تخطي صعوبات التعلم

Overcoming learning difficulties from the perspective of researchers in the field of education

مما لا شك فيه أن جون ديوي (John Dewey) وماريا مونتيسوري (Maria Montessori) كانا حقاً شخصيتين مؤثرتين في مجال التربية والتعليم وبشكل كبير جدا. فهذين العلمين لديهما وجهات نظر مختلفة حول موضوع التقليل أو الحد من صعوبات التعلم بين التلاميذ والطلاب. كان ديوي فيلسوفًا أمريكيًا ومصلحًا تربويًا بما في الكلمة من معنى، حيث دعا إلى نهج تقدمي وتجريبي للتعليم، بينما كانت مونتيسوري طبيبة ومعلمة إيطالية طورت نهجًا تعليميًا جديدا يركز على الطفل على أساس الملاحظة والاستكشاف. في حين أن كلا المنظرين التربويين يشتركان في هدف مشترك يتمثل في جعل التعليم متاحًا والمشاركة أيضاً يجب أن تكون متاحة لجميع الطلاب، وبهذا يمكن القول بأن الشخصيتين قد اقتربتا من هذا الهدف بطرق مختلفة.

فمن جهة، يعتقد جون ديوي أن التربية والتعليم يجب أن يكونا عملية نشطة وتشاركية تُشرك الطلاب في عملية التعلم. كما يعتقد أنه يجب تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة واستكشاف محيطهم والمشاركة في الأنشطة العملية التي تسمح لهم بإجراء اتصالات بين ما يتعلمونه والعالم من حولهم، هي في حقيقة الأمر إحدى الطرق المثلى للتعلم. ويعتقد ديوي أيضاً أن هذا النوع من التعلم التجريبي النشط يمكن أن يساعد الطلاب في التغلب على صعوبات التعلم ويصبحوا متعلمين أكثر ثقة وتحفيزًا.

وتجدر الإشارة هنا أنه في حقيقة الأمر، كانت إحدى مساهمات ديوي الرئيسية في مجال التربية والتعليم هي تأكيده على أهمية بيئة التعلم (Learning environment). يعتقد أن البيئة المادية والاجتماعية التي يتعلم فيها الطلاب يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قدرتهم على التعلم ودوافعهم للقيام بذلك. من أجل خلق بيئة تعليمية داعمة وجذابة، أوصى ديوي بتصميم الفصول الدراسية مع وضع احتياجات الطلاب في الاعتبار، وأن يعمل المعلمون على بناء علاقات إيجابية مع طلابهم، وربما كان القصد هنا هو الخروج بالمعلم من بوثقة مربي إلى بوثقة “المربي الإنسان” أي شخص يحس بما يحس به المتعلم ويشاطره ويتقاسم معه مجموعة من المشاعر والأحاسيس.

ومن جهة أخرى، فقد اعتقدت ماريا مونتيسوري، مثل ديوي ، أن التعليم يجب أن يكون تجربة عملية وجذابة للطلاب. ومع ذلك، فقد تعاملت مع هذا الهدف بطريقة مختلفة، مع التركيز على رغبة الطفل الفطرية في التعلم والتطور. اعتقدت مونتيسوري أن الأطفال لديهم فضول طبيعي ومدفوعون لاستكشاف ببيئتهم، وأن هذا الدافع الفطري (innate impulse) للتعلم يمكن تسخيره لمساعدة الطلاب في التغلب على صعوبات التعلم.

فمن خلال نهجها التعليمي، شددت مونتيسوري على أهمية السماح للطلاب بالاستكشاف والاكتشاف بأنفسهم (personal discovery)، مع قيام المعلم بدور الميسر والمرشد (monitor). كما أعربت عن اعتقادها أنه يجب منح الطلاب حرية العمل وفقًا لسرعتهم الخاصة ومتابعة اهتماماتهم الخاصة، من أجل بناء ثقتهم وزيادة دافعهم للتعلم.

عبد الله بن أهنية ، وهو باحث تربوي (الكاتب)، يرى أن وجهات النظر حول الحد من صعوبات التعلم بين الطلاب متجذرة في نهج أكثر شمولية للتعليم (inclusive learning environment). وبهذا يعتقد بن أهنية أن التعليم يجب أن يكون أكثر من مجرد اكتساب للمعلومات والمهارات، ولكن يجب أن يهدف أيضًا إلى تطوير الشخص بأكمله، بما في ذلك قدراته الجسمية والعاطفية والاجتماعية والمعرفية. ويؤكد على أهمية خلق بيئة تعليمية داعمة وشاملة تعترف وتقدر نقاط القوة والاحتياجات الفريدة لدى كل متعلم.

