الجهل المقدس أو حين يُروَّج الكذب

ردا على مقال “عبد المنعم الخيلية”، أحد أبناء أسرة التعليم (مفتش تربوي) بمديرية العيون، الذي كنا ننتظر منه أن يبتكر لنا حلولا للإشكالات التي يعيشها أستاذ اللغة الأمازيغية، وللميز والتهجم اللذين يتعرض لهما كل بداية السنة الدراسية وأثناء العمل، ولسنوات، وفي الوقت الذي انتظرنا منه تأطيرا قانونيا، تربويا، وعلميا لموضوع تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية، هذا الورش الذي “انتهى” قبل البداية، في الوقت الذي كنا ننتظر منه أن يبهرنا بمعارفه الديداكتيكية والبيداغوجية، ومهاراته وتقنيات التعليم والتعلم التي راكمها في القسم على اعتباره “كسَّر كل أسنانه” في ميدان التدريس كما يقول المثل الأمازيغي للتعبير عن التجربة في ميدان ما…. إلا أنه يفاجئنا وبكل يقين غير متيَقَّن منه وبخطاب ينم عن جهلٍ كبير أو ربما ترويجا مقصودًا للمغالطات زورا ونيلا من زملاءَ في الميدان، الأَوْلى أن يواسيهم وأن يُسهم إلى جانبهم في إغناء النقاش المجتمعي بخصوص هذا الورش الذي اعتبَرَه “مُهمَّا” على حد قوله، والذي في المقابل يسيء إليه وينفث فيه سمومه الأيديولوجية الخسيسة، كما يضرب عرض الحائط نزاهة الأساتذة الحاملين لهذا الهم والمشعل ويُشيطنهم ونواياهم في خرق سافر لكل أخلاقيات الكتابة الموضوعية والنقاش الحر، هذا الإطار التربوي أبان في مقاله عن شيئين مهمين، وعن صفتين جليَّتين، الأُولى تزكي الأخرى، وهما الجهل المقدس في تماس مع الكذب.

جدير بالذكر أن مقالنا هذا جاء ردًّا على باطل أريد به حق، ولكي لا نكون متخندقين مع صاحب المقال في نفس الخندق الأيديولوجي البعثي، وتنزيها لأستاذ اللغة الأمازيغية من كل الأكاذيب الواردة في المقال، نوضح للقارئ النقط الآتية بكل تجرد:

– أولا: نحن أساتذة اللغة الأمازيغية، لا نشتغل في ضيعة أحد، نحن أبناء الشعب، موظفون مررنا من المسار الجامعي والتكويني نفسه، الذي مر منه زملاؤنا أساتذة المزدوج، ونحن يا أستاذي الفاضل لا نستفيد من الريع بخصوص ساعات العمل كما جاء في مقالكم، فأستاذ اللغة الأمازيغية يشتغل أربعة وعشرين (24) ساعة فعلية داخل الفصل، ثمانية (8) أفواج، بمعدل ثلاث (3) ساعات لكل فوج، زائد عشرة (10) إلى خمسة عشرة (15) دقيقة؛ تكون “وقت ميت” بين حصتين بغرض عدم إرجاع أستاذ اللغة الفرنسية أو اللغة العربية إلى القسم خمسة عشرة (15) دقيقة قبل وقت الاستراحة، ولكي لا يخلق ذلك ارتباكا في صفوف التلميذات والتلاميذ، ومجموع هذا الوقت الميت (كما يحلو لي أن أسميه) هو ساعتان (120 دقيقة) إلى ساعتين ونصف (150 دقيقة) في الأسبوع حسب التوقيت المعتمد في كل مؤسسة، وتبقى ساعة ونصف (1h30) من الغلاف الزمني تخصص لفترات الاستراحة أسبوعيا. وإن قمنا بعملية حسابية (الإضافة) بسيطة أيها المعلم-المفتش، فعدد الساعات التي يشتغلها أستاذ اللغة الأمازيغية تصل إلى سبعة وعشرين (27) ساعة، أي المدة الزمنية نفسها التي يشتغلها أستاذ اللغة العربية وأستاذ اللغة الفرنسية في المؤسسة نفسها التي يتواجد بها أستاذ اللغة الأمازيغية. فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

– ثانيا: نحن نعلم جيدا أننا لسنا فئة مستقلة خاصة بأساتذة اللغة الأمازيغية كما تدعي، بل نحن فئة واحدة غير مُجزئة ونحن جسد واحد لن تقسمنا أيديولوجيتك المقيتة، وخطابك البئيس، وليكن في علمكم أيها السيد المفتش المحترم أن أستاذ الأمازيغية يدرس ثمانية (8) أفواج على الأقل أي ما مجموعه مئتان وأربعون (240) تلميذا في أحسن الأحوال، وأكثر من ثلاث مئة (300) تلميذ وتلميذة في أسوأ حالات الاكتظاظ، وانطلاقا من هذا المعطى فكيف لكم السيد المفتش المحترم أن تقارن بالمنطق نفسه بين أستاذ يدرس هذا العدد غير المُطاق من التلاميذ مع أستاذ زميل له يدرس ثمانين تلميذا في أسوأ حالات الاكتظاظ؟ لسنا هنا نتهرب من مسؤولياتنا، بل كان الأجدر السيد المفتش المحترم أن تقترحوا رفع عدد ساعات تدريس الأمازيغية مع خفض عدد الأفواج من أجل مردودية سريعة وفي ظل ظروف تُحترم فيها أدنى شروط العمل، عوض اختلاق نقاش مجاني؛ الهدف منه زرع بذور التفرقة بين أفراد أسرة التعليم، فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

– ثالثا: إن كان أساتذة المزدوج أولى بتخفيض ساعات العمل فنحن نصفق لهذا المطلب، ونحن سنكون في الصفوف الأمامية للدفاع عنه، لكن ليس على حساب الأمازيغية، ولتعلموا سيادة الأستاذ الكبير أن أستاذ الأمازيغية يدرس ست (6) مكونات لكل فوج، أي ما مجموعه ثمانية مكونات يوميا، فلا داعي للتباكي، أو بصيغة أخرى، لا للجهل المقدس، فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

– رابعا: أي نعم يا “مفتش”، المذكرات المتعلقة بتنظيم تدريس اللغة الأمازيغية يتيمة على قلتها، فلما لا تطالبون إلى جانبنا بإصدار مذكرات تساير وضعية الأمازيغية في ميدان التعليم عوض الضرب في المكتسبات، وإن اتفقنا مع سيادتكم في عدم تسقيف المذكرة 130 لعدد الأفواج في ثمانية (8) أفواج كما تفضلتم به، فكيف يمكن إذا الاشتغال مع أكثر من (8) أفواج، بمعنى هل ستقبلون أن يُدرس أستاذ اللغة الأمازيغية أكثر من ثلاثين (30) ساعة ضدا فيه!!! فأين مطلب تقليل ساعات العمل لأساتذة التعليم الابتدائي؟ فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

– خامسا: لسنا هنا في الحرم الجامعي لاستعراض أدبيات النضال والكفاح أيها اليساري المحنك، فقولكم (… فقط لأن الفرنسية والعربية والرياضيات والنشاط العلمي والتربية الفنية والتربية البدنية والاجتماعيات مواد لا بواكي لها ولا نشطاء يرفعون سيف ديموقليس للدفاع عنها). ينم عن التعاطي مع التنظير البيداغوجي للمواد المدرسة بالتعليم الابتدائي بعقيلة “نضالية” بخسة، وليس بحس وطني يضمن تكافؤ الفرص وضمان تعليم ديمقراطي لكل أبناء المغاربة، وهو كذلك ينم عن تبني فكرة القوة عوض قوة الفكرة، فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

– سادسا: أساتذة اللغة الأمازيغية ليسوا ضيوفا في المدارس، وليسوا منزَّلين عليها، هم أساتذة ُعُينوا بها، ولهم نفس الحقوق والواجبات إسوة بباقي زملائهم في المؤسسات الدراسية، لهذا فقولكم إنهم يَقتطعون من الزمن الدراسي للمواد الدراسية الأخرى سيجعلنا نتخيل أن أستاذ الأمازيغية يجول المؤسسة وهو بحاجة إلى التصدق عليه من زمن تعلمات التلاميذ والمواد الدراسية الأخرى، وكأن الأمازيغية ليست مادة رسمية ضمن المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي كما جاء في المرجعيات والوثائق الرسمية المنظمة له. فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

سابعا وأخيرا: إدراج حصص الأمازيغية داخل جدول الحصص الخاصة بأساتذة اللغتين العربية والفرنسية هو أمر ضروري لتبرير الزمن غير المدرس من قبلهم أثناء اشتغال أستاذ الأمازيغية مع التلاميذ سواء داخل نفس الحجرة الدراسية الخاصة بهم إن لم يكن يتوفر على الحجرة الدراسية الخاصة به، أو داخل الحجرة الدراسية الخاصة به في حالة توفرها، أما الإشكال القانوني في حالة حدوث حادثة مدرسية، فوجود التلميذات والتلاميذ بمعية أستاذ اللغة الأمازيغية في الحصة الدراسية المبرمجة في جدول الحصص الخاص به وجدول الحصص الخاص بأحد الأساتذة الآخرين كاف أن يحمل أستاذ اللغة الأمازيغية مسؤولية قسمه في ذلك التوقيت. فكفى كذبا يا “طالب معاشو”.

إلى هنا نتمنى صادقين أن يلتقط “طالب معاشو” ومن معه الرسالة بصدر رحب، بكل موضوعية وبعقلية سوية متجردة عن عمى الأيديولوجي، وأن يكون المقال نقطة انطلاق (بالنسبة لغير الملمين، أو لمن لا يريدون فهم الأمور) لفهم مجريات تدريس اللغة الأمازيغية بالمدرسة المغربية، والسلام على الدوام.

#الجهل #المقدس #أو #حين #يروج #الكذب

زر الذهاب إلى الأعلى