نظام عاشق لمستعمِره كاره لجاره

نظام عاشق لمستعمِره كاره لجاره

سعيد الغمازالثلاثاء 17 يناير 2023 – 18:28

عندما نكون أمام رئيس يتودد لبلد نهب خيرات بلاده خلال الفترة الاستعمارية ويصف رئيسه بالصديق، وفي المقابل يكن كل أشكال الكراهية لجارٍ ضحى من أجل استقلال بلده بكل شيء، فالأكيد أن هذا النظام لن يكون إلا نظاما يتحكم فيه جنرالات العسكر. ذاك هو حال الشقيقة الجزائر التي ابتليت برئيس ترك مشاكل بلاده جانبا، وترك شعبه يتخبط في المجهول، وجعل كل اهتماماته هي التودد لفرنسا والبحث عن صداقة رئيسها بأي ثمن، واستغلال كل مناسبة لتفريغ كراهيته وإذكاء عداوته مع جاره الغربي.

عداوة النظام الجزائري المفرطة تجاه المملكة المغربية، يقابلها البحث المستميت عن تقدير دولي من قبل الرئيس الفرنسي تسمح له باستغلالها داخليا. لم يكتف الرئيس الجزائري بطلب التقرب من الرئيس الفرنسي، فقام بحوار صحفي مع جريدة فرنسية كله تودد وبحث عن صداقة الرئيس ماكرون بأي ثمن. لكن هذا الأخير، بعد أن تجاوزت بلاده خطر النقص الطاقي في فصل الشتاء بمساعدة أوروبا، تجاهل طلب صداقته التي يجري وراءها الرئيس تبون، وصعَّد في خطابه مع النظام الجزائري، بإعلانه وبشكل واضح ومستفز للشعب الجزائري أن لا مجال لشيء اسمه اعتذار فرنسا عن جرائم الحقبة الاستعمارية. هكذا تستغل فرنسا محاولات الرئيس الجزائري التقرب منها. فخلال حملته الانتخابية للفوز بالعهدة الثانية، صرح ماكرون أن الأمة الجزائرية لا وجود لها. وحين تفاقمت الأزمة الطاقية، قام بزيارة للجزائر دون تقديم أي اعتذار، واستقبله الرئيس تبون بحفاوة لعله يبحث من خلالها عن التفاتة فرنسية لينعم ولو بقليل من التقدير.

من المؤكد أن سبب تعامل الرئيس الفرنسي بهذه الجرأة الزائدة مع جنرالات الجزائر ومع الرئيس تبون، هو شعوره بضعف النظام الجزائري الذي أبان عنه الرئيس تبون بلهثه وراء صداقة دولة عظمى. الرئيس الجزائري يتودد للرئيس الفرنسي ويصفه بالصديق، والرئيس الفرنسي يتعالى عن طلب الصداقة من قبل عبد المجيد تبون ويرفض بكل صراحة الاعتذار عن جرائم الاستعمار، بل أكثر من ذلك لا يعترف حتى بوجود أمة جزائرية. إننا بصدد مشهد سريالي يضع دولة عظمى تستقوي بانتمائها للاتحاد الأوروبي، في مقابل دولة اختارت أن تعزل نفسها عن جيرانها بخلق عداوة وهمية مع جارتها الغربية وراحت تتودد لمن لا يعترف حتى بوجودها كأمة. لقد وضع الرئيس تبون الجزائر في موقف لا تحسد عليه، فجعلها تخاطب من مربع الضعف والعزلة الإقليمية بلدا يتحدث مع رئيسها من باب الاتحاد الأوروبي.

إذا كان النظام العسكري في الجزائر مازال يملك حسا سليما لخدمة الجزائريين، فإن درس التودد المفضوح للرئيس الفرنسي كاف لكي يستوعب الدرس ويُدرك أن مصلحته مع جيرانه وفي محيطه الإقليمي وعلى رأسه المملكة المغربية. بإمكان النظام العسكري في الجزائر التصعيد مع المغرب، بإمكانه قطع العلاقات وإغلاق الحدود البرية والجوية وحتى البحرية، بإمكانه استغلال حدث رياضي للإساءة للرياضة وللجزائر، لأن الرياضة هي مجال لجمع الشعوب وتدعيم أواصر الأخوة وحسن الجوار، وهي مفاهيم مستعصية عن عقول الجنرالات الذين يحكمون الجزائر….. أكثر من ذلك، لكن ما هو المقابل؟

الأكيد أن المقابل هو عزلة الجزائر عن محيطها وجعل حكامها يعانون من ضعف كبير تجاه الدول الكبرى، وهو ما اتضح جليا في العلاقات الجزائرية الفرنسية.

لقد أدركت المملكة المغربية أن تحقيق الطفرة التنموية والإقلاع الاقتصادي يمر عبر طريقين: داخليا بالاعتماد على الذات، وخارجيا بإقامة جسور حسن الجوار والتعاون مع المحيط الإقليمي لبناء جبهة قادرة على الوقوف بندية أمام الدول الكبرى المتكتلة في تحالفات من قبيل الاتحاد الأوروبي. لذلك نجد المغرب يمد يده للتعاون مع جارته الجزائر لأنه يعرف جيدا أن الدول الكبرى لا تتقن سوى لغة مصالحها. لكن لسوء حظ المغرب، وجد نظاما جزائريا أعمته العقيدة العسكرية، فأدخل الجزائر في دوامة الصراع الإقليمي الذي جعل البلاد تعاني من ضعف أمام فرنسا وأثَّر ذلك سلبا على منطقة المغرب العربي برمتها.

أراد الرئيس الجزائري ومن ورائه جنرالات العسكر أن يورط الشعب الجزائري في متاهات عنصرية مقيتة تجاه الشعب المغربي، فقام بكل خبث بتجنيد بعض الجنود بلباس مدني لرفع شعارات مسيئة للشعب المغربي في حدث رياضي من الفروض أن يكون بعيدا عن الصراعات السياسية لو كان جنرالات الجزائر يحترمون أنفسهم. لكننا نحن المغاربة خبرنا الشعب الجزائري وكيف كان قلبه مع المنتخب المغربي في “مونديال” قطر، وأدركنا أن الشعب الجزائري أكبر ذكاء وأعظم حكمة من مناورات حكامه ورئيسه. والشعب الجزائري خبر الشعب المغربي حين فاز منتخبه بكأس إفريقيا وهو بذلك لن تنطلي عليه ألاعيب جنرالات العسكر مهما بلغت درجة خبثهم.

على الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن يعرف أن دوره هو خدمة الشعب الجزائري الذي يعاني من الهشاشة والبطالة جعلت الكثير يحلم بالهجرة. وكلنا نتذكر تصريحات الشباب الجزائري إبان زيارة ماكرون لبلده، حيث رحب به ودعاه للمكوث في الجزائر ليذهب الشباب العاطل إلى فرنسا. وهو ما تناقلته الوسائل الإعلامية الفرنسية بتهكم. لا ندعي أننا في المغرب أفضل حالا، لكن الفرق هو أن المغرب أخذ زمام أموره بيده، واعتمد على نفسه في بناء الاقتصاد والتنمية وقد نجح في ذلك. وهذا النجاح هو ما جعله يمد يد التعاون لجارته الجزائر لتشكيل قوة إقليمية قادرة على الوقوف بندية أمام التكتل الأوروبي من أجل مواصلة مسيرة البناء والتقدم. لكن مع كل أسف، لم يكن النظام الجزائري في مستوى اللحظة التاريخية. ولا نملك نحن المغاربة سوى الصبر على عدوانية النظام الجزائري من أجل غد أفضل مع جيراننا. فهذا السلوك العدواني لجنرالات الجزائر تجاه جار يعمل على تحقيق طفرته التنموية، لن يقودهم سوى للارتطام بالحائط. آنذاك سيجدون مملكة مغربية شامخة، بحضارة وتاريخ عريض، لن تحاسبهم على ما ارتكبوه ويرتكبونه في حق بلد جار، وإنما ستمد لهم يد التعاون وحسن الجوار… وتلك هي خصال الكبار.

#نظام #عاشق #لمستعمره #كاره #لجاره

زر الذهاب إلى الأعلى