دلالات تصدر المغرب للشراكات الاستراتيجية في السياسة الخارجية الإسبانية

قال عبد الحميد البجوقي، خبير في الهجرة ناشط حقوقي في أوروبا، إن “التصريح الذي أشار فيه وزير الخارجية الإسباني، خوسي لويس ألباريس، إلى أن “المغرب شريك استراتيجي يحتل المرتبة الأولى في أولويات السياسة الخارجية لإسبانيا”، يؤكد أهمية الشراكة التي تحكم علاقة المغرب بإسبانيا والاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها تدبير الهجرة غير النظامية، الأمن ومحاربة الإرهاب والإجرام الدولي”.

وتطرق البجوقي، في مقال له بعنوان “لماذا تعتبر إسبانيا المغرب شريكا استراتيجيا لها؟”، للعناصر التي كان لها دور في تطوير الموقف الإسباني حول أهمية مقترح الحكم الذاتي للصحراء كحل وحيد وممكن وواقعي تحت السيادة المغربية لحل هذا النزاع، وعودة العلاقات بين المغرب وإسبانيا، مؤكدا أن “إسبانيا والمغرب مقبلان على مرحلة مستقرة من العلاقات الثنائية، وهذه العلاقة ستتأثر لا محالة بالتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة”.

هذا نص المقال:

صرح وزير الخارجية الإسباني، خوسي لويس ألباريس (Jose Luis Abares)، في حوار مع جريدة “الباييس” (El país) الإسبانية يوم الجمعة 3 فبراير من السنة الجارية، بأن “المغرب شريك استراتيجي يحتل المرتبة الأولى في أولويات السياسة الخارجية لإسبانيا”، ويأتي هذا التصريح بعد انعقاد الدورة الثانية عشرة من لقاء القمة بين البلدين في الرباط يومي 1 و2 فبراير الجاري.

يؤكد هذا التصريح أن البلدين يعِيان منذ مدة أهميتهما لبعضهما بعض؛ أهمية استراتيجية يحكمها الجوار وعناصر الشراكة الكلاسيكية التي تحكم علاقة المغرب بإسبانيا والاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها تدبير الهجرة غير النظامية، الأمن ومحاربة الإرهاب والإجرام الدولي.

وعي الدولتين بأهمية الشراكة الاستراتيجية بينهما كانت تواجهه تحديات حدودية وملف الصحراء المغربية وغياب الشفافية والصراحة في تدبير العلاقات والمصالح المشتركة، ما كان سببا في أزمات متعددة وعدم استقرار العلاقات وتغيرها أحيانا بتغير الحكومات.

انفراج الأزمة الأخيرة بين البلدين، التي انفجرت بسبب استقبال إسبانيا زعيم البوليساريو للاستشفاء في مستشفياتها بجواز سفر جزائري مزور سنة 2021، الذي جاء بعد أن وجه رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيس، رسالة إلى ملك المغرب في أبريل من السنة الفارطة تعترف فيها إسبانيا بأهمية مقترح الحكم الذاتي للصحراء كحل وحيد وممكن وواقعي تحت السيادة المغربية لحل هذا النزاع المفتعل، كان مفتاحا لبناء علاقات جديدة بينهما أساسها الشفافية والصراحة والندية.

هذه العناصر (الشفافية والصراحة والندية) أصبح المغرب يعتبرها أساس علاقاته الخارجية وتعاونه مع الدول، وقد وردت بشكل صريح في خطاب الملك بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب في غشت 2022: “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.

عناصر أخرى كان لها دور في تطوير الموقف الإسباني وعودة العلاقات بين البلدين بقوة، تتعلق بالمتغيرات التي يعرفها العالم، ونوعية التحالفات الجديدة للمغرب، وفي مقدمتها العلاقة الجديدة والمتقدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء، ونهج المغرب سياسة خارجية واقتصادية قائمة على تنويع شركائه الاقتصاديين، نراها في المزيد من الحضور البريطاني في المملكة عبر الاستثمار والتبادل التجاري الذي انتقل بسرعة من 3% إلى 11%، وتطور علاقات المغرب التجارية مع الصين وكذلك المرتقبة في مجال الاستثمار.

مدريد التي تعتبر الآن الشريك التجاري الأول للرباط بنسبة تفوق 16%، تستعد للرفع من مستوى استثماراتها في المغرب في مجالات حيوية، مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والموارد المائية ــ تحلية مياه البحر ــ وأخرى تضَمَّنَها الإعلان المشترك الصادر عن لقاء القمة الأخير المنعقد بالرباط يومي 1 و2 فبراير 2023 من خلال 19 اتفاقية ثنائية ومذكرات تفاهم.

في مجال الهجرة، عرف عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى إسبانيا عبر المتوسط والمحيط الأطلسي من المغرب تراجعا بنسبة 31%. وعلى المستوى الأمني، يساهم المغرب بشكل كبير ومتميز في تفكيك العديد من الشبكات الإرهابية والإجرامية، سواء في إسبانيا أو باقي دول الاتحاد الأوروبي.

إلى جانب هذه العناصر، يحضر الآن بقوة البعد الاقتصادي لهذه العلاقات الذي تعزز بعد لقاء القمة الأخير.

كما لا يغيب عنصر آخر يتعلق بمنافسة فرنسية إسبانية من حيث أولويات العلاقة وتمثيل مصالح المغرب في الاتحاد الأوروبي التي كانت تنفرد بها فرنسا من موقع علاقاتها التاريخية مع المغرب، كما كانت داعمة للمملكة في الأمم المتحدة وفي اجتماعات مجلس الأمن.

هذا الدور تغير بعد الاعتراف الكامل للولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وفتح قنصلية لها في مدينة الداخلة، وتطور التعاون المغربي الأمريكي عسكريا واقتصاديا وتجاريا، والمساندة الأمريكية للمغرب في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الذي اعتمد القرار 2654 في أكتوبر من سنة 2022.

كل هذه العناصر كانت وراء تعزيز قناعة إسبانيا بأهمية المغرب كشريك استراتيجي يتبوأ المرتبة الأولى ضمن أولويات سياستها الخارجية، وهو الموقف الذي يحظى بدعم مراكز القرار الاقتصادي في إسبانيا وكل مختبرات التحليل والبحث كـ”معهد الكانو” (Instituto del Cano) القريب من دواليب الدولة العميقة في إسبانيا.

إسبانيا والمغرب مقبلان على مرحلة مستقرة من العلاقات الثنائية، وهذه العلاقة ستتأثر لا محالة بالتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، إلى جانب الحضور الأمريكي المتسارع، كما ستواجه في مرحلتها الأولى مجموعة من التحديات والتنافس الأمريكي الفرنسي وتداعيات دبلوماسية تنويع الشركاء التي تنتهجها مؤخرا السياسة الخارجية المغربية.

#دلالات #تصدر #المغرب #للشراكات #الاستراتيجية #في #السياسة #الخارجية #الإسبانية

زر الذهاب إلى الأعلى