سرعان ما عادت العلاقات السياسية بين “قصر الإليزيه” وبلدان المنطقة المغاربية إلى نقطة الصفر بعد الأزمات الدبلوماسية الأخيرة، نظراً إلى استمرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التعامل مع ملفات المنطقة الشائكة بنفس الميكانيزمات الكلاسيكية للعاصمة باريس.
وتعيش العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا على صفيح ساخن منذ سنتين تقريبا بفعل تمفصلات قضية الصحراء، فيما أدت قضية ابنة الجنرال الجزائري التي تدخلت فيها فرنسا إلى فتور دبلوماسي جديد مع الجزائر، في حين تظل تونس محافظة على صمتها نتيجة “انهيارها الداخلي”.
ولم تستوعب فرنسا بعد التطورات السياسية الحاصلة في المنطقة، بخلاف الأقطاب الأمريكية والروسية والصينية، التي توسع نفوذها الاقتصادي والسياسي بطريقة “هادئة” في القارة الإفريقية، وهو ما يرجعه بعض الباحثين إلى الأزمات الهيكلية التي تعيشها باريس على المستوى الداخلي.
في هذا السياق، قال محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن “السياسة الخارجية الفرنسية تحتاج إلى قادة متمرسين على غرار جاك شيراك، خصوصا مع الشركاء الاستراتيجيين”، مبرزا أن “أولئك القادة كانوا يعطون زخما سياسيا للعلاقات الفرنسية مع الشركاء التقليديين”.
وأضاف زين الدين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “ثوابت السياسة الخارجية الفرنسية تغيب مع إيمانويل ماكرون، ليس فقط على مستوى المنطقة المغاربية أو الإفريقية، بل أيضا على صعيد القارة الأوروبية، حيث توترت علاقات فرنسا مع كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا”، مؤكدا أن “الدولة العميقة بفرنسا لم تستوعب بعد المتغيرات الحاصلة في الدول المجاورة”.
ولفت الانتباه إلى أن “طرد الجيوش الفرنسية من بعض الدول الإفريقية يعد ضربة قاضية لقصر الإليزيه”، مضيفا أن “استعمال فرنسا الوسائل التقليدية للضغط على البلدان صارت عملية متجاوزة، خاصة ما يتعلق بالضرب تحت الحزام عبر بوابة البرلمان الأوروبي، حيث سبقتها إليها دول أوروبية أخرى دون أن تحقق المراد منها، قبل أن تتعامل بواقعية مع معطيات السياسة”.
وأردف أن “الصمت الدبلوماسي السلبي لفرنسا مع شركائها الأساسيين، خاصة المغرب، سيعود عليها بمضاعفات سياسية واقتصادية وخيمة”، مشيرا إلى أن “فرنسا تتعامل بانفعال مع ملفات المنطقة، ولم تستفد من التعاطي الذكي لإسبانيا مع المغرب على وجه التحديد”.
فيما قال زهير لعميم، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “السياسة الخارجية الفرنسية تدعي التغيير بين الفينة والأخرى، لكن هذا التغيير يلبس جبة الاستمرارية، حيث رفع إيمانويل ماكرون شعارات سياسية مختلفة في حملته الانتخابية وجولته بالقارة الإفريقية، يؤشر من خلالها على بداية عهد جديد، غير أن لا شيء تغير في واقع الحال”.
وأوضح لعميم، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السياسة الخارجية الفرنسية لا تحيد عن ثلاثية دائمة هي: النظرة الاستعمارية والاستنزاف الاقتصادي والاستيلاب الثقافي الحضاري”، مؤكدا أن “النهج الأبوي لا يزال يطبع السياسة الدبلوماسية الفرنسية في علاقتها بدول الجوار، خاصة المنطقة المغاربية والإفريقية، مما يحول دون وضع أسس شراكة استراتيجية بناءة”.
وذكر الأستاذ الجامعي بأن “المصالح الاقتصادية متبادلة بمنطقة شمال إفريقيا، غير أن فرنسا تفضل حساباتها المصلحية على حساب التكاملين الاقتصادي والسياسي، مما يجهض خطاب التجديد الذي يدعيه إيمانويل ماكرون”، مردفا أن “الشراكة الاستراتيجية بعيدة المنال بسبب النخبة الفرنسية، التي ما زالت تنظر إلى المنطقة المغاربية بنظارات ماضوية سوداء”.
وختم تصريحه بالقول إن “فرنسا تستغل المشاكل البينية في المنطقة المغاربية لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية، بل تكون وقود اشتعال الأزمات الثنائية في كثير من الأحيان، فضلا عن دعمها للعديد من الأنظمة التسلطية بالقارة الإفريقية، ومساهمتها في وقوع عدة انقلابات عسكرية بالمنطقة، مما يكرس رؤيتها الاستعمارية لأوضاع القارة”.
#مناورات #فرنسا #في #المنطقة #المغاربية. #فشل #دبلوماسي #يفضي #إلى #أزمات #معقدة