جدل إعلامي ملحوظ أثارته تصريحات رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، بعد استقباله زعيم جبهة البوليساريو، أول أمس الثلاثاء في بريتوريا، بالنظر إلى انتقاده للمملكة المغربية التي ادعى أنها “المسؤولة” عن إطالة أمد نزاع الصحراء.
وباستقراء حيثيات الوضع السياسي الداخلي لجنوب إفريقيا، يكون بالإمكان فهم سياق تلك التصريحات الموجهة إلى الرأي العام الداخلي أكثر من الخارجي، اعتبارا لمرحلة عدم التوازن السياسي التي يمر منها الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني الإفريقي”.
رهانات انتخابية
يصف خبراء علم السياسة ببريتوريا، حسب المنشورات الإعلامية، المرحلة التي يمر منها الحزب الحاكم بكونها الأصعب منذ وصوله إلى سدة الحكم سنة 1994، بسبب تراجع مستوى التأييد الشعبي، وهو ما تبلور من خلال الانتخابات البلدية التي جرت في مطلع نونبر من العام الماضي.
وبالتالي، أمكن قراءة الاحتفالات غير المسبوقة التي خصصها رئيس جنوب إفريقيا لزعيم جبهة البوليساريو ضمن السياق الداخلي الذي يتزامن مع التنافس المحتدم على رئاسة الحزب، وذلك مع اقتراب انعقاد مؤتمره السادس في دجنبر المقبل.
ويواجه سيريل رامافوزا معارضة داخلية من طرف الحزب الحاكم؛ إذ ينافسه بشدة الحلف الموالي للرئيس السابق جاكوب زوما. كما يواجه الرئيس الممسك بزمام السلطة السياسية منذ 2018 معارضة متزايدة من لدن الرأي العام بفعل فضيحة الفساد المالي التي تلاحقه.
ومن المحتمل أن تؤثر الفضيحة المالية التي تعرض لها سيريل رامافوزا في فبراير الماضي على فرصة إعادة انتخابه رئيسا للبلاد رغم الدعم الذي ما زال يحظى به من طرف حزبه، وهو ما يسائل مستقبل الدور السياسي للحزب بعد تراجع شعبيته.
مصالح اقتصادية
بذلك، يسعى رئيس جنوب إفريقيا إلى التخفيف من حدة الانقسامات الداخلية للحزب عبر بوابة نزاع الصحراء المغربية، اعتبارا للموقف الجماعي المساند للطرف الجزائري بعد الصفقة المالية التي عقدها الحزب الحاكم مع جنرالات “قصر المرادية” منذ قرابة عقدين من الزمن.
وفيما دعا بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما أسموه “مقاطعة” خدمات شركة “سانلام” للتأمين (شركة سَهَام سابقا)، يتم إغفال كون العلاقات الاقتصادية بين بريتوريا والرباط تتجاوز “البرود المزمن” الذي يطبع العلاقات السياسية بسبب نزاع الصحراء المغربية.
والدليل على ذلك أن شركة “سانلام” علقت على الجدل سالف الذكر بطريقة مبطنة في تغريدة حديثة لها على منصة “تويتر”، قائلة إن “المغرب يظل بلدا محوريا للشركة في مجال التأمين بالقارة الإفريقية”، معتبرة أن “الفرع المغربي يبقى أحد الفروع الرائدة بالمنطقة”.
وأعربت الشركة عن التزامها طويل الأمد تجاه المغرب، بالنظر إلى إمكانياته الاقتصادية الطموحة، مشيرة إلى رغبتها الواضحة في تعزيز الأهداف المستقبلية بالمملكة، وذلك في رد غير مباشر على الأطروحات التي تربط الشركة باللوبي السياسي في جنوب إفريقيا.
إشكال داخلي
في هذا الصدد، قال الموساوي العجلاوي، أستاذ جامعي متخصص في العلاقات الإفريقية، إن “الاستقبال الذي خصصه رئيس جنوب إفريقيا لزعيم جبهة البوليساريو “لا علاقة له بالمغرب؛ لأنه يرتبط بإشكال داخلي له صلة مباشرة بالمؤتمر الحزبي القادم”.
وأضاف العجلاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحزب الحاكم فقد ثقة الرأي العام بجنوب إفريقيا بسبب قضايا الفساد”، مبرزا أن “قيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي تحاول استغلال ملف الصحراء المغربية لتلميع صورتها لدى الرأي العام”.
وواصل المتحدث بأن “رئيس جنوب إفريقيا يحاول تمويه المواطنين بأطروحة مناصرة الشعوب المستعمرة. وبالتالي، العودة إلى قيم نيلسون مانديلا، رغم أنه لم يعترف أبدا بجبهة البوليساريو في عهده”، مؤكدا أنه “لا يجب إسقاط ما حدث على العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا”.
وذكر العجلاوي، ضمن إفادته، بأن “الأطراف المالية والاقتصادية لا تهمها العلاقات السياسية بين المغرب وجنوب إفريقيا، بقدر ما يهمها بناء علاقات مالية استراتيجية طويلة الأمد، والدليل على ذلك هو شركة سانلام للتأمين التي أكدت عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للمغرب”.
آليات الضغط
محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، أورد أن “التصعيد الذي لجأ إليه المغرب للدفاع عن مصالحه مع كل من إسبانيا وألمانيا سابقا، والآن مع فرنسا وتونس، يختلف تماما عما يجري في جنوب إفريقيا”.
وذكر زين الدين، في حديث لهسبريس، أن “ميكانزمات التعامل السياسي للدبلوماسية المغربية تختلف مع أوروبا وإفريقيا، اعتبارا للمصالح الاقتصادية المتشابكة”، مردفا بأن “المغرب يسعى إلى تصحيح الوضع مع دول إفريقيا، وتذليل الصعاب القائمة”.
ولفت الأستاذ الجامعي إلى أن “المغرب يحاول إحداث تقارب جيو-سياسي مع بلدان القارة الإفريقية، من خلال محاولة تصحيح المفاهيم التي لديها حول قضية الصحراء المغربية”، وزاد شارحا بأن “المبادرات السابقة أعطت أكلها مع دول تعادي الوحدة الترابية”.
واستطرد الخبير عينه بأن “جنوب إفريقيا هي آخر معاقل البوليساريو بالقارة الإفريقية، حيث تربطها مصالح اقتصادية مشتركة مع الجزائر أكثر من المغرب. وبالتالي، فإن مقاربة عدم التصعيد مع جنوب إفريقيا مفهومة؛ لأن الوضع يختلف بهذه الدولة بالمقارنة مع دول إفريقية وأوروبية”.
وخلص زين الدين إلى أن “المغرب ينبغي أن يواصل دبلوماسية الباب الخلفي (تُعرف في علم السياسة بأنها القنوات السرية البعيدة عن العلاقات الرسمية) التي ينهجها مع بلدان القارة، وذلك في مواجهة المناورات الجزائرية”، ليجمل بأن “آليات الضغط تختلف بإفريقيا، لكن المغرب نجح في كسب الكثير من المعارك الدبلوماسية، حتى مع جنوب إفريقيا التي تعبر عن مواقف متذبذبة حسب السياقات الداخلية والخارجية”.
#الاحتفاء #بالبوليساريو #في #جنوب #إفريقيا #رهان #انتخابي #على #استمالة #المعارضين