التسول المدرسي.. الموضة الجديدة

التسول المدرسي.. الموضة الجديدة

عزيز لعويسيالثلاثاء 19 يوليوز 2022 – 15:21

بنهاية كل موسم دراسي، تطفو على السطح عدة ظواهر تربوية تعليمية، بعضها أضحى فعلا اعتياديا كما هو الشأن بالنسبة للغش المدرسي الذي بات بالنسبة للكثير من المتعلمين “حقا مشروعا” يستحق ركوب أمواج المجازفة والمخاطرة والمغامرة، وبعضها مازال يتموقع في خانة “المسكوت عنه”، ونخص بالذكر ما يمكن توصيفه بظاهرة “التسول الجديد” الذي ربما قد لا يتم الانتباه إليه من قبل الفاعلين في مجال التربية والتكوين وفي طليعتهم المدرسين، أو على الأقل لا يولونه ما يستحق من تأمل وتفكر وتشخيص.

تسول جديد حامل لتوقيع عينات من المتعلمين ارتأينا أن نضعهم في خانة “المتسولون الجدد”، الذين يفتقدون لما يفرضه التحصيل الدراسي من شروط المواظبة والانضباط والجاهزية والاستعداد، والتفاني والتضحية والمواكبة والتتبع والمسؤولية، يقضون العام الدراسي كالصراصير، في أجواء من العبث واللهو والتهور والتهاون والتواكل والتقاعس، ولا يستيقظون إلا في آخر الأنفاس، لما يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام معدلات موجبة للرسوب، حينها البعض منهم يستسلم إلى الحقيقة المرة ويؤمن بقدر الرسوب والإخفاق، على أمل يتم استدراك ما ضاع خلال الموسم الدراسي المقبل، ومنهم من يتحول بقدرة قادر إلى متسول، “يطلب” و”يتوسل” و”يستعطف” و”يستنجد”، طمعا في نقطة لن تجدي نفعا، في لحظة مفصلية يفترض أن تكون “لحظة نجاح” عاكسة لمجهود عام دراسي كامل من الكد والاجتهاد، وما يزيد طين التسول بلة، أن في بعض الحالات، يدخل الآباء والأمهات على الخط، ليمارسوا فعل التسول بالنيابة عن أبنائهم دون حرج أو حياء.

“تسول” تتحكم فيه حسب تقديرنا، جملة من العوامل، بعضها يلامس واقع حال المنظومة التعليمية، التي مازالت توفر بيئة آمنة للغش بكل تمظهراته، بناء على ما تقدمه من “عروض تربوية” تفصلها مسافات زمنية عن “الجودة المأمولة”، وبعضها الآخر يسائل الكثير من الأسر التي لم تعد تتحمل مسؤولياتها التربوية تجاه أبنائها، ولن نبالغ، إذا قلنا إن بعض الأسر رفعت “الراية البيضاء”، ولم تعد قادرة لا على كبح جماح سلوكات أبنائها ولا على مواكبة وتتبع تحصيلهم الدراسي، ملقية الكرة بأكملها في مرمى المدرسة، وبعضها الثالث يرتبط بمنظومة مجتمعية تعاني أزمة قيم وأخلاق، منتجة لثقافة التفاهة والسخافة والانحطاط والتواكل، تتواضع في قاموسها مفردات الواجب والالتزام والمسؤولية والانضباط، وقد نضيف إلى ذلك، عاملا موضوعيا لا يمكن البتة تجاهله أو إقصاؤه، ويتعلق الأمر بالظروف العامة التي أحاطت بجائحة كورونا، التي فرضت اعتماد خيارات بيداغوجية غير مسبوقة، من أبرزها اللجوء إلى أنماط “التعليم عن بعد” و”التعليم بالتناوب”، واتخاذ قرار إلغاء بعض الامتحانات الإشهادية، مما كان له عميق الأثر على مستوى الكثير من المتعلمات والمتعلمين الذين انتقلوا إلى أقسام ومستويات أخرى بأقل جهد، دون أن يتملكوا الكفايات الضرورية، مما جعلهم كما يوضح ذلك واقع الممارسة المهنية، عاجزين عن مواكبة ومسايرة إيقاع التعلمات في الأقسام والمستويات التي انتقلوا إليها، ولم يعد من بديل أمام بعضهم، سوى الرهان على خيار “التسول”، أو ركوب صهوة “الغش المدرسي” في مضمار الامتحانات الإشهادية، عبر الرهان على ما باتت تتيحه “سوق الغش” من “أسلحة دمار شامل”، لا تعترف بضوابط القيم ولا قواعد الأخلاق ولا حتى بحدود المسؤولية، إلا الظفر بورقة نجاح “لا تتوفر شروطه”.

وإذا كنا اليوم، نوجه البوصلة نحو هذا النمط الجديد من التسول، فالقصد هو فتح نقاش تربوي رصين ومسؤول بخصوص هذه “الموضة” الآخذة في التنامي، التي تستحق أن ترصدها عيون التربويين وأقلام الباحثين وعدسات الإعلام المهني والأخلاقي، لما لها من تكريس لثقافة التواكل والاتكالية في الوسط المدرسي، ومن ضرب لقيم المسؤولية والالتزام والواجب، وتشويش على المساواة وتكافؤ الفرص بين المتعلمات والمتعلمين، ومن تبخيس للعمليات التعليمية التعلمية برمتها، ونرى أن الحل أو الحلول الممكنة، تمر عبر إحداث ثورة حقيقية داخل المدرسة العمومية تطال المناهج والبرامج وطرائق التدريس والتقويم والتوجيه وبنيات الاستقبال، وترتقي بالوضع الاعتباري لنساء ورجال التعليم، وعبر تحمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي طليعتها الأسرة، أدوارها المواطنة في التربية والتأطير والتوعية والتحسيس، فضلا عن النهوض بثقافة المواطنة وما يرتبط بها من مسؤولية واحترام والتزام وواجب، بكبح جماح ما يتهدد المجتمع من تفاهة وسخافة وعبث وانحطاط، ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فالتسول الجديد على غرار “الغش المدرسي”، هما صورة “مأسوف عليها” من “ألبوم” منظومة تعليمية أتعبتها “المساحيق” منذ عقود خلت، ولم يعد وجهها يحتمل.

التسول التعليم

#التسول #المدرسي. #الموضة #الجديدة

زر الذهاب إلى الأعلى