حقوق الطفل : حماية أخلاق الطفل في التشريع والقضاء المغربيين

حقوق الطفل : حماية أخلاق الطفل في التشريع والقضاء المغربيين
نورالدين مصلوحي

حقوق الطفل : حماية أخلاق الطفل في التشريع والقضاء المغربيين

حقوق الطفل

تقديم :

يعد الطفل أحد المكونات الأساسية في الأسرة، فطفل اليوم هو رجل أو امرأة المستقبل، وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بالطفل أشد الاعتناء، فكفلت له عدة حقوق منها الحق في الحياة فمنعت الشريعة قتل الأبناء خشية الاملاق، والحق في اختيار اسم حسن، وكذا الحق في النفقة، ومن الحقوق المهمة جدا والذي له صلة بموضوع مقالنا المتواضع؛ الحق في تربية الطفل تربية حسنة، فشجع الإسلام الرجل والمرأة على حسن اختيار الشريك، فقال عليه الصلاة والسلام: فاظفر بذات الدين تربت يداك، وحذر أهل المرأة من رفض تزويج الرجل الصالح لابنتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

ولم تغفل الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التطرق إلى أهمية أخلاق الطفل وحسن تربيته، حيث جاء في ديباجة هذه الاتفاقية ما يلي: “ينبغي إعداد الطفل إعدادا كاملا ليحيى حياة فردية في المجتمع وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، وخصوصا بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء”.

أولا: حماية أخلاق الطفل في التشريع المغربي:

بالرجوع إلى المادة 54 من مدونة الأسرة، نجدها تنص على مجموعة من الحقوق الواجب على الآباء تمتيع أطفالهم بها، ومن هذه الحقوق: التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل…، ولعل واضعي مدونة الأسرة استندوا في تنصيصهم على هذا الحق إلى دستور المملكة والذي جاء في ديباجته أن “الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها” إذ ما دام الأبوان مسلمان فيستلزم هذا أن يوجها أطفالهما توجيها دينيا عقديا وأخلاقيا، وحق التوجيه الديني يجد سنده كذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: “مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر” وقد قال علماء المالكية أن الطفل لا يضرب بعضَ الضرب، أي الضرب الذي يضربه كثير من الناس فيتعدى في الضرب، بل يضرب ضرب ايلام غير مبرح دون تأثير في العضو[1].
وحسب المادة المشار إليها أعلاه، فإن الزوجان عندما يفترقان تتوزع هذه الواجبات (أي: حقوق الأطفال) بينهما بحسب ما هو مبين في أحكام الحضانة.

وباطلاعنا على أحكام الحضانة في مدونة الأسرة، ولاسيما شروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها، نلاحظ أن المشرع عدد مجموعة من الشروط في المادة 173 من مدونة الأسرة، ومن هذه الشروط: الاستقامة والأمانة، والقدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا وعلى مراقبة تمدرسه.

ولا بد من التنبيه على أن هذا التكليف الشرعي والقانوني للآباء، يلازمه بالمقابل جزاء جنائي حال الاخلال بحسن تربية الطفل، حيث نص الفصل 482 من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي: “إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد او أكثر منهم، وذلك نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الاشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مئتين إلى خمسمائة درهم، سواء حكم عليه بالحرمان من السلطة الأبوية أم لا

ويجوز علاوة على ذلك، أن يحكم على مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر.

وجدير بالذكر أن الفصل 482 أعلاه تم تعديله في مسودة مشروع القانون الجنائي، حيث تم توسيع مظاهر القدوة السيئة فتم إضافة سلوك تعاطي أحد الأبوين للمخدرات والمؤثرات العقلية، وتم رفع العقوبة، حيث أصبحت الحبسية منها تتراوح بين سنة وخمس سنوات، والغرامة من 10000 إلى 50000، كما تم إلغاء العقوبات المنصوص عليها في المادة 40 من القانون الجنائي الحالي.

ثانيا: حماية القضاء المغربي لأخلاق الطفل:

يعد القضاء الساهر على حماية حقوق وحريات الناس، وسنقوم بالتعرض لقرارات مهمة جدا أصدرتها محكمة النقض رامت من خلالها تحقيق حماية لأخلاق الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى، والسبب في تركيزنا على قرارات هذه المحكمة هو مكانتها في التنظيم القضائي المغربي، باعتبارها أعلى هيئة قضائية، وتسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي.

