الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد في ضوء القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك

الحماية المدنية للمستهلك

لحسن عسني باحث في ماستر قانون

المنازعات الرشيدية

الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد   في ضوء القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك

الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد   في ضوء القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك

مقدمة:             

   أمام التطور الذي يشهده العالم على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والتكنولوجي وظهور منتجات وسلع متطورة تتميز بتعقيدها مما قد يشكل خطرا على أمن وصحة مستعمليها، ونظرا لاعتبار المستهلك هو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية كان لزاما على الدول بما لها من صلاحية التدخل من أجل وضع قيود على الطرف القوي والمتمثل بطبيعة الحال في المورد أو المهني بما له من قوة اقتصادية ومعرفية وتقنية… وحماية الطرف الضعيف أي المستهلك .

   من هنا فالمستهلك بات في حاجة ماسة إلى وعي قانوني وصحي وثقافي وتربوي واجتماعي، وهو ما جعل أغلب التشريعات تولي أهمية كبيرة لحماية المستهلك، وتتجلى أوجه هذه الحماية على المستوى الدولي فيما اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أحد قراراتها سنة 1985، وذلك من خلال المبادئ التوجيهية لحماية المستهلك تم إجمالها في ثمانية مبادئ: الحق في السلامة والصحة، الحق في الإعلام، الحق في الإختيار، الحق في أن يسمع له، الحق في إشباع حاجياته الأساسية، الحق في الإنصاف والتعويض، الحق في التعليم والتثقيف، والحق في بيئة صحية، أما على الصعيد الوطني فإن حماية المستهلك بالمفهوم الجديد لم تظهر إلا من خلال القانون 31.08[1]، وقد عرف هذا الأخير المستهلك في المادة الثانية ” يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته المهنية منتوجات أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي والعائلي”، كما نجد أن ظهير الإلتزامات والعقود[2] كرس فيه حماية للمستهلك لكن بطريقة غير مباشرة إذ نجده لا يشير إلى مفهوم المستهلك بمفهومه المعاصر وإنما يشير إلى بعض المفاهيم من قبيل المشتري المتعاقد…، بالإضافة إلى بعض النصوص التي بدأت تستحضر هذا المفهوم ويتعلق الأمر بكل من القانون المتعلق بزجر الغش في البضائع رقم [3]13.83، والقانون رقم [4]17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، والقانون رقم  28.07[5] المتعلق بالسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، والقانون رقم 104.12[6] المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة…، وتعود البداية الفعلية لتكريس حماية للمستهلك للخطاب الذي قدمه الرئيس الأمريكي جون كيندي أمام الكونغريس الأمريكي في 15 مارس 1962 أطر فيه الحقوق الأساسية الأربعة للمستهلك، والتي أطلق عليها لاحقا شرعة حقوق المستهلك، وقامت الأمم المتحدة بتوسيعها إلى ثمانية حقوق كما سلف الذكر أعلاه، وقد تم الإعتراف بيوم 15 مارس من كل سنة كيوم عالمي لحقوق المستهلك.

   من خلال ما سبق تكمن أهمية الموضوع الذي بين أيدينا في أهمية علمية وعملية، بالنسبة للأولى فإنها تتمثل في مختلف النصوص القانونية التي خصصها المشرع لحماية المستهلك من تنظيم و جزاءات مدنية، أما الثانية فتتمثل في تكريس وعي قانوني للمستهلك وذلك من خلال معرفته بحقوقه وذلك من خلال  المنتوجات والسلع التي يقوم باقتنائها.

