المستجدات الضريبية في مشروع قانون المالية تبعث المطالبة بـ”العدالة الجبائية”

جدل لا مُتناه أثارته المستجدات الضريبية الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2023، الذي تمت المصادقة عليه في مجلس النواب، مع احتدام النقاش، خلال الأسابيع الأخيرة، في أوساط فئات مهنية عديدة وصل حد الخروج في احتجاجات ميدانية، أبرزها تلك التي نفذها أصحاب “المهن الحرة” (الأطباء في القطاع الحر والمحامون) بعد تضمن القانون المالي بعض الإجراءات المتعلقة بـ”الاقتطاع من المنبع” أو فرض ضرائب جديدة.

ولم يشهد مشروع قانون المالية مع بداية الموسم السياسي نقاشا قويا، فقط، داخل المؤسسة التشريعية؛ بل امتد إلى خارجها مع خيارات قررتها هيئات الفئات المهنية المذكورة للخروج إلى الشارع، آخرها كان من أطباء القطاع الخاص، الذين نددوا، الاثنين 21 نونبر الجاري، أمام مقر البرلمان بالرباط بما أقرته السلطة التنفيذية، مطالبين بـ”العدالة الضريبية، وبفتح حوار عاجل من أجل إيجاد حلول لملفهم المطلبي”.

وبينما تستمر إضرابات المحامين عن العمل، منذ بداية تصعيدهم مطلع نونبر الجاري، مع دخول بعض هيئاتهم الجهوية في أشكال احتجاجية ذهبت حد “مقاطعة الجلسات”، تتشبث الحكومة بالوصول إلى “حل وسط” بعدما تم فتح قنوات للحوار والاتصال عبر فرق برلمانية بالغرفتين وممثليهم.

وفي سياق متصل بهذا النقاش، كان الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية قد كشف في لجنة المالية بمجلس المستشارين أن “90 في المائة من المحامين الذين يساهمون في دفع الضرائب يؤدون أقل من 10 آلاف درهم سنويا؛ في حين تبلغ المساهمة الإجمالية للمحامين في الضريبة ما مجموعه 111 مليون درهم سنويا”.

ولا تخفي الحكومة الحالية رغبتها في تفعيل الإصلاح الضريبي عبر قرارات جبائية متعددة، تم إقرارها ضمن توصيات المناظرة الوطنية للجبايات بأكادير عام 2019؛ مما يطرح تساؤلات بخصوص هذه الإجراءات الضريبية الجديدة الهادفة إلى تحقيق بعض مضامين الإصلاح قصد بلوغ “عدالة جبائية” حقيقية.

“تحمُّل التكاليف العمومية قدر الاستطاعة”

في هذا الإطار، اعتبر عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن “الاقتطاع يظل وسيلة من وسائل التحقيق التدريجي للعدالة الضريبية المنشودة”، إلا أنها في الأساس تكون “موجّهة لاستهداف المداخيل الضريبية والإيرادات المتأتية من رواتب فئات الأجراء”.

وأضاف الهيري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن النقاش الحالي يجب أن يظل في شموليته مستندا على مقتضيات مهمة جاء بها “القانون الإطار رقم 19-69 المتعلق بالإصلاح الجبائي بعد مناظرة وطنية”، مبرزا أنه نص على مساهمة الجميع في تحمل التكاليف العمومية، كلٌّ قدر استطاعته، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، واستحضر أن “التكاليف يتم تمويلها من العائدات الجبائية كما هو معلوم”.

وذكّر الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد بأن “أبرز مخرجات المناظرة الوطنية للجبايات 2019 هي وضع نظام جبائي فعال وعادل ومتوازن ومنصف”، لافتا إلى أنها أقرت ذلك لكون “العائدات الجبائية تشكل ركيزة أساسية من أجل تمويل الاقتصاد الوطني”.

وأكد أن “عائدات الضريبة على الدخل يتحملها أساسا الأجراء وموظفو القطاع العام، بما يناهز 76 في المائة من مجموعها حسب ما توقعه مشروع مالية 2023″، مقابل 3,9 في المائة فقط يتحملها المهنيون”، مشيرا إلى أن الطريق إلى تقريب الهوة الضريبية وتحقيق العدالة الجبائية يمر ضرورة عبر “توسيع الوعاء الضريبي مما سيمكن من التخفيف من العبء الضريبي على هذه الشرائح والمساهمة في النمو الاقتصادي والرفع من العائدات الجبائية”.

“العدالة الجبائية” وطرق التحصيل

من جانبه، ذهب المهدي الفقير، خبير محاسباتي ومحلل مالي، إلى أن النقاش الراهن يجب أن يؤخذ في سياقات تقنية محضة تضعه في موضعه الصحيح، كي لا يخضع للمزايدات أو يكون محط مغالطات، مشيرا إلى أنه من الناحية المبدئية، فإن “الاقتطاع من المنبع هو نوع من الضرائب التي تدخل في خانة الضرائب المستحقة للدولة”.

وأكد الفقير، في تصريح لهسبريس، أن “اقتطاعات 20 في المائة من رقم المعاملات المطروحة حاليا على بعض الفئات المهنية، يجب احتسابها في الأصل على هامش الأرباح المحققة”، قبل أن يتساءل حول “استرداد الفرق من الضريبة في آجال معقولة، وهو ما يطرح إشكاليات عملية في الممارسة والتنزيل”.

واعتبر الفقير أن ما أتى به قانون مالية 2023 من حيث الإجراءات الضريبية “يظل عموما في حدود العادي والمعقول بـ10 في المائة كنسبة ضريبة على الأشخاص الذاتيين و5 في المائة للمعنويين”، وخلص إلى أن “مقتضى التحصيل الضريبي وطرق التحصيل، لاسيما عبر التسبيق أو التحصيل من المصدر، يجعل من السابق لأوانه الحديث عن عدالة جبائية حقيقية؛ إذ نظل بعيدين عنها لأنها تتطلب أولا توسعة الوعاء الضريبي وتوضيح طرق التحصيل بدقة”.

#المستجدات #الضريبية #في #مشروع #قانون #المالية #تبعث #المطالبة #بـالعدالة #الجبائية

زر الذهاب إلى الأعلى