انتعاش العلاقات الثنائية بين المغرب وألمانيا يعدُ بتعزيز شراكات “رابح – رابح”

مُجددة دعمَها لمبادرة مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، أكدت ألمانيا، على لسان رئيسة دبلوماسيتها، من الرباط، أن موقع المغرب، باعتباره شريكا أساسيا للاتحاد الأوروبي وألمانيا، بشمال إفريقيا وبإفريقيا بشكل عام، وباعتباره حلقة وصل بين الشمال والجنوب، يدعم تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

ومن اللافت أن تحظى زيارة عمل أنالينا بيربوك للمملكة باهتمام كبير في مسار العلاقات بين الرباط وبرلين؛ نظرا لكونها الأولى من نوعها عقب استئناف العلاقات أواخر العام الماضي، بعدما اتفق الجانبان على إطلاق “حوار استراتيجي” يبرمَج بموجبه اجتماع رفيع المستوى كل سنتيْن، مع عقد اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتبادل الزيارات والتجارب، والتشاور في قضايا مشتركة ثنائية ودولية.

وتُحيل هذه القضايا، وفق إعلان مشترك، على الخصوص، إلى مسائل تغير المناخ، وتنمية القارة الإفريقية، والسلام والاستقرار الإقليميين، وتعزيز النظام متعدد الأطراف، وإدارة الهجرة والعودة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز حقوق الإنسان، فضلا عن “إنشاء منطقة أورو-متوسطية للتبادل والازدهار المشترك”.

الإعلان المشترك، الصادر بمناسبة زيارة وزيرة خارجية ألمانيا للمملكة، تضمّن نقاطا عديدة تُفسح آفاقا متجددة أرحَب في العلاقات الثنائية بين الرباط وبرلين؛ وهو ما استبَقته أعلى مسؤولة دبلوماسية في ألمانيا بالحديث، خلال لقائها بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، عن كون “هذه الزيارة ذات أهمية قصوى لأنها تؤشّر على بداية فصل جديد في علاقتنا الثنائية”.

وأمام وسائل الإعلام الدولية والمحلية، لم تتوان وزيرة الخارجية الألمانية في تأكيد النّفَس الجديد للعلاقات ومتانتها: “أمنكم هو أمنُنا، وأمننا هو أمنكم؛ وهذا ما نشعر به في نصف العام الأخير، حيث اتفقنا على تنزيل مشاريع في مجال الطاقة المتجددة ومكافحة أزمة المناخ وتطوير الهيدروجين الأخضر”.

وأثارت المسؤولة الألمانية، خلال ندوة صحافية مشتركة مع بوريطة، ما قالت إنها “إمكانات هائلة لزيادة التعاون الاقتصادي والاتصالات بين الأفراد”، مؤكدة أن “هذه الزيارة ستجعل من الممكن إعادة تحديد علاقاتنا من أجل استكشاف هذه الفرص والاستفادة منها بشكل كامل”.

وأردفت بيربوك “هذه الزيارة تفتح المجال لتبادل زيارات قطاعية كبرى في مجالات الطاقة والفلاحة والاقتصاد الاجتماعي والاستثمار، حتى تكون نموذجا لنضج العلاقات”، قبل أن تتعهد بتطوير أفكار جديدة للتعاون، لافتة الانتباه إلى أن “العديد من المشاريع الجيدة السابقة وُضعت على أسس جديدة”.

كما أكدت الدبلوماسية ذاتها أن “ألمانيا تشيد بمساهمة المغرب في الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب”، معتبرة أن المغرب أصبح “موقعاً استثمارياً هاماً للشركات الألمانية في إفريقيا بفضل تطوره الدينامي”، وأضافت أنه شريك أساسي للتعاون التجاري الثلاثي الذي يجمعه مع ألمانيا وإفريقيا”.

بوابة إفريقيا

وضع إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وتدبير الأزمات بجامعة القاضي عياض بمراكش، زيارة بيربوك في سياق تَلا “الانفراج البارز في جو العلاقات بعد تغيير برلين لهجتها وموقفها تجاه المغرب، بعد أزمة عاصفة بين الجانبين”، مؤكدا، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “اللقاء على مستوى وزيرَي خارجية الدولتيْن له أهمية قصوى بالنظر إلى ظرفية الاستقطاب وإعادة بناء التحالفات الدولية في أعقاب أزمات متلاحقة (جائحة “كورونا” والحرب في أوكرانيا)، بينما يظل المغرب واعياً بحجم هذه التحولات الكبرى”.

وبالنظر إلى ثقل ألمانيا كدولة وازنة داخل الاتحاد الأوروبي، يقول لكريني، فإن المملكة تسعى، ليس فقط، إلى تعزيز علاقاتها مع هذا التكتل الإقليمي، بل أيضا إلى تمتين علاقات ثنائية مع دول الاتحاد، قصد “تجاوز الاحتكارية المُهيمنة في علاقاته مع بعض الدول الأوروبية التقليدية، لاسيما فرنسا”.

وأشار الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “الزيارة وما أسفرت عنه من محادثات وقفت على مجموعة من آفاق التعاون الاقتصادي والطاقي، التي تعكس رغبة البلدين في إعطاء العلاقات بينهما طابعا من القوة والاستراتيجية”؛ مضيفا أن ذلك “سيكون في صالح الرباط كما برلين، في ظل طموح ألماني بارز للعب أدوار طلائعية في النظام الدولي الموسوم بتحولات جارية ضمن الفضاء المتوسطي كذلك”.

وخلص لكريني إلى أن الرباط استوعبت هذه المتغيرات الدولية والإقليمية بذكاء؛ في وقت تسعى ألمانيا إلى “تمتين علاقاتها مع قارة إفريقيا من بوابة المغرب، الذي يمكنه، بالمقابل، الاستفادة اقتصاديا وتكنولوجياً، مع كسب الموقف الألماني الذي بدأ يتغيّر لصالح قضية الوحدة الترابية للمملكة”.

وزن ألماني في الفضاء الأورومتوسطي

محمد مسعاد، إعلامي مغربي مختص في الشأن الألماني، قال إن زيارة وزيرة الخارجية الألمانية للمغرب “تأتي في إطار تعزيز مسار الخطوات الإيجابية”، التي انطلقت نهاية السنة الماضية، بعد سنة شابها ما يمكن وصفه بـ”سوء الفهم الكبير” بين البلدين، معتبرا أن “الأزمة كانت نقطة إيجابية، فتحَت المجال لإعادة النظر في العلاقات الثنائية، وأتاحت لكل دولة أن تعرف حدود العلاقة مع الطرف الآخر”.

“لا مجال للتأكيد على دور ألمانيا المحوري داخل الاتحاد الأوروبي، باعتبارها فاعلا سياسيا وأول قوة اقتصادية، وهذا يعني أيضا وزنها الكبير ضمن الفضاء الأورومتوسطي”، يضيف مسعاد المقيم بألمانيا، في حديث مع هسبريس، شارحا: “ألمانيا هي إحدى الدول الأساسية الراعية لسياسة الجوار داخل الاتحاد، وتحاول دائما أن تفتح فضاءات للتعاون في العديد من المجالات؛ وهذا ما ظهر جليا مع المغرب من خلال تأكيد وزيرة الخارجية أو دينامية السفير الألماني الجديد بالرباط، والتركيز على ديناميات جديدة تنعش ملفات كبرى، أبرزها المناخ والطاقات المتجددة والتعاون الأمني”.

وذكّر مسعاد بلحظات فارقة بصمت مسار علاقات الرباط وبرلين، مشيرا إلى “الرسالة الشهيرة للرئيس الألماني شتاينماير إلى الملك محمد السادس، وإصدار إعلان مشترك، عقب لقاءيْن جمَعا بوريطة بوزيرة خارجية ألمانيا، بداية عبر الفيديو في فبراير المنصرم، ثم زيارتها الرسمية ليوميْن للمغرب”، مؤكدا أن ذلك “يفتح علاقات جديدة من أجل تعزيز التعاون الاستراتيجي بعيد المدى، من منطلق اعتبار المغرب بوابة نحو إفريقيا، وأن سياسته الاستثمارية والأمنية في القارة ومناطق شمال إفريقيا وجنوب حوض المتوسط والساحل أعطَت أكلها”.

كما لفت المتحدث ذاته، عضو شبكة الكفاءات المغربية بألمانيا، الانتباه إلى أن برلين “تحاول التخلص تدريجيا من التبعية الاقتصادية لروسيا بخصوص الغاز، محاوِلةً فتح أفق جديد في الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر مع المغرب الفاعل الذي لا غنى عنه في هذا التحول”؛ خالصاً إلى أن “ذلك لا يمكن أن يكون إلا في مصلحة البلدين على أساس رابح- رابح”.

#انتعاش #العلاقات #الثنائية #بين #المغرب #وألمانيا #يعد #بتعزيز #شراكات #رابح #رابح

زر الذهاب إلى الأعلى