لتحقيق هذا الهدف، يوصي الباحث المعلمين باستخدام مجموعة متنوعة من أساليب التدريس التي تشرك التلاميذ أو الطلاب بطرق مختلفة وتسمح لهم باستكشاف اهتماماتهم وشغفهم. كما يؤكد على أهمية إتاحة الفرص للتلاميذ أو طلاب للعمل بشكل تعاوني وتنمية مهاراتهم الجسمية (من خلال برامج وأنشطة الرياضة المدرسية وغيرها) وكذلك مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، بالإضافة إلى قدراتهم المعرفية.

في الختام، يشترك كل من جون ديوي وماريا مونتيسوري وعبد الله بن أهنية في هدف مشترك يتمثل في إتاحة التعليم والمشاركة لجميع التلاميذ والطلاب، وبالرغم من أن هؤلاء يتعاملون مع هذا الهدف بطرق مختلفة، فإنهم جميعًا يؤكدون على أهمية إنشاء بيئة تعليمية داعمة وشاملة تعترف وتقدر نقاط القوة والاحتياجات الفريدة لكل متعلم أو طالب. ومن خلال التركيز على احتياجات واهتمامات التلاميذ أو الطلاب، يعتقد هؤلاء المنظرون التربويون أنه من الممكن التغلب على الصعوبات في التعلم وخلق متعلمين واثقين من أنفسهم ومتحمسين ومتميزين.

بالإضافة إلى تطبيق رؤى جون ديوي وماريا مونتيسوري وعبد الله بن أهنية، هناك عدة خطوات أخرى يمكن اتخاذها لتقليل أو الحد من صعوبات التعلم بين التلاميذ أو الطلاب في المغرب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

تقديم الدعم الفردي: من خلال تزويد التلاميذ أو الطلاب بالدعم والتدخلات الفردية، حيث يمكن للمدارس في المغرب مساعدة أولئك الذين يعانون من صعوبات التعلم. ويمكن أن يشمل ذلك التدريس الفردي أو التدريس لمجموعة صغيرة أو البرامج المتخصصة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة أو الاحتياجات التعليمية المحددة.

دمج التكنولوجيا: لا شك أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يساعد في العملية التعليمية، مثل البرامج التعليمية وتوفير الموارد وبعض المواد التعليمية عبر الإنترنت. هذه الوسائل من شأنها مساعدة التلاميذ أو الطلاب في التغلب على الصعوبات التي يواجهونها في التعلم. وعلى سبيل المثال، يمكن للألعاب التعليمية والمحاكاة (simulation) أن تجعل التعلم أكثر جاذبية وتفاعلية، بينما توفر الموارد عبر الإنترنت للطلاب إمكانية الوصول إلى ثروة من المعلومات والموارد لدعم تعلمهم.

تشجيع مشاركة الوالدين: يلعب الآباء دورًا مهمًا في دعم تعليم أطفالهم، ويمكن أن يساعد إشراكهم في تعلم أطفالهم في تقليل صعوبات التعلم. يمكن للمدارس في المغرب تشجيع مشاركة الوالدين من خلال عقد اجتماعات منتظمة بين الآباء والمعلمين، وكذلك استضافة ورش عمل للآباء، وإشراكهم في الأنشطة والفعاليات المدرسية.

تعزيز مفهوم عقلية النمو(Fostering a growth mindset): يمكن ومن خلال تطبيق هذا المعيار أن نساعد في عملية تشجيع الطلاب على تبني عقلية النمو، حيث ينظرون إلى التحديات على أنها فرص للنمو والتعلم، وبالتالي نساعدهم على تقليل صعوبات التعلم لديهم. يمكن للمدارس في المغرب تعزيز عقلية النمو من خلال تعليم الطلاب قوة المثابرة والعمل الجاد والقدرة التصميم، ومن خلال الاحتفال والافتخار بنجاحاتهم وجهودهم، مهما كانت صغيرة.

تقديم الدعم العاطفي (Providing emotional support) : أخيرا، من المهم تزويد الطلاب بالدعم العاطفي ومساعدتهم على تبني روح الصمود والمثابرة. ويمكن للمدارس في المغرب تقديم هذا الدعم من خلال ضمان حصول الطلاب على خدمات الإرشاد (counseling services)، وتعزيز العلاقات الإيجابية بين التلاميذ أو الطلاب والمعلمين، وتدريبهم على تعلم مهارات التأقلم واستراتيجيات إدارة الإجهاد (stress-management strategies).

يمكن أن تساعد هذه الخطوات، جنبًا إلى جنب مع رؤى جون ديوي وماريا مونتيسوري وعبد الله بن أهنية ، في تقليل صعوبات التعلم بين التلاميذ والطلاب في المغرب ودعمهم في أن يصبحوا متعلمين واثقين ومتحفزين وناجحين ومتشبثين بوطنيتهم ومبادئ دينهم ومتعلقين بمكارم الأخلاق والتسابق في فعل الخير والإحسان.

وكما هو واضح من خلال هذا السرد، فإن النظريات التربوية لجون ديوي وماريا مونتيسوري وعبد الله بن أهنية ترتبط وإلى حد كبير بحالة صعوبات التعلم بين التلاميذ أو الطلاب في المغرب. فمثل العديد من البلدان الأخرى، يواجه المغرب عددًا من التحديات عندما يتعلق الأمر بتقليل صعوبات التعلم بين تلاميذه وطلابه. وتشمل هذه التحديات ارتفاع معدلات التسرب أو الهدر المدرسي (راجع مقالات عبد الله بن أهنية المتعلقة بالهدر المدرسي، وكذلك حلقة البرنامج التلفزيوني “مباشرة معكم” على القناة الثانية حول موضوع الهدر المدرسي)، وانخفاض مستويات مشاركة التلاميذ أو الطلاب وتحفيزهم، ونقص الدعم للطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم.

ومع ذلك، ومن خلال تطبيق رؤى هؤلاء المنظرين التربويين، قد يكون من الممكن مواجهة هذه التحديات ودعم الطلاب في التغلب على الصعوبات التي يواجهونها في التعلم. على سبيل المثال، يمكن تطبيق تأكيد ديوي على أهمية بيئة التعلم والعلاقات الإيجابية بين المعلم والطالب في الفصول الدراسية المغربية من خلال التأكد من أنها مصممة لتلبية احتياجات التلاميذ والطلاب، والتأكد من أن المعلمين يعملون على بناء علاقات إيجابية وداعمة مع طلابهم.

وبالمثل، يمكن تكييف نهج مونتيسوري الذي يركز على الطفل، والذي يؤكد على أهمية السماح للطلاب بالاستكشاف والاكتشاف بأنفسهم، في الفصول الدراسية المغربية من خلال منح الطلاب المزيد من الفرص للعمل بشكل مستقل ومتابعة اهتماماتهم الخاصة. يمكن أن يساعد ذلك في زيادة دافعهم ومشاركتهم في التعلم، ودعمهم في التغلب على الصعوبات التي يواجهونها.

وأخيرا، يمكن تطبيق نهج الباحث بن أهنية الشامل في التعليم، والذي يدرك أهمية تطوير الشخص ككل، في المغرب من خلال تزويد الطلاب بتعليم أكثر تكاملاً لا يركز فقط على قدراتهم الأكاديمية، ولكن أيضًا على البنية الجسمية (أي أن يكون التلميذ أو الطالب في صحة جيدة) وأيضا على قدراته العاطفية والاجتماعية، والتنمية المعرفية. ولاشك أنه من خلال القيام بذلك، يمكن للمدارس في المغرب مساعدة التلاميذ والطلاب على تطوير المهارات والثقة التي يحتاجون إليها للتغلب على صعوبات التعلم والنجاح في حياتهم الأكاديمية والشخصية.

في الختام، يمكن القول أنه من خلال تطبيق رؤى جون ديوي وماريا مونتيسوري والباحث عبد الله بن أهنية، قد يكون من الممكن معالجة حالة صعوبات التعلم بين التلاميذ والطلاب في المغرب ودعمهم في أن يصبحوا متعلمين واثقين ومتحفزين وناجحين، وأن يصبحوا مواطنين صالحين ونافعين متشبثين بمبادئ دينهم وهويتهم وثوابت أمتهم ووطنهم.

#تخطي #صعوبات #التعلم

زر الذهاب إلى الأعلى