“دبلوماسية القنصليات” في الصحراء المغربية .. الوهم يسقط بالهدوء والفعالية

منذ عودته المشهودة تاريخيا، عام 2017، إلى شغل مقعده في الاتحاد الإفريقي، راكم المغرب انتصارات متوالية بجهود دبلوماسية متواترة غير فاترة، توجها خلال الأسابيع القليلة الماضية بإعلان دول إفريقية جديدة اعترافها بمغربية الصحراء وقطع العلاقات مع الانفصاليين، مع اعتبار مقترح الحكم الذاتي واقعيا تحت السيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية.

آخر تباشير الجهود الدبلوماسية المغربية جاءت من دولة إفريقية-عربية في أقصى منطقة القرن الإفريقي؛ فقد أعلنت الصومال، يوم الجمعة الماضي من نيويورك، على لسان وزير خارجيتها، أنها “قررت فتح سفارة لها في الرباط وقنصلية عامة في الداخلة”، عقب مباحثات أجراها مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة.

ومنتصف شتنبر الجاري، تلقى خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية صفعة قوية من العاصمة الكينية نيروبي، مع قرار الرئيس الجديد وليام روتو دعم مبادرة الرباط للحكم الذاتي، بالموازاة مع العدول عن اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة، والشروع في خطوات إغلاق تمثيليتها في نيروبي.

وكان بيان مشترك نشره موقع الرئاسة الكينية قد أورد: “احتراما لمبدأ الوحدة الترابية وعدم التدخل، تقدم كينيا دعمها التام لمخطط الحكم الذاتي الجاد وذي المصداقية الذي اقترحته المملكة المغربية، باعتباره حلا وحيدا يقوم على الوحدة الترابية للمغرب” من أجل تسوية هذا النزاع. قبل أن يشير إلى أن البلدين “التزَما بالارتقاء بعلاقاتهما الدبلوماسية الثنائية إلى مستوى شراكة إستراتيجية في الأشهر الستة المقبلة”، مع تعهد جمهورية كينيا بفتح سفارة لها بالرباط.

وبعيدا عن “القرن الإفريقي”، انضمت غواتيمالا إلى ركب الدول التي اقتنعت بنهج المغرب لـ”دبلوماسية القنصليات”، مع قرار صريح عن قرب فتح قنصلية تمثلها في مدينة الداخلة؛ مجددة تأكيد الدعم لمخطط الحكم الذاتي تحت سيادة الرباط كحل وحيد للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

نهايةِ الوهم

“نجاح دبلوماسية القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في الصحراء المغربية هو خيار استراتيجي نهجته المملكة في سياساتها الخارجية”، استهل حسن بلوان، أستاذ العلاقات الدولية، تعليقه لجريدة هسبريس، مؤكدا أن “المغرب بدأ يجني ثمار هذه السياسة على مستوى اتساع دائرة الدول الإفريقية والعربية والأمريكية التي تدعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتوجت بفتح قنصليات لها في مدينتَي الداخلة والعيون”.

وسجل بلوان، في معرض حديثه لهسبريس، أن “تحرك الدبلوماسية المغربية بشكل سريع وفعال وهادئ ساهم في إقناع المنتظم الدولي بأهمية خطة الحكم الذاتي كخيار وحيد لحل هذا النزاع المفتعل”؛ قبل أن يلفت إلى أنه “بقدر ما تزيد دبلوماسية القنصليات في مصداقية وجاذبية الموقف المغربي، فإنها تشدد الخناق على الطرح الانفصالي وتحشُره في الزاوية، مما يؤشر على قرب نهاية مشروع التجزئة والانقسام الذي ترعاه وتدعمه الجزائر”.

واعتبر الباحث ذاته أن “انخراط دولة الصومال في ركب الدول الداعمة للوحدة الترابية المغربية وفتح قنصلية لها في الصحراء المغربية هو نجاح إضافي للدبلوماسية المغربية، كما أنه اختراق مهم لمنطقة القرن الإفريقي التي كانت تساند عادة الطرح الانفصالي أو تتوسط المنطقة الرمادية”.

وزاد: “تكمن أهمية هذا الانخراط في أنه يأتي بعد يوميْن من نفي جنوب السودان لأي علاقات مع الكيان الوهمي للبوليساريو مع تثمين روابط التعاون مع المملكة المغربية، مجددة دعم مخطط التسوية الأممية لهذا النزاع”.

بلوان أجمل القول إن “الدينامية الدبلوماسية المغربية في إفريقيا تستهدف توسيع دائرة الدعم الإفريقي لمغربية الصحراء؛ من خلال تكثيف وتسريع وتيرة دبلوماسية القنصليات من جهة، ومحاصرة الفكر الانفصالي المدعوم جزائريا من جهة أخرى”، مشددا على أن ذلك لا بد منه “في أفق طرد هذا الكيان الوهمي من أروقة وأجهزة الاتحاد الإفريقي الذي دخل إليه خلسة وغدرا وفق سياقات إقليمية ملتبسة”.

الحل السياسي

الموساوي العجلاوي، المحلل السياسي الباحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط، سجل أن “فتح قنصليات متعددة من طرف عواصم إفريقية وغيرها هو فعل يحمل رسائل سياسية إلى من يهمّهم الأمر”، مؤكدا أنه “انتصار للحل السياسي في نزاع الصحراء المغربية وليس للطرح المنادي بالاستفتاء وتقرير المصير”.

وأردف الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المقصود بالحل السياسي في هذا السياق هو “ما ترجمته قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع، لاسيما القرار 2602”.

ولفت العجلاوي الانتباه إلى أن قرابة نصف الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي قد افتتحت لها تمثيليات قنصلية في الصحراء المغربية (وأغلبها من دول غرب إفريقيا)، وشرعت في حماية مصالح رعاياها وخدمتهم من هناك، مشددا، بالمقابل، على أن “كل الدول التي تعترف بسيادة المغرب الكاملة قد وسّعت دائرة عمل تمثيلياتها الدبلوماسية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة”.

الأكاديمي ذاته سطّر أن “فتح القنصليات ليست كما قد يتخيل البعض مجرد عمليات دبلوماسية ذات بعد تقني محض”؛ بل هي أفعال من دول لها وزنها على الساحة القارية أو الدولية، وهي بمثابة “رد مباشر على مناورات النسخة المتحورة من النظام الجزائري الذي يريد العودة بملف الصحراء إلى نقطة 1991 ما قبل القرارات الأممية ونسف جهود المنتظم الدولي”.

وضمن تصريحه، عدّد العجلاوي مواقف كسبتها الدبلوماسية المغربية، في كل من كينيا وتقدير رئيسها الجديد للملك محمد السادس وجهوده وسياسته الإفريقية، وكذا الصومال الذي يعاني هو الآخر من مؤامرات تشتيت وحدته الترابية، فضلا عن تشاد وتنزانيا.

كما أشار العجلاوي إلى أن “الرباط، وهي تنتهج سياسة حكيمة تتبنى ملف تأمين الغذاء والأسمدة الذي أصبح يتصدر أولويات إفريقيا، أصبحت تكتسب قوة متزايدة في القارة السمراء”، مؤكدا أن “الأمن الغذائي والأسمدة يعدّان في الظرف الحالي أثمن من الغاز”؛ وهو ما تبين من خلال نقاشات الدورة الـ77 للأمم المتحدة.

#دبلوماسية #القنصليات #في #الصحراء #المغربية #الوهم #يسقط #بالهدوء #والفعالية

زر الذهاب إلى الأعلى