مقررات نزع الملكية بين القابلية للإلغاء وهاجس المصلحة العامة

محتويات الموضوع

مقررات نزع الملكية بين القابلية للإلغاء وهاجس المصلحة العامة

مقررات نزع الملكية بين القابلية للإلغاء وهاجس المصلحة العامة

مقال مشترك تحت عنوان “مقررات نزع الملكية بين القابلية للإلغاء وهاجس المصلحة العامة

من إنجاز

أمين بكريإيمان تماري

سلك الماستر تخصص قانون العقار والتعمير جامعة محمد الخامس بالرباط كلية الحقوق السويسي

تقديم :

لقد تنوعت  مهام الدولة الحديثة بفضل امتداد نشاطها إلى مختلف الميادين الاقتصادية  والاجتماعية، ولم تعد تقتصر على المهام التقليدية المتمثلة في السهر على الأمن الداخلي والخارجي وتنظيم مرفق القضاء، فأصبحت تقوم بتوفير الخدمات للأفراد في مختلف المجالات،  ولأجل تدعيم تدخلها أنشأت العديد من الأجهزة، وزودتها بالعديد من القوانين لتنظيم عملها و علاقتها بالمدارين.

لكن على الرغم من وجود منظومة  قانونية تحمي الأفراد في علاقاتهم بمختلف مرافق الدولة، فإن الامتيازات التي تتوفر عليها تجعلها في الكثير من الحالات تمس حقوق وحريات الأفراد، كما هو حال  إجراء نزع الملكية لأجل المنفعة العامة الذي سيكون الذي هو محل موضوعنا، وذلك تحت غطاء ” مقولات “متعددة : حماية المصلحة العامة، ضرورة سير المرافق العامة …الخ.

لذلك كان لابد من وجود آليات لضمان حقوق الأفراد و حرياتهم تجاه التجاوزات التي قد تحدث نتيجة عمل الإدارة، فكما هو معلوم فإن حق الملكية حق ارتقى به المشرع المغربي إلى مصاف المبادئ الدستورية بموجب الفصل 35[1] من دستور 2011،  بحيث لا يمكن أن تنزع هذه الملكية إلا إذا  اقضت المنفعة العامة  ذلك،  وفي إطار الاحترام للنصوص التشريعية و التنظيمية في هذا المجال.

إقرأ أيضا : دور النيابة العامة في حماية العقار أثناء مسطرة التحفيظ العقاري

ولئن كان عمل الادارة أحيان قد يتأتى في صورة تجاوز في استعمال السلطة وابتعادها عن الشرعية المقرر لنزع الملكية، كان لابد أن يضفي القضاء رقابته على عمل الإدارة للنظر في دعوى الإلغاء ضد مقرراتها.

 فإذا كان المرسوم المعلن عن طابع المنفعة العامة، لا يحدد بكيفية  دقيقة العقارات المزمع نزع ملكيتها، فإنه يتعين حينئذ اتخاذ قرار آخر يسمى قرار التخلي، من أجل تحديد مساحة العقارات المعنية و بيان موقعها، وتعيين الأشخاص الذين يملكونها، أو المفروض أنهم المالكون لها [2]، على أن يتم اتخاذ هذا القرار من طرف رئيس المجلس الجماعي، عندما تنزع الملكية لفائدة جماعة حضرية أو قروية، و من طرف العامل، عندما تنزع الملكية لفائدة عمالة أو إقليم، ومن طرف الوزير المعني، بعد أخذ رأي وزير الداخلية في الحالات الأخرى [3].

لهذا يظهر بأن أهم القرارات الإدارية التي تميز مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة قراري إعلان المنفعة العامة ومقرر التخلي.

وعليه سنعرض للطعن بالإلغاء في هذين المقررين من خلال مبحثين مستقلين على الشكل التالي :

المبحث الأول: الطعن في قرار إعلان المنفعة العامة

المبحث الثاني: الطعن في مقرر التخلي

المبحث الأول: الطعن في قرار إعلان المنفعة العامة

نصت الفقرة الأولى من الفصل 6 من قانون 7-81 على ما يلي: “تعلن المنفعة العامة بمقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها “

وتكفل المرسوم التطبيقي لهذا القانون بتحديد الجهة المختصة بإصدار المقرر الإداري المذكور فنص في فصله الأول على أنه : ” تطبيقا للفصل 6 من القانون رقم 7/81 المشار إليه أعلاه، تعلن المنفعة العامة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر”.

