد من التأويلات والمغالطات”؛ أبرزها أن منتدى “تيكاد” ليس اجتماعا للاتحاد الإفريقي، بل هو إطار للشراكة بين اليابان والدول الإفريقية التي تقيم معها علاقات دبلوماسية.

وبإصراره على استقبال شخصي خصّ به زعيم الجبهة الانفصالية في أكثر من مناسبة، بالمطار كما عند افتتاح قمة “تيكاد” الثامنة التي تحتضنها بلاده، اختار الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إثارة زوبعة هذه الأزمة في توقيت “حسّاس”، مثيرا معها تساؤلات حول تأثيراتها على وحدة الصف المغاربي، ومستقبل خارطة العلاقة في منطقة شمال إفريقيا؛ لاسيما بعد الخطاب الملكي الأخير (ذكرى 20 غشت) الذي أكد بوضوح أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

“حديقة خلفية للجزائر”

خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، رصَد “وجود اتجاهيْن في شمال إفريقيا؛ الأول يعبّر عنه المغرب باعتباره يقوم على الاندماج والانفتاح والتبادل الحر والتكامل الاقتصادي، بينما الثاني يحيل على النموذج الهيْمَني الذي تعبر عنه السلطة العسكرية في الجزائر، التي لا تؤمن أبدا بإمكانيات الاندماج ولا التكامل مغاربياً”.

وسجل شيات، في حديث مع هسبريس، أن “هذه الأزمة مع تونس، التي فقدَت استقلالية قرارها الإستراتيجي بتبنّيها للأطروحة الجزائرية، ستجعلها في خانة التبعية والذّيْلية؛ كما أنها ستؤدي بها إلى أن تصير لاعبا ثانوياً جدا في المنطقة المغاربية”، لافتا إلى أنها “قد تذهب أبعد ذلك بإقامة علاقات تعاون أو دبلوماسية مع البوليساريو، بعدما أصبحت حديقة خلفية للجزائر ونظامها السياسي العسكري، وخسرت استقلالية قراراتها الإستراتيجية الخارجية، ولم يعُد بيَدها أي شيء اليوم”.

وأورد الأستاذ ذاته، في معرض تصريحه، أن “الرئيس التونسي أساء إلى بلاده تونس أكثر مما أساء إلى المغرب، وهي إساءة تظل غير مؤثرة بتاتا؛ مخرجاً إياها من استقلالية قرارها لعقود من الموقف المتوازن والحيادية في قضية الصحراء المغربية”، مشددا على أنها “رؤية قاصرة ضيقة الأفق تُقايض المزايا الاقتصادية والمالية بالمواقف السياسية، وهو الأمر الذي دأبت عليه الجزائر مع الأنظمة ذات النزعة الشمولية، التي طبّقها قيس سعيّد خلال العام الأخير”.

وعاد المتحدث ذاته إلى النبش تاريخيا في سياق المنطقة المغاربية التي كانت، إثر توقيع اتفاق مراكش (فبراير 1989)، في “اتجاه بناء منطقة مندمجة ومتكاملة اقتصادياً، تتجاوز الصراعات والندّية التي طبعت حينها سياقات الحرب الباردة؛ إلا أن النظام الجزائري الذي لم يعد يتمتع بالشرعية السياسية وضمان استمراره بعد الحرب الأهلية قام بقطع هذا التوجه، وسعى عبر خطوة ‘أطلس آسني’ إلى استعداء المغرب”.

“الفشل الذي عبّر عنه قيس سعيّد على المستوى الداخلي أضاف إليه الفشل الإستراتيجي والتصور الإقليمي”، يخلص شيات، الذي اعتبر أن منطقة شمال إفريقيا لا يمكنها إلا أن تكون “خاضعة لمنطق هذه الثنائية التي تُهيمن فيها الجزائر على دولة جارة وتجذبها إلى الدكتاتورية ونحو الانغلاق وقتل الفكرة المغاربية”.

متاعب للفضاء المغاربي

من جهته، نسَج عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، على المنوال نفسه، معتبرا أنه “لا يجب النظر إلى ما قام به قيس سعيّد كموقف للدولة التونسية، وهو ما لا يُعتدّ به حاليا، لأن الرئيس التونسي يفتقر إلى كارزمية سياسية، بالنظر إلى الإشكالات التي تحاصره على المستوى الإقليمي كما الدولي”.

ولفت الفاتيحي إلى كون ما قام به سعيد “تصرّفا خاطئا في سياق خاطئ يدفع في اتجاه تخريب تاريخ الاتحاد المغاربي، باعتباره مِعول هدم لكل الجهود التي طالما قامت بها تونس من خلال دعوات توالت سابقا إلى توحيد جهود الأشقاء ودول منطقة شمال إفريقيا التي تشترك التاريخ والمصير ذاته”.

وتابع المتحدث ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، بأن الفعل يظل مجرد “قرار اتخذ من طرف رئيس يعيش وضعا مرتبكا داخليا ومحليا، نتيجة اختلافات كبرى وهيكلية، وكذا في ظل عزلة، نظرا لكون النقاش حول المسار الديمقراطي في تونس يظل محط تساؤل واهتمام دولي”؛ مشيرا إلى أنه “سلوك سياسي مُقزَّم ولا يعكس حقيقة موقف الدولة التونسية، الذي كان خاضعا لتقدير سياسي تاريخي يصعب تغييره”.

كما أشار مدير المركز المذكور إلى أن “سياق قرار سعيّد استقبال زعيم الانفصاليين جاء مباشرة بعد قرار فتح الحدود المشتركة بين تونس والجزائر، وبعد أشهر من امتناع تونس عن الوقوف إلى جانب المغرب في قرار يخص تجديد بعثة المينورسو من طرف مجلس الأمن الدولي”؛ وهو ما دفع بالخارجية المغربية إلى “الشك والتساؤل والبحث عن حقيقة الموقف التونسي”.

وختم الفاتيحي حديثه بالقول إن “تونس لن تتحمّل تبعات الدخول في أزمة دبلوماسية مع دولة عربية ومغاربية شقيقة، طالما مدّت لها يد العون في ظل معاناتها من لهيب الإرهاب وتحديات الأمن والهجرة”.

عمل غير مسؤول

وفي تفاعل له مع الموضوع، قال الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، في “تدوينة” “فايسبوكية”، إن “استقبال قيس سعيد لرئيس البوليساريو كما لو كان رئيس دولة معترف بها عالميا وَضَع تونس في صف شقيق ضد شقيق آخر”، وأضاف: “نحن أمام عمل مدان بكل المقاييس لأنه غير مسؤول ومضرّ بمصلحة تونس ضرره بالحظوظ الضعيفة لإخراج الاتحاد المغاربي من غرفة الإنعاش”.

وتابع الرئيس التونسي الأسبق: “إننا في أمس الحاجة لإنهاء الخصومة، لا لصب مزيد من الزيت على النار… والدليل تعالي الصراخ من كل الأرجاء وتراجع كل مقومات الحوار الهادئ والبناء بين أفراد العائلة الواحدة”، محمّلا قيس سعيد مسؤولية هذه الأزمة.

#تهور #الرئيس #التونسي #الحديقة #الخلفية #للجزائر #تزيد #متاعب #الفضاء #المغاربي

زر الذهاب إلى الأعلى