تبعا لذلك فإن هذا الموضوع  يطرح إشكالية محورية مفادها:

   إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تكريس حماية مدنية قبلية فعالة للمستهلك تماشيا والتطور الذي يعرفه مجال الإستهلاك ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية يمكن اعتماد التصميم التالي:

المطلب الأول: تجليات الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد 

المطلب الثاني: محدودية الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد

المطلب الأول: تجليات الحماية المدنية للمتسهلك قبل إبرام العقد

    تعتبر حماية المستهلك من بين الأهداف التي سعى المشرع المغربي إلى تكريسها في القانون 31.08، ويتجلى ذللك من خلال القواعد التي أفردها له، وتنقسم الحماية التي ابتغاها المشرع إلى حماية مدنية وجنائية  في مرحلة قبل إبرام العقد، وما يهمنا في هذه الدراسة هو بطبيعة الحال الحماية المدنية، بناءا على ذلك فإنه سيتم تخصيص هذا المطلب للحديث عن الحماية المدنية للمستهلك خلال مرحلة التفاوض (الفقرة الأولى)، على أن يتم تخصيص (الفقرة الثانية) للحديث عن حماية المستهلك خلال مرحلة إبرام العقد .  

الفقرة الأولى: حماية المستهلك خلال مرحلة التفاوض

   للحديث عن هذه الفقرة فإنه سيتم الإشارة (أولا) إلى الحق في الإعلام على أن يتم الإشارة (ثانيا) إلى الحماية من الإشهار.  

أولا: الحق في الإعلام

   تعتبر حماية المستهلك خلال مرحلة التفاوض ذات أهمية كبيرة على مستوى التعاقد إذ تشكل نقطة انطلاق لهذه العلاقة حيث أن كل من المورد والمستهلك  يعرض وجهة نظره على الآخر إلى أن يتم الوصول لتوافق بالتالي قيام العقد، ومن أجل سير هذه العلاقة بشكل سليم فإن المشرع من خلال القانون 31.08 أفرد مجموعة من الضوابط التي يجب على الأطراف احترامها خاصة المهني باعتباره طرفا قويا[7] في العلاقة التعاقدية، ومن أبرز مظاهر هذه الحماية نجد كل من الحق في الإعلام، بالنسبة لهذا الأخير فإننا نجد أن المشرع نظمه من خلال القسم الثاني من القانون خاصة على مستوى  الباب الأول المعنون بالالتزام بالحق في الإعلام، على الرغم من أن بوادر هذه الحماية انطلقت من دباجة هذا القانون، الملاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف الحق في الإعلام وترك مسألة التعريف إلى كل من القضاء والفقه، وعرفه هذا الأخير من خلال الأستاذ بوعبيد عباسي بأنه” الإلتزام الذي يفرض على أحد المتعاقدين، أي المدين إعلام المتعاقد الآخر أي الدائن بكافة الوقائع والمعلومات التي تكون منتجة ولازمة لتكوين رضا حر…”[8] بالإضافة إلى أن مفهوم الإلتزام بالإعلام لغة حسب ما ذهب إليه الأستاذ عبد القادر العرعاري أنه الإخبار والإخطار بواقع معين حتى يكون الطرف الأخر على بينة من أمره[9]، وقد أشار المشرع إلى الإلتزام بالإعلام من خلال المادة الثالثة وأكد على أنه ” يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملاءمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال…”[10]

    من خلال ما سبق يمكن القول على أن الإعلام إلتزام جعله المشرع المغربي على عاتق المورد لمصلحة المستهلك، ولعل الغاية منه هو محاولة جعل هذا الأخير يضطلع بالبيانات والمعلومات الجوهرية للمنتوج أو السلعة التي تكون محل التعاقد.

 كما أن الإعلام يتميز بمجموعة من الشروط لعل أبرزها الملاءمة والوضوح كما جاءت به المادة الأولى من القانون السالف الذكر، وكذا خاصية العمومية والصدق في تقديم المعلومات المتعلقة بالمنتوج، كما أنه لقيام الإلتزام بالإعلام لا بد من شروط أهمها علم المهني بالمعلومات التي تكون في المنتوج ولقد استقر القضاء الفرنسي على أن المدين الذي يجهل المعلومات المرتبطة بالمنتوج جهلا غير مشروعا يعتبر كأنه يعلمها فيبقى مسؤولا عن نقلها للدائن لأنه يتعين عليه الإستعلام عنها، أما الشرط الثاني فيتمثل في جهل المستهلك بهذه المعلومات جهلا مشروعا[11]، وفي حالة عدم احترام المورد للمقتضيات المتعلقة بإعلام المستهلك فإنه أمكن لهذا الأخير الحق في فسخ الإلتزام دون اللجوء إلى القضاء وهو ما نصت عليه المادة 13[12] من القانون 31.08، ويمارس المستهلك الحق المذكور داخل أجل أقصاه 5 أيام بعد انصرام أجل 7 أيام المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 13، ويعتبر الإلتزام المذكور مفسوخا بمجرد توصل المورد بالإشعار الموجه إليه، ويجب على المورد حسب مفهوم المادة 14 أن يرد المبالغ المسبقة من لدن المستهلك داخل أجل لا يتجاوز 7 أيام ابتداء من تسلم الإشعار المذكور[13].

ثانيا: حماية المستهلك من الإشهار

   بالإضافة إلى الحماية المدنية للمستهلك من الحق في الإعلام فإنه كرس كذلك نفس الحماية فيما يتعلق بالإشهار، هذا الأخير يعتبر من بين الأساليب الفنية الدعائية التي يستخدمها المورد من أجل التأثير على جمهور المستهلكين، وتعد الإشهارات التجارية أهم وسائل التعريف بالمنتجات أو السلع أو الخدمات المعروضة في السوق، كما تعتبر من بين مظاهر المنافسة المشروعة وعاملا من عوامل التسويق والترويج للسلع والمنتوجات، بالرجوع إلى المادة 21[14] من القانون 31.08 فإنها تنص على أنه يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال ادعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا، كما يمنع كل إشهار من أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه، وأضافت المادة 22[15] من نفس القانون على أنه يعتبر إشهارا مقارنا، ” كل إشهار يقارن بين خصائص أو أسعار أو تعريفات السلع أو المنتوجات أو الخدمات إما بالإشارة إلى علامة الصنع  أو التجارة أو الخدمة الخاصة بالغير…”،

إقرأ أيضا : الاليات القانونية لحماية صحة المستهلك – دراسة مقارنة

من خلال النصوص السابقة فإن المشرع المغربي تطرق لحماية المستهلك من الإشهار وميز بين الإشهار الكاذب والمضلل والمقارن على الرغم من أنه لم يفرد لأحدهما تعريفا في هذا الصدد على اعتبار أن مسألة تعريف أي مفهوم تترك في غالب الأحيان للفقه والقضاء وذلك نظرا للتغيير الذي قد يقع على القوانين، ونظرا للحمولة التي يحملها الإشهار سواء المضلل والمقارن والكاذب، فإنه قد يحدث أن يؤثر على رضا المستهلك واختياراته للمنتوجات والسلع بالتالي تكون إرادته معيبة ويتعين بذلك اللجوء إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود المغربي وذلك لإبطال العقد مع الحصول على تعويض في حالة الضرر، ويعتبر الغلط والتدليس والإكراه… من بين عيوب الإرادة التي قد تؤثر على المستهلك من خلال الإشهار الذي يقوم به المورد من أجل محاولة إقناع إن صح القول أكبر عدد من الجمهور للتعاقد، بالتالي فإنه يمكن للمستهلك التمسك بهذه النظرية من أجل إبطال جميع التصرفات المعيبة لإرادته، وفي هذا الصدد قضت محكمة إستئناف فرساي بفرنسا في قرارها الصادر بتاريخ 17 ماي 1978 بإدانة صانع لنوع من أنواع بودرة الفواكه عن ماركة tang ” ” لأنه ترك انطباعا لدى الجمهور أن البودرة تحتوي في محتوياتها على عصير البرتقال الطبيعي والحقيقة أنها تحتوي فقط على طعم ورائحة البرتقال الطبيعي، حيث اعتبرت أن الإشهار الخاص به جاء غامضا وأنه يهدف إلى إيقاع المستهلك في الغلط[16].

الفقرة الثانية: حماية المستهلك  في مرحلة إبرام العقد

   إن مواجهة الشروط التعسفية تمثل حماية للمستهلك واختياراته ورغباته وهي في نفس الوقت حماية للحياة التجارية والإقتصادية برمتها على اعتبار أن المستهلك طرفا رئيسيا في العلاقة التعاقدية[17]، وعيا من المشرع المغربي بخطورة الشروط التعسفية ومدى مساسها بمصالح المستهلك فإنه أفرد له تنظيم داخل القانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك ولقد عنون المشرع القسم الثالث من القانون بحماية المستهلك من الشروط التعسفية، وقام بتعريف الشرط التعسفي على أنه “يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين الحقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”، وفي تعريف آخر فإنه يعتبر بأنه ” الشرط الذي يترتب عليه الإضرار بالمستهلك بسبب عدم التوازن الواضح بين حقوق والتزامات كل من المهني والمستهلك والمترتبة على عقد الإستهلاك”[18]، من خلال ما سبق يمكن القول على أن الشرط التعسفي هو ذلك الشرط الذي يفرضه المورد على المستهلك من أجل التعاقد، من خلال التعريف الذي قدمه المشرع المغربي في المادة 15 فإنه يمكن تحديد معايير الشرط التعسفي في عنصرين، الأول يتمثل في التعسف في استعمال القوة الإقتصادية من طرف المهني، وهي سلطة اكتسبها من خلال تفوقه في السوق وفرض قوته الإقتصادية، بالإضافة إلى الاختلال الكبير في التوازن بين طرفي العقد كعنصر ثاني[19]، ويتمثل هذا الشرط من خلال تحديد المشرع بأنه ذلك الاختلال الكبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد أي المورد والمهني، خلافا للقاعدة المشهورة في الفكر القانوني فإن المشرع ألقى عبء الإثبات على المورد حتى لو كان مدعى عليه وهو ما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من  المادة 18 بأنه في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا يجب على المورد الإدلاء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع، وقد أحسن المشرع فعلا حينما قلب عبء الإثبات لصالح المورد خاصة عندما يكون مدعى عليه، كما أن المشرع نص من خلال المادة 19 من القانون 31.08 على جزاء العقد المختل بأنه” يعتبر باطلا ولاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد والمستهلك”، وهو ما درج عليه القضاء المغربي حيث جاء  في حكم رقم 3327 بالمحكمة التجارية مراكش” بالرجوع إلى مقتضيات البند 4 من العقد الرابط بين الطرفين فقد تمت الإشارة فيه إلى أن دين البنك يصبح مستحقا في حالات معينة منها حالة توقف المقترض عن الإنتماء إلى مستخدمي البنك المقرض، وأن المادة 15 من قانون حماية المستهلك تنص على أنه يعتبر شرطا تعسفيا  في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك، واستنادا إلى ما تم بسطه أعلاه يتبين أن الشرط الوارد في البند أعلاه هو شرط تعسفي بالتالي فهو يعتبر باطلا و لاغيا عملا بمقتضيات المادة 19 من قانون حماية المستهلك، و يكون تبعا لذلك طلب المدعي الرامي إلى الحكم على المدعى عليه بأدائه له كامل مبلغ القرض استنادا إلى ذات الشرط غير قائم على أساس و يستقيم التصريح برفضه “[20].

المطلب الثاني: محدودية الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد

   بعد أن تم الحديث عن الحماية المدنية للمستهلك من طرف المشرع في الشق الأول، فإنه لابد من الإشارة كذلك إلى أوجه قصور هذه الحماية وبتعبير أدق محدودية هذه الحماية، تبعا لذلك فإنه في هذا المطلب سأحاول إبراز أوجه محدودية حماية المشرع المغربي للمستهلك قبل إبرام العقد، وذلك بالإشارة في الفقرة الأولى للمحدودية في مرحلة التفاوض على أن يتم الحديث في الفقرة الثانية عن المحدودية في مرحلة إبرام العقد.

الفقرة الأولى: محدودية الحماية خلال مرحلة التفاوض

     للحديث عن هذه الفقرة فإنه سيتم الإشارة (أولا) إلى محدودية الحماية في الحق بالإعلام، على أن يتم الإشارة (ثانيا) إلى محدودية الحماية من الإشهار.

أولا:  الحق في الإعلام

  أول نقطة يمكن تسجيلها في هذا الصدد فيما يتعلق بالمحدودية على مستوى الحق في الإعلام كما هو مبين في الباب الأول من القسم الثاني المعنون بالإلتزام العام بالإعلام، هو أن المشرع لم يعرف ” الإعلام ” ولم يبين  المقصود به على خلاف توجهه في القسم الثالث خاصة المادة 15 حيث نجده أفرد تعريف لمفهوم الشرط التعسفي، نفس الشيء فيما يتعلق بإعطائه تعريف لمفهوم الإشهار خاصة المقارن في المادة 22 من قانون حماية المستهلك، على الرغم من أن مسألة التعاريف غالبا ما تكون من صميم الفقه والقضاء كما سبق الإشارة إلى ذلك، مسألة أخرى وهي أن المشرع لم يجعل الأحكام المتعلقة بالحق في الإعلام من النظام العام على خلاف ما سار عليه كذلك على مستوى باقي الأقسام التي جعلها من النظام العام خاصة القسم الثالث المتعلق بالحماية من الشروط التعسفية، وكذا الباب الثالث من القسم الرابع المتعلق بالبيع خارج المحلات التجارية حسب مضمون المادة [21]52، نفس الشيء بالنسبة للقسم السادس المعنون بالإستدانة، بالتالي فإن المشرع عليه توحيد الأحكام المتعلقة بالنظام العام في جميع الأقسام وعدم الإقتصار عليه في أقسام دون أخرى، كما أن من بين خصائص الإعلام هو الملاءمة،

وحتى يكون الإلتزام بالإعلام ملائما يجب أن ينصب على المعلومات الجوهرية المؤثرة التي تحدث تأثير لدى المستهلك حتى يتمكن من التعاقد ورضاؤه حرا مستنيرا، كما يقتضي الإعلام الملائم أن يستعين المهني في إدلائه بالمعلومات للمستهلك بألفاظ بسيطة ولغة سهلة حتى يتمكن من فهمها وإدراك محتواها بالتالي الإبتعاد على الأسلوب المركب والمعقد[22]، مسألة أخرى وهي اللغة التي تكون في المنتوجات والسلع الموجهة للإستهلاك يلاحظ أن اللغة في معظم الأحيان تكون باللغة الفرنسية وهو ما يتعارض مع مضمون الفصل [23]5 من دستور 2011 الذي ينص على أن اللغة الرسمية للدولة هي العربية والأمازيغية، ومن أجل أن يكون الإعلام هادف وملائم لابد من الإشارة إلى اللغات الرسمية في مضمون السلع والمنتوجات.

اٌرأ أيضا : بحث قانوني حول الأمن القضائي وفض نزاعات الاستهلاك أمام القضاء

ثانيا: الإشهار

   كما سبق الإشارة فإن الإشهار يعتبر بأنه تلك الوسيلة التي يجأ إليها المورد من أجل التعريف بمنتوجاته وجلب أكبر عدد ممكن من المستهلكين من أجل التعاقد معهم، والإشهار بطبيعة الحال من بين مظاهر المنافسة المشروعة في الميدان الإقتصادي، وبالرجوع إلى أوجه الحماية التي خصصه المشرع لهذا النظام نسجل مظاهر قوة وأوجه قصور، بالنسبة لهذه الأخيرة والتي تعتبر محل الحديث في هذه النقطة هو أن المشرع من خلال القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك لم يعطي تعريف لمفهوم الإشهار على خلاف بعض المفاهيم كما سبق الإشارة إلى ذلك في النقط السابقة على الرغم من أن المشرع أعطى تعريف للإشهار المقارن في المادة [24]22، كذلك لم يعطي تعريف للإشهار الكاذب و الإشهار المضلل، وهي مسألة من شأنها أن تؤدي إلى عدم التمييز بين المفهومين على الرغم من أنه خصصهما بنفس الجزاء سواء المدني والجنائي، وكما سبق الإشارة فإن الكذب والتضليل والمقارنة تعتبر من بين أهم الوسائل التي تؤدي إلى إلحاق ضرر بالمستهلك في المرحلة السابقة للتعاقد، فإذا كانت دعوى إبطال العقد والحصول على تعويض كنتيجة لوقوع المستهلك في الغلط من جراء الإشهار الكاذب أو المضلل أو المقارن و وسيلة حمائية فإنها رغم ذلك تبقى وسيلة قليلة الأهمية نظرا للتشدد المبالغ فيه للتمسك بعيب الغلط، حيث جعل من شروط رفع دعوى الإبطال اتصال الغلط بعناصر محددة إما في ذات الشيء أو نوعه أو في صفة جوهرية فيه وتكون هي الدافعة للتعاقد، وهذا ما يؤدي إلى عدم فعاليتها خصوصا أمام عقود غير متوازنة كعقود الإستهلاك.

الفقرة الثانية: محدودية الحماية خلال مرحلة إبرام العقد

   من بين أهم مظاهر محدودية حماية المستهلك في مرحلة إبرام العقد تلك المرتبطة بالأساس بالشروط التعسفية، ويتمثل ذلك من خلال التعريف الذي أعطاه المشرع للشرط التعسفي” يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين الحقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”، من الملاحظات التي يمكن إبدائها على النص هو أن المشرع تحدث عن الشرط التعسفي بأنه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد، السؤال الذي يطرح هنا هو ما محل الاختلال البسيط من هذه القاعدة، بمفهوم المخالفة لنص المادة 15 فإن الاختلال البسيط لا يعتبر شرطا تعسفيا، كما أن الصياغة التي جاءت بها المادة أعلاه تفتح المجال للسلطة التقديرية للقاضي من أجل إعادة التوازن للعقد مراعيا بذلك ما نصت عليه المادة 16 التي تنص على أن ” يقدر الطابع التعسفي لشرط من الشروط

إقرأ أيضا : الإفراغ للاحتياج في عقد الكراء المدني

بالرجوع وقت إبرام العقد إلى جميع الظروف المحيطة بإبرامه وإلى جميع الشروط الأخرى الواردة في العقد. ويقدر كذلك بالنظر إلى الشروط الواردة في عقد آخر عندما يكون إبرام أو تنفيذ العقدين المذكورين مرتبطين بعضهما ببعض من الوجهة القانونية”، والقضاء باعتباره مؤسسة تتدخل من أجل حماية حقوق المواطنين بشكل عام والمستهلك بشكل خاص فإنه ظل إلى عهد قريب متمسكا باحترام المبادئ التقليدية التي كرستها النظريات المساندة لحرية التعاقد في إطار مبدأ سلطان الإرادة، إلا أن معظم التشريعات أصبحت تميل إلى التخفيف من هذا الأساس ومكنت القضاء من التدخل الإيجابي لتحقيق التوازن العقدي[25]، كلما تطلب الأمر ذلك خصوصا عندما يكون شرط تعسفي من طرف المورد باعتباره طرفا قويا في العلاقة التعاقدية، حتى أنه يجوز للمحكمة إثارة الدفع بالبطلان من تلقاء نفسها وذلك لاعتبار القسم الثالث من القانون 31.08 من النظام العام.

خاتمة:

   من خلال ما سبق فإن المستهلك يعتبر فاعل رئيسي في العلاقة الإقتصادية، ولأن حمايته واجبة فإن التشريعات تدخلت من أجل وضع أسس وضوابط قانونية من أجل حمايته من المورد أو المهني، هذا الأخير يتميز بقوة اقتصادية ومعرفية وفنية وتقنية، بالتالي كان من اللازم التدخل من طرف المشرع المغربي وهو ما يظهر بشكل جلي من خلال مقتضيات القانون 31.08، لكن مع هذا التنظيم خاصة ما يتعلق بالحماية المدنية نجده يعاني من قصور ومحدودية في بعض المقتضيات.

ومن أجل تجاوز أهم النقائص في هذا القانون خاصة ما يتعلق بموضوعنا هذا نقترح ما يلي :

  • جعل جميع المقتضيات المتعلقة بحماية المستهلك من النظام العام؛
  • وضع تعريف لمؤسسة الإعلام؛
  • محاولة إعطاء تعريف لكل من الإشهار، وكذا الإشهار الكاذب و المضلل و ذلك من أجل التمييز وتفادي الخلط بينهما؛
  • ضرورة الإشارة كذلك إلى الاختلال البسيط كشرط تعسفي؛
  • التسريع في تنزيل مدونة جديدة شاملة لجميع المقتضيات المتعلقة بحماية

المستهلك.

                                                                         الله ولي التوفيق

فهرس المحتويات


[1] – ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432(18 فبراير 2011)، بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، الجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1432 (7 أبريل 2011)، ص 1072.

[2] – ظهير شريف صادر في 9 رمضان 1331 (الصادر في 12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 46 شتنبر 1993، ص 78.

[3]– ظهير شريف رقم 1.83.103 صادر في 9 محرم 1405 ( 5 اكتوبر 1984) بتنفيذ القانون رقم  13.83  المتعلق بالزجر عن البضائع، منشور في الجرية الرسمية  عدد 3777 بتاريخ 27 .جمادى الأخرة 1405 ( 20 مارس 1985) ص 395.

[4] ظهير شريف رقم 1.02.238 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر2002) بتنفيذ القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، الجريدة الرسمية عدد 5054 الصادرة بتاريخ 2 رمضان 1423 (7 نوفمبر 2002) ص 3105.

[5] – ظهير شريف رقم 1.10.08 صادر في 26 من صفر 1431 (11 فبراير 2010) بتنفيذ القانون رقم 28.07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5822 – فاتح ربيع الأخر 1431 ( 18 مارس 2010).

[6] –  ظهير شريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو2014) بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6276 الصادرة بتاريخ 26 رمضان 1435 (24 يوليو 2014) ص 6077.

[7] – تتجلى قوة المهني في القوة الإقتصادية التي يمتلكها، وترجع هاته المكانة لكونه يتوفر على مجمل العناصر التي تجعل منه طرفا قويا، سواء الفنية أو التقنية.

[8] – بوعبيد عباسي، الإلتزام بالإعلام في العقود دراسة في حماية المتعاقد والمستهلك، الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2008 ص 34.

[9] – عبدالقادر العرعاري، نظرية العقد – دراسة مقارنة على ضوء التعديلات الجديدة الواردة في القانون 31.08و القانون 53.05 والقانون 24.09، الطبعة الثالثة، مطبعة دار الأمان الرباط، 2014، ص 183.

[10] – المادة 3 من القانون 31.08.  

[11] – هاجر فوزي، القواعد العامة للعقود الإستهلاكية في ضوء القانون رقم31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، مراكش، 2014- 20015، ص 54-55.

[12] – أنظر المادة 13 من القانون 31.08.

[13] – انظر المادة 14 من القانون 31.08 أاههغ66

[14] – أنظر المادة 21 من نفس القانون.

[15] – أنظر المادة 22 من نفس القانون.                    

[16]–   versail, 17 may 1978 G.P 1978 .11 not clavo crim 13 mars  1979 B.crim n 104 ,104 p 292.حكم أوردته هاجر فوزي مرجع سابق ص 25.

[17] – قادري هنية، حماية المستهلك بين القواعد العامة والقواعد المتخصصة، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، جامعة 8 ماي 1945 قالمة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2015/2016، ص 25.

[18] – سليمان المقداد، مركز الإرادة في العقود، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، 2017، ص 264.

[19] – إدريس الفاخوري، حماية المستهلك من الشروط التعسفية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإقتصاد والقانون، العدد الثالث يونيو 2001، ص 70.

[20]–  المحكمة التجارية مراكش حكم رقم 3327 بتاريخ 25/12/2017 ملف عدد 2442/8210/2017 غير منشور.

[21] – تنص المادة 52 على أن ” تعتبر أحكام هذا الباب من النظام العام”

[22] – هاجر فوزي، مرجع سابق، ص 51.

[23] – ” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة،.

      وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.

     تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”

[24] – انظر الفقرة الأولى من  المادة 22 من القانون 31.08.

[25] – عبدالقادر العرعاري، مرجع سابق،  ص 210.

الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد في ضوء القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك الحماية المدنية للمستهلك قبل إبرام العقد في ضوء القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك

زر الذهاب إلى الأعلى