على الرغم من وضوح وبساطة هذين الفصلين فإنهما يثيران إشكاليات تطبيقية من قبيل التمييز بين السلطة المختصة باقتراح إعلان المنفعة العامة وتلك المختصة بطلبه وأخيرا تلك المختصة باتخاذه، كما أن هذين الفصلين يطرحان مسألة البحث عن طبيعة القرار المعلن للمنفعة العامة تمهيدا لتحديد الجهة المختصة للنظر في الطعن الموجه ضده.

المطلب الأول: الجهة المختصة بإعلان المنفعة العامة

سبقت الإشارة إلى أنه لتحديد الجهة المختصة لإعلان المنفعة العامة يقتضي التمييز بين السلطات الثلاث المختلفة، السلطة المختصة بتقديم طلب إعلان المنفعة العامة، والسلطة المختصة باقتراح ذلك، وأخيرا السلطة المختصة باتخاذه.

لقد أسند المشرع المغربي اختصاص إعلان المنفعة العامة لسلطة عليا في البلاد هي رئيس الحكومة[4]. أما السلطة المختصة بطلب[5] الإعلان عن المنفعة العامة فتختلف باختلاف حالات نزع الملكية على الشكل التالي:

  1. إذا تعلق الأمر بمشاريع تهم الملك العمومي للدولة من قبيل بناء الطرق مثلا، فإن وزارة الأشغال العمومية (حاليا وزارة النقل واللوجستيك) هي التي يعود إليها أمر طلب الإعلان عن المنفعة العامة، واستثنـاء يعهد هذا الأمر إلى وزارة الطاقة والمعادن متى الأمر بعمليات تدخل ضمن اختصاصاتها.
  2. أما المشاريع التي تخص الملك الخاص للدولة كما لو تم نزع الملكية من أجل بناء مدرسة، فإن الاختصاص يبقى حكرا على وزارة المالية التي تعهد بذلك إلى مديرية الأملاك المخزنية (مديرية أملاك الدولة حاليا).
  3. وحينما يهم الاقتناء الملك الغابوي، فإن طلب الإعلان عن المنفعة العامة يعود لوزارة الفلاحة.
  4. وإذا المشروع المقرر إنجازه يعود لصالح إحدى الجماعات الترابية، فإن هذه الأخيرة هي التي تتولى الطلب، طبعا بعد موافقة وزارة الداخلية بوصفها الوزارة الوصية.
  5. وأخيرا بالنسبة للأشخاص المعنوية العامة – ومنها المؤسسات العمومية وبغض النظر عن الخلاف القائم حول مدى أحقيتها في التوفر على ملك عمومي خاص بها – فإن طلب إعلان المنفعة العامة بشأن المشاريع التي تهمها، يتخذه الجهاز المسير لها [6].

إقرأ أيضا : أسئلة وأجوبة حول الاراضي الجماعية (الاراضي السلالية) بالمغرب، دليل مبسط ورائع.

أما فيما يتعلق بالجهة المختصة باقتراح إعلان المنفعة العامة، فقد نص الفصل الأول من المرسوم التطبيقي على أن إعلان المنفعة العامة يتم بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر.

إذا ما نحن قمنا بقراءة هذا النص قد يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى أن المقصود بالوزير المعني بالأمر هو الوزير الذي ستتكفل وزارته بإنجاز المشروع المزمع نزع الملكية من أجله، لكن باستقراء الممارسات التطبيقية في هذا المجال يظهر بأن الأمر على خلاف ذلك، ففي بعض الحالات يكون فيها المقصود بالوزير المعني بالأمر، الوزير الذي تثبت له الوصاية، و تنطبق هذه الحالة أولا على وزير المالية كلما تعلق الأمر بنزع الملكية لفائدة الملك الخاص للدولة، وثانيا على وزير الداخلية كلما اعتبر إجراء نزع الملكية في صالح إحدى الجماعات الترابية باعتبارها الوصية عليها ( سلطة المراقبة الإدارية حاليا )، وثالثا على الوزير الوصي على كل مؤسسة عمومية على حدة متى تمت مسطرة نزع  الملكية من أجلها، مثال ذلك اقتراح المنفعة العامة لصالح المكتب الوطني للسكك الحديدية يتم من قبل وزير النقل.[7]

