الاستغلال المنجمي بالمغرب .. حقوق وقوانين

ملخص:

يأتي الاهتمام بربط الاستثمار في المجال المعدني بالخصوص كمجال تؤطره قواعد القانون الخاص بالدور التنموي للجماعات الترابية والمحافظة على البيئة كمجال تؤطره قواعد القانون العام، بسبب تنامي هذا النوع من الاستثمارات الوطنية والأجنبية على المستوى الترابي، وكذا في إطار الأهمية التي أولاها المشرع للتنمية الترابية، والطفرة المهمة التي جسدها الدستور المغربي المعدل سنة 2011، من خلال تنصيصه على الدور الهام الذي أضحت تلعبه الجماعات الترابية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحافظة على البيئة، وتتويج تلك الطفرة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي نصت على مبدأ التدبير الحر والتفريع، اللذين يجسدان استقلالية الجماعات الترابية في تدبيرها لمجالها الترابي ومواردها المالية وكذا في الاختصاصات التي تتقاسمها مع الدولة في بعض المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والتي تكمن الغاية من ورائها في مد هذه الوحدات الترابية تحت -دولتية- Infra Etatique بالأطر القانونية والموارد المالية التي ستمكنها من الاضطلاع بأدوارها التنموية.

مقدمة:

يكمن الهدف الرئيسي الكامن وراء كتابة هذا المقال في نشر الوعي بالمعرفة القانونية في ما يخص مجال الاستثمار والاستغلال المنجمي، والذي لا توجد كتابات خاصة به أو لنقل إنها نادرة جدا، وقمت بربطه بالمجال الترابي للاستغلال والذي تشكل فيه الجماعات الترابية الحجر الأساس، لهذا فقد حرصت فيه استنادا إلى روح الدستور المغربي لسنة 2011 وكذا المواثيق الدولية والقوانين الأخرى ذات الصلة، على شرح بعض المقتضيات القانونية الواردة في القانون 13.33 المتعلق بالمناجم، والقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية وكذا القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية.

والغاية الماثلة أمام ربط جانب من القانون المتعلق بالاستغلال المنجمي مع اختصاصات الجماعات الترابية وجباياتها؛ تكمن في التذكير بالأبعاد السوسيو-اقتصادية والبيئية للاستثمار أو الاستغلال المنجمي، والتي ينص عليها دستور المملكة المعدل سنة 2011، وأخذ بعين الاعتبار كذلك ضرورة الحرص على استحضار جل القوانين ذات الصلة، وذلك من أجل إبراز دور القطاع الخاص والجماعات الترابية في خلق تنمية مستدامة بمناطق الاستثمار أو الاستغلال، مع الحرص على ضمان مصالح السكان القاطنين بمناطق الاستغلال المنجمي، والحفاظ على حقوقهم كمواطنين في المقام الأول، ثم كمالكين للعقارات موضوع الاستغلال المنجمي.

حقوق المالكين الواردة في القانون 33.13

من بين حقوق المالكين الواردة في القانون 33.13، حق تفويت الأرض موضوع الاحتلال المؤقت، بحيث ينص القانون على أن الاحتلال المؤقت للأرض إذا تجاوز خمس سنوات وأصبحت الأرض غير صالحة للاستخدام الذي كانت معدة له، جاز لمالكها أن يلزم صاحب رخصة البحث أو الاستغلال باقتنائها مقابل ثمن يحدد بالتراضي، وفي حالة عدم الاتفاق على ثمن الاقتناء، يحدد هذا الأخير من طرف اللجنة الإقليمية للخبرة، وإذا لم يحصل الاتفاق على الثمن الذي حددته اللجنة الإقليمية تولت المحكمة المختصة تحديده.

علاوة على المطالبة بأداء تعويض بسبب ضرر لحق بالأرض؛ بحيث بعد انصرام مدة الاحتلال المؤقت، وفي حالة ضرر لحق الأرض موضوع الاحتلال المؤقت، يجوز لمالك الأرض أن يطالب بأداء تعويض يحدد باتفاق مع صاحب رخصة البحث أو الاستغلال، وفي حالة عدم الاتفاق على مبلغ التعويض يحدد هذا الأخير من طرف اللجنة الإقليمية للخبرة، وإذا لم يحصل الاتفاق على مبلغ التعويض الذي حددته اللجنة الإقليمية، تولت المحكمة المختصة تحديده.

وفي ما يخص السومة الكرائية فإنها تحدد من طرف اللجنة الإقليمية للخبرة والتي حددتها حسب ما هو منصوص عليه في القانون 33.13، ومدة الاستغلال قابلة للتجديد حسب إرادة كل من المالك وصاحب السند المنجمي، كما هو منصوص عليه في عقد الكراء، ويثار بهذا الخصوص إشكال في حالة عدم موافقة المالكين على السومة الكرائية، بحيث لم يرد أي مقتضى لا في القانون 33.13 ولا في عقد الكراء ينص على حق لجوئهم إلى القضاء في حالة عدم الموافقة على السومة الكرائية المعتمدة في عقد الكراء المنتهية صلاحيته، أخذا بعين الاعتبار أن السومة الكرائية التي حددتها اللجنة الإقليمية للخبرة في بداية الاستغلال، قابلة للطعن أمام المحكمة المختصة وذلك أخذا بعين الاعتبار المعطيات الاقتصادية والمعيشية المتغيرة على مدى مدة العقد.

وقد نصت المادة 5 من القانون رقم 16-49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، علي ما يلي: “تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو المحلات المشار إليها في المادة الأولى أعاله، وكذا كافة المحلات بتراضي الطرفين، تعتبر هذه المحلات من مشمولات الوجيبة الكرائية في حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم بها”.

كما نصت المادة الآنف ذكرها في الفقرة الثالثة على ما يلي: “تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية مقتضيات القانون رقم 03-07 المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.134 بتاريخ 30 نونبر 2007”.

وتنص المادة الثانية من القانون 07.03 على أنه لا يجوز رفع ثمن الكراء خلال مدة تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ إبرام عقد الكراء، ما يجعل المطالبة بتجديد ثمن الكراء من طرف المالكين أمرا مشروعا إذا تجاوز هذه المدة، وإذا لم يحصل الاتفاق على الثمن تولت المحكمة المختصة تحديده حسب النسب المقررة في هذا القانون، والمحددة في 10% بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال التجاري والصناعي، كما تنص على ذلك المادتين الثالثة والرابعة، وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الابتدائية لها الاختصاص في النظر في المنازعات المتعلقة بمراجعة واستيفاء الزيادة في أثمان الكراء، سواء المنصوص عليها في العقد أو المقررة قانونا والمتعلقة بالمحلات المعدة للاستعمال التجاري والصناعي، حسبما تنص على ذلك المادة الثامنة.

يلاحظ أن المشرع نوع من النصوص المتعلقة بالعلاقة التعاقدية بين المكتري والمكري حسب طبيعة المحل وطبيعة النشاط الممارس، وأورد أحكاما عديدة تهم شروط عقد الكراء والدعاوى المتعلقة بالمكتري والمكري، وانقضاء الكراء، ففي القانون 13.33 المتعلق بالاستغلال المنجمي أشار إلى أن الأراضي لأجل البحث واستغلال المواد المنجمية يمكن أن تكون موضوع كراء أو تفويت، ويجب أن يشار في عقد الإيجار أو التفويت إلى الاستعمال الذي أعدت له الأرض المذكورة، والاحتلال المؤقت والاقتناء وكيفية تحديد التعويض عنهما، وتحديد السومة الكرائية من طرف اللجنة الإقليمية للخبرة وكذا المحكمة المختصة في حالة عدم رضى الطرفين، وأشار المشرع أيضا إلى ضرورة وجود رضى الطرفين في العقد في القانون 49.16 والذي أحال على القانون 07.03 في ما يخص الوجيبة الكرائية الخاصة بكراء المحلات التجارية والصناعية، ويعكس هذا الأهمية القصوى التي يوليها المشرع لمسألة الكراء بشكل عام وكراء المحلات التجارية والصناعية بشكل خاص، وذلك نظرا للإشكاليات الكثيرة المترتبة عن هذه الكراءات، ونظرا للأهمية التي تكتسيها هذه العقود على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ورغبة المشرع في حماية أطراف العقد والحفاظ على مراكزهما القانونية، وبالأخص المكتري كطرف ضعيف في هذه العملية التعاقدية.

الحقوق البيئية في الدستور المغربي لسنة 2011 والتشريع الوطني والمواثيق الدولية

يعتبر صاحب السند المنجمي مسؤولا عن الأضرار التي يلحقها نشاطه بالغير، على أنه لا يجوز مباشرة أعمال البحث والاستكشاف والاستغلال المنجمي في منطقة تبعد بأقل عن 50 مترا عن أية بناية أو منشأة ولا سيما عن الأملاك المحاطة بأسوار أو ما يماثلها، وكذلك القرى والمجموعات السكنية والآبار والمباني الدينية والمقابر أو الأماكن التي تعد مقدسة، وطرق المواصلات وقنوات الماء أو الهيدروكاربورات وأعمال الحفر عن الماء أو الهيدروكاربورات وبصفة عامة جميع الأعمال ذات المنفعة العامة والمنشآت الفنية، ما عدا في حالة الحصول على ترخيص مسبق من مدبر الملك أو موافقة المالك المعني بالأمر.

وحسب دستور 2011 فإن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة وعلى التنمية المستدامة، ويضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، وتضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر، كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة وتسهر الدولة كذلك على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، والرعاية الخاصة للفئات الاجتماعية الأقل حظا.

كما نص دستور 2011 على إحدث مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي، على أن للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في جميع القضايا، التي لها طابع اقتصادي واجتماعي وبيئي، ويدلي المجلس برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.

والمغرب من بين الدول التي لديها تشريعات بيئية هامة تهم كل من الإطار المؤسساتي للبيئة والاستراتيجية البيئية، والتي تهدف إلى المحافظة على البيئة والتنوع البيولوجي والغطاء النباتي ومحاربة كل أنواع الاستنزاف أو الاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية، وتكريس مساهمة البيئة في التنمية المستدامة، سواء على المستوى الوطني والمركزي أو اللامركزي والترابي، وذلك من خلال إشراك الجماعات الترابية في الاستراتيجية البيئية وجعلها قطبا رئيسيا أنيط بها مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة، وإنعاش الاستثمارات والماء والطاقة والبيئة، وضرورة ارتكاز برنامج تنمية مجلس الإقليم على تحقيق تنمية مستدامة، وذلك بتضمين البعد البيئي في مختلف البرامج في مرحلة التشخيص والإعداد والتنفيذ والتتبع والتقييم.

وفي مجال الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات الترابية، المنصوص عليها في القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية نجد بشكل أساسي تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، وصيانة مدارس التعليم الأساسي والمستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة، وبناء وصيانة الطرق والمسالك الجماعية، وتتمثل الاٍختصاصات الذاتية في مجال التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة، والتي منها إنجاز برنامج عمل الجماعة والشراكة مع القطاع الخاص، وتهم مجالات التنمية القروية وتنمية المناطق الجبلية لكونها تتميز بخاصية الهشاشة، والمحافظة على البيئة.

وعلى مستوى القانون الدولي فقد ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة الخامسة والأربعين A-RES-45-94، ما يلي: “لكل فرد الحق في بيئة ملائمة. تُعد البيئة الملائمة شرطًا مسبقًا لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، بما فيها الحق في الحياة والغذاء والصحة ومستوى معيشي لائق؛ ويرد هذا الحق جزئيا في إطار الحق في الصحة المبين في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي ينص على أنه يتعين على الدول إعمال الحق في الصحة عن طريق تحسين جوانب الصحة البيئية كافة من جملة خطوات أخرى”، وورد أيضا في الصكوك الإقليمية لحقوق الإنسان مثل بروتوكول سان سلفادور، وأيضا عبر إجراءات الأمم المتحدة للولاية بشأن حقوق الإنسان والبيئة في عام 2012، ما يلي:

“ينبغي أن يكون كل فرد قادرا على العيش في بيئة تفي بمتطلبات صحته ورفاهه، ويتعين على الدول اتخاذ الخطوات الملموسة والتدريجية، منفردة أو بالتعاون مع بعضها البعض، لوضع الأطر المناسبة لتمكين كل المقوّمات الضرورية لبيئة صحية ومستدامة وتنفيذ هذه الأطر والمحافظة عليها على نطاق العالم الطبيعي بأسره، ويشمل ذلك النظم التي تحكم العمليات التي تنفذها الشركات والجهات الفاعلة الخاصة على الصعيد المحلي وخارج نطاق الحدود الإقليمية”.

“إن التعاون الدولي من أجل التنمية وإعمال حقوق الإنسان، وفقا لمبادئ القانون الدولي الثابتة بما فيها أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التزام يقع على عاتق الدول كافة، ويتسم هذا التعاون والدعم، الذي يقع بوجه خاص على عاتق الدول التي تستطيع مساعدة غيرها من الدول الأخرى، بأهمية خاصة في معالجة الآثار العابرة للحدود المترتبة على الظروف البيئية مثل تغيّر المناخ”. .

وقد بلغ عدد الاتفاقيات البيئية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها أو وقع عليها أو قبل بها 61 اتفاقية إلى حدود سنة 2014، وهذه الاتفاقيات منها الدولي والإقليمي والثنائي، ومنها نجد؛ اتفاقية حماية طبقة الأوزون، اتفاقية الحفاظ على التنوع البيولوجي، اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن التغير المناخي، إعلان ريو ديجانيرو- Rio de Janeiro، والاتفاقية المتعلقة بالمحافظة على الحياة الحيوانية والوسط الطبيعي لأوروبا، واتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة التصحر، واتفاقية حماية الوسط البحري والساحل بالمنطقة المتوسطية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. (هذا العهد الدولي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 دجنبر 1966، دخل حيز النفاذ 1976).

المقتضيات المتعلقة بالبيئة الواردة في القانون 33.13

وفي موضوع حماية البيئة وحفظ الصحة والسلامة تنص المقتضيات الواردة في القانون 33.13 المتعلق بالمناجم على ضرورة تقيد صاحب السند المنجمي بأحكام النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل فيما يتعلق بالصحة وحفظ الصحة والسلامة وحماية البيئة أثناء الاٍستكشاف والبحث والاٍستغلال وعلى ضرورة اٍنجاز دراسة التأثير على البيئة وتقديم الموافقة البيئية طبقا للتشريع والتنظيم الجاري بهما العمل، وعلى ضرورة اٍتخاذ التدابير الفورية الضرورية لحماية الأرواح البشرية والبيئية في حالة وقوع حوادث ناتجة عن أنشطة صاحب السند المنجمي، ويتعين عليه إبرام عقد تأمين لتغطية مسؤوليته المدنية.

إذا كان القانون 33.13 يحث على المحافظة على البيئة وحفظ الصحة والسلامة، ومسألة مراقبة مدى التزام صاحب السند المنجمي بهذه المقتضيات متروكة لمراقبة الإدارة وفق ما هو منصوص عليه في مقتضيات هذا القانون المتعلقة بالمراقبة ومعاينة المخالفات الواردة في القسم السابع منه، فإن المسؤولية الاجتماعية للمقاولة المعروفة اختصارا بـ (RSE) أصبحت واردة وتم إدماجها ضمن تقنيات تدبير المقاولة، وتهدف إلى إثارة مسؤولية هذه الأخيرة عن الآثار الاٍجتماعية والبيئية والاقتصادية والتنموية التي يخلفها نشاطها على المحيط ونتائجها على المدى الطويل وعلى الأجيال المستقبلية أفرادا وجماعات وعلى المنظومة البيئية، وجعل التنمية المستدامة تندرج ضمن أولويات صاحب المشروع، ورغم أن المغرب لا يتوفر على قانون ملزم للمقاولات في ما يخص المسؤولية الاجتماعية مثل الدول الأوروبية، ويبقى ذلك رهينا بالنية الحسنة للمقاولة في هذا المجال، فإنه يؤمل أن يتم سن تشريع بهذا الخصوص.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواردة في الدستور المغربي لسنة 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية

تعتبر التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة بالمناطق القروية والجبلية على الخصوص مطلبا حيويا سواء بالنسبة للدولة أو الساكنة أو المجتمع المدني، ورغم أن الدولة والجماعات الترابية والمجتمع المدني يبذلون جهودا محمودة من أجل تحقيقها، إلا أن الواقع المرصود يعطي الانطباع على أنه لا تزال هناك حاجة ماسة إلى تضافر المزيد ممن الجهود، وتكريس الحكامة الترابية من أجل بلوغ هذه الغاية، وتندرج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواردة في الدستور المغربي المعدل سنة 2011، ضمن المجهودات التي تبذلها الدولة على مستوى أسمى تشريع في البلاد من أجل جعلها تحظى بالأولوية عند كل استثمار عمومي أو خصوصي في إطار المقاربة التشاركية، والتي تهدف إلى جانب إشراك المجتمع المدني في التنمية الترابية وصنع وتدبير السياسات العمومية الترابية، إشراك الفاعل الاقتصادي والقطاع الخاص أيضا.

وانطلاقا من المقتضيات الواردة في الدستور المغربي فاٍن الجماعات الترابية مطالبة بالعمل على تنمية مجالها الترابي اٍنطلاقا من مبدأ التدبير الحر، الذي يؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، وفي مساهمة الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة على المستوى الترابي، وفي إعداد السياسات العمومية الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.

ويقوم رؤساء مجالس الجماعات الترابية، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها وتضع مجالس الجماعات الترابية آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها ويمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله.

وبناء على مبدأ التفريع تزاول الجماعات الترابية اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة، وتتوفر الجماعات الترابية في مجالات اختصاصاتها وداخل دائرتها الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها، ويمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعمل الولاة والعمال باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية، ويساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.

يظهر جليا مما تقدم أن دور الجماعات الترابية في ما يخص التنمية الاجتماعية والاقتصادية محوري وجوهري، لا سيما دورها في الدفاع عن مصالح الساكنة وإنجاز البنيات التحتية الأساسية أو التجهيزات أو تيسير الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، ولا سيما التعليم والصحة، وتمارس هذه الأخيرة الاختصاصين الذاتي والمشترك، وذلك من خلال تحسين العرضين المدرسي والصحي بتعاون مع الجماعات الترابية الأخرى (مجلس الإقليم ومجلس الجهة)، وتوفير النقل المدرسي للتلاميذ وتأهيل المرفق العمومي المدرسي والصحي والبنيات التحتية المدرسية والتعليمية والصحية سواء بمناطق الاستغلال المنجمي أو بتراب الجماعة الترابية بشكل عام، والعمل مع الجماعات الترابية الأخرى أو مع القطاع الخاص، خاصة المقاولات التي تستثمر داخل مجالها الترابي على المساهمة في التنمية الترابية الاجتماعية والاقتصادية وفي مجالي التشغيل والحفاظ على البيئة، وذلك بالاستناد سواء إلى قوانينها التنظيمية أو إلى دفاتر التحملات التي يجب أن تلزم هذه المقاولات بالمسؤولية الاجتماعية وضرورة مساهمتها في التنمية الترابية المستدامة.

المقتضيات المتعلقة بتنمية مداخيل الجماعات الترابية الواردة بالقانون 47.06

يكمن الهدف الأساسي من إيراد القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية في رغبتنا في الإشارة إلى أن تنمية مداخيل الجماعات الترابية وجعلها قادرة على توفير مداخيل قارة من أجل الاضطلاع بالمهام التنموية المسندة إليها بموجب الدستور والقوانين التنظيمية، رهين بتوفر الإطار القانوني المنظم في المقام الأول، وكذا بوجوب انخراط الفاعل الترابي في الالتزام بالواجب التنموي الملقى على كاهله وكذا وعيه بهذا الواجب، وتفعيله للاختصاصات التي أوكلها إليه القانون من أجل الاضطلاع بهذا الدور التنموي الهام، لذا فالحديث عن ضرورة تخصيص جزء من هذه المداخيل المتأتية من الاستغلال المنجمي في تنمية مناطق الاستغلال، أملته ضرورة الالتزام بالموضوع والذي يتناول علاقة قانون الاستغلال المنجمي بالدستور والمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، ومدى مساهمتها جميعا في ضمان رفاه المواطن ونمائه.

وينص الدستور في هذا الإطار على الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية، والتي منها: النظام المالي ومصدر الموارد المالية الجماعات الترابية، واستنادا إلى المادة 174 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، بخصوص موارد الجماعات الترابية، وانطلاقا من منطوق المادة 118 من القانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية كما تم تتميمه وتغييره بالقانون 07.20، فإن الرسم على استغلال المناجم يفرض على أصحاب الامتياز ومستغلي المناجم كيفما كان الشكل القانوني لهذا الاستغلال.

وتنص المادة 120 من نفس القانون على أن عائد الرسم يوزع كما يلي:

50 بالمائة لفائدة ميزانية الجهة التي يفرض هذا الرسم داخل مجالها الترابي.

50 بالمائة لفائدة ميزانية الجماعات التي يفرض هذا الرسم داخل مجالها الترابي.

وعليه تحدد الحصة التي تستفيد منها الجهة والجماعة المعنية كما يلي:

حصة الجهة = كمية المواد المستخرجة من المناجم بتراب الجماعات المعنية x سعر الرسم x 50%

حصة كل جماعة = كمية المواد المستخرجة من المناجم بتراب الجماعة المعنية x سعر الرسم x 50%

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرسم يستخلص لفائدة الجهة التي يتم فيها استغلال المناجم المتواجدة بنفوذها الترابي.

وتنص المادة 120 من القانون المشار إليه أعلاه، على أنه يتعين على مستغلي المناجم دفع مبلغ الرسم تلقائيا لدى صندوق شسيع مداخيل الجهة أو لدى المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل، كل ربع سنة قبل انصرام الشهر الموالي لكل ربع سنة على أساس الكميات المستخرجة خلال هذه الفترة.

ويتم احتساب السعر بناء على قرار جبائي صادر من الآمر بالصرف بالجهة المعنية مع مراعاة أن يكون هذا السعر ما بين درهم واحد وثلاثة دراهم عن كل طن مستخرج.

لذلك فالجماعات الترابية تمارس اختصاصها الذاتي في ما يخص تدبير الموارد المالية بشكل عام، وبالنسبة لموضوعنا تلك المتأتية من الاستغلال المنجمي واستثمار جزء منها في تنمية مناطق الاستغلال، وذلك بما يعود على ساكنة تلك المناطق بالنفع سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو البيئي.

لا بد من الاعتراف بكون أغلب الجماعات الترابية؛ خاصة المتواجدة في المناطق القروية أو الجبلية على وجه الخصوص، تعتمد على إمدادات الدولة من الضريبة على القيمة المضافة، وقليل منها فقط من لديها مداخيل ذاتية قارة؛ إما متأتية من الأسواق الأسبوعية أو كراء المحلات التجارية أو العقارية، أو تلك المتأتية من استخراج مواد المقالع، لذلك فالقانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية وهو يستحضر هذا الإكراه المالي، مكن هذه الجماعات من مداخيل جد مهمة وهو ينص في تعديله بموجب القانون 20.07 على استفادتها من المداخيل الجبائية المتأتية من المناجم الموجودة بترابها، وهو إجراء يهدف من ورائه المشرع إلى سد النقص الحاصل في تمويل ميزانية الجماعات الترابية، خاصة المتواجدة بالمناطق القروية أو الجبلية، وتمكينها من فائض قيمة يمكنها من تنفيذ برامجها التنموية وخلق سياسات تنموية اجتماعية ناجعة.

خاتمة:

إن الاستثمار يعتبر رافعة للاقتصاديين الوطني والمحلي، على أن هذا الأخير يجب أن يراعي مجموعة من الشروط والحقوق الخاصة والعامة، وبالأخص حقوق المالكين الخواص وحقوق السكان المتواجدين بأماكن الاستثمار، وكذا حقوق الدولة والجماعات الترابية والمتمثلة في الواجبات الضريبية والجبائية المستحقة لهذه الأخيرة عن النشاط التجاري الممارس، وتبين المعطيات التقنية ودراسات الجدوى وعدم الإضرار بالبيئة التي تنجز من طرف أصحاب هذه الاٍستثمارات، وفق ما هو منصوص عليه في القوانين ذات الصلة، مدى جدواها الاقتصادية ومدى قدرتها على التعامل مع حقوق الأغيار ومدى الالتزام بالمحافظة على الصحة العامة وسلامة البيئة والحرص على تنمية المجال الاجتماعي بمناطق الاستغلال وذلك في إطار الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية، وكذا التزامها بتعويض كل الأضرار والخسائر الناتجة عن مزاولة نشاطها الاقتصادي أو التجاري في المناطق التي تمارس فيها تلك الأنشطة، سواء للدولة إذا تعلق الأمر بالملك العام، أو للخواص إذا تعلق الأمر بالملكية الخاصة والتي تعتبر من الحقوق المدنية الأساسية والتي نص عليها الدستور المغربي المعدل سنة 2011 في الفصل 35 منه.

#الاستغلال #المنجمي #بالمغرب #حقوق #وقوانين

زر الذهاب إلى الأعلى