تنصيب المحامي بين واقع الحال ومشاريع المآل

المحور الثاني: تنصيب المحامي في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية.

    يجمع أغلب العارفين، على ضرورة تعديل ق.م.م في مجموعة من النقط المثيرة فيه، وقد انكب أصحاب القرار منذ سنوات خلت عن العمل على وضع مسودة مشروع هذا القانون، تراعى فيها المصالح وتحفظ من خلاله الحقوق.

   أول ما يلاحظ هو أن هذه المسودة التي كنا نأمل بأن يصحح المشرع فيها ما يجب تصحيحه بشأن حضور المحامي في الخصومة المدنية،  فقد خاب فيها الظن، فجاء المشرع في ضوءها بقواعد عكسية عن ما طالب به رجال الدفاع، فوسع من مجال إمكانية الترافع الشخصي أمام المحاكم، حيث احتفظ بالحالات الواردة في المادة 32 من القانون 28.08 السالفة البيان، مضيفا عليها حالات أخرى من قبيل  الزواج والطلاق الاتفاقي وأجرة الحضانة والقضايا التي يكون فيها أحد الأطراف قاضيا أو محاميا، بل أنه اعتبر كل ذلك على سبيل المثال فقط، بإحالته على القضايا الأخرى التي ينص عليها القانون، في ضرب سافر لحقوق الدفاع،  وتمهيد لضياع الحق شكلا وموضوعا.

   تجدر الإشارة هنا إلا أنه في الواقع العملي لسير الجلسات بالمحاكم، حتى ولو كانت المسطرة شفوية، وحتى ولو كان طبيعة النزاع يدخل ضمن استثناءات المادة 32 فإن السادة القضاة يطالبون المترافع شخصيا بالإدلاء بمذكرات كتابية، ليس تعسفا، بل ضمانا لحق ذلك المتقاضي في تمحيص مطالبه أو دفوعه المدلى به، وفهمها والاقتناع بها والرجوع لها أثناء التأمل والمداولات.

مما يكون معه حضور المحامي في جميع الأحوال أمرا أساسيا ومطلبا مشروعا.

   ومن الحالات التي سمح فيها المشروع بإمكانية الترافع شخصيا بدون حضور المحامي، وهي حالة غريبة تتناقض مع مجموعة من المبادئ، وتضرب بطبيعة المسطرة أمام محكمة النقض؛ الحديث هنا عن الفقرة الثالثة من المادة 370 من مسودة مشروع ق.م.م والتي جاء فيها : “ إذا كان أحد طرفي الطعن قاضيا أو محاميا، أمكن لمن يقاضيهما، الترافع شخصيا أمام محكمة النقض” وبذلك إذا كان القاضي أو المحامي طرفا في النزاع أمام محكمة النقض أمكن للطرف الآخر الترافع شخصيا دون إلزامية تنصيب محامي، وهو ما يتعارض وخصوصية عريضة النقض وطبيعة المسطرة أمام محكمة النقض وتشعباتها.

   بل وأن هذه الفقرة ستطرح إشكالا في تفسير يهم الطعون التي تتقدم بها النيابة العامة بوصفها جزء لا يتجزأ من القضاء، إذ أن المشرع لا يشترط أن يكون النزاع مرتبطا بنزاعات القاضي أو المحامي الشخصية، وبذلك هل يمكن الترافع شخصيا في النزاعات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا في الطعن بالنقض؟

   لا يمكن إطلاقا أن تتجه إرادة المشرع لذلك، غير أن صياغته تتيح المجال لكثرة التفسيرات والإشكالات، بل أن هذا المقتضى في أصله يجب أن يزول لما فيه من ضرب بحقوق الدفاع وتناقض مع مجموعة من المسلمات المسطرية.

   وإذا كانت هذه أبرز تدخلات مسودة مشروع ق.م.م، فما هو موقف رجال الدفاع من خلال مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة؟

المحور الثالث: تنصيب المحامي في ظل مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة.

    إن الملاحظ في القوانين التي لها علاقة وترابط بالمحامي من بعيد أو قريب، أنها دائما ما يشوبها نوع من الاضطراب، وتنتج مجموعة من الإشكالات العملية والواقعية والقانونية، وذلك راجع بالأساس إلا أن التشريع في باب مهنة المحاماة تحكمه مجموعة من الخصوصيات التي لا يعرفها إلا رجال المهنة، يبقى أهمها فهم الشأن المهني للمحامي وعلاقته بأعرافها وتقاليدها.

    لأجل ذلك بادرت جمعية هيئات المحامين بالمغرب لوضع مسودة مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، بوصفها الجهاز الساهر على الحماية المهنية وتنظيم عمومياتها. فصادقت الجمعية في شخص مكتبها على النسخة الأخيرة إلى حدود اليوم وذلك يومه السبت 06/07/2019 بالدار البيضاء.

   وقد جاءت هذه المسودة بمجموعة من المستجدات المهمة، وارتباطا بموضوعنا فقد جاءت بمستحدثات بشأن تنصيب المحامي، فجاءت الصيغة الجديدة للمادة 32 بعبارات قطعية صارمة توضح موقف المحامين من هذه النقطة، كرسالة لأصحاب القرار من أجل المسارعة لتعديل ما من شأنه أن يتعارض مع دلالات الصيغة الجديدة من المادة 32.

إقرأ أيضا : المحامي والمحاماة: مدرسة شاقة تتطلب صبراً وحلماً.

   فجاء في بداية الفقرة “ يختص المحامي دون غيره” مانعة أي تطاول على عمل المحامي، كما أصبح تدخله إلزاميا في جميع الحالات كيفما كان نوعها، باستثناء الجنح الضبطية فقط، وبه عمم المشرع تدخل المحامي في جميع الحالات والقضايا كيفما كانت المساطر والمراحل والأطراف، في انتصار واضح لحقوق الدفاع ولحسن سير العدالة.

   وجدير بالذكر أن المشرع وسع من نطاق اختصاص المحامي، فأضاف بعض الاختصاصات من قبيل:

  • تحرير عقود تأسيس الشركات أو الرفع أو الخفض من رأسمالها؛
  • إعداد دراسات وأبحاث في الميدان القانوني؛
  • مهام التصفية الرضائية؛
  • –          مهام وكيل أعمال فني أو رياضي أو في مجال الملكية الفكرية.

وغيرها من الاختصاصات الواردة بمسودة المشروع.

وهو توجه سبق للمشرع الفرنسي أن أقره في قوانينه الداخلية، فأعطى للمحامي في فرنسا صلاحية القيام بمجموعة من المهام من قبيل أن يكون وكيلا رياضيا للرياضين بشتى أنواعهم والتفاوض نيابة عنهم بموجب المادة 4 من القانون 2011\311 الخاص بعصرنة المهن القضائية والقانونية، كما يمكنه القيام بدوروكيل في الصفقات العقارية بموجب الفقرة 3 من المادة 6 من القانون الداخلي لمهنة المحاماة،[2] إضافة إلى وكالته عن الفنانين والمؤلفين وغير ذلك.

تابع قراءة المقال في الصفحة الثالية

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى