دور الخدمات الرقمية في تجويد أداء المنظومة الأمنية

دور الخدمات الرقمية في تجويد أداء المنظومة الأمنية

دور الخدمات الرقمية في تجويد أداء المنظومة الأمنية

دور الخدمات الرقمية في تجويد أداء المنظومة الأمنية

إعداد الطالب عماد الترغي بشرى النية تحت إشراف الدكتورة بشرى النية

 مقدمة :

         عرف العالم خلال العقدين الأخيرين تطورا باهرا في مجال التكنولوجيا والتقنيات الرقمية، بحيث غزت العديد من التقنيات والتطبيقات جميع قطاعات نشاط الإنسان عبر مختلف دول المعمور ، ما أحدث تغييرا جذريا في عادتنا اليومية و أثر في معرفتنا .

وبعـد اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسيّة، توصّل الإنسان إلى اختراع وسائل حديثة للاتّصال عن بعد، سرعان ما عرفت تطوّرًا ملفتا للانتباه، فمن وسائل الاتّصال السلكيّة ووسائل الاتصالات اللاّسلكيّة، إلى الأقمار الصناعية والألياف البصريّة ، التي أحدثت ثورة في ميدان الاتصالات الدولية.[1]

فقد باتت الوسائل التكنولوجية من الآليات الأساسية المعول عليها في إحداث التنمية المستدامة .

وهو الشيء الذي إنعكس على كيفية تسيير المرفق الإداري العام ، الذي يعتبر القاطرة التي تحرك عجلة التنمية في الدول النامية .

فتبنى المغرب ورش الإدارة الإلكترونية، نظرا لما لها من دور في توفير خدمة عمومية ذات جودة عالية ، حيث زُودت الإدارة الوطنية بالبرمجة المعلوماتية وانكبت على تطوير نظم المعلومات ،بما فيها التنظيم والمعالجة ونخص بالذكر إستخدام الحاسوب وتكنولوجيا البرمجيات .

ولم تكن المنظومة الأمنية المغربية بمنأى عن كل هذا الزخم العلمي والتقني والتحول التكنولوجي والرقمي، حيث زودت المديرية العامة للأمن الوطني[2] الجهة الوصية على القطاع الأمني في المغرب، مختلف أجهزتها الأمنية بأحدث التقنيات والوسائل الرقمية المستجدة، كما عمدت إلى توظيف أطر ذات كفاءة عالية متخصصة في مجال المعلوميات وتكنولوجيا الإتصال . وذلك بغية التصدي لمختلف أشكال الأفعال الإجرامية سواء منها التقليدية أو التي ترتكب بواسطة تقنيات معلوماتية. وكذا تجويد الأداء الأمني المغربي وذلك من خلال تبسيط وتسريع المساطر والإجراءات داخل المصالح التابعة للإدارة الأمنية.

أهمية البحث :

تكمن أهمية هذا الموضوع في تسليط الضوء على مستوى الخدمة الرقمية التي يقدمها الجهاز الأمني بالمغرب، إن على مستوى مصالحة ذات التوجه الإداري المرفقي أو مصالحه ذات التوجه الزجري. ويشكل الموضوع أيضا مناسبة لعرض الإشكال القانوني الذي يطرحه تطوير تطبيقات معلوماتية تذخر معطيات خاصة بالأفراد إزاء الحق في الخصوصية.

المنهج الموظف في البحث:

استدعت دراسة هذا الموضوع الإعتماد على المنهج التحليلي في جانب ذلك أن النصوص القانونية المنظمة لهذا الموضوع تقتضي التمحيص والغوص في دقائقها،  وفي جانب آخر المنهج الوصفي حيث أن طبيعة هذا الموضوع تتطلب العرض والوصف المُحكم لمختلف تفاصيله،ناهيك عن أنهما من بين المناهج العلمية الأكثر واقعية وموضوعية في البحث العلمي.

إشكالية البحث :

معلوم أن الخدمات الرقمية التي تُسديها الإدارة الأمنية هي نتاج رؤية استراتيجية تتوخى تحسين الخدمة الأمنية، وحفظ الأمن والنظام العام. إلا أن اعتماد التقنية الرقمية في التعامل مع البيانات الخاصة بالأفراد يثير إشكال الحماية القانونية لهذه المعطيات الشخصية.

ومن ثمة حُق لنا أن نتساءل عن،

  • ماهية الخدمات الرقمية التي تستعين بها الإدارة الأمنية في سبيل مكافحة الجريمة والوقاية منها ؟
  • وكيف كان وقع هذه الخدمة الرقمية على سير عمل المصالح الأمنية؟
  • وأيُ حماية للمعطيات الخاصة بالأفراد،سيما بالنسبة للنظم المعلوماتية التي تذّخر بيانات شخصية ؟

خطة البحث :

في محاولة للإجابة على الأسئلة الإشكالية المثارة أعلاه فإنّا نوثر تناول التصميم أدناه؛

المطلب الأول : ماهية الخدمات الرقمية المسداة من قبل إدارة الأمن الوطني .

الفقرة الأولى : الخدمات الرقمية للإدارة الأمنية ذات الصبغة الزجرية.

الفقرة الثانية : الخدمات الرقمية للإدارة الأمنية ذات الصبغة الإدارية .

المطلب الثاني  : أهمية الخدمات الرقمية المقدمة من طرف إدارة الأمن الوطني في تعزيز الشعور العام بالأمن .

الفقرة الأولى : إذكاء المقاربة الإستباقية في التصدي للأفعال اللاقانونية سيما على مستوى الفضاء الرقمي.

الفقرة الثانية : تبسيط الإجراءات الإدارية في مختلف المصالح الأمنية.

المطلب الأول: ماهية الخدمات الرقمية المُسداة من قبل إدارة الأمن الوطني.

إن عملية إدخال التكنولوجيا الحديثة بوسائلها المتنوعة إلى الإدارة العمومية وإلى الإدارة الأمنية على وجه الخصوص، أمر أصبح مؤكدا لجميع العاملين والمتعاملين مع هذا الجهاز، ذلك أنها آلية من الآليات المهمة التي ستمكن من تحسين وإرساء علاقات متميزة ما بين الإدارة والمنتفعين بخدماتها.

هذا، تتنوع الخدمات الرقمية التي تُسديها الإدارة الأمنية للأفراد ،إلى خدمات رقمية ذات طابع زجري (الفقرة الأولى)، وإلى خدمات رقمية ذات طابع إداري مرفقي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الخدمات الرقمية للإدارة الأمنية ذات الصبغة الزجرية .

تصديا للأفعال التي تشكل انتهاكا للقانون الجنائي على صعيد الفضاء الرقمي ،عملت الإدارة الأمنيه على إحداث المختبر المركزي لتحليل الآثار الرقمية.

هذا الصرح المؤسسي  الذي يعمل على تجميع وحجز الأدلة الرقمية المستعملة لاقتراف الأفعال الإجرامية المرتبطة بالمجال المعلوماتي،

 ويتبع هذا المختبر الذي يتوفر على مختبرات جهويه، إلى قسم الشرطة التقنية والعلمية ،بحيث تمكن من معالجة 672 قضية تم فيها استخدام الهواتف المحمولة، و130 قضية لها ارتباط بالمعلوميات، بينما شاركت شعبة الصور التقريبية به في معالجة واستجلاء حقيقة 1.152 قضية جنائية.[3]

ومن المنشآت الأمنية التي تعنى هي الأخرى بتوفير الدعم التقني والدليل العلمي في الأبحاث الجنائية، نجد معهد العلوم والأدلة الجنائية التابع للمديرية العامة للأمن الوطني والذي حصل على شهادة الجودة العالمية ISO 17025  ،فقد أنجزت مصالحه التقنية 240 خبرة باليستيكية، شملت 110 من الأسلحة النارية، و95 قطعة سلاح مقلدة، و 4.554 ذخيرة، كما أنجز أيضا 832 خبرة في مجال تحقيق الخطوط، انصبت على 4.018 وثيقة تتنوع بين سندات الائتمان والشيكات البنكية ووثائق الهوية، فضلا عن 2.731 ورقة مالية من بينها 1.130 ورقة من العملات الأجنبية..[4]

إقرأ أيضا : فقدان الشغل بسبب فيروس كورونا بقلم محمد الحمدني

ومواكبةً من الادارة الامنية للتطور المتسارع في أساليب التحايل على القانون خصوصا في الفضاء الرقمي، تم إحداث المكتب الوطني لمكافحه الجريمة المعلوماتية التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية[5] .

 وبخصوص الامن الطرقي فقد انكبت مصالح الأمن الوطني على تعميم نظام معلوماتي خاص بتدبير مخالفات السير الطرقي بغرض تجميع ومركزة المخالفات المرورية.

إلى ذلك أيضا و في ظل الظرفية الإستثنائية التي نعيشها والتي فرضها  وباء الجرثومة الإكليلية المعروف اختصارا ب” كوفيد  19″، فقد عملت المصالح الأمنية على تطوير تطبيق رقمي يحد من تنقلات المواطنين غير الضرورية .

 وبموجب هذا التطبيق تستخدم الشرطة رقم بطاقة التعريف الوطنية  للتعرف على النقاط التي مر بها المواطن موضوع المراقبة ،

كما يمكن هذا التطبيق الذي تم العمل به في مدن الرباط وتماره وسلا كمرحلة تجريبية أولية في أفق تعميمه ، من رصد المبحوث عنهم من قبل السلطات الأمنية  ومن مطاردة المخالفين لتوجيهات السلطات الصحية.

 غير أنه ومنذ بدء العمل بهذا التطبيق ،بات يثير جدلا واسعا في أوساط الخبراء القانونيين ، ذلك بأنهم رأوا فيه  تطبيقا ينتهك الحق الخصوصية ويشدد الرقابة على الحريات ولا يطابق في جوهره مقتضيات القانون 08.09 المتعلق بحمايه المعطيات الشخصية[6] ،

 إلا أنه وبمقابل ذلك أكدت اللجنة الوطنية لمراقبه حمايه المعطيات الشخصية[7]. أن عملية المعالجة عبر هذا التطبيق المحمول للإدارة الأمنية مطابقه لقانون حماية معطيات الشخصية، وأن المعطيات التي يتم تجميعها تحترم الحد الأدنى بالنظر إلى الغايات المتوخاة منها، وأن تأثير المعالجة على الحياة الخاصة ضئيل للغاية، بالنظر إلى مرامي السهر على احترام إجراءات العزل الصحي من أجل الحفاظ على الصحة الجماعية للمواطنين، وخاصة أنه يتم احترام مبدأ التناسب في المعالجة ، وأشارت إلى أنه لا يتم تسجيل أي بيانات على الهواتف المحمولة لعناصر الشرطة، التي يتم مسحها أسبوعياً، حتى لا يتم الولوج إليها عبر الهواتف المحمولة لعناصر الأمن الوطني، كما سيتم مسحها بشكل نهائي من المنظومة عند انتهاء حالة الطوارئ الصحية.

هذا، وإذا ما دُعينا إلى إبداءِ موقفٍ إزاء هذا الإشكال الذي أسال مداد العديد من فعاليات المجتمع فإنّا نضم صوتنا إلى صوت التيار الذي يقول بكفالة الحق في الخصوصية و الحرية الخاصة مهما كانت الدواعي و الظروف، ذلك أنه حق دستوري تحض عليه معظم دساتير العالم وكافة المواثيق و العهود الدولية.

و إننا نرى في هذا الإجراء الذي إتخذته الإدارة الأمنية تحت ذريعة ضبط الحركة و الحد من خروقات المواطنين لحالة الطوارئ الصحية، تضييقا على الحرية الخاصة ومسا بحق إنساني كوني يقتضي الحفظ مهما كلف الأمر.

الفقرة الثانية : الخدمات الرقمية للإدارة الأمنية ذات الصبغة الإدارية .