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لقرار إعلان المنفعة العامة و الجهة المختصة بإلغائه

تعلن المنفعة العامة بمقرر إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها[8] وبذلك لا يجادل أحد في اعتبار المقررات المعلنة للمنفعة العامة قرارات إدارية تنطبق عليها جميع الأحكام والشروط المتطلبة في هذه الأخيرة[9]، وبالتالي فهي خاضعة لرقابة الشرعية من حيث مدى عدم مخالفتها لمقتضيات الفصل 20 من قانون المحاكم الإدارية، الذي ينص على أن: ” كل قرار صدر عن غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة “. فماهي الجهة المختصة للنظر في الطعن بالإلغاء المنصب على المقرر المعلن للمنفعة العامة؟  يقتضي الجواب عن هذا السؤال البحث أولا في الطبيعة القانونية لقرار إعلان المنفعة العامة، وثـانيا في الجهة القضائية المختصة للطعن فيه بالإلغاء.

بخصوص الطبيعة القانونية لقرار إعلان المنفعة العامة:

 فإن البحث في الطبيعة القانونية[10] لقرار إعلان المنفعة العامة يطرح مجموعة من الأسئلة تعددت الحلول القضائية بشأنها من قبيل: هل إعلان المنفعة العامة قرارا تنظيميا ؟ أم قرارا فرديا ؟ هل هو قرار محدث للحقوق أم لا ؟…

يميز أساتذة القانون الإداري بين القرارات الإدارية التنظيمية والقرارات الإدارية غير التنظيمية، على أساس أن الأولى عبارة عن قرارات عامة تتضمن قواعد عامة ومجردة وملزمة، تصدر عن رئيس الحكومة بصفة أساسية، أما القرارات غير التنظيمية فهي فردية تهم فردا واحدا أو مجموعة محددة من    الأفراد، وتكون عبارة عن الأمر بالقيام بعمل ما، أو النهي عن القيام به، أو في شكل رخصة أو إذن[11].

فإذا نظرنا إلى مقررات إعلان المنفعة العامة على أنها ذات صبغة تنظيمية فإن ذلك يؤدي إلى اعتبارها تتضمن قواعد عامة ومجردة تهدف إلى ترتيب آثار قانونية معينة؛ إلا أن الصعوبة القائمة أحيانا تتمثل في أن هذه المقررات قد تنصب على قطعة أرضية محفظة يعرف مالكها منذ البداية الشيء الذي يتنافى مع العمومية والتجريد. أما في الحالة المخالفة إذا نظرنا إلى هذه القرارات بــأنها قرارات إدارية فردية فإن ذلك يمكـننا من التعرف على أصحاب الحقوق الـذين عقاراتهم لمسطرة نزع الملكية[12].

إقرأ أيضا : المغرب في مواجهة فيروس كورونا

وبالفعل فقد اختلف الفقه حول تحديد طبيعة مقرر إعلان المنفعة العامة، كما أن القضاء بدوره لم يستقر على اجتهاد موحد. ففيما اعتبرها القضاء الفرنسي بأنها ذات طبيعة خاصة وتحتل مرتبة وسطى بين القرارات التنظيمية وبين القرارات الفردية و تسري عليها أحكام هذه الأخيرة، اعتبرها القضاء المصري أقرب إلى القرارات الفردية بعلة أنها تمس بالمراكز القانونية الذاتية لكل مالك أو حائز لجزء من العقارات التي تتنوع ملكيتها. أما بالنسبة محكمة النقض المغربية ذهبت في اتجاه اعتبار قرارات إعلان المنفعة العامة قرارات فردية حتى لو أوجب المشرع ضرورة نشرها، فهي  فردية ولو كانت تتناول عدة قرارات مختلفة تعود ملكيتها لعدة أشخاص الشيء الذي يعني أن أجل الطعن في هذه القرارات لا يبتدئ إلاًّ من تاريخ التبليغ [13] .

أما بخصوص الجهة المختصة للنظر في الطعن بالإلغاء :

 فيقتضي مبدأ الشرعية ضرورة خضوع الجميع , أفرادا و إدارات لأحكام القانون بمفهومه العام، ويترتب على مخالفة هذه القاعدة اتصاف عمل الإدارة بعدم الشرعية مادامت المخالفة بسيطة، لكن عندما تتخذ الإدارة تصرفا متسما بالجسامة في عدم الشرعية أو منعدم الاتصال بتطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية، آنذاك يكون عملها إما قرارا منعدما أو عملا ماديا بدون سند من القانون، و كلاهما يشكل مصدرا لما يسمى بالاعتداء المادي أو “أعمال التعدي” كلما نتج عنهما مساس بالحقوق و الحريات الأساسية أو حق الملكية العقارية [14].

لذلك لا سبيل إلا الطعن بالإلغاء في المقرر المعلن للمنفعة العامة [15] الذي يعتبر الضمانة الوحيدة للتخلص من هذا الأخير متى كان متسما بالشطط في استعمال السلطة.

بالرجوع إلى الفصل الأول من المرسوم التطبيقي الذي ينص على أن إعلان المنفعة العامة يتم بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر، نستنتج أن هذه المراسيم تدخل في نطاق المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة التي ظلت محكمة النقض مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بها وذلك طبقا للمادة 9 من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية. علما بأن مجلس الدولة الفرنسي هو المختص أيضا بالبت في مثل هذه المقررات متى كانت صادرة بمرسوم، أما إذا كانت صادرة عن وزير أو محافظ فإن المحكمة الإدارية لموقع العقار هي المختصة[16].

إقرأ أيضا : ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بين هشاشة التشريع وقوة الترامي

وقد دأبت المحاكم الإدارية على إعلان عدم اختصاصها للنظر في الطعون بالإلغاء الموجهة ضد المراسيم بصفة عامة ومراسيم إعلان المنفعة العامة بصفة خاصة , مؤكدة اختصاص محكمة النقض بمثل هذه الدعاوي، ومما جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة[17]، ما يـلي: ” وحيث إنه  وبصرف النظر عن مدى اعتبار مقرر إعلان المنفعة العامة مقررا تنظيميا أو فرديا ومع ما يترتب عن ذلك من آثار تتعلق بمسطرة النشر أو التبيغ فإنه يبقى مرسوما صادر عن الوزير الأول ويخضع بالتالي لاختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تطبيقا للمادة 9 من القانون رقم 90-41 ” وهو نفس الاتجاه الذي استقر عليه القضاء الإداري المغربي.

المبحث الثاني : الطعن في مقرر التخلي

سنتناول  هذا المبحث بالتطرق للطبيعة القانونية لمقرر التخلي ثم تحديد الجهة القضائية المختصة للنظر في الطعن بالإلغاء في مقرر التخلي .

المطلب الأول : الطبيعة القانونية لمقرر التخلي

إن مقرر التخلي كما سبق وأشرنا هو المقرر الذي يبين بدقة وتفصيل الأملاك العقارية الواجب نزع ملكيتها كلا أو بعضا ومساحات ذلك وأسماء الملاكين وأصحاب الحقوق المعلن عنهم أو المقيدين بالسجلات العقارية .

غير أنه يمكن للمقرر المصرح للمنفعة العامة أن يعين الملك أو الأملاك التي يشملها نزع الملكية بكيفية مباشرة وذلك بمثابة مقرر التخلي تطبيقا لمقتضيات الفقرة الأولى للفصل 7 للقانون 7-81 [18] , وتطبيقا للفصل 9 من القانون الأخير , وجب أن تتخذ بشأنه بهذه الصفة الإجراءات المقررة في الفصول 10 و 11 و 12 من القانون رقم 7-81 , المتعلقة بالبحث الإداري و تدابير النشر و الايداع و التعليق .

وقبل الحديث عن الطبيعة القانونية لمقرر التخلي, نتساءل أولا عن الجهة المختصة بإصدار هذا المقرر .

وإجابة عن هذا السؤال وبالرجوع إلى القانون 7-81 , يتضح أنه ليست هناك جهة إدارية واحدة مختصة باتخاذ مقرر التخلي , وإنما تختلف بحسب الأحوال فبالإضافة إلى الحالة التي يأخذ فيها مقرر التخلي صورة مرسوم صادر عن رئيس الحكومة أي حالة اندماج مقرر التخلي في مقرر إعلان المنفعة العامة هناك حالات أخرى حسب الفصل الثاني من المرسوم التطبيقي المؤرخ 16 أبريل 1983 الصادر بتطبيق القانون 7-81 الذي بين الجهات الأخرى التي تتولى اتخاذ  مقرر التخلي [19] على النحو التالي :

إقرأ أيضا : مستجدات طرق الطعن التي جاء بها مشروع قانون المسطرة الجنائية النقيب عبد اللـه درميش

” يتخذ مقرر التخلي المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 7 من القانون 7-81 المومأ إليه أعلاه :

  • رئيس المجلس الجماعي إذا كان القائم بنزع الملكية جماعة حضرية أو قروية أو أي شخص يفوض إليه هذا الحق .
  • عامل الاقليم أو العمالة إذا كان القائم بنزع الملكية إقليم أو عمالة أو شخص يفوض إليه هذا الحق .
  • الوزير المعني بالأمر بعد استشارة وزير الداخلية في الحالات المشار إليها أعلاه . ”

وبخصوص الطبيعة القانونية لمقرر التخلي , فتبدو أهمية البحث فيه , فيما إذا كان مقرر التخلي قرار إداري أم لا لمعرفة ما إذا التظلم منه أمام القضاء الاداري وطلب إلغائه أم لا .

باستقراء الفصل الثاني من المرسوم التطبيقي السالف الذكر , يتضح أن السلطة التي تتولى إصدار مقرر التخلي مهما اختلفت جهاتها تعتبر سلطة إدارية [20] . كما أنه بالنظر في محتوى مقررات التخلي نجدها تستوفي جميع شروط القرار الإداري .

لكن التساؤل الذي يطرح يتمحور حول ما إذا كان مقرر التخلي قرارا كاشفا وتابعا لمقرر إعلان المنفعة العامة أم أنه يعد قرارا مستقلا و منفصلا عنه .

بالرجوع إلى الفصل 16 [21] من القانون رقم 7-81 , يتضح أن آثار مقرر التخلي وإن كانت تتشابه مع تلك التي تترتب عن مقرر إعلان المنفعة العامة فإنه مع ذلك يترتب عن مقرر التخلي بشكل منفصل عن قرار إعلان المنفعة العامة نتيجتين مهمتين تؤكد الهدف الذي ينفرد به مقرر التخلي عن مقرر إعلان المنفعة العامة .

فمقرر التخلي يحدد من جهة , العقارات التي يشملها نزع الملكية بإعطاء جميع البيانات الخاصة بها لاسيما وضعيتها القانونية (محفظة أو غير محفظة أو في طور التحفيظ ) , ومساحتها وأسماء وعناوين الملاك وذوي الحقوق العينية …

ومن جهة أخرى يجعل العقارات الأخرى التي عينها القرار المعلن للمنفعة العامة والتي لم يشملها مقرر التخلي تحرر قانونا من الاتفاقات المشار إليها والتي كانت مثقلة بها من نشر المقرر الأول .

ويرتبط بهذا الموضوع , البحث في إمكانية احتواء مقرر التخلي لعقارات لم بشملها أصلا إعلان المنفعة العامة قبل التطرق إلى إمكانية استصدار مقررات متتالية للتخلي تتضمن القرارات عقارات إضافية لم يشملها مقرر التخلي الأول [22] .

 بالنسبة للسؤال الأول , قررت محكمة النقض وهي بصدد النظر في طعن يتصل بقضايا صادرة عن محكمة الاستئناف بالرباط بأن نزع الملكية لا يمكن أن ينصب إلا على عقارات المعنية في مقرر إعلان المنفعة العامة وأن مقرر التخلي  لا يمكنه أن يشمل أي قطعة متواجدة خارج المنطقة التي حددها قرار إعلان المنفعة العامة .

أما السؤال الثاني , فقد اختلف بشأنه الفقه المهتم إلى اتجاهين متباينين أحدهما مؤيد و الآخر معارض , ففيما ذهب أحد الباحثين في ظل ظهير 31 غشت 1914 إلى القول بضرورة اتخاذ مقرر جديد لإعلان المنفعة العامة إذا ما أراد نازع الملكية الاستمرار في نزع ملكية العقارات التي لم يشملها المقرر الأول رغم أنها كانت مشمولة بالمنطقة التي حددها مقرر إعلان النفعة العامة , في حين ذهب اتجاه آخر ويتزعمه الأستاذ عبد العزيز بن جلون في ظل ظهير 1951 إلى القول بأن من مصلحة ذوي الحقوق أن تتعدد مقررات التخلي نظرا لاستجابتها بدقة إلى   الحاجات .

نخلص إلى القول بأن مقرر التخلي هو ثاني إجراء يتخذه نازع الملكية ويكون موضوعه تعيين الأملاك التي سيشملها نزع الملكية اعتبارا للآثار التي تترتب عنه و التي تصيب مصالح الأشخاص و ممتلكاتهم , و بالتالي يمكن القول على أنه متى اتخذ مقرر التخلي منفصلا عن مقرر إعلان المنفعة العامة يصبح مقررا إداريا قابلا للطعن بالإلغاء كسائر القرارات الإدارية ,  ولا يمكن القول بأنه قرار كاشف مادام أن هذا الأخير يقصد به القرار الذي لا يستحدث جديدا إذ يقتصر على إثبات و تقرير حالة موجودة ومحققة لذلك لذاتها للآثار القانونية .

هذا بالنسبة لإشكالية تحديد الطبيعة القانونية لمقرر التخلي , فماذا عن الجهة المختصة للنظر في الطعن الموجه لهذا المقرر ؟

المطلب الثاني : الجهة المختصة للنظر في الطعن بالإلغاء في مقرر التخلي

كما سبق الذكر يعتبر مقرر التخلي ثاني إجراء إداري يباشره نازع الملكية أو من فوض له ذلك , وذلك في إطار المسطرة الإدارية الخاصة بنزع الملكية لأجل النفعة العامة .

وبعد مناقشة إشكالية الطبيعة القانونية  لمقرر التخلي , سنحاول في هذه الفقرة تبيان الجهة المختصة للنظر في الطعن بالإلغاء في مقرر التخلي .

إجابة عن السؤال أعلاه , وكقاعدة عامة فبعد صدور القانون 90-41 , أصبحت المحاكم الإدارية الجهة المختصة للنظر في دعاوي إلغاء القرارات الإدارية إلا ما استثني بنص خاص وهو ما يعود اختصاصه لمحكمة النقض [23] .

حيث خصص هذا القانون الباب السادس منه لاختصاص المحاكم الإدارية فيما يتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت .

وكما سبقت الإشارة فتطبيقا للفصل الثاني من المرسوم التطبيقي , فمقرر التخلي يتخذ بحسب الأحوال إما من رئيس المجلس الجماعي أو عامل الإقليم أو العمالة أو الوزير المعني بالأمر .

وتعتبر جميع هذه الجهات سلطات إدارية , ونتيجة لذلك الإدارية لموقع العقار هي المختصة بالنظر في كل ما يتصل بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة , بما في ذلك الطعن في مقرر التخلي [24] .

مع أنه باستقراء المادة 9 [25] من قانون 41-90 المحدث للمحاكم الادارية تكون محكمة النقض هي المختصة بالنظر في الطعن بالإلغاء في مقرر التخلي .

ومن هذا المنطلق تصور بعض الباحثين إمكانية وقوع إشكالية ازدواج الاختصاص القضائي بين الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ثم يليه مقرر التخلي يطعن فيه أمام المحكمة الإدارية , فما الأمر في هاته الحالة ؟

حسب الأستاذ “أحمد أجعون” المادة 16 من القانون رقم 90-41 تعد المخرج لهذه الإشكالية مادامت الدعوى المطلوب بمقتضاها إلغاء مقرر التخلي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدعوى التي تهدف إلى  إلغاء مقرر إعلان المنفعة العامة , ويكون من الواجب على المحكمة الإدارية الحكم بعدم الاختصاص وإحالة الملف بأسره إلى محكمة النقض . ويترتب عن هذه الإحالة رفع الدعوى الأصلية والدعوى المرتبطة بها بقوة القانون إلى الجهة القضائية المحال إليها الملف , ومثل هذه الاشكالية  لا يمكن تصورها في الحالة التي تصدر فيها مقررات التخلي مندمجة في قرارات إعلان المنفعة العامة , وهو ما يجري عليه عمل السلطات النازعة للملكية .

كما تساءل أحد الباحثين عما إذا كان تحصين المرسوم المعلن للمنفعة العامة كفيلا بأن يرتب عدم إمكانية الطعن في مقرر التخلي ؟ [26]

يجيب هذا الباحث على السؤال بالشكل التالي :

” … أعتقد أن مقرر التخلي متى اتخذ منفصلا عن مقرر إعلان المنفعة العامة يصبح مقررا إداريا منفصلا وأنه بناء على يمكن الطعن فيه بالإلغاء كغيره من القرارات الإدارية ولا يمكن القول بأنه مجرد قرار كاشف مادام أن هذا الأخير يقصد به القرار الذي لا يستحدث جديدا بل يقتصر على إثبات أو تقرير حالة موجودة ومحققة لذاتها للآثار القانونية , ذلك أن مقرر التخلي متى صدر منفصلا عن قرار إعلان المنفعة العامة يحدث آثارا جديدة تتمثل في تحديده لموقع العقارات وأسماء ملاكيها مما يكون لهؤلاء الصفة في الطعن في هذا المقرر .

صفوة القول أن المشرع المغربي وحتى يقيم نوعا من التوازن بين الملكية الخاصة باعتبارها حقا مكفولا دستوريا يرتبط وبشكل مباشر بالأمن والسلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية داخل المجتمع , وبين المنفعة العامة وما تلعبه من وظيفة اقتصادية و تنموية في مختلف المجالات , نجد أن قد كرس مجموعة من الآليات والضمانات لحماية الملكية الخاصة , من خلال بسط رقابة قاضي الإلغاء على مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة , خاصة مقرري الإعلان عن المنفعة العامة ومقرر التخلي , وهذا إن دل على شيء إنما يدل عن الاهتمام التشريعي للمنظومة الحقوقية بالمغرب .

إلا أنه بالرغم من هذا الاهتمام , فإن الأمر لا يخلو من نواقص و هذا ما يصبغ  العمل البشري فالكمال لله سبحانه .

فمن خلال تحليلنا لهذا الموضوع ,  نقول أنه وحتى تكون هناك صيانة حقوقية أكثر فعالية , نضم صوتنا إلى بعض الباحثين بضرورة تبسيط المسطرة واختزالها وذلك بتعميم دمج مقرر التخلي في قرار إعلان المنفعة العامة .


[1]– ينص الفصل 35 من الدستور على ما يلي : ” يضمن القانون حق الملكية .

ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون , إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية . ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الاجراءات التي ينص عليها القانون … “

[2]– أحمد السنيهجي، ” نشاط ووسائل الإدارة “، طبع و توزيع مطبعة سجلماسة الزيتون مكناس، دون ذكر الطبعة، ص : 280.

[3]– المادة 2 من مرسوم 16 أبريل 1983 , وهو مرسوم تطبيقي للقانون 7-81.

[4]– وبالمناسبة فقد حلت تسمية رئيس الحكومة محل تسمية الوزير الأول طبقا لدستور 2011.

[5]– مبدئيا وبشكل بديهي، فإن السلطة التي تعتزم تطبيق مسطرة نزع الملكية هي التي تختص أصلا بطلب إعلان المنفعة العامة  بشأنها , لكن مادامت بعض الوزارات غير مؤهلة  لإجراءات نزع الملكية , فإن طلب إعلان المنفعة العامة بشأن المشاريع المزمع إنجازها تتولاها بالنيابة عنها الأجهزة الإدارية الأخرى المختصة.

[6]– أحمد أجعون، ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة “، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية  والسياسية، العدد الخاص رقم: 3 ، ص: 30 .

[7]– للمزيد من التفاصيل حول الجهة المختصة باقتراح المنفعة العامة , يراجع مؤلف الأستاذ باجي البشير، “شرح قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة  في ضوء القانون المغربي والقضاء والفقه والتطبيق “، الكتاب الأول،  مطبعة ومكتبة الأمنية، الطبعة الأولى 1991،  ص: 141-140.

– أيضا مؤلف الأستاذ أحمد أجعون، ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة “، مرجع سابق، ص: 30.

[8]– الفقرة الأولى من الفصل السادس من القانون 7-81.

[9]– راجع أركان القرار الإداري في مؤلف الأستاذ السنيهجي، “نشاط ووسائل الإدارة”، مرجع سابق، ص: 225 .

[10]– تحديد طبيعة قرار إعلان المنفعة أمر بالغ الأهمية خاصة ما يتعلق بأجل الطعن في هذا القرار.

[11]– للمزيد من التفصيل راجع:  أحمد السنيهجي، ” نشاط ووسائل الإدارة “،  مرجع سابق،  ص: 219.

– مؤلف الأستاذ أحمد أجعون، ” نشاط ووسائل الإدارة وفقا للتشريع المغربي “، منشورات مجلة الحقوق للدراسات            والأبحاث، ص: 103.

[12]– محمد منتصر الداودي، ” مراقبة مشروعية مقرر إعلان المنفعة العامة “، مقال منشور بكتاب دفاتر المجلس                      الأعلى، العدد2000/1 ،  ص: 12.

[13]– أحمد أجعون، “المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة “،  مرجع سابق، ص: 34.

[14]– أحمد أجعون، ” الاعتداء المادي على الملكية العقارية – الاشكالات والحلول القضائية “، الطبعة الأولى : 2015، مطبعة المعارف الجديدة، ص: 5.

[15]– لم تكن مقررات إعلان المنفعة العامة خاضعة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة قبل إحداث المجلس الأعلى  عملا بالقاعدة التي سنها الفصل 8 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التنظيم القضائي على اعتبار أن دور القضاء كان مقتصرا على مراقبة صحة القرارات دون  إمكان إلغائها و ذلك عن طريق التمسك  بعدم  المشروعية ,  وكان هذا الاتجاه يجد سنده في موضوع نزع الملكية، إذ كان الفصل الثاني من ظهير 31 غشت 1914 ينص على أنه لا يحق للمحاكم أن تأمر بنزع الملكية إلا إذا وقع التصريح بالمنفعة العامة وثبت وجودها على الكيفية  المقررة في هذا الظهير , وعند صدور ظهير 3 أبريل 1951 أصبحت المحاكم ملزمة قبل الإذن بنزع الملكية بالتأكيد من أن التصريح بالمنفعة العامة جاء حسب الكيفيات المقررة في القانون .

– للمزيد من التفاصيل يراجع :  محمد منتصر الداودي , ” مراقبة مشروعية مقرر إعلان المنفعة العامة ” مرجع سابق , ص: 11 .

[16]– مصطفى مدرح، ” اختصاص المحاكم المغربية في موضوع نزع الملكية : نقل الملكية والتعويض “، مقال منشور بكتاب دفاتر المجلس الأعلى، ص: 24.

[17]– حكم المحكمة الإدارية بوجدة رقم 79/96 بتاريخ 15 ماي 1996، ملف رقم 77/95 أشار إليه الأستاذ أحمد أجعون  “المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة “، مرجع سابق، ص: 36.

[18]– محمد بن الحاج السلمي , مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة  والاحتلال المؤقت في القانون المغربي , الطبعة الأولى 2016 , مطبعة دار القلم بالرباط , ص : 73 .

[19]– في فرنسا يتخذ مقرر التخلي من طرف المحافظ كيفما كانت السلطة التي اتخذت مقرر إعلان المنفعة العامة , وأيا كانت الجهة التي تقوم بنزع الملكية .

[20]– في شأن مفهوم السلطة الادارية راجع : عبد الله حداد القضاء الاداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم          الادارية , منشورات عكاظ , الطبعة الأولى : 1994 , ص : 44 .

[21]– ينص الفصل 16 على ما يلي : ” إن الأملاك المعينة في مقرر التخلي تبقى خاضعة لنفس الإرتفاقات المقررة في الفصل السابق لمدة سنتين تبتدئ من تاريخ نشر المقرر المذكور في الجريدة الرسمية او عند الاقتضاء من تاريخ تبليغه “

[22]– أحمد أجعون , ” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة ” , دار الآفاق المغربية للنشر  والتوزيع , الدار البيضاء , الطبعة الأولى : 2017 , ص : 39 .

[23]– ونعني بذلك القرارات الإدارية التي تتجاوز نطاق تراب محكمة إدارية واحدة  والقرارات التنظيمية والفردية الصادرة عن رئيس الحكومة  ( الفصل 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ) .

[24]– محمد الكشبور , “نزع الملكية لأجل المنفعة العامة” , الطبعة الثانية :2007 , مطبعة النجاح , الدار البيضاء , ص : 128 .

[25]– ينص الفصل 9 من قانون 41-90 على أنه : ” استثناءا من أحكام المادة السابقة تظل محكمة النقض مختصة بالبت ابتدائيا و انتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز المتعلقة ب :

– ………

– قرارات السلطات الادارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية ”

[26]–  محمد الكشبور ,” نزع الملكية لأجل المنفعة العامة “, مرجع سابق , ص : 129 .

زر الذهاب إلى الأعلى