العرائش من المراكز المغربية المنسية لدعم الثورة الجزائرية

تعلق تاريخ الجزائريين بتاريخ العرائش منذ أن كانت ترسو سفن المجاهدين البحريين العثمانيين بمرساها؛ بعد أن سمحت لهم الدولة الوطاسية بارتيادها لممارسة الجهاد البحري خلال القرنين 15 و16؛ وكان على رأسهم “خير الدين بربروسا” الذي أبحر إلى المرسى بمجموعة من السفن سنة 1516، وبعد عودته للجزائر عين حاكما عليها.

وستستمر هذه العلاقة إلى خمسينيات القرن الماضي، باتخاذ العرائش مركزا من مراكز اللاجئين الجزائريين وإحدى قواعد معسكرات التدريب لأعضاء جبهة التحرير، ومكانا لاستشفاء جرحاها في مواجهة الاحتلال الفرنسي.

وتروي إحدى الروايات الشفهية أن معسكر تدريب المقاتلين الجزائريين تمت إقامته بمكان يسمى “بوصافي” قرب “عين خماسة” ضواحي مدينة العرائش. وهذا الموقع ينتمي ترابيا إلى جماعة الساحل على الطريق المؤدية إلى جماعتي ريصانة وبني جرفط؛ ومازالت البناية التي كانوا يقيمون فيها ويتدربون بجوارها قائمة إلى اليوم، وكانت ملكا لباشا العرائش المسمى “الخالد بن أحمد الريسوني”، انتقلوا إليها بعد المقر الأول الذي كان وسط المدينة بعقبة العوينة؛ وقد برر “المفضل التدلاوي”، أحد المعاصرين، انتقالهم من البناية الأولى ببعض التصرفات التي لم ترق السكان.

ويحكي لنا أحد سكان المنطقة المجاورة لمعسكرهم مشاهد من هذه التداريب، حيث كان المتمرن ينزل من أعلى شجرة البلوط الفليني (الدلم) منكسا على وجهه إلى أسفلها. كما كان يقوم المتدربون بعمليات تفجيرية تستهدف الأشجار باقتلاعها من جذورها.

وكان تمويل أنشطة الجبهة يتم عبر جمع التبرعات بين السكان المحليين وإعطاء الزكوات. وتم العثور على نداء وزعته جبهة التحرير الجزائرية تخاطب فيه إخوانها المغاربة، مذكرة إياهم بآية قرآنية وحديث نبوي يحثان على الأخوة الإسلامية، والتحسيس بمعاناة منتسبيها من الطرد الذي وقع لهم من المستعمر الفرنسي، وبنزولهم بالقرب منهم، أي بمدينة العرائش، قاصدين حماهم وهم يعلمون صدق الأخوة ومتانة روابط العروبة والإسلام التي تجمعهم مع المغاربة، ويحركون فيهم أريحية حب العطاء والبذل بإعطائهم الزكاة إسوة بباقي إخوانهم المغاربة؛ واختتمت بقوله تعالى: “والله لا يضيع أجر المحسنين”، وهو تذكير آخر بنص قرآني لتحفيزهم على الإنفاق.

وهاكم النداء كما هو مسطور:

وأهم ما ميز هذا الخطاب هو إثارة النعرة العصبية العربية والغيرة الدينية الإسلامية. والشاهد من هذا أيضا إبراز هيمنة التيار القومي العربي والإسلامي على جبهة التحرير الجزائرية، وهو الذي بدأ مع تصفية أحد زعماء التيار الماركسي في الجبهة “عبان رمضان”، من طرف العقيد “عبد الحفيظ بوصوف” (مؤسس المخابرات الجزائرية سنة 1957) بمدينة العرائش.

وبذلك كانت مدينة العرائش مسرحا لإحدى عمليات تصفية الحسابات بين تيارات الجبهة ومحطة من محطات تواجد أبرز القياديين بها؛ ما سيظهر مع هذا التواجد النوعي ونشاطه مدى التعاطف الذي حظيت به القضية الجزائرية لدى عموم الساكنة المحلية من الدعم والمساندة.

ويحدد المفضل التدلاوي في مذكراته نوعية مساهمة العرائشيين بشيء من التفصيل، فأول عمل قاموا به هو المشاركة في الإضراب الذي دعي إليه يوم 5 يونيو 1956، حيث نفذ بتوقف العمل في مرافق الشغل وأقفلت المحلات التجارية بالمدينة، ونظمت مظاهرة جابت الشوارع، مع تجمهر كبير في الملعب البلدي مساء ذلك اليوم، تناول فيه الكلمة عدد من ممثلي الأحزاب السياسية والهيئات النقابية المحلية. كما تم تنظيم مظاهرة يوم 23 اكتوبر 1956 احتجاجا على اختطاف خمسة من الزعماء الجزائريين من طرف الفرنسيين من الطائرة التي كانت تقلهم، والذين كانوا في ضيافة المغفور له محمد الخامس، وهم: أحمد بن بلة وأيت احمد ومحمد بوضياف وكريم بلقاسم ورابح بطاط.

وتشكلت لجنة لتقديم الدعم والمساندة للاجئين الجزائريين قامت لاحقا بتوفير مقر القنصلية الألمانية لإقامتهم، وهو الموجود بعقبة العوينة (شارع الزلاقة حاليا) باتصالها بالسيد “محمد بوصفيحة” المكلف بأملاك القنصلية المذكورة، فاكترته منه. وقامت أيضا هذه اللجنة بالسعي لدى المحسنين من التجار وغيرهم، حيث تم تخصيص مساهمات شهرية لتغطية مصاريف إقامة هؤلاء اللاجئين.

وعملت اللجنة كذلك على توفير الشغل لأحد هؤلاء اللاجئين، وهو السيد “محمد القباطي”، حيث وظف أستاذا بثانوية مولاي محمد بن عبد الله، مع القيام بمهمة الوعظ والإرشاد بالمسجد الأعظم بتعويض مالي من نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. كما تم توفير الشغل أيضا لبعض الأطباء منهم.

هذه إحدى المحطات المشرقة من تاريخ النضال المغربي في استقلال الجزائر التي طالها النسيان ولا شك أنها غيض من فيض

#العرائش #من #المراكز #المغربية #المنسية #لدعم #الثورة #الجزائرية

زر الذهاب إلى الأعلى