دور المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية الترابية

دور المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية الترابية

دور المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية الترابية

دور المجتمع المدني في بلورة السياسات

تقديم

لاشك بأن الأديان السماوية كانت سباقة في الدعوة إلى العمل الخيري بجميع أشكاله، أما على المستوى الوضعي فقد نشأ مفهوم المجتمع المدني أول مرة في الفكر اليوناني حيث أشار إليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين”، أي أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني. تطور هذا المفهوم في القرن الثامن عشر حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع وبدأت حركة الجمعيات بالتبلور كنسق يملك الأحقية في الدفاع عن الحق في الحرية ضد مخاطر الاستبداد السياسي. وفي نهاية القرن ذاته تأكد في الفكر السياسي الغربي ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع

المدني الذي يجب أن يدير أموره الذاتية بنفسه وأن لا يترك للحكومة إلا القليل. وفي القرن التاسع عشر حدث التحول الثاني في مفهوم المجتمع المدني حيث قال كارل ماركس أن المجتمع المدني هو ساحة الصراع الطبقي. وفي القرن العشرين طرح المفكر الإيطالي جرامشي مسألة المجتمع المدني في إطار مفهوم جديد فكرته المركزية هي أن المجتمع المدني ليس ساحة للتنافس الاقتصادي بل ساحة للتنافس الأيديولوجي، منطلقًا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية. وقد اهتمت المجتمعات المعاصرة بعمل منظمات المجتمع المدني، حيث تم طرحه على المستوى الدولي تحت عنوان برنامج الأمم المتحدة التطوعي في عام1967 ، وتطورت العملية التطوعية حتى  أصبحت معيارًا ومؤشرًا قويًا للتنمية والتقدم (1)

وقد تنامى دورالمجتمع المدني مع ازدياد الحاجة الى انخراط جهات اضافية في مهام وبرامج التنمية لاسيما بعد قصور الدولة واجهزتها ومواردها عن تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين. ولما كانت هذه الاحتياجات حق من حقوقهم، وباتت تلبيتها ملحة وضرورية لتأمين الأمن الانساني والأستقرار الأجتماعي، كان لا بد من توسيع المجال امام منظمات المجتمع المدني لتصبح “شريكا” في عملية التنمية للاستفادة من مواردها البشرية والمادية ومن الخبرات التي تكتنزها ، والسياسة العامة تستلزم الاستشارة لكونها عبارة عن مجموعة من الإجراءات

*****

تتم في إطار القانون، وهي أيضا سلسلة قرارات ترتبط بمنظومة قين فكرية وسياسة وبنية السلطة وتوزيعها ، كذلك، مادامت لا تنشأ إلا في إطار تنافس سياسي يتميز بتعدد البرامج والتصورات الاجتماعية كما تشير إلى أنشطة الحكومة ومؤسسات الدولة والفاعلين لحل مشكلات المجتمع، وللمؤسسات التمثيلية دور مهم في مجال السياسة العامة في إعداد ومراقبة وتقييم هذه الأخيرة، وهي الأعمال التي تتمايز بناء على إمكانات والحدود العملية المرصودة للبرلمان في الأنشطة السياسية والدستورية(2)

وأمام عدم كفاية التضامنات المؤسساتية مقارنة باتساع أشكال الحاجة الاجتماعية، بدأنا نشهد أصنافا جديدة من التضامن بقيادة فاعلين جدد من المجتمع المدني، يعملون على تقديم خدمات والمساهمة في التنمية البشرية (3).

وقد حاول المشرع الدستوري المغربي النهوض بدور المجتمع المدني من خلال المقتضيات التي تضمنها دستور 2011، وخصوصا الفصول 12، 13، 14  و15 وذلك انسجاما مع مجموعة من المكتسبات الجديدة التي حاول المشرع تكريسها من خلال الوثيقة الدستورية كالتأكيد على مبدأ احترام حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليه دوليا وكذا دسترة مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات، والحكامة الجدية ورغبة من المشرع في عدم احتكار الدولة لدور الفاعل في تدبير الشأن العام اليوم، أصبح يعتمد على المقاربة التشاركية باعتبارها أسلوبا ناجعا ومبدأ أساسيا من مبادئ الديمقراطية ومكونا جديدا من مكونات مبدأ الشرعية على اعتبار هذا المبدأ لم يعد في المجتمعات الحديثة مبنيا على التفويض الممنوح للسلطة السياسية بموجب الانتخابات فقط وإنما المواطنين، أو الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني(4).

فإلى أي حد ساهم المجتمع المدني في بلورة قرارات السياسات العمومية الترابية؟

و ما هي الأدوار الدستورية للمجتمع المدني في رسم  السياسات العمومية على المستوى المحلي؟

  • ما هي أسباب انبثاق دور المجتمع المدني في تسيير الشأن العام المحلي والنهوض بالتنمية المحلية؟
  • وما هي مساهمات المجتمع المدني ومعوقاته في مجال السياسات العمومية إلى جانب التدابي؟

وللإحاطة بهذا الموضوع ارتأينا تقسيمه على الشكل التالي:

المبحث الأول: بوادر انبثاق دور المجتمع المدني ومجالاته في السياسات العمومية الترابية؛

    المبحث الثاني: أهمية مشاركة المجتمع المدني في إنتاج السياسة العمومية الترابية واكراهاتها.

المبحث الأولأسباب انبثاق دور المجتمع المدني ومجالاته في السياسات العمومية الترابية

إن مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم متحرك وغير مستقر، مرتبطا بتاريخ نشأته أي المشكلات التي كانت مطروحة في وقت نشوئه، وترجع نشأة المجتمع المدني إلى التطور الذي شهدته المجتمعات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وهو التطور الذي شمل الميادين التجارية والصناعية والاجتماعية والسياسية(5)

أما ميلاد المجتمع المدني في الوطن العربي كان نتيجة إخفاق الدول العربية في التنمية نتيجة عدم فسح المجال أمام الفاعلين الاجتماعيين والقوى الحية. أما بالنسبة للمغرب فإن بروز الاهتمام بالمجتمع المدني جاء كرد فعل لتأثير التنظيمات الدولية التي تسعى للدفع بمنظمات المجتمع المدني نحو الاضطلاع بدور أساسي في الحياة العامة المغربية ومن بينها حركة حقوق الإنسان(6).

المطلب الأولالمجتمع المدني في ظل الحياة الدستورية، الخطب الملكية والقوانين التنظيمية

إن مؤسسات المجتمع المدني تشكل إحدى الحلقات الأساسية والفعالة لإحداث التغيير في المجتمع، كما أن تفعيل مشاركتها في صنع وتنفيذ القرار يساهم في تسريح دورها بشكل فعلي في عملية التحول الديمقراطي، وانطلاقا من مبدأ الديمقراطية التي تقوم على إشراك المجتمع المدني في تدبير الشأن العام فقد أكد خطاب 09 مارس 2011 على ضرورة اعتماد منهجية الإصغاء والتشاور مع جميع الهيئات والفعاليات المؤهلة(7).

إن المجتمع المدني باعتباره أحد الفاعلين في التنمية الشمولية نجد أن له إطارا تشريعيا، ينظمه ويسمو به ويحدد علاقته بالدولة.

الفقرة الأولىالمجتمع المدني في ظل الدساتير السابقة ودستور 2011

باستقرائنا للدساتير السابقة، سواء دستور 1962، 1970، 1972، 1992 أو 1996، نجد أن هذه الدساتير لم تنص على أي دور للمجتمع المدني في تدبير الشأن العام، فبالرجوع إلى الفصل التاسع من دستور 1996 نجده ينص “يضمن الدستور لجميع المواطنين حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أنحاء المملكة، حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع، حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم ولا يمكن وضع حد لهذه الحريات إلا بمقتضى القانون” (8) ، فالمجتمع المدني في الدساتير السابقة لم يكن متفاعلا مع الهيئات الرسمية والحكومية في سيرورة المشاركة لاستراتيجيات الإنتاج المشترك للسياسات العمومية، حيث لم يتم التنصيص عليه.

مقال قد يهمك : الدعوى المدنية التبعية المنظورة أمام المحاكم الجنائية

نصت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 على الدور الأساسي للمجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية، وأكدت على دوره في تقديم العرائض وملتمسات تشريعية والمساهمة في بلورة السياسات العمومية، فبالنظر للدور المتنامي للمجتمع المدني الذي يشكل رافعة ودعامة لباقي المؤسسات ويساهم في حل إشكالات ومعضلات اجتماعية يقع حلها أساسا على عاتق الدولة لدى يجب اليوم تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالمجتمع المدني.

وهذا ما أكدته الفصول 12، 13، 14 و15 من دستور 2011، بحيث نص الفصل 12 على أنه تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الغير حكومية وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون كما أنه لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي. كما تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد في قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها.

كما تعتبر جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العصر الحاضر من المكونات اّلأساسية لكل مجتمع ديمقراطي حداثي لذلك متعها الدستور المغربي لسنة2011 بحق ممارسة أنشطتها بحرية في إطار احترام الدستور والقانون (9)، كما نجد الفصل 13 كذلك أكد على أن السلطات العمومية تعمل على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، حيث تبقى الصيغة الوحيدة لإشراك الجمعيات في القرار الجماعي خارج إمكانيات الشراكة أو الدعم أو المساندة هي لجنة المساواة وتكافؤ الفرص (10).

ونجد الفصل 14 و15 تمت الإشارة أن للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، وكذا الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع.

ومن جهة أخرى نجد أن الدستور المغربي 2011 تطرق لإشكالية تفاعل المجتمع المدني مع باقي الهيئات الرسمية والحكومية وسيرورة المشاركة واستراتيجيات الإنتاج المشترك للسياسات العمومية على المستوى الوطني والترابي وكذا من خلال استراتيجيات المجتمع المدني في الحراك الاجتماعي هي متعددة ومتنوعة تتراوح بين الالتزام السياسي والمطالب الاجتماعية والعمل التطوعي والمشاركة في السياسات العمومية والعمل المحلي (10).

الفقرة الثانيةالمجتمع المدني في مضامين الخطب الملكية والقوانين التنظيمية

ما فتئ جلالة الملك منذ اعتلائه للعرش، يؤكد على المجتمع المدني ويدعو لتكريس قيم المواطنة المسؤولة والرفع من قدرات المجتمع المدني وهكذا أكدت الخطب الملكية على ذلك، ومن أهمها، خطاب العرش 30 يوليوز 2000 على “ترسيخ دولة الحق والقانون وتجديد عقلنة وتحديث أساليب إدارتها وإعادة الاعتبار للتضامن الاجتماعي وتفعيل دور المجتمع المدني وإنعاش للنمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار العام والخاص”، وكذا خطاب العرش لسنة 2003 على المسؤولية المشتركة لبناء المجتمع وخلال 2005 على تكريس مفهوم المواطنة حيث أكد جلالته في الإعلان عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في خطاب 18 ماي 2005.

وفي خطاب افتتاح الدورة التشريعية الرابعة للبرلمان في أكتوبر 2005  “أكد جلالة الملك على ضرورة توعية كل مغربي بأن مصيره يتوقف على مبادرته، وإقدامه على العمل الجماعي، الذي يمر عبر تأطيره عن طريق الهيئات المؤهلة، تركيزنا على بناء ثقافة المواطنة الإيجابية بكل ما تعنيه من تحول إلى عقلنة المواطن الفاعل المشارك المنتج بدل السلبية والتوكلية والانتظارية…” (11).

*****

كما أكد جلالته على ضرورة تكريس مكانة المجتمع المدني دستورية من خلال إجراء تعديل دستوري شامل يستند على سبعة مرتكزات أساسية وذلك بتعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني.

وخطاب العرش لسنة 2008  الذي حث على تعزيز دينامية المجتمع المدني:حيث دعى جلالو الملك الى  ” توطيد المكانة المركزية لمؤسسة الأسرة وتعزيز دينامية المجتمع المدني وفعالياته المسؤولة للنهوض بالتكافل الاجتماعي والمواطنة التضامنية…”(12)

ويعتبر البرنامج الحكومي 2012 – 2016 الذي حرصت الحكومة على تعزيز المكانة الدستورية للمجتمع المدني من خلاله إحداث قطاع وزاري جديد في إطار الوزارة المكلفة مع البرلمان والمجتمع المدني حيث أعلن التصريح الحكومي في مقدمته عن تبني مقاربة تشاركية في تنزيل مقتضيات الدستور.

*****

حيث سطر البرنامج الحكومي 2012-2016 خمس توجهات كبرى متناولا تعزيز دور المجتمع المدني من خلال التوجه الثاني والثالث والرابع وهكذا من خلال التوجه الثاني للتصريح الحكومي تحت عنوان”: ترسيخ دولة القانون والجهوية المتقدمة والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن والقائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق والواجبات”، حيث نص هذا التصريح على(13):

  • فتح ورش الديمقراطية بتفعيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة وتطوير العلاقة مع المجتمع المدني بما يخدم التنمية ويعزز الحقوق والحريات ويحفز على القيام بالواجبات؛
  • تشجيع مشاركة عموم المواطنين في مجهود مكافحة الفساد وإقامة شراكات وطنية بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين… والمجتمع المدني؛
  • تبسيط وتسهيل إجراءات تأسيس الجمعيات والإسراع باعتماد القانون التنظيمي الخاص بشروط وكيفيات ممارسة الحق في التشريع وتقديم عرائض إلى السلطات العمومية.

وقد أشار البرنامج الحكومي في فقرة خاصة بالمجتمع المدني تحت عنوان “تعزيز مكانة المجتمع المدني” جاء فيها:”تعزيز مكانة المجتمع المدني في مختلف حلقات تدبير الشأن العام وتقييمه وصياغة سياساته، عبر الإسراع بوضع الإطار القانوني المنظم لذلك على ضوء الدستور وخاصة مايهم دوره في المجال التشريعي، والعمل على اعتماد سياسة جمعوية فعالة، وإقرار معايير شفافة لتمويل برامج الجمعيات، وإقرار آليات لمنع الجمع بين التمويلات واعتماد طلب العروض في مجال دعم المشاريع ومراجعة سياسة التكوين الموجهة للجمعيات بما يرفع من فعاليتها وبما يمكن الاستفادة لفائدة أعضاء الجمعيات”.

1 2 3الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى