الفاعلون الجدد.. صناع السعادة والمؤثرون في الشعوب

إلى حدود الأمس القريب، كانت كرة القدم مجرد لعبة للتسلية؛ لعبة ذكورية بامتياز، لا تقترب منها النساء ولو من أمام الشاشات… حتى المهندسين المعماريين هندسوا الملاعب للرجال فقط، وظلت فضاءاتهم الخاصة بهم ولمدة طويلة. وحين تتدخل امرأة في موضوع كرة القدم كانت تقمع بعبارة “اش فهمك انت في الكرة سيري قابلي كوزينتك”… هذه العبارة تكررت في النقاشات العامة، وحتى في بعض البرامج الإذاعية… لكن ستقتحم نون النسوة عوالم كرة القدم من باب اللعب وستحقق البطولات والإنجازات، وسوف تفرض وجودها في الملاعب التي بدورها سوف تخضع لقاعدة الاستثمارات العمومية المراعية للنوع، وستدخل النساء الملاعب كما الرجال لدعم ومساندة تشجيع منتخبها المفضل، لتمحو تلك الصورة النمطية بشكل متدرج والتي سكنت أدرج الملاعب لعقود من الزمن، وكأن لعب الكرة ومجموعة من الرياضات ممنوعة على النساء.

لقد توج فريق الجيش الملكي للسيدات بلقب دوري أبطال إفريقيا للسيدات، بعد تغلبهن في النهائي على سيدات ماميلودي صنداونز برباعية نظيفة. كما حقق المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم “لبؤات الأطلس” عصفورين بحجر واحد، بضمانه مقعدا في مونديال السيدات وتأهله إلى نصف نهائي “كان” 2022. ومن خلاله، صنعت “لبؤات الأطلس” إنجازا فريدا بحجزهن بطاقة المرور لأول مرة في تاريخهن إلى نهائيات كأس العالم منذ انطلاقها عام 1991. ويتواصل الحلم الإفريقي للبؤات في البطولة الأكبر قاريا، بالمرور إلى المربع الذهبي للمسابقة بعد إيقاف حلم البوتسوانيات…

هذا الفوز كان فأل خير على الكرة المغربية، التي كادت تعرف تراجعا خصوصا على مستوى إنجازات الفريق الوطني، إلى أن ظهرت المفاجأة في مونديال قطر، وحقق منتخبنا الانتصار العظيم بالفوز المتكرر على عمالقة كرة القدم الدوليين ، متمنين لهم النصر الدائم وإلى الأبد…

من سمات هذا المنتخب الوطني أنه صالح جميع الفئات والأعمار مع الكرة؛ ذكورا وإناثا، شيبا وشبابا وأطفالا… كما أحيا الروح الوطنية والقومية والقارية في كل الشعوب… لقد فعلت فيهم الكرة مالم تفعله المحافل واللقاءات السياسية…

وليد الركراكي، قائد ومدرب المنتخب الوطني، بلغته البسيطة واستراتيجيته وخططه الذكية… ذكرتني بالخطط العسكرية التي كتب عنها الخبير العسكري والجنرال الصيني (سون تزو) في كتابه الشهير “فن الحرب”، حيث وصف القائد المثالي الذي يستحق منصبه هو القائد الذي يعرف كيف يجمع بين صلابة الموقف والثبات على المبدأ وبين المرونة واللين إذا استدعى الأمر إلى ذلك… وهو القائد الذي تتجسد فيه القيادة ليحول المحن إلى مكاسب… والقائد المتفوق بنظره هو القائد الذي يستطيع أن يجعل أتباعه جسدا موحدا، هو القائد الذي ينظر إلى حصيلة القدرة مجتمعة ويأخذ بعين الاعتبار المواهب الفردية ويستخدم كل رجل حسب قابليته، إذ لا يطلب الكمال من غير الموهوب.

