المعارضة تنبه الحكومة إلى استنزاف الطبقة المتوسطة بالاقتطاعات الضريبية

في جلسة لم يحضرها سوى ممثل واحد للحكومة هو فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، مع حضور عدد قليل من النواب البرلمانيين، عبرت فرق المعارضة بمجلس النواب عن رفضها لمضامين مشروع قانون المالية لسنة 2023؛ إذ ذهب الفريق الاشتراكي إلى وصفه بـ”المشروع الفاشل”.

وركز الفريق الاشتراكي في تدخله ضمن الجلسة العمومية المخصصة لتقديم ومناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية، على الجانب المتعلق بالإصلاح الجبائي؛ إذ اعتبر محمد ملال، عضو الفريق، أن المشروع لم يتضمن تدابير حقيقية للقيام بإصلاحات ضرورية، من قبيل الإصلاح الجبائي وإصلاح المقاولات العمومية، أصبحت تكتسي طابعا شموليا واستعجاليا غير قابل للإرجاء والتجزئة بحكم التحديات التنموية المطروحة على المملكة.

وأضاف أن مشروع قانون المالية المعروض على البرلمان، “يأتي كاستمرار للميزانية الحالية على الرغم من تدبير الحكومة لسنة مالية، وكان يجب أن تنصت لانتظارات المغاربة المشروعة”، معتبرا أن العنوان البارز للمشروع “هو الفشل الحكومي في مباشرة الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها الدولة الاجتماعية، ليس كشعار للاستهلاك السياسي، وإنما كقناعة فكرية وإيديولوجية”.

الفريق الاشتراكي نبه إلى أن المجال الضريبي في المغرب لم يعرف أي إصلاح هيكلي شامل منذ سنة 1984، رغم أن الاقتصاد الوطني شهد تغيرات جذرية أدت إلى ظهور صناعات جديدة، واستفادة قطاعات من الظرفية الحالية، مثل صناعة الأدوية والمحروقات، دون إجراء إصلاحات أكثر إلحاحا لتوسيع الوعاء الجبائي، ما أدى إلى الضغط الضريبي على الأجراء وارتفاع القيمة المضافة.

واتهم الفريق المعارض الحكومة بعدم القدرة على “التحلي بالشجاعة لمباشرة الإجراءات اللازمة لحماية الطبقة المتوسطة، باعتبارها صمام أمان في التوازن الاقتصادي وتحريك الدورة الاقتصادية الوطنية، حيث ظلت هذه الفئة مستهدفة بالاقتطاع الضريبي من المنبع، في مقابل خدمات عمومية متدنية ترغمها على اللجوء إلى المدارس الخاصة لتدريس أبنائها والمصحات الخاصة للعلاج”.

واعتبر أن عجز الحكومة عن إصلاح المنظومة الجبائية لن يمكن من تعبئة الموارد المالية بطريقة منصفة وعادلة، ولن يسمح بمعالجة الملفات الاجتماعية والثقافية والبيئية المطروحة، لا سيما في ظل الفرضيات غير الواقعية التي تضمنها مشروع قانون المالية، خاصة نسبة التضخم المحددة في 2 في المئة.

الفريق البرلماني ذاته أعلن أنه سيصوّت ضد مشروع قانون المالية الذي أعدته الحكومة، معتبرا أنه “مشروع عادي في ظروف استثنائية اختار الحلول السهلة، وهي ضرب جيوب المواطنات والمواطنين”.

الاتهام باستهداف جيوب المواطنين، وجهه أيضا الفريق الحركي إلى الحكومة، بقوله إنه لم يلمس “ما يؤكد أن الحكومة استطاعت أن تستفيد من الفرص والآفاق التي تفتحها التحولات التي يشهدها المغرب”، وأنها “اجتهدت فقط في توزيع الدعم والثروة عوض الاجتهاد في إنتاجها، واستهدفت بالدرجة الأولى جيوب المواطنين، بدل الرفع من قدرتهم الشرائية”.

ونوه إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، بالاعتمادات المالية الإضافية التي ضختها الحكومة في ميزانية قطاعات حيوية، مثل التعليم والصحة والاستثمار، في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، غير أنه استدرك بأن المشروع “لا يزال بعيدا عن قواعد القانون التنظيمي للمالية، وعن طموح بناء سياسة عمومية جديدة تربط الأرقام بالأهداف الاقتصادية والاجتماعية موحدة في الزمان والمجال، وقابلة للخضوع للرقابة البرلمانية”.

وأردف بأن مشروع قانون المالية المعروض على البرلمان “يظل رهينا بكرم السماء وتراجع الأسعار في السوق الدولية وحجم العملة التي يوفرها مغاربة العالم”، وأن “الآمال والطموحات التي كان يعقدها المغاربة على الحكومة الحالية خابت، بعدما اتضح أن الالتزامات العشرة التي تضمنها البرنامج الحكومي بقيت مجرد أدبيات للاستهلاك السياسي ولم يتحقق منها إلا النزر القليل رغم اقترابنا من استهلاك عشرين في المئة من الزمن السياسي للولاية الحكومية”.

ويرى الفريق الحركي أن مشروع قانون المالية “لا يمكن أن يغير في واقع المغاربة شيئا، ولا يمكنه أن يرفع من مستوى قدرتهم الشرائية، وعاجز عن تكريس مشروع الدولة الاجتماعية، الذي هو عنوان البرنامج الحكومي”، وأن “المؤشرات الحكومية المتفائلة التي يحملها المشروع لا تستجيب للوضعية الحقيقية للمغاربة، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأرقام الصادمة لبعض المؤسسات الوطنية التي تفيد بأن 81 في المئة من الأسر تدهور وضعها الاقتصادي، ولم تتخذ أي إجراء للحفاظ على قفة الفقير”.

وانصبت الانتقادات التي وجهها فريق التقدم والاشتراكية إلى مشروع قانون المالية لسنة 2023، على استمرار غلاء أسعار المواد الاستهلاكية، معتبرا أن الغلاء “ليس حديث الصالونات بل هو واقع، وعلى الحكومة أن تسأل الشعب لتعرف حجم المعاناة، وتسأل الشباب عن البطالة لتعرف حجم المأساة، وتزور المناطق النائية لتقف على حجم الذهول. هذا هو الواقع، بعيدا عن اللعب بالأرقام في المنجزات الحكومية”.

رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، نوه في مستهل مداخلته إلى أن الفريق الذي يرأسه يأخذ بعين الاعتبار الظرفية العالمية الراهنة المتسمة بالأزمة، قبل أن يقول: “لكن التبرير لن يملأ قفة المغاربة ولن يرفع القهر عنهم، وهم الذين يكتوون بنار غلاء الأسعار في ظل صمت الحكومة”.

في السياق ذاته، وصفت مجموعة العدالة والتنمية الحكومة الحالية بـ”المشلولة أمام وضع اقتصادي واجتماعي متأزم”، حيث اعتبر مصطفى إبراهيمي، رئيس المجموعة، أن الحكومة “لا تقوم بالإصلاحات، ولا تقدم للناس مبادرات لمواجهة التهاب الأسعار وانحدار الطبقة المتوسطة للفقر”.

في المقابل، ارتأى الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي الاستمرار على نهج “المعارضة النقدية” للحكومة، حيث اعتبر، على لسان رئيسه الشاوي بلعسال، أن الأزمة العالمية الراهنة “وجدت المغرب يسير على السكة الصحة منذ أزيد من عقدين من الزمن، وقادرا على تحمل الأزمة الراهنة، بتوفير شروط الثقة والمصداقية، بعيدا عن لغة العدمية والتبخيس”، مضيفا: “لسنا متشائمين ما دام العالم يعاني من الأوضاع نفسها التي يمكننا أن نتجاوزها بتضافر جهود الجميع”، منوها بالمضامين التي جاء بها مشروع قانون المالية.

من جهة ثانية، أثار غياب الوزراء في جلسة تقديم ومناقشة مشروع قانون المالية غضب فرق المعارضة؛ إذ نبه محمد ملال إلى أن غياب وزراء الحكومة أصبح ظاهرة متكررة.

من جهته، استهلّ رشيد الحموني مداخلته، بعد تحيته فوزي لقجع، بعبارة “تحية الكراسي الفارغة”، متسائلا: “لماذا لا تكون لدينا حكومة فيها فقط رئيسها ووزير المالية ووزير الصحة ووزير الخارجية”.

وذهب المتحدث ذاته إلى القول إن القطاعات الوزارية التي ذكرها “كافية لتسيير وتدبير شؤون البلاد”، وأن باقي الوزراء تتجلى مهمتهم في “أخذ الأموال من الميزانية العامة وتوزيعها على المؤسسات، وهذا الدور يمكن أن يقوم به وزير المالية وحده”.

#المعارضة #تنبه #الحكومة #إلى #استنزاف #الطبقة #المتوسطة #بالاقتطاعات #الضريبية

زر الذهاب إلى الأعلى