أي مصير للقلب النابض للمقاولة بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية القضائية على ضوء تعديلات قانون 73.17

المطلب الثاني: تدخل السنديك في مصير العقود الجارية 

   إن إستمرار تنفيذ المقاولة للعقود الجارية يخضع لقاعدة عامة، تم التنصيص عليها بموجب المادة 588 من القانون الجديد هذه المادة التي عوضت مقتضيات المادة 573 من القانون القديم[16]، مع وجود بعض الإستثناءات على بعض هذه العقود كما سنرى لاحقا.

  ويستفاد من فقرات المادة 588 أعلاه° نصت المادة 588 من القانون 73.17 على أنه “بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة. ويفسخ العقد بقوة القانون بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل دون جوب لمدة تفوق شهرا.

  يجب على المتعاقد أن يفي بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة ولا يترتب عن عدم تنفيذ هذه الإلتزامات سوى منح الدائنين حق التصريح بها في قائمة الخصوم.

  عندما لا يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد، يمكن أن يؤذي ذلك إلى دعوى للتعويض عن الأضرار يدرج مبلغه في قائمة الخصوم، غير أنه يمكن للطرف الآخر تأجيل إرجاع المبالغ الزائدة التي دفعتها المقاولة تنفيذا للعقد إلى حين البت في دعوى التعويض عن الأضرار.

تستثنى عقود الشغل من تطبيق مقتضيات الفقرات السابقة.

  لا يمكن أن يترتب عن مجرد فتح التسوية القضائية تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقد، على الرغم من أي مقتضى قانوني أو شرط تعاقدي”أأن مصير العقود الجارية، بإستثناء عقد الشغل، في يد السنديك وحده[17]، وهي لا تستمر بقوة القانون بل يتوقف استمرارها على إرادة السنديك بصرف النظر عن طبيعة مهمته أو تكليفه من قبل المحكمة سواء كان مكلفا بمراقبة عمليات التسيير أو بمساعدة رئيس المقاولة أو كان مكلفا وحده بالتسيير.[18]

وعلى الرغم من أن المشرع المغربي في قانون مساطر صعوبات المقاولة – كما هو الحال في القانون السابق- لم يتطرق إلى المعايير التي يجب على السنديك مراعاتها أثناء ممارسة حق الخيار الممنوح له بشأن متابعة تنفيذ العقود الجارية أو عدم متابعتها فإن هذه الحرية المطلقة التي وضعها المشرع في يد السنديك تفرض عليه أن لا يواصل إلا العقود اللازمة لإستمرار نشاط المقاولة على أحسن وجه، هذا وقد مكن المشرع ,المتعاقد مع المقاولة من إمكانية اتخاذ المبادرة من أجل حمل السنديك على اتخاذ موقف بشأنها[19]، ويتعين لهذه الغاية إنذار السنديك بإعلان موقفه داخل أجل شهر[20]، فإذا تخلف عن التعبير داخل هذا الأجل عد ذلك بمثابة تنازل عن العقد.

 ونظرا لخاصية الإستمرارية وعدم سقوط الآجال التي يرتبها الحكم القاضي بفتح المسطرة، فإن هذا الأخير لا يترتب عنه تجزئة أو إلغاء أو فسخ العقود الجارية التي تبقى مستمرة ما لم يتخد السنديك موقفا مخالفا طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 588 المذكورة.

  ومن تم – إستنادا إلى مقتضيات المادة 588 المشار إليها- نسجل أنه إذا كانت إمكانية مواصلة العقود الجارية مخولة للسنديك وحده، بحيث خولت له هذه المادة الخيار في أن يقبل باستمرار تنفيذ هذه العقود أم لا، فإن إختياره هذا تترتب عنه نتائج تختلف بحسب الاختيار،على هذا الأساس سنتحدث عن خيار مواصلة تنفيذ العقد الجاري (الفقرة الأولى) ثم خيار عدم مواصلة تنفيذ العقد الجاري(الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: خيار مواصلة تنفيذ العقد الجاري 

   إذا اختار السنديك متابعة تنفيذ العقود الجارية في تاريخ فتح المسطرة التسوية القضائية، يتعين عليه أن يقوم بتقديم الخدمة أو الخدمات المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة متى كان للمتعاقد ديون سابقة في مواجهة تلك المقاولة[21]، ويكون هذا المتعاقد ملزما بالوفاء بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة، بحيث لا يترتب عن عدم تنفيذ هذه الإلتزامات السابقة سوى منح الدائنين حق التصريح بها في قائمة الخصوم طبقا لما جاء في المادة 588 من م ت.

   إلا أن المتعاقد في هذه الحالة يتمتع بأجل خاص بحيث لا ينتهي أجل التصريح بالديون وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 720 من القانون 73.13، إلا 15 يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد إذا كان هذا التاريخ لاحقا لتاريخ أجل الشهرين أو الأربعة أشهر بحسب الحالة.[22]

   أما إذا رغب المتعاقد مع المقاولة في فسخ العقد الرابط بينه وبين المقاولة من جانبه، فإن هذا العقد يفسخ بقوة القانون ، شريطة توجيه المتعاقد إنذارا للسنديك لمطالبته بفسخ العقد وإنصرام أجل يفوق شهرا دون جواب السنديك.

   ونشير إلى أنه في حالة عدم تنفيذ المقاولة لإلتزاماتها الناشئة بعد الحكم بفتح المسطرة نتيجة لتنفيذ العقد الجاري أو في طور التنفيذ يكون من حق المتعاقد مع المقاولة المطالبة بالوفاء بهذه الإلتزامات في تاريخ إستحقاقها وكذا إمكانية المطالبة بفسخ العقد الجاري لعدم الوفاء وذلك لأن الدائن الناشئة ديونه بصفة قانونية بعد فتح المسطرة لا يخضع لقواعد المساطر الجماعية التي يخضع لها الدائنين الناشئة ديونهم قبل الحكم بفتح المسطرة وعلى رأسها قاعدة وقف الدعاوى والإجراءات الإنفرادية. وجدير بالتنبيه هنا أن هذه القاعدة لا يسري نطاقها على العقود الجارية ما دام أن المشرع وضع مصير هذه العقود بيد السنديك وحده، وبالتالي تمنع وتوقف كل الدعاوى التي يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم بفتح المسطرة والهادفة إلى فسخ عقد جاري سواء كانت لعدم أداء مبلغ من المال أو عدم القيام بعمل أو غيرهما.[23]

الفقرة الثانية: خيار عدم مواصلة تنفيذ العقد الجاري 

   إذا إختار السنديك عدم متابعة تنفيذ العقود الجارية، ففي هذه الحالة يمكن للمتعاقد المطالبة بتعويضه عن هذا الفسخ وذلك عبر دعوى للتعويض عن الأضرار، غير أن مبلغ التعويض المحكوم به يدرج في قائمة خصوم المقاولة المدنية حفاظا على مبدأ المساواة بين الدائنين، فالمشرع المغربي لم يجعل مبلغ التعويض المحكوم به مضمونا بحق الأولوية المنصوص عليه في المادة 590 من القانون الجديد (عوضت المادة 575 من القانون المنسوخ) والتي جاء في مضمونها أنه يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية وأنه في حالة تعذر أدائها في تواريخ إستحقاقها تؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات باستثناء الأفضلية المنصوص عليها في المادتين 558 و565 من القانون 73.17 مما جعل بعض الفقه المغربي يقر بأن المشرع لم ينصف المتعاقد مع المقاولة المحكوم له بالتعويض ما دام أنه ورغم أن العقد المفسوخ بقوة القانون سابق لصدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية، فإن الواقعة المبررة للتعويض وهي فسخ العقد لاحقة لصدور الحكم.[24]

   لكن الملاحظ هو أن مقتضيات المادة 590، الآنفة الذكر تخص فقط الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية مما يحتم إستبعاد التعويض المحكوم به للمتعاقد من مقتضيات هذه المادة، بل الأكثر من ذلك نلاحظ أن المشرع المغربي وحماية منه لمصالح هذا المتعاقد منحه حق تأجيل إرجاع المبالغ الزائدة التي دفعتها المقاولة تنفيذا للعقد حتى يتم البث في دعوى التعويض عن الأضرار والغاية من ذلك هي إتاحة الفرصة للمتعاقد لإجراء مقاصة بين المبالغ التي دفعت له زائدة وبين التعويض المحكوم له بها[25].

  عموما يتضح مما سبق ذكره, أنه رغم أهمية القاعدة المتمثلة في جعل إستمرار تنفيذ العقود الجارية يتوقف على إرادة السنديك، إلا أن بعض العقود تستدعي إخراجها من هذه السلطة, وجعلها تستمر بقوة القانون بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية بالنظر لكونها من العناصر الأساسية لاستمرار المقاولة، كما هو الشأن بالنسبة لعقد العمل وعقد كراء المحل التجاري والعقود البنكية… وذلك ما سنتحدث عنه بتفصيل في المبحث الآتي.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى