أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17

المطلب الثاني : مصير العقود البنكية 

    لقد عمل المشرع المغربي على وضع تنظيم خاص للعقود الجارية – أو في طور التنفيذ- في المادة 588 وما بعدها من القانون الجديد، لما لهذه العقود من تأثير أكيد على متابعة المقاولة لنشاطها، وتسوية وضعها، خاصة وأنه يصعب في الوقت الراهن على المشروعات الإقتصادية أن تعتمد على مواردها الذاتية لتحقيق أهدافها، لذلك فهي تنفتح على جميع المجالات، وتبرم عدة عقود مع أطراف مختلفة، ولأغراض مختلفة، وبهذا فإن نطاق تلك العقود غير محدد في نوعه ولا في زمانه.

   ولعل أبرز هذه العقود، تلك التي تبرمها مؤسسات الإئتمان كالبنوك، وشركات التمويل مع الحرفيين أو الزبناء، ومن ضمنها عقد الحساب البنكي (الفقرة الأولى) وعقد فتح الإعتماد ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مصير عقد الحساب البنكي 

   إن أهم ما تميزت به مدونة التجارة لفاتح غشت 1996 هو تنظيمها لمجموعة من العقود الحديثة التي أفرزها العرف التجاري ومن بين هذه العقود التي شملها القسم السابع من الكتاب الرابع المخصص للعقود التجارية، عقد الحساب البنكي باعتباره من أهم العمليات المصرفية التي قد تربط العميل بالبنك.

  وإذا رجعنا لمحتوى المادة 487 من م ت الذي جاء فيه أن: ” الحساب البنكي، إما حساب بالإطلاع أو حساب لأجل”، سنلاحظ أن المشرع سكت عن تعريف عقد الحساب البنكي إسوة بالمشرع الفرنسي، إذ اكتفت هذه المادة بذكر أن الحساب البنكي إما حساب بالإطلاع[53]، أو حساب لأجل.[54] عموما يمكن تعريف هذا العقد كما ذهب إلى ذلك بعض الشراح[55] بكونه “ذلك العقد الذي يربط بين البنك بصفته مؤسسة مودعا لديها أو موفرة الإئتمان، وبين العميل بصفته مودعا أو مقدما” …فما مصير الحساب البنكي للمقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية ؟

  مقتضيات مدونة التجارة المغربية، يلاحظ أن هناك تعارض بين بعض موادها، بدليل أن المادة 503 منها[56]، منحت للبنك بصورة صريحة حق وضع حد للحساب في حالات معينة ومن بينها حالة المقاولة في تسوية قضائية، والقول بإقفال الحساب بالإطلاع مباشرة بعد صدور الحكم القاضي بوضع المقاولة المتوقفة عن الدفع في حالة تسوية قضائية من شأنه أن يتعارض مع مبدأ استمرارية الإستغلال المقرر بمقتضى المادة 586 من المدونة وفق القانون الجديد.[57]

*

   هذا المبدأ الذي تجسده بصورة جلية مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 588 من نفس القانون والتي ورد فيها أنه “لا يمكن أن يترتب على مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي”.[58]

   وقد ذهب البعض[59] إلى اعتبار مقتضيات المادة 503 من م ت اجحافا في حق المقاولة لأن وضعية هذه الأخيرة تقتضي مراعاة ظروفها، إذ تكون في أمس الحاجة إلى الوسائل المادية والتقنية لدعمها وتمكينها من تجاوز ما يعترضها من صعوبات كما يفهم من سعي المشرع في المادة 588 السابقة الذكر.

    ومما يجب التأكيد عليه في هذا السياق, أن فتح مسطرة التسوية في مواجهة المقاولة المتوقفة عن الدفع بدلا من مسطرة التصفية القضائية، يعني أن وضعية المقاولة غير مختلة بشكل لا رجعة فيه، وإنما قابلة للإصلاح، الأمر الذي يقتضي بقاء حساباتها البنكية مفتوحة باسمها إلى غاية وضع السنديك تقريره وتنفيذ مخطط الإستمرارية إذا ما كان التقرير يرمي إلى ذلك وحظي بقبول القاضي المنتدب.[60]

   وبناء على ذلك يلاحظ أنه لا يمكن من الناحية المنطقية إقفال الحساب بالإطلاع المفتوح باسم المقاولة الموضوعة في حالة تسوية قضائية، ولعل ما يؤكد هذا التوجه[61] أن المشرع المغربي نفسه قد أورد في م ت عدة مقتضيات توحي بذلك فعلى سبيل المثال، تنص المادة 593 وفق التعديل الجديد على أنه: “يمكن للسنديك في جميع الأحوال، أن يعمل على تشغيل الحسابات البنكية للمقاولة لما فيه مصلحتها”، كما تنص المادة625 من ذات القانون على أنه: “حينما تكون المقاولة موضوع منع إصدار شيكات عن وقائع سابقة لحكم فتح التسوية، يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف آثار المنع خلال مدة تنفيذ المخطط وسداد خصوم هذه المقاولة…”.

*

   كما تجدر الإشارة إلى أن بقاء الحساب البنكي مفتوحا بعد صدور حكم التسوية القضائية، لا يمكن أن يستعمل كوسيلة للوفاء بحقوق البنك السابقة للنطق بالحكم. وبتعبير آخر لو تم الأخذ بمقتضيات المادة 503 من م ت، فهذا يعني أن المشرع جعل حماية مصلحة الدائن من ضمن مقاصده الأساسية من مسطرة التسوية القضائية، لا مصلحة المقاولة المدينة التي تكون في حاجة دائمة إلى كل ما من شأنه أن يزكي رصيدها المالي.[62]

  ووعيا بخطورة هذا الوضع فإنه يجب العمل بمقتضيات المادة 588 من م ت وتقرير مواصلة عقد الحساب البنكي للمقاولة بقوة القانون خلال مرحلة التسوية، بالنظر لأهميته على مستوى ضبط الأمور المالية للمقاولة ومساعدة السنديك على تشخيص وضعيتها واقتراح الحلول المناسبة لتسويتها.[63]

   وانطلاقا مما ذكر، يتبين أنه لا يمكن إقفال الحساب بالإطلاع المفتوح باسم المقاولة الموضوعة في حالة تسوية قضائية قبل وضع السنديك تقريره الذي سيحدد مصير هذا الحساب, فإذا تبين أن مخطط التسوية يضمن استمرار المقاولة المتوقفة عن الدفع، فليس هناك أي مبرر لإقفال هذا الحساب، أما إذا كان المخطط المتبنى لا يرمي على عكس ذلك إلى استمرارية هذه المقاولة، وإنما إلى تفويتها لأحد الأغيار أو إلى تصفيتها تصفية قضائية، فإن إقفال هذا الحساب يكون آنذاك في محله، اللهم إذا ارتأى البنك بحريته الإبقاء على الحساب مفتوحا لمدة معينة لحاجات التفويت أو التصفية المذكورين.[64]

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى