مسؤولية المرفق الطبي بدون خطأ – فيروس كورونا COVID 19 نموذجا

مسؤولية المرفق الطبي بدون خطأ - فيروس كورونا  COVID 19 نموذجا

بقلم عصام لبيض طالب باحث ماستر القانون الاجتماعي المعمق

مسؤولية المرفق الطبي بدون خطأ – فيروس كورونا COVID 19 نموذجا

مسؤولية المرفق الطبي بدون خطأ – فيروس كورونا COVID 19 نموذجا

مقدمة :

مسؤولية المرفق الطبي بدون خطأ - فيروس كورونا  COVID 19 نموذجا

تعد مسؤولية المرفق الطبي أمرا لا مناص منه[1] ومسلمـا به في جميع الدول، حيث أصبحت المسؤولية على أساس الخطأ [2]،غير كافية بمفردها لمجابهة  كافة الحالات التي يمكن أن يترتب عليها التعويض ، ومن تم فإن المسؤولية الطبية قائمة في حالة وجود الأركان مجتمعة ، والمتكونة من الخطأ[3] والضرر والعلاقة السببية [4] إلا أن تطور المرفق الطبي من خلال استعمال عديد من الوسائل المتنوعة والتي أتت نتاج التقدم الطبي قد يعرض الآخرين لأضرار كثيرة قد لا يكون فيها عنصر الخطأ ظاهرا للعيان [5] ، وهنا نتحدث عن المسؤولية الطبية بدون خطأ و التي تعطي الحق للمتضرر في التعويض عن الضرر الذي لحقه بشكل مستقل عن أي خطأ ، حيث  يمكنه ذلك بمجرد تبيان العلاقة السببية[6] والضرر[7] فقط ، لكون  الأخطاء لا يمكن إثباتها كلها لصعوبتها أو لتعقيدها أو لاندثار الدلائل الموصلة لها ، خصوصا أن المرفق الطبي يمكنه أن يعرض المرتفقين[8] لمخاطر يمكن أن ترجع على المرتفق بأضرار متفاوتة الخطورة ، لاستعمالها تقنيات حديثة و معقدة يعتمدها المتخصصون في الميدان الطبي، بالإضافة إلى استعمال وصفات طبية قد ترجع على المرتفق بمضاعفات قد تضر بصحته الجسدية والنفسية ، كما هو الحال في استعمال بروتوكولات طبية[9] لعلاج فيروس كورونا COVID 19 [10]،والتي عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه سلالة واسعة من الفيروسات ، قد تسبب أمراضا  للحيوان والإنسان على حد سواء، ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخاصة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). والتي يستوجب معها اتباع طرق علاج مختلفة  بمقدورها أن تنتج أخطاء طبية يصعب إثباتها كالفيروسات [11] و الأوبئة والتشوهات الخلقية للجنين ، والتي تعتبر الأدوية وتأثيرها من أهم المواضيع و أكثرها حساسية بالنسبة للمرأة والأسرة بل للمجتمع قاطبة ، والذي قد يؤثر الأخذ بدواء معين بطريقة سلبية على الشخص نفسه أو على الجنين وقد ينتج عنها تشوهات خلقية[12]وغيرها ، حيث أقرت المملكة المغربية تتبع بروتوكولا علاجيا في جميع مستشفياتها [13]للحد من تدهور الحالة الصحية للمصابين ، و تفاديا لتفشي فيروس كورونا “كوفيد 19”[14] بين المصابين ومحيطهم  .

وبالتالي يعتبر التقدم التقني المستعمل في المجال الطبي والطرق[15] الجديدة التي يعتمد عليها الأطباء في تقديم ووصف العلاجات  وصعوبة إثبات الخطأ المترتب بسببها  ، أمرا جعل معه التحول من الاعتماد على المسؤولية على أساس الخطأ ، إلى الاعتماد على المسؤولية بدون خطأ أمرا مهما في التشريع المغربي[16] ، حيث إن الاجتهاد القضائي المغربي عرف تطورا مهما في مجال المسؤولية بدون خطأ أو بغض النظر عن المخاطر[17] وبشروط  قضائية  أو  تشريعية من قبيل وجود ضرر استثنائي ووجود علاقة سببية بين الضرر ونشاط المرفق العمومي[18] .

يشكل موضوع المسؤولية الطبية بدون خطأ أهمية بالغة لاسيما في ضل انتشار وباء كورونا المستجد COVID 19 ، حيث إن بدراستها يمكن للباحث فهم الفلسفة التي جاء بها المشرع ، لمعالجة موضوع المخاطر[19] في المسؤولية بدون خطأ .

وبالتالي فإن موضوعنا هذا ، يطرح إشكالية  تتجلى في الكيفية التي يمكن بها ترتيب التعويض على المرفق الطبي بكل مكوناته ، على أساس عدم وجود الخطأ     و صعوبة إثباته من طرف المتضرر  ، وللإحاطة بهذه الإشكالية يستوجب الأمر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتفرعة عنها والمتمثلة في :

  • ماهي أهم المبادئ المعتمدة من أجل تحديد المسؤولية بدون خطـأ  ؟
  • ماهي آثار الاعتماد على المسؤولية بدون خطأ في المرفق الطبي ؟

وللحديث حول هذا الموضوع سنحاول مقاربته من خلال المنهجين الوصفي والتحليلي من أجل سرد أهم مبادئ المخاطر في المسؤولية بدون خطأ محاولين معرفة إمكانية تطبيقها بخصوص فايروس كورونا المستجد .

قراءة المقال أونلاين

COVID-19-مسؤولية-المرفق-الطبي-بدون-خطأ-فيروس-كورونا

سنحاول تقسيم موضوعنا هذا حسب التصميم الآتي :

المطلب الأول : المسؤولية بدون خطأ بالمرفق الطبي

المطلب الثاني : أثر المسؤولية بدون خطأ على المسؤولية الطبية

المطلب الأول : المسؤولية بدون خطأ بالمرفق الطبي

تعتبر المسؤولية الطبية بدون خطأ  من بين أهم النظريات  ما يمكن الاعتماد عليه في ظل التطور الحاصل في الميدان الطبي الناجمة عنه أضرار يصعب إثباتها أو ظهورها في وقت قصير  ، حيث تصعب معه مسألة الوصول للصورة الواضحة لهذا الخطأ ، و التي تحدد لنا مقياس الضرر لترتيب المسؤولية وبالتالي تقدير التعويض ، وبالاستناد الى هذه النظرية لابد لها من مسببات للارتكاز عليها (الفقرة الأولى) وقيود تضبطها وتحدها ، لكي لا تصبح مطلقة قد لا تحقق المراد منها (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى : مسببات الاستناد على المسؤولية بدون خطأ

للاعتماد على مبدأ يعتبر جديدا يحد من فكرة عدم المتابعة وتنزيل العقاب على من أخطأ ولو بدون قصد ، وجب توضيح أسباب الاعتماد على مبدأ المسؤولية بدون خطأ في التشريعات المقارنة (أولا) ومن تم الانتقال الى المشرع المغربي لمحاولة معرفة أسباب اختياره لهذا المبدأ (ثانيا) .

أولا : أسباب تفضيل مبدأ المسؤولية بدون خطأ في التشريع المقارن

لقد استند الفقه  والقضاء عند التفكير في إيجاد المسؤولية بدون خطأ، كبديل يلجأ له المتضرر للتعويض عن الأخطاء الطبية في حالة انعدام الخطأ، الشيء الذي لم يكن يؤخذ به في السابق ، إلا أن بعض أحكام القضاء العادي ذهبت إلى اعتبار الدعاوى المرفوعة من مريض على مستشفى عام ، سواء رفعت بسبب الضرر الراجع لسوء إدارة المرفق العام أو لسبب الخطأ المرتكب من قبل موظفيه يكون فيه القضاء الإداري مختصا في النظر فيه ، إلا إذا كان يدار وفقا لقواعد القانون الخاص [20]، حيث نشأت المسؤولية بدون خطأ من طرف مجلس الدولة الفرنسي وهي التي تعتبر امتدادا لفكرة الخطأ ذاتها ، والتي أخذت هاته الأخيرة تضعف شيئا فشيئا ، حيث كانت نتيجة لظهور مخاطر جديدة قد تضر بالأفراد ويصعب عليهم إثباتها [21]،  كما أقر مجلس الدولة الفرنسي بخصوص قضية  Consort gomez  والذي أقر بمسؤولية المرفق الصحي الفرنسي الغير الخطئية  بناء على طلب من أطراف هذه العائلة بتاريخ 1990/12/21 بإقرارها لأول مرة هذه المسؤولية الجديدة وذلك بناء على استخدام وسيلة علاج جديدة لم تعرف بعد نتائجها بصورة كافية والقرار الثاني لمجلس الدولة الفرنسي بخصوص قضية Bianchi والتي قضى فيه مجلس الدولة الفرنسي سنة 1993 بخصوص مسؤولية المستشفى التي تقوم بدون خطأ .[22] حيث تمثل هذه الأحكام خطوة جديدة من جانب قضاء مجلس الدولة الفرنسي ، من خلال توفير مزيد من الضمانات لصالح المرتفقين للمرفق الطبي [23]والمتضررين منه جراء بعض الأنشطة التي قد يحدث معه ضرر ويصعب معها الإثبات .[24] بالإضافة إلى القضاء الجزائري الذي اعتمد مبدأ المسؤولية بدون خطأ في ميدان الأشغال العمومية ، حيث كانت من الأنشطة التي كان لها الأسبقية في استثارة موقف القضاء الإداري الجزائري حول المسؤولية بدون خطأ حيث إن القضاء الإداري الجزائري قد قبل مسؤولية السلطة الإدارية بدون خطأ ، على أساس مخاطر التعاون العرضي متبعا في ذلك ما جاء من القضاء الفرنسي لتحديد شروط تلك المسؤولية [25].

ثانيا : المسؤولية بدون خطأ في التشريع المغربي

تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يستطع إعطاء تعريف لهذه المسؤولية ، إذ تركها للفقه  لتوضيح الغموض الدائر حولها و لتحديد ميادين تطبيقها ، وقد وضع المشرع المغربي عدة حالات يمكن تحميل المرفق العمومي لهذه المسؤولية دونما الأخذ بعين الاعتبار فكرة الخطأ كأساس لتحمل هذه المسؤولية ،  من خلال النظر في الجانب التشريعي  والقضائي .

أ – الجانب التشريعي

إن المشرع المغربي وباعتماده على مبدأ المسؤولية بدون خطأ كفكرة أساسية لتحملها ، ونظرا لتنوع الجوانب التشريعية للمسؤولية واختلافها عن غيرها ، فمن الواجب علينا تبيان بعض الحالات  على سبيل المثال لا الحصر    و التي تجعل  الإدارة مسؤولة في هذا الشأن كالأضرار المترتبة عن الكوارث الطبيعية  .

– الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية

إن تعامل الإدارة مع الأفراد يرمي إلى تنظيم نشاطات الفرد لترقى إلى تلائمها مع الصالح العام ، حيث تهدف السلطات الإدارية في تسيير شؤونها إلى الحد من المخاطر الناجمة عن بعض النشاطات سواء على مستوى التصرفات الفردية كالصحة والسلامة أو الهدوء  والأمن العامين ، أم على مستوى ظواهر قد تتعدى تدخل الإنسان فيها ، كالكوارث الطبيعية بمختلف صورها ، و التي تصبح معها الدولة مسؤولة بشكل مباشر[26] ، رغم عدم تدخلها أو عدم مقدرتها إيقاف هذه الكوارث أو الحد منها ، والتي قد يفقد معها المرفق العمومي الأمن و السيطرة على الموقف ، وبالتالي الوصول للهدف الملقى على عاتقه – المرفق العمومي- مما يستدعي معه تعويضا للمتضررين رغم أن الدولة لم ترتكب الخطأ  عمدا [27] ولا بشكل مباشر ، والتي لم يصبح معها التحجج بمناسبة الخطر فقط بل أصبح جبر الضرر أمرا مفروغا منه بوجود أو عدم وجود الخطأ ، وعلى سبيل المثال لا الحصر أحداث الصخيرات بتاريخ 10 يوليوز 1971 وأحداث الطائرة في 16 غشت 1972 [28].

وحيث إن القضاء كان يقابل مثل هذه القضايا بالرفض ، إلا أنه و لأول مرة اعترفت المحكمة الإدارية بفاس عن مسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة جراء تظاهرات  و تجمعات  وأعمال الشغب ، وبالتالي تكون قد أسست لبداية جديدة لمسؤولية مترتبة على الدولة بناء على المسؤولية بدون خطأ [29] والتي جاءت كذلك متضمنة في قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) على مسؤولية الدولة بناء على الفصل 79 من قانون الالتزامات  والعقود[30] ، حول مسؤولية مركز تحاقن الدم الذين يزودون المستشفيات والمصحات الخاصة بالدم والتي كانت مصابة بالتسمم [31] حيث لا يمكن معه الدفع بعدم قيام المسؤولية .

ب – الجانب القضائي

إن القضاء الإداري أصبح يعرف نوعا من التطور في التوسيع من رقعة المسؤولية المبنية على السبب والخطأ والعلاقة السببية إلى المسؤولية بدون خطأ[32] ، و محاولة تحميل المرفق المسؤولية دون افتراض أي  خطأ ، وبالتالي تعويض المتضرر من نشاط الإدارة ، وكمثال على ذلك ، مسؤولية الدولة على المرفق الطبي في استعماله بعض الأدوات الطبية والجراحية بالإضافة إلى مسؤولية الدولة على تفشي الأوبئة والأمراض المتنقلة[33] .

– الأضرار الناتجة عن استعمال الوصفات و الأدوات الطبية والجراحية

إنه وبالرجوع إلى العمل القضائي المغربي نجده اعتمد مبدأ الخطر والذي يتبين من خلال الحكم الـذي أصدرتـه استئنافية الربـاط في قضية السيد   Pasquis ، حيث جاء في القرار ” إذا كان هناك خطر جسيم في تقديم علاج ولو لم تكن له صبغة جدية صرفة وجب أن لا يتحمل المريض وحده هذا الخطر بل يتقاسمه مع المرفق الذي طبقه تطبيقا غير ملائم “، بالإضافة إلى قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26 يوليوز 1979 والذي ارتكز على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود [34]، حيث أقر على  مسؤولية الدولة من خلال حالتين اثنتين “أولهما إذا نتج الضرر مباشرة عن التسيير الإداري لمصالحها ومرافقها ،وثانيهما إذا نشأ الضرر نتيجة أخطاء مصلحية ارتكبها مستخدموها”[35] . وهو عكس ما جاء في القضاء الفرنسي الذي يشترط على المرفق العام في إطار التعويض على توفر الخطأ ، وقد جاء في التشريع الجزائري إمكانية تعويض المصابين بفيروس فقدان المناعة بفعل نقل الدم الملوث وذلك بموجب مرسوم رقم 183- 92 بتاريخ 26/02/1992 [36]، والذي يتأرجح معه الاجتهاد القضائي المغربي ما بين اعتبار هذا النوع من المسؤولية تارة ضمن المسؤولية بدون خطأ وتارة بوجود الخطأ .

وخلافا لما جاء في القرار أعلاه فقد اتجهت المحكمة الإدارية في الرباط في حكم بتاريخ 2002/03/07 عدد 256 في الملف رقم 98/59 على تحميل المرفق العمومي الطبي المسؤولية على أساس موضوعي قوامه عنصر الضرر ، مصرحة أنه ” أمام تأكيد الخبير لوجود العلاقة السببية المذكورة ، فإن المحكمة اعتبرت بأن مسؤولية المرفق الطبي تظل ثابتة بالملف وتتمثل في إهماله وتقصيره … فإن هذا الأخير يبقى محقا في المطالبة بالتعويض عن تلك الأضرار” وكذلك حكم المحكمة الإدارية بمكناس الذي جاء فيه ” حيث إن استعمال دواء الكورتيزون لمدة طويلة و في فترات متقطعة وبدون اتخاذ الاحتياطات اللازمة ، إنما يعكس عدم تبصر الأطباء المعالجين و عدم انتباههم ، بما يشكل خطأ مرفقي لمستخدمي وزارة الصحة . وحيث إن عنصر الخطأ ثابت في نازلة الحال وهو خطأ مصلحي ناتج عمن وصف دواء معين بكمية كبيرة.”[37] وهو الشيء الذي يحيلنا إلى طرح سؤال حول مسؤولية المرفق الطبي عن مضاعفات البروتوكول الدوائي المستخدم في علاج  فيروس كوروناCOVID 19 بالمغرب رغم المجهودات المبذولة للحد منه ، بالرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية[38] من استعمال دواء الكلوروكين و دواء هيدروكسي كلوروكين Hydroxychloroquine [39] الموصوف بالبروتوكول المغربي ، والتي تبعها مباشرة إعلان المنظمة الأوروبية إيقاف تجاربها والتي تندرج ضمن مشروع Discovery[40] في فرنسا ، بناء عليه تم منع استخدام الدواء في المستشفيات الفرنسية [41] رغم الإحصائيات الرسمية الإيجابية المسجلة من طرف وزارة الصحة المغربية [42]؟

ولعل تقرير هذا النوع من المسؤولية هو إعطاء ضمانة للمرضى المتضررين من مخاطر استعمال العلاجات التي لا يمكن إرجاعها لوجود خطأ طبي[43] والتي تجد سندها في المادة الثامنة من القانون الإداري ، حيث تتحمل فيه الإدارة التعويض عن أضرارها التي تكون بسبب أعمالها ونشاطاتها[44] .

الفقرة الثانية : القيود الواردة على إمكانية إعمال مبدأ المسؤولية الطبية بدون خطأ

إن إعمال على مبدأ المسؤولية بدون خطأ كمفهوم غير عادي يرتكز عليه لإنصاف من لا يقدر على إيجاد دليل إثبات يعتمد عليه ، لابد من تواجد قيود تحده، إن على مستوى القيود الشكلية (أولا) أو الموضوعية (ثانيا)

أولا : القيود الشكلية

القيود الشكلية و تتمثل في نموذج يمكن إتباعه من طرف القضاء الإداري الذي  يمكنهم من تحديد تعويض يناسب المخاطر المترتبة عن  مسؤولية المرفق العام الطبي ، وهو الغائب في حالتنا هذه ، حيث وبتنوع الحالات التي تتطلب التعويض بفعل عمل المرفق الطبي الذي تسبب بخطأ معين ، تتغير حسب حالة إثبات الخطأ الناتج عن هذا المرفق[45] ، بالإضافة الى كون مصطلح المخاطر[46] يبقى ضيقا لا يسعف القضاء فهم واستيعاب فكرة الخطر المحدث من طرف المرفق الطبي ، وهنا تجدر الإشارة إلى كون القضاء المغربي يقتبس في اجتهاداته من قضايا إدارية [47] بعيدة عن نشاط المرفق الطبي وهو مرفق اجتماعي بامتياز ، والذي يأتي عكس الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي وضع قواعد مضبوطة تراعي خصوصية المرفق العام الطبي [48]

        إن التشريع المغربي يصعب عليه تحديد حالات المسؤولية بدون خطأ رغبتا منه عدم تقييد سلطة القاضي ومن تم التضيق عليه وتقليص فرص التعويض  لفائدة المرتفقين الطبيين .

ثانيا : القيود الموضوعية

لقد نصت المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود على كون الدولة ومختلف الإدارات التابعة لها  مسؤولة عن أخطائها و أخطاء مستخدميها[49] والتي إذا ما رجعنا للمسؤولية الإدارية المرتكزة على الخطأ  والتي تعتبر هي القاعدة الأساس ، فإن المسؤولية الطبية بدون خطأ تعتمد على الضرر والعلاقة السببية فقط لترتيب التعويض للمرتفق ، فبالرجوع إلى الفصل 79 من القانون السالف الذكر نجد أنه قد حدد الرجوع على الدولة أو من تتحمل مسؤوليتهم على الخطأ، وهنا ولترتيب التعويض على اساس المسؤولية الطبية بدون خطأ يتوجب عليه الخروج عن القاعدة الأساسية والمتمثلة في الخطأ[50] والضرر والعلاقة السببية إلى وجود الاستثناء وهو تواجد ركنين فقط وهما العلاقة السببية والضرر .

       وبالرجوع إلى الى القانون رقم 90-41[51] المحدث للمحاكم الإدارية من خلال مادته الثامنة والتي جاء في فقرتها الأولى ” تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و 11من هذا القانون ، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام …”، حيث إنها في هذه المادة لم تتطرق الى شرط الخطأ في إمكانية رفع دعاوى التعويض ، بل جاءت مقتصرة على الأضرار المرتكبة من الأعمال وأنشطة أشخاص القانون العام ، بالإضافة إلى المحدودية لكي لا يتم ترك باب التعويض و الرجوع على الدولة في جميع تصرفاتها [52]، والتي أكدها الاجتهاد القضائي من خلال الحد من التوسع في فكرة المخاطر، لكي تضل محدودة وغير مطلقة .[53]

1 2الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى