أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17

الفقرة الثانية : عقد فتح الإعتماد 

    يعد عقد فتح الإعتماد من العقود التي عرفت انتشارا واسعا، وممارسة جد متطورة، وكانت هذه الممارسة تتم في غياب نص تشريعي خاص، بحيث ازدهر هذا العقد في أحضان الأعراف واتفاقات الأطراف، فحتى إن حدث مشكل ما كان يتم الرجوع أحيانا إلى القواعد العامة في ق ل ع[65]، إلى حين صدور المدونة المغربية للتجارة لسنة 1996، التي تطرقت لهذا العقد في الكتاب الرابع من القسم السابع المخصص للعقود البنكية، وقد عرفته المادة 524 منها، بقولها: “فتح الإعتماد هو التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود”.

    والواضح من خلال هذا التعريف، أن عقد فتح الإعتماد يقوم على مبدأ هام ألا وهو الإعتبار الشخصي للزبون[66]، وفي هذا السياق ثار خلاف فقهي حول الوقائع التي تؤثر في الإعتبار الشخصي وتبرر إنهاء الإعتماد من جانب البنك، ليقصى من نطاق العقود جارية التنفيذ بعد فتح مسطرة التسوية القضائية.

   فبينما يرى البعض[67] أن عناصر الإعتبار الشخصي اللصيقة بشخص الزبون، مثل وفاته أو فقدانه لأهليته، أو الحكم عليه من أجل جناية تعطي الحق للبنك من وضع حد للإعتماد قبل إنتهاء مدته المتفق عليها، يذهب البعض الآخر[68] إلى أنه ليس للبنك في مثل هذه الحالات أن ينهي الإعتماد فورا إذا ما كان مضمونا بتأمين عيني، أو تحمل ذوو حقوق الزبون أو ورثته بالتزاماته في حالة وفاته والإستمرار في استغلال نشاطه السابق.

*

   وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 588 من القانون الجديد المعوضة للمادة 573 القديمة، يتضح أنها وضعت مبدءا عاما لتنفيذ هذه العقود القائمة على الإعتبار الشخصي[69]، ما عدا عقود الشغل – التي فضلا عن كونها تقوم على الإعتبار الشخصي -فهي من العقود الزمنية التي تعتبر فيها المدة عنصرا من عناصرها الجوهرية[70]، هذا وقد أعطت المادة المذكورة للسنديك صلاحيات واسعة دون غيره للمطالبة بتنفيذ العقود الجارية، أو في طور التنفيذ خلال مرحلة التسوية القضائية وتقديم الخدمة للمتعاقد بشأنها، لأنه باستمرارية عقد فتح الإعتماد يمكن إنعاش المقاولة وإيجاد دواء لمعالجة صعوباتها.

   إلا أنه على عكس المجرى العادي للأمور تفاجئنا المادة 525 من م ت بما احتوته فقرتها الرابعة التي جاء فيها: “سواء كان الإعتماد مفتوحا لمدة معينة أو غير معينة فإنه يمكن للمؤسسة البنكية قفل الإعتماد بدون أجل في حالة توقف بين للمستفيد عن الدفع، أو في حالة ارتكابه لخطأ جسيم في حق المؤسسة المذكورة, أو عند استعمال الإعتماد “.

   مما يعني أن المادة 525 تخول للبنك المانح الحق في الإقدام على إنهاء الإعتماد، ولو كان ملتزما بتقديمه لمدة محددة، في حالة انقلاب الموازين التي بنى عليها إبان التعاقد قراره بشأن جدارة الزبون بالحصول على هذا الإعتماد، سواء في ذلك تلك المتعلقة بشخص الزبون أو التي تتعلق بوضعه المالي[71]، وبأسلوب آخر، من حق البنك إنهاء هذا العقد متى وقعت مستجدات من شأنها أن تزعزع ثقته في الزبون المستفيد، حيث أنه قد يعد من قبيل التعسف في حق البنك إلزامه بالإستمرار في تقديم ائتمانه لزبون فقد مقومات الثقة التي على أساسها تم التعاقد معه في البداية، خاصة وأن إلزام البنك في الإستمرار على هذا النحو، إلى غاية انتهاء المدة المحددة للإعتماد، قد يؤدي إلى مساءلته تجاه الغير على أساس إساءته منح الإئتمان، كما يستفاد ذلك من أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 525 من م ت.[72]

*

   وإذا كانت المقتضيات السابقة تجيز للبنك إنهاء عقد فتح الإعتماد في حالة التوقف البين للمستفيد عن الدفع، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن إنهاء الإعتماد الممنوح للزبون الموجود في هذه الحالة لا يكون إلا في البلدان التي ترتب تشريعاتها على التوقف عن الدفع إفلاس المدين وغل يده ومنعه من التصرف في أمواله، كما هو الشأن في القانون المصري، اللهم إذا قبل البنك الإستمرار في تقديم الإعتماد لقائدة التفليسة ممثلة بالسنديك.[73]

   أما بالنسبة للتشريعات التي لا ترتب على التوقف عن الدفع سوى التسوية القضائية كما هو الشأن بالنسبة للتشريعين المغرب والفرنسي، فإنه لا يحق للبنك إنهاء الإعتماد المحدد المدة، وهذا ما صار عليه الإجتهاد القضائي الفرنسي، فقد قررت محكمة النقض الفرنسية في هذا الإطار أن المادة 37 من القانون الفرنسي لسنة 25 يناير 1985 المعدلة بالمادة 13_622 من م ت الفرنسية، تعطي الحق خلال فترة الملاحظة للمتصرف القضائي في أن يطلب الإستمرار في تقديم الإعتمادات المتعاقد بشأنها قبل التوقف عن الدفع وحملت بذلك المسؤولية للبنك عن الضرر الذي قد يلحق المقاولة الموجودة في حالة التسوية القضائية من جراء إيقاف تقديم الإعتماد قبل إنتهاء مدته[74]، وعللت المحكمة قرارها بكون المادة 60 من القانون البنكي الفرنسي لسنة 1984 – التي تعد المصدر الرئيسي لكل من المادة 525 من م ت م، والمادة 63 من القانون البنكي المغربي[75] – لا مجال لتطبيقها في حالة افتتاح مسطرة التسوية القضائية لأنه لا يمكن في هذه الحالة اعتبار المقاولة في وضعية مالية غير قابلة للتقويم بالمرة مادام أنه خلال فترة الملاحظة يتم تشخيصها ومعرفة هل هناك إمكانية لإستمرارها أم لا، وأن مجرد التوقف عن الدفع لا يكفي وحده لإعتبار وضعية المقاولة التي يعنيها الأمر مختلة بشكل لا رجعة فيه.

خاتمة: 

     تأسيسا على كل ما سبق، يتضح لنا أن المشرع المغربي ورغبة منه في إنقاذ المقاولة وإستمرار نشاطها والحفاظ على مناصب الشغل بها، قد أسس لقواعد ذات خصوصيات جديدة، جعلت من مدونة التجارة – وما لحقها من تعديلات كان آخرها تعديل قانون 73.17-حدثا قانونيا إيجابيا في المسيرة التشريعية المغربية، هذه التعديلات اهتمت بالأساس بمحاولة تقرير نصوص قانونية تفرض استمرارية شبكة الإتفاقات التي تربطها بالمقاولة، وإعطاء السنديك المكنة والسلطة في تحديد مآلها، وإن كان المشرع قد تدارك الموقف – كما قلنا سابقا- بإستثنائه عقود الشغل من نطاق تطبيق هذه القاعدة، وجعلها تستمد قوتها بنص القانون (الفقرة الرابعة من المادة 588 من القانون73.17) لا من رغبة السنديك في مواصلتها.

    ومع ذلك يمكن القول أن المبتغى التشريعي من متابعة نشاط المقاولة بمواصلة العقود جارية التنفيذ، ترك عدة ثغرات، حتى أن القضاء المغربي يجهل موقفه في عدة نقط قانونية دقيقة تحسم بشكل قاطع في عدة جزئيات العقود الجارية، مع أنها تعد القلب النابض للمقاولة.وقد تمثلت بعض هذه الثغرات التي تتقدم وضعية العقود الجارية في ما يلي:

   * نص المادة 588 وإن استثنى عقود الشغل من نطاق تطبيقه أعطى لنا مجالا فضفاضا للعقود الجارية الأخرى رغم طبيعتها المختلفة، حيث لم تميز المادة بين أشكال العقود، فورية أو مستمرة، تقوم على اعتبارات شخصية أم لا، خاصة وأن شبكة العلاقات التعاقدية تفرض أحيانا مراعاة شخص المتعاقد ومدى حسن نيته في تنفيذ العقد وكذلك مدى قدرته على تنفيذ التزاماته خلال الأجل المتفق عليه.
   * لم يوضح المشرع ولا حتى القضاء والفقه المغربي هل يقصد عند تطبيق العقود الجارية أن تكون جارية الوجود فقط، أم يجب أن تكون جارية التنفيذ.
 
   * تقرير تمويل المقاولة وتحديد مآل العقود أناطه المشرع بالسنديك، إذ جعل المشرع من خيار السنديك، قرار مصيري لإنعاش المقاولة والعقود المرتبطة بها، والإشكال أن هذا الإختيار جاء غامضا من حيث خاصيته وطبيعته وشكله ومستلزماته، بالإضافة إلى تجاهل مسؤولية صاحب الإختيار سواء المدنية أو الجنائية لما لذلك من أثر واضح على مصير العقود والمقاولة بعد فتح مسطرة التسوية.
 
    * بالنسبة للعقود الجديدة التي تبرمها المقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية، وإن كان لا تأثير عليها ما دام أن أصحابها قد قبلوا المساهمة في إنقاذ المقاولة وعيا منهم بالضمانات التي تقدمها لهم مقتضيات المادة 590 من القانون الجديد، بمعنى استيفاء ديونهم في تاريخ استحقاقها وبالأولوية على سائر الديون الأخرى، غير أن الإشكال بخصوص هذه المادة أنها جاءت ذات صبغة عامة مما أدى إلى فقدان حق الأفضلية دعامته الإئتمانية بالنظر إلى المزاحمة التي تعترضه من قبل دائنين نشأت ديونهم بعد الحكم بفتح المسطرة ذلك أن المشرع لم يعتمد ترتيب معين للفئة المستفيدة من هذه المادة مما سيؤدى إلى نشوب نزاعات لا محالة…
 
    ومجمل القول، نأمل أن يتدخل المشرع المغربي، في قادم التعديلات، لسد كل هذه الثغرات وغيرها وأن يعيد النظر بخصوص المقتضيات المنظمة لبعض العقود الأخرى – على غرار عقود الشغل – حتى تتلائم مع روح نص المادة 588 من م ت بالشكل الذي يعين القضاء على حل المشاكل القانونية المثارة، و يجسد فعالية نظام صعوبات المقاولة الذي يروم إلى استقرار المعاملات التجارية بشكل عام وضمان استمرار ” كيان المقاولة ” على وجه خاص.




كلمات مفتاحية :

مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية مصير المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7
زر الذهاب إلى الأعلى