التحرش المعنوي المرتبط بالعمل

التحرش المعنوي المرتبط بالعمل

التحرش المعنوي المرتبط بالعمل

من اعداد الطالب الباحث بسلك الدكتوراه كريم احليحل بجامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

التحرش المعنوي المرتبط بالعمل

مقدمة :

يعتبر حق الشغل من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان طيلة حياته ، ويأتي هذا الحق مباشرة بعد الحق في الحياة نظرا لأهميته القصوى ، لذا قامت جل التشريعات بتأطيره بقواعد قانونية ملزمة ومقتضيات لا يمكن الاتفاق على مخالفتها ، كما أن العمل عنصر هام وفعال في عملية الإنتاج ، بل من هذا أنه بدون عمل الإنسان تقف عجلة الإنتاج[1] ، ونظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها حق الشغل ، عملت معظم الدول على توفير الجو الملائم لممارسة هذا الحق ، وذلك عن طريق إنشاء مجموعة من المعامل والمصانع ، وكذا إحداث المقاولات ، باعتبارها مكانا يتوافد عليها العديد من الأجراء ، وبالتالي فلا يجادل أحد فيما قد تعرفه هذه المقاولات من ممارسات وتصرفات لا أخلاقية ، وذلك راجع إلى احتكاك الأجراء مع المشغلين وكذا مع بعضهم البعض ، بسبب تعارض المصالح بين الطرفين ، هذه التصرفات من شانها التأثير على السير العادي للمقاولة ، كما أنها تمس بكرامة وحقوق الطبقة العاملة ، وتتنوع الأشكال التي قد تظهر بها ، ولعل أهمها التحرش الجنسي المعنوي ، هذا الأخير الذي يعد أكثر انتشار بحكم الصور المتعددة التي قد يظهر بها [2].

وتعد ظاهرة التحرش المعنوي في العمل ، ظاهرة قديمة ارتبط وجودها بوجود العمل ، وبالتالي فهي تجسد كبر الآلام الاجتماعية لا سيما بالنسبة للأجير ، لأن هذا الأخير قد يفقد عمله بسبب هذا النوع من العنف ، لأنه من الصعب تحمل ما يتعرض له من مضايقات معنوية في مكان عمله ، وهكذا فالتحرش المعنوي المرتبط بالعمل يتمثل في مجموعة من الأفعال والتصرفات التي تشكل انتهاكا لكرامة الأجير وتهديدا لمستقبله المهني [3].

كان التحرش المعنوي في أماكن العمل يعبر عنه بعدة مصطلحات ، بحيث يختلف باختلاف الدول التي تعاني من الظاهرة ، إذ كان يطلق عليها في الدول الانجلوسكسونية مصطلح Mobbing  أي سوء المعاملة ، بينما الولايات المتحدة الأمريكية استعملت مصطلح bullying  ، إلا أن الاختلاف في تسمية الظاهرة لا يترتب عنه اختلاف في المعنى ، وهكذا عرف التحرش المعنوي في أماكن العمل ، اهتماما في السبعينيات من القرن الماضي في أمريكا ، أما دول شمال أوروبا وألمانيا فلم تول اهتمامها للموضوع إلا في بداية التسعينيات من نفس القرن [4].

إن كلمة التحرش غالبا ما نقرنها مباشرة بالتحرش الجنسي ، هذا الأخير الذي يعد مفهوم جديدا بالنظر إلى النص عليه قانونا ، رغم أن هذه هي الأخرى ليست وليدة اليوم ، بل كانت موجودة منذ زمن ، لكن سبب عدم التصدي لها يكمن بالأساس في كون الأجير المتحرش به يفضل التزام الصمت ، وذلك بهدف الحفاظ على شغله نظرا لارتفاع نسبة البطالة ، إضافة إلى صعوبة إثبات هذا النوع من العنف ، في حين أن هناك تحرش أكبر من حيث الآثار التي يتسبب فيها من التحرش الجنسي ، وهو المتمثل في التحرش المعنوي الذي لم يتطرق له المشرع بشكل صريح لا في مقتضيات مدونة الشغل ، ولا في نصوص القانون الجنائي ، رغم أنه كان يعمل جاهدا على توفير الحماية اللازمة للأجراء ، وخاصة ما يتعلق بالجانب الأخلاقي لهؤلاء ، ويتضح ذلك بجلاء سواء من خلال بعض الظهائر[5] السابقة أو من خلال بعض المواد من مدونة الشغل الحالية ، بحيث نجد المشرع قد تحدث عن المحافظة على حسن الآداب والأخلاق ، وعلى مراعاة أمور الحشمة والوقار واللياقة العمومية في المحلات الصناعية والتجارية ، كما أكد أيضا على صيانة الأعراض والتشبث بمكارم الأخلاق في القانون السابق من خلال الفصل 35 من ظهير 2 يوليوز 1947 المتعلق بسن ضابط للخدمة والعمل ، علاوة على ما أورده القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل[6] ، بحيث جاء في بعض موادها[7] أن المشغل ملزم باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة وسلامة الإجراء وصيانة كرامتهم .

لكن بالرغم من هذه المجهودات المبذولة من طرف المشرع في مجال الحماية الاجتماعية ، لا زالت فئة الأجراء تعاني من بعض المشاكل في مكان عملها في ظل غياب ظروف شغل ملائمة ، كما هو الشأن بالنسبة لظاهرة التحرش المعنوي التي تعرفها المقاولات ، إذ كان على المشرع عوض اهتمامه المحتشم بموضوع التحرش المعنوي المرتبط بالعمل ، أن يقوم بتنظيمه بشكل صريح شأنه شأن باقي الموضوعات التي عالجها .

وبسبب ما يخلفه التحرش المعنوي المرتبط بالعمل من نتائج ثقيلة على الصحة النفسية والجسدية للأجراء ، عملت بعض التشريعات المقارنة على سن مقتضيات قانونية تمنع هذه التصرفات في آماكن العمل ، ذلك حماية لهذه الفئة ، ومن بين هذه التشريعات نجد التشريع السويدي ، الذي أولى اهتماما بالغا لظاهرة التحرش المعنوي التي تعرف انتشارا واسعا في أماكن العمل في هذا البلد ، بحيث نظم المشرع هذا النوع من العنف منذ 1953 باعتباره أحد الظواهر التي تهدد الصحة النفسية للأجراء ، ولكونه السبب في انتحار 10 إلى 15 في المائة من الأجراء في السويد[8] ، وعليه يمكن القول أن السويد كانت أولى دول العالم التي تصدت للتحرش المعنوي في العمل بالنظر إلى تاريخ تنظيمه .

وعلى غرار المشرع السويدي ، أخذ المشرع الفرنسي كذلك بالتحرش المعنوي المرتبط بالعمل ، بحيث بادر في البداية إلى منع ظاهرة التحرش الجنسي عندما تبنى قانون التحديث الاجتماعي سنة 2002 ، الذي جاء به المشرع من أجل تغيير مجموعة من القوانين في فرنسا ، وعلى رأسها مدونة الشغل ، بحيث تم تمديد الحماية لتشمل ضحايا ظاهرة التحرش المعنوي وذلك بموجب قانون 17 يناير 2002 ، وعليه أصبح التحرش المعنوي الذي يعرف انتشارا واسعا في معظم المقاولات ، يعتبر جريمة سواء من منظور مدونة الشغل الفرنسية أو القانون الجنائي الفرنسي[9] .

يكتسي موضوع التحرش المعنوي في أماكن العمل أهمية بالغة خاصة على المستوى الاجتماعي والقانوني.

فمن الناحية الاجتماعية يتسبب التحرش المعنوي المرتبط بالعمل في عدة نتائج تؤثر سلبا على الصحة الجسدية والنفسية للأجير ضحية هذا النوع من العنف ، بحيث قد تسبب له هذه الأفعال حالة مرض نفسي يحول دون استمراره في عمله[10] ، خاصة وأننا نعلم أهمية الشغل في ظل ارتفاع نسبة البطالة ، كما قد يكون الأجير ضحية هذه التصرفات والأفعال أللأخلاقية هو المعيل الوحيد لأسرته ، مما يستلزم حمايته من هذه التصرفات حتى يستطيع مواصلة إعالة عائلته .

أما من الناحية القانونية فتتجلى أهمية بحث موضوع التحرش المعنوي المرتبط بالعمل ، في كونه عبارة عن نداء موجه للمشرع المغربي لتنظيم هذه الظاهرة بهدف حماية الطبقة العاملة مما قد يعرض صحتها النفسية والجسدية للخطر .

يطرح موضوع التحرش المعنوي في العمل إشكالية رئيسية تتمحور حول تحديد هذا المفهوم وصوره والإشكال التي يظهر بها وآليات الوقاية منه ؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية تساؤلات فرعية أهمها :

  • – ما هو التحرش المعنوي المرتبط بالعمل، وما هي صوره وأشكاله ؟
  • – ما هي الآليات المتاحة لوقاية الأجراء وحمايتهم من هذا النوع من العنف ؟

ولدراسة هذه الإشكالية والتساؤلات الفرعية تم اعتماد المنهج الوصفي التحليلي مع مقاربة على المستوى العملي ببعض الاجتهادات القضائية المقارنة ، نظرا لعدم وجود اجتهادات قضائية وطنية كما سبق الذكر ، وعليه سنتناول موضوع التحرش المعنوي المرتبط بالعمل من خلال تقسيمه إلى فصلين على النحو التالي :

المبحث الأول  : تحديد مفهوم التحرش المعنوي وعناصره.

المبحث الثاني : تحديد التحرش المعنوي المرتبط بالعمل. 

المبحث الأول  : تحديد مفهوم التحرش المعنوي وعناصره

تتطلب دراسة أي موضوع تحديد مفهومه ، وعليه سنتناول ظاهرة التحرش المعنوي في أماكن العمل ، يجب أولا تعريفها سواء من المنظور القانوني أو المهني أو الفقهي ، حيث نجد بعض التشريعات المقارنة رغم أنها لم تعد تعريفا دقيقا لظاهرة التحرش المعنوي ، لكنها حددت التصرفات والأفعال التي يتشكل منها هذا المفهوم ، وذلك بهدف وضعه في الإطار القانوني الخاص به .

كما تتطلب أيضا دراسة موضوع التحرش المعنوي العناصر التي يتشكل منها هذا الفعل، وعليه تم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، نتعرض في المطلب الأول لتعريف التحرش المعنوي المرتبط بالعمل، ونخصص المطلب الثاني لتحديد عناصره وأشكاله.

المطلب الأول : تعريف التحرش المعنوي المرتبط بالعمل

إن خطورة ظاهرة التحرش المعنوي المرتبطة بالعمل ، وما يترتب عنها من نتائج سلبية تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للأجراء ضحايا هذا النوع من العنف ، تستدعي تدخل المشرع لتنظيمها ، وذلك حماية لهذه الفئة العريضة من المجتمع ، وهكذا تدخلت بعض لتشريعات ومنها المشرع الفرنسي الذي بادر إلى سن قانون يجرم التحرش في أوساط العمل سواء كان جنسيا أو معنويا ، وبعدها أصبح بعض الفقه [11]بدوره يتصدى للظاهرة .

أما فيما يخص المشرع المغربي ، فبالرجوع إلى بعض المقتضيات القانونية المنظمة للشغل[12] ، نجده قد أشار في بعض الفصول منها إلى الحماية للاأخلاقية ، وهذا ما سنوضحه بنوع من التفصيل من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين ، نخصص الفقرة الأولى لتعريف التحرش المعنوي في ظل التشريع ، في حين نتطرق إلى تعريفه في ظل الفقه في الفقرة الثانية .

الفقرة الأولى : تعريف التحرش المعنوي على مستوى التشريع

تعتبر ظاهرة التحرش المعنوي في مكان العمل ظاهرة اجتماعية خطيرة، وهي في انتشار مستمر، الأمر الذي أثار انتباه جل تشريعات العمل، حيث تم التدخل من طرف بعضها لتوفير الحماية من هذا النوع من العنف.

أولا : قصور التشريع المغربي في تعريف التحرش المعنوي

بما أن الحماية اللاأخلاقية من مكملات الحماية المادية المقررة للأجراء ، باعتبارها تهدف إلى الحفاظ على مقومات الإنسان الروحية والمعنوية ، وضبط السلوك البشري وتوجيهه[13] ، فإن المشرع المغربي قد حرص على حماية الأخلاق الحميدة وصيانة الأعراض ، سواء في بعض المراحل التشريعية السابقة أو في مدونة الشغل الحالية ، ففي ظهير 1926 المتعلق بتنظيم الشغل في المؤسسات الصناعية والتجارية ، فرض على المؤاجر المحافظة على الأخلاق الحميدة والالتزام بها ، وذلك من خلال الفصل 28 منه الذي كان ينص على ما يلي : ” على رؤساء المحلات الصناعية والتجارية والتي يستخدم فيها أولاد يقل عمرهم عن 16 سنة ، وكذلك النساء أن يسهروا على المحافظة على حسن الآداب والأخلاق بينهم وعلى مراعاة أمور الحشمة والوقار واللباقة العمومية ” ، كما أكد أيضا على هذا المبدأ من خلال ظهير 2 يوليوز 1947 وخاصة الفصل 35 منه الذي جاء فيه ما يلي : ” يجب على أصحاب المعامل الصناعية والتجارية أن يحافظوا على التشبث بمكارم الأخلاق وعلى مراعاة ما من شأنه على العموم صيانة الأعراض ” ، إلا أن حرص المشرع في هذين الفصلين اقتصر على صيانة الأعراض والتشبث بمكارم الأخلاق بالنسبة للأجراء العاملين في المعامل الصناعية والتجارية ، في حين أن الحماية يجب أن تشمل جميع القطاعات الأخرى[14] .

وبصدور مدونة الشغل ، نجدها قد نصت ولو بنوع من الحشمة على كرامة الإنسان والحفاظ على الأخلاق الحميدة ، وذلك من خلال المادة 24 التي تطرق فيها المشرع لحفظ كرامة الأجير ومراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة ، وعلى استتباب الآداب العامة داخل المقاولة ، ويتضح من خلال هذه المادة أن المشرع قد تدارك النقص الذي كان يشوب كل من الفصل 28 من ظهير 1926 والفصل 35 كم ظهير 2 يوليوز 1947 ، الذين اقتصرا على صيانة الكرامة والأخلاق لعمال المنشآت الصناعية والتجارية ، عندما استعمل مفهوم المقاولة لتشمل الحماية بذلك مختلف قطاعات العمل الأخرى ، هذا بالإضافة إلى ما ورد في المادة 147 من مدونة الشغل المغربية[15] ، والتي تؤكد على حماية صحة الأجراء والأحداث وصيانة أخلاقهم .

وهكذا نص المشرع المغربي ولو بشكل محتشم على الحفاظ على كرامة الأجراء وأخلاقهم وصيانة أعراضهم ، وذلك سعيا لتأكيد الحماية للطبقة العاملة عن طريق احترام حقوق الأفراد داخل المؤسسة ، لكن بالرغم من هذه الالتفاتة المحتشمة التي قام بها المشرع في إطار تكريس الحماية لهذه الفئة مازال بعيدا عن هذا المبتغى ، خصوصا عندما يتبين أن هذه الحماية تتعلق بالجانب المادي فقط ، وذلك من خلال بعض التصرفات التي يتعرض لها الأجراء داخل المقاولات ، والتي تشكل تحرشا معنويا[16] ، ويرجع ذلك بالأساس إلى عدم تحديد المشرع لمفهوم التحرش المعنوي بشكل صريح لا في مدونة الشغل ولا في القانون الجنائي ، وهكذا فباعتباره عنفا يهدد صحة وكرامة الأجراء[17] ، فإن تدخل المشرع أصبح ضرورة ملحة ، إما بالنص على التحرش المعنوي المرتبط بالعمل كمفهوم وتحديد الأفعال المكونة له ، وذلك بنص مستقل ، أو بإضافة مقتضيات منع ارتكابه إلى بعض المواد الموجودة سواء في مدونة الشغل أو في القانون الجنائي ، كما فعل بالنسبة للتحرش الجنسي ، بحيث كان على المشرع عند تعداده للأخطاء الجسيمة في المادة 40 من مدونة الشغل أن يضيف إليها التحرش المعنوي ، وبما أنه استعمل عبارة ” تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن أن تؤدي إلى الفصل ..”، فإنه قد يفهم منه أن هذه الأخطاء جاءت على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي فتقييم درجة الخطأ يخضع لمراقبة القضاء ، هذا بالإضافة إلى أنه يمكن إضافة أخطاء أخرى متى ظهرت في الواقع ، مادام التشريع لا يستطيع مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المقاولات[18] .

ثانيا : تعريف التحرش المعنوي في القانون المقارن

لقد عملت معظم التشريعات المقارنة على تكريس الحماية للطبقة العاملة باعتبارها أساس إنعاش الاقتصاد ودعم المقاولة ، وبالتالي جب على كل دولة أن تضمن الحقوق الأساسية لهذه الفئة ، ومن بين هذه التشريعات نجد المشرع الفرنسي الذي تدخل في البداية لحماية الأجراء ضحايا التحرش الجنسي ، وبعد ذلك تبنى قانون 17 يناير 2002 المتعلق بالتحديث الاجتماعي ، والذي مدد بمقتضاه الحماية للأجراء ضحايا التحرش المعنوي[19] .

وأصبحت مدونة الشغل الفرنسية بموجب هذا التمديد تتضمن مقتضيات جديدة كفيلة بحماية الطبقة العاملة من هذا النوع من العنف الذي تعرفه أماكن العمل ، ونخص بالذكر المادة 1152-1L  التي ورد فيها أنه : ” لا يمكن لأي أجير أن يتحمل التصرفات السيئة والمتكررة للتحرش المعنوي ، والتي تهدف إلى تحقيق تراجع في ظروف الشغل بشكل يمس حقوقه وكرامته ، ويؤثر على صحته الجسدية والنفسية أو يعرض مستقبله المهني للخطر[20] .

كما تضيف المادة 1152-2L  من مدونة الشغل الفرنسية أنه : ” لا يجوز معاقبة أي أجير أو طرده أو اتخاذ أي إجراء ضده بسبب رفضه تحمل هذه الأفعال التي تحط من كرامته وقيمته كانسان ، أو بسبب إدلائه بالشهادة لصالح الأجير ضحية التحرش المعنوي ” ، هذا بالإضافة إلى أن المشرع الفرنسي ألزم المشغل باتخاذ مختلف تدابير الوقاية من التحرش سواء كان جنسيا أو معنويا[21] .

وقد قام المشرع الفرنسي في نفس الإطار بإدخال مقتضيات جديدة تتعلق بالظاهرة ضمن قواعد القانون الجنائي ، تتضمن كل من العقوبة الحبسية والغرامة المالية ، وذلك بموجب الفصل 2-33-222.

وعلى غرار تقنين ظاهرة التحرش المعنوي في فرنسا ، عمل المشرع السويدي على سن مقتضيات قانونية تمنع ارتكاب هذا النوع من العنف في أماكن العمل منذ سنة 1958 ، وبالتالي يمكن القول أن التشريع السويدي كان أول تشريع يمنع فعل التحرش المعنوي في العمل[22] .

أما بخصوص بعض التشريعات العربية المقارنة ، نجد المشرع الجزائري رغم أنه لم ينص على التحرش المعنوي في قانون العمل ، يمكن للأجير الضحية أن يطلب جبر الضرر الذي لحقه طبقا للقانون المدني الجزائري[23] ، وكذا الاعتماد على بعض المقتضيات القانونية الواردة في الدستور ، هذا بالإضافة إلى بعض التشريعات الأخرى التي تصدت بدورها لظاهرة التحرش المعنوي في العمل [24].

