افتعال الأزمات بين الرباط وتونس يمهد لتأجيل القمة العربية في الجزائر

بعد تأجيل أرجأ انعقادها ثلاث سنوات بفعل تداعيات الجائحة، يبدو اجتماع “القمة العربية” في الجزائر على مستوى الرؤساء والقادة مهدَّدا مجددا؛ في ظل “قضايا خلافية” بعضها قديم يُثار من جديد عند كل موعد، والبعض الآخر مستجد يزيد من تعميق الهوّة وتوسيع رقعة الخلاف؛ ليس آخرُها اندلاع “أزمة دبلوماسية بسبب استقبال غالي من طرف سعيّد”، أدت إلى سحب السفراء من تونس والرباط.

وتعود آخر قمة منعقدة للقادة والزعماء العرب إلى “قمة تونس” عام 2019؛ قبل أن تجري مياه كثيرة تحت الجسر العربي، وتختلط أوراق المنطقة في ظل استمرار الصراعات والتجاذبات وسيادة منطق الأزمات والتفرقة بدَل التعاون ونزع فتيل الخلافات.

نص افتتاحي منشور على الموقع الإلكتروني الخاص بالقمة يتضمن التأكيد على أن الدورة الواحدة والثلاثين، المرتقبة في فاتح نونبر المقبل، ستُعقد “في ظل ظروف دولية وإقليمية دقيقة وأحداث حساسة وسياقات صعبة”، وأن الرئيس الجزائري حريص “على وحدة الصف ولمّ الشمل”.

عقدة العداء

“رغم الجهود التي تقوم بها الجزائر للعودة إلى تصدّر المشهد الإقليمي بتنظيم قمة جامعة الدول العربية مطلع نونبر المقبل؛ إلا أنها تضع نفسها في عزلة بتصرفاتها المعادية لمصالح المغرب العليا من جهة، والناسفة للإجماع العربي من جهة أخرى”، يسجل الدكتور حسن بلوان، باحث في العلاقات الدولية، لافتا إلى ذلك يفسّر “تضاؤل فرص انعقاد هذه القمة في موعدها”.

وأضاف بلوان، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الجزائر جنّدت إمكانيات مادية ودبلوماسية مهمة من أجل كسب هذا الرهان قبل تأجيله فبراير الماضي، كما رفعت شعار ‘لمّ الشمل العربي’ عنوانا بارزا لمُخرجات هذه القمة”، مستدركا: “لكن الواقع تماما هو أن تحركات الجزائر ومواقفها سبب رئيسي في الانقسام والتفرقة العربية”، مُعدّداً في هذا الصدد ثلاثة ملفات رئيسية.

أول الملفات، حسب المتحدث ذاته، متعلق بـ”عودة سوريا إلى الجامعة العربية”، الذي مازال بعيد المنال، “وقد وضعته الجزائر أولى أولوياتها إرضاء للرئيس السوري وترضيَةً للحليف الإيراني”؛ لافتاً إلى أنه “رغم اختلاف الدول حول مغزى وطريقة رجوع سوريا إلى الجامعة إلا أنه لا يشكل نقطة رئيسية في الخلافات العربية، على اعتبار أن مجموعة من الدول العربية طبّعت فعلا مع سوريا وأعادت فتح السفارات في دمشق”.

كما عرّج بلوان على ملف “قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب والاستمرار في معاكسة وحدته الترابية، التي تُعتبر من نقاط الإجماع العربي الداعم لسيادة المملكة على أقاليمها الصحراوية”، وزاد: “بل أكثر من ذلك سعت الجزائر بالضغط المكشوف على تونس ورئيسها قيس سعيّد، وفجّرت المنطقة المغاربية، لتنضاف إلى مشاكل التجزئة والانقسام في العالم العربي”.

الباحث ذاته لم يغفل، في معرض حديثه، التشديد على كون “التقارب الجزائري-الإيراني من بين الملفات التي يمكن أن تنسف جهود عقد القمة العربية في موعدها؛ فبينما تسعى الدول العربية إلى كبح جماح النفوذ الإيراني المزعزع داخل المنطقة العربية، تستمر الجزائر في توفير الغطاء لهذا التدخل ليصل إلى المنطقة المغاربية من خلال دعم مليشيات ‘البوليساريو’ الانفصالية، وهو ما شكّل موضوع إدانة عربية ودولية وأممية”.

وأجمَل الجامعي ذاته بأن “الجزائر ترفع شعار لمّ الشمل العربي، وفي الوقت نفسه تبادر إلى زرع بذور الفتنة والانقسام داخل الجسم العربي، يُحرّكها هاجس وحيد هو عقدة العداء للمملكة المغربية، ولا يهمّها تفجير الوضع بالمنطقة المغاربية أو العربية أو حتى الواقع الإقليمي المأزوم أصلا”.

“افتعال” الأزمات بين الأشقاء

من جهته، وضع المهدي منشيد، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية المحمدية، القمة العربية المرتقبة في “سياق إقليمي ودولي مليء بالتنافر والتوترات والصراعات، يدفع فعلا إلى عقد قمة عربية لتوحيد المواقف والتموقع في الساحة الدولية التي تعرف تحولات جيو-استراتيجية مهمة”.

“القمة العربية كان من المفروض أن تنعقد في مارس الماضي، لكن ظروف كورونا حالت دون ذلك، والحديث يتم الآن عن نونبر المقبل بدولة الجزائر”، يردف منشيد، في حديث مع هسبريس، وزاد مستدركا: “إلا أن تداعيات وطريقة تحضير الجزائريين للقمة العربية ينطوي على حسابات ضيقة عديدة”.

ولفت الخبير ذاته إلى أن “النظام الجزائري يحاول عقد هذه القمة بإقصاء المغرب، وكل المؤشرات والتحليلات تذهب في اتجاه أن ‘قصر المرادية’ لن يوجّه دعوة حضور إلى الملك محمد السادس والمملكة المغربية؛ وهو ما ليس من حقه”، مضيفا أنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل “ساهَم في افتعال أزمة جديدة بين الأشقاء في المنطقة المغاربية بين كل من الرباط وتونس”، وزاد: “الكل يعلم أن النظام ذاته هو الذي ضغط على قيس سعيّد ليَستقبل زعيم عصابة البوليساريو مقابل 300 مليون دولار كقرضٍ، نظرا للوضعية الاقتصادية المتدهورة في تونس”.

من جهة أخرى، أكد منشيد أن “النظام الجزائري (ليس الرئيس، وإنما الطُّغمة العسكرية الحاكمة فعلا والماسكة بزمام القرار) يرفع شعار لملمة الصف العربي والوحدة العربية، إلا أنه في العمق يبحث لنفسه عن تموْقعات جديدة في المغرب العربي أو العالم العربي، وهو ما يتجلى من علاقاته مع محور إيران-سوريا المرفوض عربيا بشكل قاطع”.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الجزائر تحتضن فقط القمة العربية، وبالتالي ليس من حقها أن تستدعي من تريد وتُقصي من تريد، وهي تحاول جاهدة إقناع الدول العربية بإعادة نظام بشار الأسد -الذراع الإيراني في المنطقة- إلى أحضان الجامعة العربية؛ في مقابل سعيْها إلى تشتيت العالم العربي وزرع فتيل الصراع في الفضاء المغاربي”.

منشيد ختَم تصريحه بالقول إنه “لا تتوفر شروط عقد قمة عربية في الجزائر، التي تُناقض نفسها ومواقفها المعلَنة في السر، كما أنها تبحث عن إعادة مجد مفقود لأجهزتها الدبلوماسية”.

#افتعال #الأزمات #بين #الرباط #وتونس #يمهد #لتأجيل #القمة #العربية #في #الجزائر

زر الذهاب إلى الأعلى