المسؤولية الجنائية في حوادث السير

كركري أحمد 
 المسؤولية الجنائية في حوادث السير ..
المسؤولية الجنائية في حوادث السير

المسؤولية الجنائية في حوادث السير

المسؤولية الجنائية في حوادث السير بقلم

الأستاذ كركري أحمد

   تقديم :

    أمست حوادث السير آفة من آفات العصر الحديث، ومُسببا هاما ورئيسيا للوفيات عبر ربوع العالم. حيث يكفي أن نلقي نظرة على التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية حتى تتضح الصورة، فقد عبرت هذه الأخيرة عن قلقها وتوجسها من ارتفاع ضحايا حوادث السير خاصة في دول العالم الثالث.

   فخطر الوفاة بحادث مروري في مثل هذه الدول هو أكثر بثلاث مرات من الدول الغنية، حيث أن القارة الإفريقية تحتل الريادة العالمية في حوادث السير القاتلة (26.6 وفاة لكل 100 ألف نسمة) في حين تسجل بأوروبا نسب متدنية مقارنة بإفريقيا ( 9.3 لكل 100 ألف نسمة).

   كما أشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي الصادر سنة 2018 إلى أن حوادث السير أصبحت السبب الرئيسي لوفيات الاطفال والشباب ما بين سن 25 و 29 سنة، مع تحديد إجمالي ضحايا حوادث السير عبر العالم في 1.35 مليون قتيل سنويا.

*********

   هي أرقام مهولة ومرعبة تقتضي منا التأمل والتأني في قراءتها حتى نتعظ ونتخذ كافة التدابير والسبل المثلى لحماية أنفسنا ومحيطنا الاجتماعي من هذه الآفة الخطيرة. فالمغرب بدوره عانى ولا زال يعاني منذ سنوات من حرب الطرق فالإحصائيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير تؤكد مدى بشاعة الوضع الذي أصبحت تعيشه طرقنا وهذا مرده لانعدام الوعي والمسؤولية لدى فئة عريضة من السائقين فالأرقام أكدت على أن عدد ضحايا حرب الطرق بالمغرب يناهز الأربعة الاف ضحية سنويا دون إغفال عدد الجرحى والمعطوبين المرتفع الذي تخلفه هذه الحرب.

   وبناءً على هذه المعطيات و الاحصائيات السالفة الذكر كان لازما على المشرع المغربي التدخل من أجل إيجاد ترسانة قانونية قوية تحمي مستعملي الطرق من بطش معدومي الضمير, فتم العمل على صياغة مدونة حديثة للسير على الطريق حيث دخلت حيز التطبيق بتاريخ 11 فبراير 2010 لتعتبر انطلاقة قانونية حقيقية نحو تنظيم و تقنين مجال السير من الناحية التنظيمية و كذلك من أجل ضبط المخالفين و معاقبتهم قانونيا بعقوبات مادية أو عقوبات سالبة للحرية في حالة قيام المسؤولية الجنائية, ومن خلال هذا الموضوع سوف نتطرق للحديث عن المسؤولية الجنائية في حوادث السير في ظل مدونة السير.

    استنادا على ماورد يتبادر الى الذهن عدة إشكاليات حول هذا الموضوع أبرزها يتجلى في ماهية الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية في حوادث السير؟ وأين تتمحور المسؤولية الجنائية للسائق؟

  للجواب على هذه الاسئلة بشكل مختصر ومفيد سوف نقسم هذا الموضوع إلى محورين هامين وهما كالاتي :

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية في حوادث السير

الفقرة الثانية: المسؤولية الجنائية للسائق.

الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية في حوادث السير

    رغم أن وضع التعاريف هو اختصاص فقهي محظ إلا أن طبيعة الموضوع المناقش يقتضي منا وضع تعريف مبسط لمفهوم المسؤولية الجنائية وذلك حتى تتضح الصورة للقارئ، إذ يمكن تعريف المسؤولية الجنائية بأنها أهلية الشخص لأن يتحمل نتائج أفعاله ويُحاسب عليها طبقا للقانون متى اكتمل تميزه وإدراكه للأفعال المنسوبة إليه.

   وهذا ما أكده المشرع من خلال المادة 132 من القانون الجنائي المغربي حيث تم النص على أن: ((كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها والجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها. ومحاولات الجنايات ومحاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة للعقاب عليها، ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك)).

    فالمشرع الجنائي كان واضحا من خلال هذه المادة وذلك بتحديده لموجبات المسؤولية الجنائية بالنص صراحة على انعقادها متى كان الشخص سليم العقل ومكتمل التمييز ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا من صرح القانون بسقوط أو انعدام مناط التمييز لديه. كما أن مدونة السير جاءت بدورها لتؤكد شق المسؤولية الجنائية في حوادث السير من خلال المادة 140 والتي جاء فيها: ((يكون كل سائق مسؤولا جنائيا عما يرتكبه من مخالفات لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه)).

   فمن خلال استقراء المادة 132 من القانون الجنائي ونصوص مدونة السير على الطرق في شق العقوبات المطبقة على المخالفين، يُلاحظ على أن المسؤولية الجنائية       تقع على كل من أحدث أو ساهم في إحداث ضرر وذلك بخرقه لقواعد قانون السير كما أن مدونة السير جعلت من الشمولية في تنزيل أحكامها مبدأ أساسي لا حياد عنه. كما أكدت على أن السائق تقع على عاتقه المسؤولية الجنائية عما يرتكبه من أضرار أثناء سياقته للعربة أو المركبة أو الحيوان متى كانت نابعة عنه سواء بإهماله المتعمد أو غير المتعمد، وهذا ما سنتعرض له في المبحث الثاني.

إٌقرأ أيضا : الخبرة القضائية في المواد المدنية والجنائية

1 2الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى