مسؤولية حكومة الأمور الجارية والحكومة المعينة قبل التنصيب البرلماني

حسنا فعل الدستور حين ربط بين تشكيل الحكومة ونتائج الاقتراعات )الفصل 47(؛ وذلك من أجل تعزيز المسار الديمقراطي لبلدنا، وتقوية الرقابة السياسية للبرلمان، ورد الاعتبار للمنافسة السياسية بين الأحزاب، وتقوية صلاحيات رئيس الحكومة المنبثقة عن أغلبية برلمانية حصلت على أغلبية أصوات الناخبين، وحتى تباشر هذه الحكومة مهامها لا بد من حصولها على تعيين ملكي كولادة قانونية لها، ثم على تنصيب برلماني يؤشر لولادتها الواقعية )الفصل 88(، وبين هذين التعينين فترة زمنية تُستقطع من الزمن السياسي للحكومة، قد تقصر وقد تطول؛ حيث إن الدستور الحالي لم يشر إلى المدة الزمنية المخولة لرئيس الحكومة لتشكيل فريقه، وللحكومة أن تعد برنامجها الحكومي الذي على أساسه يتم تنصيبها، كما سكت عن مسألة التصويت بالرفض كما سبق دستور 1996 أن فعل )الفصل 75(.

وفي هذه الفترة بالذات، لا يمكن للإدارة التي تكون تحت سلطة رئيس الحكومة )الفصل 89( أن تتوقف لمجرد انتهاء ولاية الحكومة السابقة، بل تستمر تحت إشراف الحكومة المنتهية ولايتها، والتي تقوم بتدبير الأمور الجارية ريثما يتم تعيين الحكومة من طرف الملك )الفصل 47(، وبعد تعيينها تنكب على إعداد البرنامج الحكومي قبل حصولها على التنصيب البرلماني على أساس هذا البرنامج.

إذن، فما طبيعة حكومة الأمور الجارية؟ هل تعتبر مسؤولة سياسيا؟ وهل يمكن لها أن تتخذ قرارات استراتيجية ومستقبلية؟ وما الفرق بينها وبين الحكومة المعينة من طرف الملك قبل التنصيب البرلماني؟

الفقرة الأولى: حكومة تصريف الاعمال الجارية

طبقا للفصل 84 من الدستور والفصل 47، وحسب المادتين 36 و37 من القانون التنظيمي 13.065 المتعلق بتسيير وتنظيم أشغال الحكومة، فإن حكومة تصريف الأعمال الجارية تبتدئ في الحالات العادية من يوم الانتخابات التشريعية لأعضاء مجلس النواب، وإن كانت ولاية أعضاء المجلس لا تنتهي إلا يوم افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاب المجلس، وتنتهي بتشكيل الحكومة الجديدة )المادة 36ق.13.065(، فهي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية، تهدف إلى تصريف الأمور لمدة محددة، إما بعد سحب الثقة من الحكومة أو لحصول ظرف طارئ حال دون تشكيل الحكومة كما حدث في فترة “البلوكاج السياسي” مع بنكيران أو لاستقالة رئيس الحكومة والتي يترتب عليها إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك )الفصل 47) كحالات استثنائية.

لا يحق لحكومة تصريف الأمور الجارية البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية، وتبقى اختصاصاتها محدودة ، إذ لا يحق لها القيام بأعمال ذات نتائج سياسية؛ وأبرز مهامها تصريف الأمور، وضمان الحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية، وتسيير مصالح المواطنين.

وبخصوص مسؤولية هذه الحكومة سياسيا أمام البرلمان، فالدستور والقانون التنظيمي رقم 13.065 لم يحددا أية مسؤولية لها أمام البرلمان؛ لأن إثارة المسؤولية السياسية للحكومة يتطلب توفر شرطين أساسين : أولهما وجود مؤسسة تمثيلية قائمة ومن مهامها مساءلة الحكومة، والثاني يتمثل في ممارسة الحكومة لصلاحياتها كاملة منذ تعيينها وتنصيبها من طرف البرلمان إلى غاية ابتداء مدة تصريفها للأمور الجارية.

ولقد حددت المادة 37 من القانون 13.065 المتعلق بالعمل الحكومي اختصاصات حكومة تصريف الأعمال، حتى لا تخرج عن نطاق التصريف وحتى لا تتجاوز حدودها، بحيث إنها غير مسؤولة سياسيا، إذ كيف يمكن مساءلة من لا صفة له ومن لا مسؤولية له، أو حسب وصف مارسيلو الين هل يمكن قتل الموتى؟ فالمادة 37 قيدت هذه الحكومة المؤقتة حتى لا تتدخل في اختصاصات الحكومة المقبلة المنتخبة، سواء الاختصاصات الموضوعية زمنيا ومكانيا، وإلا اعتبر ذلك اعتداء على اختصاصات حكومة لم تنصب بعد، وهذا يمس بمبدأ المشروعية. كون عيب الاختصاص يعد من عيوب المشروعية الجوهرية، لكن ليس هناك ما يمنع من مساءلتها عبر وسائل غير مثيرة للمسؤولية السياسية: كالأسئلة، لأن من شأن هذه المراقبة الحد من التجاوز وتنوير الرأي العام بقرارات هذه الحكومة، خاصة إذا طالت فترة تشكيل الحكومة.

الفقرة الثانية: الحكومة المعينة من طرف الملك قبل تنصيبها برلمانيا

بمجرد تعيين الملك للحكومة وفق الفصل 47، تنتهي صلاحية حكومة تصريف الأمور الجارية، حيث تبتدئ الحكومة الجديدة في الاشتغال؛ لكن وضعها لا يختلف كثيرا عن سابقتها الخاصة بتصريف الأمور الجارية، بحيث إن المادة 38 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمل الحكومي حدد بدقة صلاحيتها، وهي الأخرى لا تكون مسؤولة سياسيا لأنها غير منصبة بعد، وإنما تُسأل عن الاختصاص الموكول لها في المادة السابقة، حيث تنكب على إعداد البرنامج الحكومي كأساس لتنصيبها ونيل ثقة مجلس النواب، وهو إجراء ضروري لولادة الحكومة من الناحية القانونية بعد ولادتها القانونية عقب التعيين الملكي، وتقوم بإصدار قرارات التفويض كخطوة أولى لتحقيق المشروعية القانونية.

في هذه الفترة، تكون بمثابة حكومة تصريف أعمال ثانية، ولا تتحمل أي مسؤولية سياسية إلا ما يترتب عن برنامجها الحكومي، الذي قد يُصوَّتُ عليه بالأغلبية إيجابا فتعتبر الحكومة المكلفة منصَّبة، ومن ثم تبتدئ مسؤوليتها السياسية أمام مجلس النواب. ويعدّ البرنامج المُصوّت عليه بمثابة ميثاق يربطها بمجلس النواب، وكل إخلال به يعرضها للمساءلة والمسؤولية السياسية. ومن الإشكاليات المطروحة بالنسبة للحكومة المكلفة بإعداد البرنامج الحكومي، المدة الزمنية الخاصة بهذا الإعداد، إذ لم تحددها الوثيقة الدستورية وبالتالي قد تقصر وقد تطول؛ وهو ما قد يفوت على الدولة فرصا اقتصادية وسياسية مهمة، حيث القرارات المتخذة من قبلها تحتاج إلى مسؤولية سياسية تكون من آثار التنصيب البرلماني، مثلما يُطرح هذا الإشكال الزمني بخصوص تشكيل الحكومة.

والإشكال الثاني يتعلق بتجانس البرامج الحزبية ومحاولة تمثيلها في البرامج الحكومية، نظرا لاختلاف الأحزاب الفائزة من حيث الرؤى والمرجعيات السياسية والفكرية، وتواجدها أمام استراتيجيات وطنية تفرض نفسها على الحكومة الجديدة في ظل استمرارية الدولة.

أما الإشكال الثالث، فإنه يطرح في حال ما تم التصويت بالرفض على البرنامج الحكومي، وهو افتراض قائم لم يعالجه الدستور، عكس دستور 1996، حيث الحكومة تسقيل بشكل جماعي؛ فالفصل 88 من الدستور الحالي فضل الصمت وعدم التصريح، مما يرجح معه إمكانية إعادة صياغة البرنامج الحكومي إلى أن تتم المصادقة عليه، وتبقى للملك كرئيس للدولة سلطة تقديرية للدعوة إلى انتخابات جديدة بعد حل مجلسي البرلمان، وبعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، وإخبار كل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، على أن يتم انتخاب جديد في ظرف شهرين على الأكثر، وباعتباره ممثلا للدولة والضامن لاستمراريتها )الفصل 42(، فهذه القيود الدستورية بخصوص حل مجلسي البرلمان نتيجة لكونه مؤسسة منتخبة ديمقراطيا تعبر عن إرادة الأمة، كما قيد الدستور الفترة القصوى لانتخاب المجلس الجديد تجنبا للفراغ التشريعي.

ومن الناحية العملية، يصعب جدا التصويت بالرفض على البرنامج الحكومي ما دامت الحكومة نابعة عن أغلبية برلمانية، وحظيت بتعيين ملكي أسس لولادتها القانونية، مثل حكومة 2021 حيث تتمتع بأغلبية مريحة )169 نائبا(، ولا بد للتعديلات الدستور اللاحقة أن تحسم في مسألة الزمن المخول لرئيس الحكومة لتشكيل حكومته، وفي زمن إعداد الحكومة لبرنامجها، حتى لا نجد أنفسنا أمام “لا حكومة” أو حكومة غير مسؤولة سياسيا؛ وهو ما سيعرقل تنفيذ برنامجها الحكومي المسطر خلال ولايتها بعد تنصيبها البرلماني، باعتبار زمن التشكيل الحكومي وإعداد برنامجها يُستقطع من زمن ولايتها المحدد بنص الدستور )الفصل 62(.

ولئن كانت الحكومة بعد يوم الاقتراع وبعد التعيين الملكي لا تتحمل أية مسؤولية سياسية أمام البرلمان، فإنها، ومع ذلك، تخضع لرقابة البرلمان.

#مسؤولية #حكومة #الأمور #الجارية #والحكومة #المعينة #قبل #التنصيب #البرلماني

زر الذهاب إلى الأعلى