والجدير بالذكر هو أنه لا بد من الإشارة إلى أن (سون تزو) كان يتمتع بروح الفارس المحارب التي لا تعرف الذل والهوان والاستكانة والانكسار، وهذا ما نلمسه من خلال سيرته؛ فعلى الرغم من المكانة التي كان يتمتع بها باعتباره قائدا عاما لجيش مملكة “تشي”، حيث ساعد على تحقيق الانتصار تلو الآخر وتوسعة تخوم المملكة، فإنه عاش متواضعا ولا يزال كتابه مرجعا لكل الأنظمة والمؤسسات والأفراد في تحقيق النجاح وترجم إلى كل لغات العالم…

الرسالة المهمة التي بعثت من مونديال قطر إلى شعوب العالم عبر منتخبنا الوطني هي العلاقة المقدسة بين اللاعبين وبين أمهاتهم وآبائهم، خصوصا حضور الأمهات بالملعب ومباركتهن مباشرة بعد كل فوز، عبر عناقهن وتقبيل رؤوسهن وأياديهن باعتبارهن خزان الفرح والسعادة ومنهن يستمدون طاقتهم الايجابية…. كل تلك الصور التي رأيناها زرعت فينا الأمل جميعا… لا خوف على قيمنا الإنسانية الجميلة، بعد أن سوقت لنا برامج تظهر ظواهر اجتماعية تنذر بالخطر على العلاقات الأسرية على سبيل المثال “الحبيبة مي” وما شببه من وجع التراب الذي يؤلم ويوجع رغم حقيقته…

شباب المنتخب الوطني أرسل رسائل إلى أبناء جيلهم أولا، ثم إلى كل الأجيال المقبلة وشعوب العالم باختلاف عقائدها وثقافاتها، مفادها أنه لا يصلح الله أمرا إلا برضا الوالدين… رسائل قداسية العلاقة مع الوالدين باعتبارها أقدس العلاقات الإنسانية في الوجود… فهي شحنة خارقة للنجاح… واستغلوا حضورهم في الحياة… لأن اللقاء بهم لن يعوض ولن يتكرر بعد الفقد.

أمهات بسيطات زرعن الثقة في أبنائهن ليكونوا مفخرة العديد من الشعوب… وبحضورهن المتميز في الملاعب الذي كانت تغيب فيها النسوة، خلقن قاعدة من المعجبين في كل القارات، ومما لا شك فيه سوف يؤثر ذلك على تسويق إيجابي حول المغرب وأبنائه وحول القيم الإنسانية الجميلة…

إن الفرحة المشتركة بين المغاربة والأفارقة والمسلمين بكل بقاع العالم بما أنجزه هذا المنتخب الاستثنائي من انتصارات ممزوجة بالقيم الجميلة، بعد الأزمات الاجتماعية والوبائية التي عرفها العالم، أيقظت فيهم جميعا الأمل في المستقبل… ورسالة (ديرالنية) كانت أجمل شعار هذه اللحظة… رغم قلة حروف العبارة، لكنها ثقيلة المعنى وصالحة في كل المجالات والقطاعات، لتحقيق الفوز والانتصارات، هي ليست شعارا أو وعدا سياسيا لحملة انتخابية، هي نية للإرادة في تحقيق الفعل بصدق وأمانة بحب وعطاء لنصرة وطن وقارة، وكل المتعاطفين من العالم، وسوف تتحقق النتيجة بالعزيمة وشحنة المحبين من شعوب العالم حتى من أوطان هزمت أمام هذا المنتخب..

نتمنى أن تتولد نفس الإرادة والطموح لدى باقي المسؤولين، في السعي إلى تغيير الأرقام وتحقيق النجاحات في كل المجالات والقطاعات، فنحن تعودنا نشوة الانتصار… وتذوقنا لذة النجاح… والمنتخب جعل علم بلادنا يرفرف في كل رقعة من العالم، وأضحت مسؤوليتنا أكبر في مواجهة التحديات من خلال تسلق أرقام مؤشرات التنمية بتحقيق عدالة اجتماعية ونمو اقتصادي في مستوى تطلعاتنا ملكا وشعبا…

سيكون النصر حليفا لمنتخبنا العظيم، بتحقيق الاستحقاق والعودة بكأس العالم بحول الله؛ فهو يستحق كل الألقاب الجميلة وكل النتائج العظيمة، إذ إن هناك أمما وشعوبا تنتظر وسنقول: “سير_ سير” للمنتخب الوطني ولكل الفاعلين في هذا الوطن الغالي.

#الفاعلون #الجدد. #صناع #السعادة #والمؤثرون #في #الشعوب

زر الذهاب إلى الأعلى