إن من جملة الخدمات الرقمية التي تقدمها المديرية العامة للأمن الوطني عبر مختلف مصالحها ذات الطابع الإداري المرفقي الصرف نجد البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية التي تم استحداثها بموجب القانون رقم  [8]35.06 ،

بحيث تم تجهيز هذه البطاقة هذه البطاقة برقاقة إلكترونية غير مرئية تتضمن علاوة على المعلومات الشخصية المذكورة سلفا معطيات بيومترية كالنقط المميزة لبصمتي أصبعي حاملها. والمعطيات المخزنة على هذه الرقاقة قابلة للقراءة عن بعد بواسطة جهاز قارئ/سكانير. وتتلخص كيفية التفاعل فيما بين العنصرين في كون الجهاز يرسل إشارات تثير الرقاقة متى لامستها، لتستمد منها هذه الأخيرة طاقتها فتشتغل وترسل بدورها إشارات أو دبدبات محملة بالمعطيات إلى الجهاز. وبهذه الطريقة يمكن قراءة المعلومات المشفرة المتضمنة في هذه البطاقة من طرف مصالح الأمن ومن تم الإطلاع على كامل السجل الشخصي المخزن في قاعدة البيانات المركزية التي ستعمل بدون شك المديرية العامة للأمن الوطني بتطعيمها بكل المعطيات المتوفرة لدى باقي  الإدارات الأخرى المعنية[9].

وساد هذا النوع من التكنولوجيا عند الروس منذ خمسينيات القرن المنصرم لأغراض التجسس والمراقبة والتتبع. وهو الشي الذي طرح إشكال الحياة الخاصة للأفراد إزاء هذه التكنولوجيا. والمغرب لم يجد مناصا عنها لم يجد من مبرر لهذا الإجراء الحديث العهد سوى إدراجه ضمن مشروع تبسيط  المساطر الإدارية والإدارة الرقمية الذي انطلق منذ عدة سنوات.[10]

وفي هذا السياق أبرمت الإدارة الأمنية عقد استراتيجي مع شركة  ” آيميديا” الرائدة دوليا  في مجال الهوية الرقمية  المُعززة ، حيث ستزود الشركة الإدارة الأمنية بمقتضى هذا الإتفاق بأحدث بطاقات الهوية الإلكترونية الوطنية . وإدخال منصة الخدمات الرقمية للهوية عبر الأنترنيت ، كما ستوفر الشركة للإدارة الأمنية نظام المصادقة الرقمي بهدف تسهيل المراسلات عبر الأنترنيت .

وتجدر الإشارة في هذا المقام أن شركة IDEMIA  تنتج حاليا وثائق هوية آمنة للغاية ، بما في ذلك بطائق التعريف وجوازات السفر ورخص القيادة في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية و إستونيا وهولندا

ووفاءا لمشروع رقمنة الأداء الشُرَطي المغربي، تم تعميم النظام المعلوماتي الخاص بشرطة الحدود على 26 مركزا حدوديا بالمملكة، لتسهيل انسيابية حركة المسافرين وتأمين المراقبة الحدودية[11]

كما تم تطوير نظام معلوماتي لتدبير المكالمات الهاتفية وطلبات الاستغاثة الواردة على الخط الهاتفي 19 بشكل يسمح بتلقي العديد من المكالمات في وقت متزامن، وإحالتها بطريقة آنية على الوحدات العاملة في شرطة النجدة بالشارع العام[12]، علاوة على إطلاق بوابة إلكترونية خاصة بالتسجيل في مباريات الشرطة قادرة على استيعاب مليون زيارة في اليوم .

وفي سياق متصل، قامت الأطر الهندسية والتقنية للأمن الوطني بتطوير تطبيق معلوماتي لتسهيل إجراءات عبور المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، وتطبيق معلوماتي لتدبير طلبات تمديد سريان التأشيرة بالنسبة للأجانب الوافدين على المغرب، وتطبيق معلوماتي لتدبير قضايا الهجرة غير الشرعية، ونظام معلوماتي للتشخيص الجهوي الذي يسمح بالتشخيص الفوري بواسطة بصمات الأصابع، ونظام معلوماتي لتدبير السوابق القضائية، وتطبيق معلوماتي لرقمنة مخالفات ومحاضر معاينات قانون السير[13].

1 2الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى