مشروع قانون الدفع بعدم الدستورية.. هل توافق المحكمة على التعديلات البرلمانية؟

تناول طارق لحرش، باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، مشروع القانون التنظيمي الذي صوت مجلس النواب لصالح القراءة الثانية له، المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة الدفع بعدم دستورية قانون، مُجريا قراءة في التغييرات التي طرأت على النص بعد التصويت عليه من قِبل مجلس النواب بالإجماع.

وأشار لحرش، في مقال به بعنوان “مشروع قانون الدفع بعدم الدستورية.. هل توافق المحكمة الدستورية على التعديلات الجديدة للبرلمان؟”، إلى أن صدور هذا القانون التنظيمي سيشكل أولى خطوات تمكين الأفراد من حقهم في الولوج إلى العدالة الدستورية، مع المراهنة على تطهير المنظومة القانونية مما قد يتسرب إليها من قوانين لم تمارس عليها الرقابة القبلية.

هذا نص المقال:

صوت مجلس النواب لصالح القراءة الثانية لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات ممارسة الدفع بعدم دستورية قانون؛ فبعد مجموع التغييرات التي أدخلت من طرف الغرفة الثانية للبرلمان على نسخة قراءته الأولى، والتي يمكن إجمالها في تغييرات همت شكل النص من قبيل إضافة الباب الرابع، وهو ما يعني أن النص أصبح يضم ستة أبواب بدل خمسة في النسخة التي توصل بها مجلس المستشارين، هناك تغييرات همت 12 مادة، هي المواد: 2، 3، 5، 6، 7، 8، 11، 12، 14، 15، 16 و17.

أجمع مجلس النواب على المواد سالفة الذكر كما أقرها مجلس المستشارين، باستثناء المادة الخامسة التي أكدت الغرفة الأولى على الاحتفاظ بالجزء المحذوف منها من طرف الغرفة الثانية، الذي يلح على أن لا يكون قد سبق البت في مطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، ما لم تتغير الأسس التي تم بناء عليها البت المذكور. وقد علل المجلس هذا الاختيار في تقريره الصادر عن لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بدفعه بأنه بعد نقاش مستفيض للحكومة مع الأمانة العامة للحكومة وبعض القطاعات المعنية، اتضحت ضرورة الإبقاء على البند نظرا لأهميته، وهو تعليل كان سيكون أكثر إقناعا لو تم تحديد تلك القطاعات المعنية والحيثيات التي ساهمت في الاحتفاظ بالجزء المحذوف.

فيما يخص المواد الأخرى، فقد تأرجحت ما بين إضافة وتدقيق بعض العبارات (على سبيل المثال لا الحصر المواد: 6، 7 و8)، فيما تميزت بعض المواد وعنوان الباب الثالث بحذف بعض العبارات، الباب الذي كان معنونا بـ: شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية والبت فيه، حذفت منه في نسخة القراءة الثانية عبارة: البت فيه.

إن قراءة التغييرات التي طرأت على النص بعد التصويت عليه من قِبل مجلس النواب بالإجماع، تبعث بمؤشرين اثنين:

الأول: يفيد بارتفاع منسوب جاهزية النص وتجاوز مجموعة من البياضات التي عرفتها النسخة الأولى، ويستشف هذا من التحيينات التي جاء بها مجلس المستشارين ووافق عليها مجلس النواب بالإجماع مع استثناء واحد.

الثاني: يفيد بأن صدور القانون التنظيمي المتعلق بإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون بات في طريق معبّد، ما لم تكن من وقائع جديدة تثيرها المحكمة الدستورية. ومن المفيد أن دخول القانون حيز التطبيق يكون بعد انصرام أجل سنة من صدوره بالجريدة الرسمية، ليسمح بضمان ولوج الأفراد إلى العدالة الدستورية كحق مكفول بموجب دستور 2011، وهو الحق الذي سطع نجمه في تجارب دولية منذ أزمنة قديمة، فإذا ما أردنا الخوض ولو بشكل مقتضب في بدايات ظهور هذا الحق في الدولة الحديثة، سنعود إلى تجربة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ما يعرف بأوراق الفدرالي (Federal Papers) التي جاء الحديث فيها عن هذه الآلية، غير أن توازنات وظروف الحقبة منعت تضمينه بصورة صريحة في الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية.

وليس من الضرورة التذكير بأن دستور 2011 يلزم القوانين التنظيمية في صيرورة تشريعها بالمرور عبر المحكمة الدستورية، وبغض النظر عن المدة التي سيقضيها المشروع لتبت المحكمة في مدى دستوريته، فإننا قد نكون أمام أمرين؛ الأول يفيد بعدم إثارة المشروع في تفاعل قضاة المحكمة الدستورية معه لأي مقتضى يتعارض والدستور، وبالتالي استكمال الصيرورة التشريعية وصدوره بالجريدة الرسمية، أما الثاني، فيتعلق بأن يضم مشروع القانون التنظيمي مقتضى أو مقتضيات تراها المحكمة الدستورية متعارضة مع الدستور، ونكون هنا أمام قرار جديد للمحكمة الدستورية يقتضي ملاءمة المشروع مع جاء في قرار المحكمة، هذا التوجه سيسهم في تأخر ولوج الأفراد إلى حقهم في العدالة الدستورية وتطهير المنظومة القانونية من قوانين تدخل في حكم القوانين غير الدستورية، علما أن هذا الحق قد حبل به دستور 2011 في فصله 133، وما زالنا إلى حدود كتابة هذه الأسطر في انتظار ولادته.

أمام التوجهين السابق ذكرهما، فإننا نرجح أن مشروع القانون هذا، الذي سبق أن عرف من ذي قبل ملاءمته مع قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 م.د، عرف جملة من التحيينات في قراءته الثانية، ما ساهم في تجويده وتجاوزه العقبات التي عرفتها نسخته الأولى، والتي سبق للمحكمة الدستورية أن أقرت بتعارض مجموعة من موادها مع الدستور.

تلخيصا، يمكن القول إن صدور هذا القانون التنظيمي سيشكل أولى خطوات تمكين الأفراد من حقهم في الولوج إلى العدالة الدستورية، مع المراهنة على تطهير المنظومة القانونية مما قد يتسرب إليها من قوانين لم تمارس عليها الرقابة القبلية: حالة القوانين العادية، أو حتى القوانين التنظيمية السابقة للمقتضى الدستوري القاضي بإجبارية مرور تشريع القوانين التنظيمية بالمحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقتها للدستور.

#مشروع #قانون #الدفع #بعدم #الدستورية. #هل #توافق #المحكمة #على #التعديلات #البرلمانية

زر الذهاب إلى الأعلى