ففي سنة 2010 أصدرت محكمة النقض قرارا يقضي بأن “من شروط الحضانة توفر شرط الاستقامة فيمن يحضن، ولما أدينت المطلوبة بأحكام جنحية بارتكابها جرائم قبل زواجها وبعده تتعلق بإضرام النار عمدا والفساد والتحريض على الدعارة لعلاقتها بخليجيين بترددها على دول الخليج، ولم تناقش المحكمة تلك الوثائق وترد عليها، فقد جاء قرارها ناقص التعليل، وهو بمثابة انعدامه ومعرضا للنقض[2]“.

ولا شك أن الأفعال المشار إليها أعلاه يفقد مرتكبها الأهلية للحضانة، إذ كيف تسند مهمة تربية طفل ورعايته دينا وخلقا وهو يفقد هاتين الصفتين، ففاقد الشيء لا يعطيه.

ومن القرارات التي تجسد بجلاء كبير مدى حرص القضاء على تفعيل حماية أخلاق الطفل، ما جاء في قرار لمحكمة النقض سنة 2011 في الملف الشرعي عدد 648/2/1/2009، “من شروط الحضانة توفر الحاضن على الأمانة والاستقامة، ولما تبين للمحكمة أن الطاعنة تستحم بغرفة بالفندق وهي عارية مع أخريات، وصحبة ابنتها وتسمح لأجنبي بتصويرهن على تلك الحالة، كما أنها تخضع لنفوذ مرشد روحي لطائفة كافرة، كما أفاد ذلك تقرير المدرسة، واعتمدت ذلك مبررا لإسقاط حضانتها، فإنها طبقت القانون ولم تخرق المواد المحتج بها، ويبقى ما أثير غير جدير بالاعتبار[3]“.


وجاء في قرار آخر في سنة 2013 في الملف الشرعي عدد 108/2/1/2012، “حيث صح ما عابه الطاعن في الوسيلة أعلاه، ذلك أن الثابت من وثائق الملف وخاصة المقال الافتتاحي أن الطاعن دفع بأن المطلوبة رفضت العودة معه من فرنسا إلى المغرب، وأنها ساءت أخلاقها هناك بعد أن أصبحت راقصة في الملاهي العامة، وقد أرسلت إليه صورا فوتوغرافية تمثلها في أوضاع غير محترمة وعزز مقاله بالبعض منها، وأكد أن لديه أفلاما وأشرطة مماثلة، والتمس حرمانها من حضانة ابنه فاضل، والمحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض لهذا الطلب، دون أن تجري بحثا في الموضوع يحضره الطرفان، وتعرض فيه الصور المدلى بها على المطلوبة لإبداء موقفها منها رغم ما لذلك من تأثير على نتيجة قضائها تكون قد بنت قرارها على غير أساس وعرضته للنقض[4].

الإحالات :

[1] أبو عبد الله المواق المالكي. التاج والاكليل لمختصر خليل. دار الكتب العلمية ط 1 ج 2 ص 57

الحطاب الرعيني المالكي. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل. دار الفكر ط 3 ج 1 ص 412

[2] قرار عدد 485 مؤرخ في 19/10/2010 في الملف الشرعي عدد 534/2/1/2009 إبراهيم بحماني كتاب العمل القضائي في قضايا الأسرة المجلد الثالث طبعة 1 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط ج 3 ص 266

[3] قرار عدد 208 مؤرخ في 26/04/2011 في الملف الشرعي عدد 648/2/1/2009 إبراهيم بحماني كتاب العمل القضائي في قضايا الأسرة المجلد الثالث طبعة 1 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط ج 3 ص 270

[4] قرار عدد 21 مؤرخ في 8/01/2013 في الملف الشرعي عدد 108/2/1/2012 إبراهيم بحماني كتاب العمل القضائي في قضايا الأسرة المجلد الثالث طبعة 1 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط ج 3 ص 321


زر الذهاب إلى الأعلى