الإثبات بالوسائل العلمية في المادة الجنائية على ضوء مشروع قانون المسطرة الجنائية '' دراسة مقارنة''

المطلب الثاني: الآليات المستمدة من الوسائل التقنية

      ان الآليات المستمدة من وسائل المراقبة  وآستعمال آلة كشف الكذب لا تعدو ان تكون سوى الية من آليات التقنية للإثبات في المادة الجنائية إلى جانب التنويم المغناطيسي لهذا سنحاول أن نتناول كل منهما في فقرة  مع تحديد طبيعتهما او ماهيتما مع مشروعية استعمالهما.

الفقرة الأولى: ماهية المراقبة الإلكترونية في الإثبات الجنائي

يعتبر  التقاط المكالمات و أشرطة الفيديو من ابرز الآليات المستمدة من المراقبة الإلكترونية؛ فبالنسبة لهذه الأخيرة استخدامها كان نتاجا لتطورات  أفرزتها الثورة التكنولوجية قصد الوصول الى محتويات مكالمة هاتفية معينة أو مكالمات هاتفية صادرة او واردة من رقم هاتف معين.

فالوصول لمحتويات هده المكالمة لم يعد يفرض بالضرورة الاتصال المباشر بالهاتف المعني كما كان سابقا.حيث يوجد مجال كهربائي كاف حول الخط الهاتفي المعني و بالتالي فقد أصبح التقاط المكالمات جوا امرا جد بسيط بالنسبة لأهل الإختصاص،اما اشرطة الفيديو التي تكون متبتتة على دعامات إلكترونية فهناك من اطلق عليها  بالمراقبة البصرية حيث تقوم هذه الأشرطة بتوثيق الوقائع  ومسرح الجريمة و دلك باعطاء صورة طبق الأصل لمسرح الجريمة، و هده الوسائل تفيد بشكل كبير أجهزة العدالة الجنائية في فك ألغاز بعض الجرائم التي قد يستحيل إثباتها بوسائل الإثبات التقليدية، وقد ثم العمل بهذه الآلية في إحدى القضايا مؤخرا التي اثارت ضجة كبيرة في الرأي العام المغربي عندما تمت ادانته مؤخرا بجرائم عديدة في مقدمتها جريمة الإتجار بالبشر وقد تم اثبات ذلك بأشرطة فيديوهات ورسائل الكترونية.

الفقرة الثانية: مشروعية المراقبة الإلكترونية في الإثبات الجنائي  وموقف المشرع المغربي

           يقصد بمشروعية الدليل الجنائي بما يتضمنه من أدلة إلكترونية هو :”التوافق و التقيد بالأحكام القانونية في إطارها و مضمونها العام فهي تهدف إلى تقرير ضمانة أساسية و جدية للأفراد لحماية حرياتهم و حقوقهم الشخصية ضد تعسف السلطة و بالتطاول عليها في غير الحالات التي رخص فيها القانون بذلك من أجل حماية النظام الإجتماعي و بنفس القدر لتحقيق حماية مماثلة للفرد ذاته “[10]

لا يمكن انكار دور هذه الوسائل في تحرير المحاضر خصوصا من ضباط الشرطة القضائية بل حتى المحاكم المغربية في اطار الرقمنة محكمة رقمية سيتم عن طريق استخدام تقنيات المعلومات و الإتصال في إنجاز إجراء ات التقاضي أمام المحاكم وذلك من خلال تحويل الإجراء ات الإعتيادية (الورقية) إلى إجراء ات إلكترونية صرفة، و يترتب على كون الدليل الإلكتروني دليلا علميا أيضا،أنه من أجل التعامل معه ينبغي أن يكون ذلك من قيل تقنيين متخصصين في الأدلة العلمية و العالم الافتراضي ككل.

عرف الفقه الأمريكي فيما يخص مشروعية الدليل انقساما، فهناك من جانب من الفقه اعتبر بأن عدم مشروعية الدليل الجنائي  بما فيه الدليل الإلكتروني ليس مبرر لاستبعاده لأن ذلك يعد علاجا غير فعال و من شأنه أن يساهم في إفلات المجرمين من العقاب، في حين ذهب الجانب الثاني من الفقه إلى بأن المجتمع سيعاني من جراء تطبيق استبعاد الأدلة الباطلة, غير أن أغلب الفقه يؤيدون قاعدة استبعاد الأدلة غير المشروعة و يعتبرونها العلاج المناسب في حالة مخالفة القانون لكونها تصون حرية الأفراد.[11]

ولأن الدليل الإلكتروني ليس كباقي الأدلة فإنه اصبح من الواجب الحذر منه أي وجب أن يكون متخصصين تقنيين في مجال المعلومات والأدلة العلمية لأن الدلائل المتحصل عليها ليست كباقي الأدلة، ويعتبر المشرع البلجيكي نموذج يحتذى به حيث قام طبقا لمقتضيات قانون 28 نونبر 2000 بتعديل قانون التحقيق الجنائي بإضافة المادة (39 مكرر) التي سمحت بضبط الأدلة الرقمية، مثل نسخ المواد المخزنة في نظم المعالجة الآلية للبيانات بقصد عرضها على الجهات القضائية.[12]

وقد تأثر المشرع المغربي  في إطار مشروع قانون المسطرة الجنائية بتقنية الفديوهات حيث تبنى تقنية التسجيل السمعي البصري من خلال  المادة 16-[13]67  حيث ألزمت ضابط الشرطة القضائية بتسجيل سمعي بصري لإستماعات الأشخاص المشتبه فيهم الموضوعين تحت الحراسة النظريــة، المشتبه في ارتكابهم لجنايات أو جنــح ، حيث توجب عليه إرفاق المحضر المنجز بشأن القضية موضوع البحث بنسخة من التسجيل توضع في غلاف مختوم وتضم لوثائق القضيــة،  لكن وحسب مقتضيات هذا المستجد ، فإذا تعذر على ضابط الشرطة القضائية مباشرة إجراء التسجيل لأسباب تقنية ، وجب عليه الإشارة إلى ذلك في المحضر، مع ضرورة بيان الأسباب التي حالت دون التسجيل مع إشعار النيابة العامة فورا بذلك ، وهذا التسجيل لا يمكن عرضه أمام المحكمة ،

إلا في حالة المنازعة في التصريحات المدلى بهــا ، وذلك بناء على أمر المحكمة إما تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو أحد أطـراف القضية ، ولا يمكن الطعن في التسجيل، إلا عن طريق الطعن بالزور، ومضمونه كغيره من وسائل الإثبات، يخضع لاقتناع القاضي وفقا لمقتضيات المادة 286، وتعتبر هذه في حد داتها ضمانة اتى بها المشرع لنفض الغبار عن ما قد يشوب محاضر ضابطة الشرطة القضائية من شكوك وبالتالي إخضاعه للقناعة الوجدانية للقاضي، إلا أنه هناك ملاحظات نعتبرها غاية في الأهمية وهي كالآتي؛

 اولا: المشرع المغربي ترك فجوة لضباط الشرطة القضائية  لم ترتب أي جزاء في حالة عدم قيام ضابط الشرطة القضائية بتسجيل سمعي بصــري لاستجوابات الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية ، المشتبه في إرتكابهم لجنايات أو جنــح ، ويـرى البعض في هذا الصدد، ضرورة إضافـة فقرة ترتيب بطـــلان المحضر المنجز غير المرفق بنسخة من التسجيل السمعي البصــري.[14]

ثانيا: إن المادة 67-1 التي تنص على أنـه ” لا يمكن الطعن في التسجيلات إلا عن طريق الطعن بالزور” إذا ما سلمنا بهذا الأمر وقلنا انه شيء جميل ان ترفق المحاضر بنسخة من التسجيل السمعي البصري في الجنح،   إلا أنه قد يتناقض مع المادة 291 التي تعتبر المحاضر في الجنايات مجرد معلومات.

ثالثا: نتساءل نحن والقارئ حول الجدوى من عدم عرض هذه التسجيلات على المحكمة إلى حين وجود منازعة جدية وبأمر من المحكمة كقيد ثاني، سواء طلبته النيابة العامة ذلك او احد الأطراف.

رابعا: المشرع المغربي شمل فقط محاضر الإستماع ب “التسجيل السمعي البصري”  ، وتغاضا عن باقي الإجراء ات التي تعتبر غاية في الخطورة وهي نفس الوقت تعتبر من الإختصاصات التي تعود لضابطة القضائية مثل التفتيش و محاضر الإنتقال والمعاينة والحجز.

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى