تدابير الحد من أزمة المياه

يحظى موضوع المياه في الوقت الراهن في جميع دول المعمور باهتمام بالغ، على اعتبار أنها تشكل أحد المجالات البيئية التي تستوجب الحماية حيث سعت معظم دول العالم إلى ضمان تلبية حاجيات شعوبها من المياه لتحقيق أمنها المائي وكذلك الغذائي، ومنها المغرب الذي أيقن أهمية المحافظة على الموارد المائية وحسن تدبيرها وتسييرها تسييرا عقلانيا باعتبارها موردا أساسيا للتنمية الاقتصادية، لذلك سن المشرع المغربي قانونا جديدا للمياه سنة 2015 تحت رقم 15-36 مكملا النقص الذي كان يعتري القانون 95-10، وحاول بموجبه وضع سياسة وطنية تهدف إلى حماية هذا المورد الحيوي وتوفيره لمتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مع ضمان استدامته للأجيال القادمة كونه يشكل حقا دستوريا وعنصرا اجتماعيا أصيلا لا يمكن للحياة الاستقامة بدونه.

على الرغم من المجهودات الجبارة التي بذلتها الدولة في ميدان التخطيط والتجهيز والتنظيم فإن النتائج المتحصل عليها في ما يخص الحوكمة والتدبير المعقلن للموارد المائية مازالت غير مرضية، في ظل متغيرات جديدة وإكراهات مختلفة كتراجع الموارد المائية كما ونوعا بسبب شح التساقطات المطرية وارتفاع نسبة الكثافة السكانية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على الماء وإلى تزايد الجرائم التي تطاله، إضافة إلى ظاهرة عدم الاستقرار المناخي التي لم تتضح بعد مآلاتها، مما ينبغي معه بذل المزيد من الجهد في سبيل الحفاظ على هذه الثروة وضمان حق الإنسان فيها حاضرا ومستقبلا بكونها حقا دستوريا، عن طريق زيادة فعالية عمل الدولة ومؤسساتها العامة من أجل الرقابة على قطاع المياه وخلق برامج فعالة من شأنها الحد من ازمة ندرة المياه ولو بشكل جزئي، ومحاولة تطوير الوسائل المناسبة لتشخيص الأمن المائي من حيث القضايا الديموغرافية والبيئية والجغرافية والحضرية، والدخول في شراكات مع القطاع الخاص بهدف الانتقال إلى البدائل المقترحة من قبيل تصفية المياه وتحليتها وتطوير الأساليب التكنولوجية المساهمة في تحديد العوامل المتسببة في ظاهرة عدم الاستقرار المناخي بشكل أكثر دقة ومحاولة التصدي لها.

بحيث يتحكم في مستوى التمكين والانتفاع بهذا الحق جملة من المتغيرات والمحددات، من عوامل اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياسية وقانونية ومؤسساتية، والتي تهيئ الظروف التمكينية للحق في الأمن المائي، ونحن اليوم في أمس الحاجة للتدبير الرشيد والمعقلن للموارد المائية بعيدا عن التعسف والفساد والإقصاء في ظل نظام للتسيير الشفاف والتشاركي، ووجود مساءلة وإمكانية المحاسبة.

وفي حاجة أيضا لوجود آليات فعالة لحمايته وضمانه، للحد، والمواجهة، والمعالجة، والوقاية من المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها وطنيا وإقليميا ودوليا، فهو كباقي حقوق الإنسان الأخرى، في حاجة إلى أدوات وآليات لحمايته وضمانه على كافة المستويات، وبإشراك كافة أصحاب الشأن وبناء على منهج تعاوني تشاركي تفعيلا للحماية القانونية للماء من طرف الأفراد والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، باعتبارهم الفاعلين القادرين على تحقيقه والتمكين من الانتفاع به على مستوى الواقع.

وبالتالي توفير الشروط الموضوعية القائمة على الإنصاف والعدالة والمساواة والاستدامة والتدبير المندمج لتلبية الحاجيات المائية، وتحقيق الانتفاع بهذا الحق على مختلف المستويات، للوصول في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن المائي في كافة تراب المملكة.

وعلى إثر ذلك كان لزاما أن تتجه جهود الفرد والمجتمع والدولة على حد سواء نحو تنمية شاملة في ظل استخدام عاقل ورشيد لموارد البيئة الطبيعية، فالتنمية المستدامة تحمل في طياتها مضمون التنمية الفعلية التي تضمن حق الأجيال الحاضرة والمستقبلية في حياة سليمة وبيئة نظيفة، لكن قد تصطدم الحلول الفعلية لقضايا البيئة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة مع المصالح السياسية والاقتصادية للدولة، وهذا ما يتطلب إرادة سياسية جريئة من قبل جميع الفعاليات المعنية بتدبير الموارد المائية من إدارة ومنتخبين ومستخدمي المياه والغابات.

وفي سبيل تحقيق ما سبق ذكره يمكن تقديم بعض الاقتراحات:

– إنشاء نظام للمتابعة والاستعراض لضمان استمرار النتائج؛

– تطبيق النصوص القانونية الخاصة بالبيئة المائية على أرض الواقع، خاصة تلك المتعلقة بالاعتداء على الملك العمومي المائي؛

– منع عمليات حفر الآبار أو إنجاز المنشآت التي تؤدي إلى استنزاف مخزونات المياه إلا بموجب ترخيص من الإدارة المعنية التي تحدد كيفية الاستغلال وحجم المنسوب المستخرج، مع التعامل بحزم عن كل عملية حفر دون ترخيص؛

– دعم توفير الخدمات المحلية والوطنية، من خلال زيادة الوعي بقضايا المياه وأهمية المحافظة عليها من التلوث والهدر، من خلال حملات توعوية وتحسيسية وجعل الحفاظ عليها من ضمن المواد المعتمدة في المقررات الدراسية، على اعتبار أن الحصول على قدر كاف من المياه رهين بمشاركة الجميع كل من موقعه في إدارتها وحسن تدبيرها واستغلالها ولن يكون للحلول التكنولوجية أي جدوى إذا لم يتغير السلوك البشري بشكل جذري؛

– التوزيع العادل أو المساواة في الحصول على المياه وخصوصا في القرى والمناطق النائية وإيلاء المزيد من الاهتمام لها؛

– العمل على تحديد مصادر الأخطار والتهديدات الماسة بالملك العمومي المائي، ورصدها والتصدي لها من خلال التعاون الدولي؛

– تسريع وتيرة تمديد شبكات الصرف الصحي بكل المناطق القروية؛

– تنمية العرض المائي عن طريق تسريع وتيرة بناء محطات تحلية مياه البحر ومراكز للتصفية مع الاستعانة بالطاقات المتجددة، على اعتبار أن الاستدامة ليست ببناء السدود فحسب وإنما بالبحث عن بدائل ناجعة؛

– العمل على إحداث غرفة خاصة للبت في الجرائم البيئية، وتكوين قضاة متخصصين في هذا المجال للضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه استنزاف الثروة المائية بشكل يخالف القانون.

وفي الأخير يمكننا القول إن النصوص القانونية مهما بلغت من العناية في صياغتها وأحكامها تظل دون جدوى ما لم تقترن بآليات تضمن تطبيقها على أرض الواقع عن طريق تفعيلها ومحاولة الوقوف على المعيقات والاختلالات الواردة، مع إيجاد حلول ناجعة ومستقبلية ما دام الماء عنصرا اجتماعيا أصيلا لا يمكن الاستغناء عنه لكونه أساس الحياة.

#تدابير #الحد #من #أزمة #المياه

زر الذهاب إلى الأعلى