تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

المحور الرابع: تنصيب المحامي في ظل مشروع استعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية.

يتضح إذن أن أحكام هذه المسودة تختلف عن مسودة ق.م.م في نقطة إلزامية تدخل المحامي، مما يستوجب التدخل لإضفاء تلاءم ناجع بينهما، لتجنب صدور نصوص متناقضة قد تثير مجموعة من الإشكالات والتنازعات بين القوانين.

    عملت وزارة العدل على نشر مسودة مشروع قانون يتعلق ببوادر السير نحو أفق المحكمة الرقمية، وتحديث و عصرنة الإجراءات القضائية، تم من خلاله نسخ وتعديل وتتميم مجموعة من الفصول والمواد المتعلقة بقانون المسطرة المدنية والجنائية.

     وقد أثار هذا المشروع مجموعة من ردود الفعل سواء من حيث عدم إشراك رجال الدفاع فيه أثناء وضعه بصفتهم معنيون أساسا به، وكذا تاريخ إحالته على الهيئات وجمعية هيئات المحامين بالمغرب من أجل إبداء الرأي حوله، كما أثير نقاش كبير حول مجموعة من فصوله التي تناولها بالتعليق والانتقاد مجموعة من الأساتذة والباحثين من خلال مقالاتهم وتعليقاتهم ومداخلاتهم.

    ما يهمنا في هذه المقالة المتواضعة هو طرح علاقة هذه المسودة بنقطة إلزامية تنصيب المحامي، وهل في عباراته وفصوله دلالات يمكن استخلاص معها تدخل المحامي في ظل هذه العصرنة ومدى احترام القواعد السالفة البيان سواء في ظل القوانين الحالية أو مسودات المشاريع.

إقرأ أيضا : واجبات اشتراك المحامي والتسجيل في هيئات المحامين بالمغرب

    مبدئيا، ومن خلال تصفح فصول هذه المسودة، لا نجد أي تدخل صريح يهم مدى إلزامية تدخل المحامي من عدمه في ظل هذه المستحدثات الالكترونية، ويرجع ذلك على أن هذه المسودة جاءت لتعدل وتنسخ وتتمم ق.م.م و ق.م.ج، واللذان لا يعتبران أساسا قانونيا مباشرا لإلزامية تنصيب المحامي كما أسلفنا البيان، لكن يجدر التأكيد على أن المشاريع تؤخذ في شمولياتها بنظرة تشاركية مع باقي مشاريع القوانين الأخرى لتجنب التناقض، فمادام أن المشرع قد أطر في مسودة مشروع ق.م.م تدخل المحامي، فكان من الممكن أن يواكب هذا المشروع ذلك.

    غير أن ما يمكن استنتاجه من هذه المسودة، هو أنه لا يتحدث عن المنصة الالكترونية للمتقاضي، وإنما خص ذلك بالسادة المحامون والسادة المفوضون القضائيون، وهي المنصة الوحيدة التي تمكن من سلوك الإجراءات القضائية بطريقة إلكترونية، فهل في ذلك إيحاء باستشراف عمومية تدخل المحامي في جميع المساطر والقضايا؟

   لا يمكن اعتبار هذا الطرح صحيحا، إذ أن هذه المسودة لا تشير لذلك صراحة، كما أن الأسس القانونية الأخرى سترجح عنه في أساس تطبيق هذه المسألة. إن المتقاضي الذي يؤيد سلوك المساطر بصفة شخصية في حدود الحالات التي يسمح بها القانون سيجد نفسه أمام استعصاء إلكتروني لم يعره المشرع اهتماما.   

 

   ما يمكن تسجيله أيضا، هو أن المشروع في بعض الحالات يفترض ضمنيا إمكانية عدم وجود المحامي في المساطر القضائية، نذكر من ذلك مثلا الفقرة 2 من الفصل 432-1 التي جاء فيها ” إذا كان طالب التنفيذ أو المنفذ عليه ممثلا بمحام، وجب على هذا الأخير تحديد حسابه الالكتروني والمهني في الطلب المقدم”

كما جاء في مطلع الفصل 332 “ تودع مذكرات الدفاع والردود وكل المذكرات والمستنتجات الأخرى”

   أما عن المساطر الزجرية فستشهد بدورها نوعا من الاضطراب بشأن حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة، فبإدخال هذه الإجراءات الرقمية على المساطر الزجرية وإقرار المحاكمات عن بعد يمكن أن تتسع دائرة الخروقات والضرب بالمبادئ المقدسة دستوريا، مما يستوجب بالتبعية ضرورة حضور المحامي لتتبع هذه المساطر وإثارة أي كيف ما كان نوعه.

خاتمة :

    ختاما، وبناء على الاعتبارات المومأ إليها، يمكن القول أن مسألة تنصيب المحامي تشهد مجموعة من النقط المطروحة للنقاش وتعدد الآراء، لا من حيث فلسفة تدخله نظريا، ولا من حيث إشكالات عدم تدخله عمليا، ولا من حيث صيغ القوانين الحالية ومسودات المشاريع لفظيا.

   يجب التأكيد على ضرورة إقرار إلزامية تدخل المحامي ضمانا لحقوق الدفاع و المحاكمة العادلة، الشيء الذي يستوجب ضرورة التدخل لإقرار نصوص تتجه نحو ذلك بشكل صريح وواضح ومندمج مع كل النصوص.

   إذا كانت العدالة غاية في حد ذاتها، نحاول جميعا الوصول إليها، فإن طرق ووسائل الوصول لذلك وجب أن يتصف بالمتانة و النجاعة، ويبقى حضور المحامي بتكوينه وروح رسالته وفلسفة ترافعه ودفاعه أبرز وسيلة للوصول لكل الغايات.

   ومن تم نناشد بإقرار عمومية تدخل المحامي كأصل لا استثناء له، مقابل تحمل الدولة لمسؤوليتها اتجاه المتقاضي في إطار نظام المساعدة القضائية، إذ كما يشارك المحامي في قبول المؤازرة والنيابة مقابل مبالغ هزيلة لا تغطي حتى حاجيات الملف ومصاريفه، فوجب على القطاع الوصي في شخص وزارة العدل أن تساهم بدورها في توسيع دائرة هذا النظام مقابل تعميم إلزامية تدخل المحامي في الخصومة القضائية.


[1] – قرار محكمة النقض عدد 1203 المؤرخ في 07/06/2012 ملف اجتماعي عدد 1527/5/1/2011

[2] – وقد صدر في ذلك قرار لمحكمة النقض الفرنسية عدد 035\20\12 بتاريخ 22 ماي 2014.

كلمات مفتاحية :

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

الصفحة السابقة 1 2 3
زر الذهاب إلى الأعلى