الفقرة الثانية : تعريف التحرش المعنوي على مستوى الفقه .

لقد تعددت التعاريف الفقهية التي أعطيت لفعل التحرش المعنوي ، ومن بينها تعريف الطبيبة والمحللة الفرنسية[25] التي عرفت التحرش المعنوي بأنه : ” كل سلوك تعسفي ظاهر ، خصوصا عن طريق سلوكات وكلام وتصرفات وإشارات لشخص ما ، وتعرض عمله للخطر أو تحقق تراجعا في ظروف العمل “.

كما عرف أحد الفقهاء[26] التحرش المعنوي في مكان العمل ، بأنه يتحقق عندما يتحمل شخص ما ضررا من طرف شخص أخر أو مجموعة أشخاص ، عبارة عن سلوكات أكثر أو أقل عدوانية معبر عنها أو خفية لمدة طويلة وبطريقة متكررة ، يمكن أن تضع توازنه النفسي وصحته الجسدية في خطر .

كما تم تعريف التحرش المعنوي أيضا من طرف المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي ، والذي ورد فيه : ” ينشأ التحرش المعنوي في العمل عن طريق كل التصرفات السيئة التي تهدف إلى تحقيق تراجع في الظروف الإنسانية والمادية للشغل ، بشكل يمس حقوق الضحية وكرامتها ، مما يجعل حالتها الصحية تسوء وتعرض مستقبلها المهني للخطر “[27].

لقد قام أحد الأخصائيين[28] في علم النفس بدراسة في السويد حول ظاهرة التحرش المعنوي سنة 1993 ، والتي استطاع من خلالها تحديد لائحة للسلوكات العنيفة التي تتكرر على الأقل مرة في الأسبوع لمدة ستة أشهر ، تحتوي هذه اللائحة على خمس تصنيفات من المضايقات منها تلك التي تمنع الضحية من التعبير ومنها ما يجعلها منعزلة وأخرى تعرض ممارسات تفقد الأجير الثقة بين زملائه .

ولقد عرفت الجمعية الوطنية لمدراء وأطر الوظيفة المهنية أو الحرة الفرنسية ، التحرش المعنوي المرتبط بالعمل بأنه : ” هو كل سلوك تعسفي واضح من طرف شخص سواء كان صاحب سلطة أو لا داخل المقاولة أو المؤسسة ، بطريقة متكررة ولمدة طويلة على شكل سلوك وتصرفات وأفعال وكتابات وكلام ومعاكسات أو إزعاج يكمن أن يمس كرامة الشخص وتكامله الجسدي والنفسي والمخاطرة بعمله أو تحقق تراجع في ظروف الشغل “[29].

وهكذا فإن جميع المحاولات المقترحة لتعريف التحرش المعنوي تقترب من بعضها البعض ، ما عدا تعريف الجمعية الوطنية لمدراء وأطر الوظيفة المهنية أو الحرة الذي أشارت فيه إلى موضوع السلطة ، أي أن مرتكب المضايقة أو المتحرش تكون له سلطة على الضحية وبالتالي فهذه الأخيرة تتعرض لمضايقات أكثر من غيرها من الضحايا ، بالنظر إلى العلاقة المباشرة التي تربطها برئيسها في العمل أو المسؤول عنها ، هذا الأخير الذي يستغل سلطته في أغراض لا أخلاقية ، تؤثر سلبا على الضحية النفسية والجسدية للضحية مما يجعل مرد وديتها في العمل في تراجع ، إلا أن ما يمكن ملاحظته على التعريف أنه اقتصر فقط على التحرش المعنوي العمودي التنازلي ، أي أن المتحرش يكون دائما هو المشغل أو أحد المسؤولين ، في حين أنه قد يصدر فعل التحرش عن أحد الأجراء سواء في اتجاه المشغل أو أحد الزملاء[30] .

1 2 3 4الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى