الأمن الروحي في التشريع المغربي.

المطلب الثاني : الحماية القانونية للأمن الروحي

إن أي حق مهما كان معترفا به قانونا، فإنه يحتاج لقانون آخر يعزز هذا الاعتراف وذلك بحماية هذا الحق وضمانه، ونجد للحماية القانونية للأمن الروحي سندا في كل من الدستور المغربي (أولا) وكذا في المادة الجنائية (ثانيا) ثم في القوانين المنظمة للجماعات الترابية (ثالثا) وأخيرا في قوانين الحريات العامة (رابعا).

أولا : الحماية الدستورية للأمن الروحي

ينص الفصل 41 من دستور المملكة المغربية على أن : ” الملك، أمير المؤمنينوحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤونالدينية”. ونستشف من منطوق هذا الفصل، أن مؤسسة إمارة المؤمنين تتطابق مع ما يسميه فقهاء السياسة الشرعية بالإمامة الكبرى، وهي رئاسة عامة في الدين والدنيا، وقوامها النظر في المصالح وتدبير شؤون الأمةوحراسة الدين وسياسة الدنيا[17].

فمادام الإسلام دين الدولة كما ينص على ذلك الفصل الثالث من الدستور، فلا بد من سلطة تتولى حماية الدين، ولا يمكن تصور سلطة أخرى للقيام بهذه الوظيفة غير المؤسسة الملكية، لكون العلاقة بين المواطنين والملك تستند إلى رابطة البيعة، وهي رابطة تستمد جذورها ومرتكزاتها من النظام الإسلامي[18].

هذا، وقد استثنى الدستور المغربيأحكام الدين الإسلاميمن المسائل التي يمكن مراجعتها في هذا الدستور، وذلك في الفصل 175 منه[19].

ثانيا: الحماية الجنائية للأمن الروحي

تتجلى الحماية الجنائية للأمن الروحي من خلال تجريم المشرع في الفصل 220 استعمال وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم او الصحة أو الملاجئ أو المياتم، وجعل المشرع العقوبة هي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم.

والجدير بالذكر أن تجريم هذا الفعل حافظ عليه المشرع في مسودة القانون الجنائي، لكن تم تقليص العقوبة الحبسية بجعلها من ستة أشهر إلى سنتين، وتم الرفع من الغرامة بجعلها من ألفين درهم إلى مائتين ألف درهم.

وما دام أن شعائر الإسلام وعباداته كثيرة، كصلاة الجمعة والعيدين، وصلوات الجماعة، فإن المشرع في الفصل 221 من القانون الجنائي جرم فعل من عطل عمدا مباشرة إحدى العبادات، أو الحفلات الدينية، أو تسبب عمدا في إحداث اضطراب من شأنه الإخلال بهدوئها ووقارها، وجعل عقوبة هذا الفعل الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتينإلى خمسمائة درهم.

وقد تم تعديل هذا الفصل في مسودة مشروع القانون الجنائي، وشمل هذا التعديل التخفيض من العقوبة الحبسية، والزيادة في الغرامة، كما أعطى المشرع للقاضي السلطة التقديرية في الحكم بأحد العقوبتين إما العقوبة الحبسية أو الغرامة، فجاء الفصل كما يلي: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، من عطل عمدا مباشرة إحدى العبادات، أو الحفلات الدينية، أو تسبب عمدا في إحداث اضطراب من شأنه الإخلال بهدوئها و وقارها.”

وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية نجده يمنع المس بالمعتقدات الدينية للموضوعين تحت إجراء المراقبة القضائية، فقد جاء في الفصل 165 من هذا القانون :

  ” يجب ألا يمس تطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له، ولا بمعتقداتهم الدينية أو السياسية ولا بحقهم في الدفاع “.

ثالثا: حماية الأمن الروحي على ضوء قوانين الجماعات الترابية

من أهم الحقوق التي نصت عليها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، الحق في تقديم عرائض إلى السطات العمومية، هذا الحق الذي نص عليه الدستور في الفصل الخامس عشر منه، وقد تكفلت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بتنظيم كيفية تنزيله، ونصت هذه القوانين التنظيمية كلها على أن موضوع العرائض لا يمكن أن يمس الثوابت المنصوص عليها في الفصل الأول من الدستور، ومن هذه الثوابتالدين الإسلاميالذي تستند عليه الأمة في حياتها العامة.

رابعا: حماية الأمن الروحي في مادة الحريات العامة

ينص القانون المنظم للجمعيات في الفصل الثالث منه على أن “كل جمعية تؤسس لغاية أو هدف غير مشروع قد يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة، أو قد تهدف إلىالمس بالدين الإسلاميأو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي، أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة.

وقد أحسن المشرع صنعا حيث قطع الطريق أمام كل محاولة لتأسيس جمعية هدفها زعزعة عقيدة المسلمين، كالجمعيات التنصيرية التي توجد في كثير من الدول وتعمل تحت الغطاء التعليمي والخيري، وكذا قطع الطريق أمام كثير من المنتسبين للتيار الشيعي المغالي والمعادي للمذهب السني، والذي لا يقوم دينه إلا على التكفير والطعن في سادات الصحابة وإقامة شعائر سنويا مستفزة لمشاعر عموم المسلمين، كما أن هذا التيار ولو كان معتدلا، فإنه لا يقر بالثوابت التي يستند عليها المغاربة كالنظام الملكي.

وقد قام القانون الجديد للصحافة والنشر رقم بتقييد العمل الصحافي ونص على عقوبات تطبق حالة المس مثلا بالدين الإسلامي أو الإساءة إليه، 88.13 حيث جاء في المادة 71 منه: تطبق أحكام المادتين 104

و106 أدناه، إذا تضمنت إحدى المطبوعات أو المطبوعات الدورية أو إحدى الصحفالإلكترونيةإساءة للدين الإسلاميأو النظام الملكي أو تحريضا ضد الوحدة الترابية.

وبالرجوع للمادة 104 المحال عليها من طرف المادة 71 من قانون الصحافة والنشر، نجدها تنص على عقوبة تتمثل في توقيف المطبوع الدوري أو حجب الصحيفة الإلكترونية أو الدعامة الإلكترونية بموجب مقرر قضائي لمدة شهر واحد، إذا كان يصدر بشكل يومي أو أسبوعي أو نصف شهري، ولنشرتين متتاليتين إذا كان يصدر بصفة شهرية أو فصلية أو نصف سنوية أو سنوية، أما المادة 106 فتتضمن عقوبة هي حجز كل عدد من مطبوع دوري أو سحب الماد الصحفية وتعطيل الولوج إليها بالنسبة للصحيفة الإلكترونية، وهذا الحجز والتعطيل يتم بعد أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية المختصة.

أما القانون رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية فقد حذا حذو القانونين اللذين ذكرناهما أعلاه نص على ما يلي في المادة الرابعة منه :

” فيعتبر أيضا باطلا كل تأسيس لحزب سياسي يهدف على المساس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو المبادئ الدستورية أو الأسس الديموقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة “.


قائمة المراجع :

  • القرآن الكريم.
  • تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمان السعدي، مؤسسة الرسالة، ط 1 2000 م.
  • سنن أبي داود لأبي داود السجستاني ج1.
  • كتاب العين للخليل الفراهيدي، دار ومكتبة الهلال، ج 8.
  • كتاب التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط1 1983.
  • لسان العرب لجمال الدين بن منظور، دار صدر بيروت ط 3 سنة 1993 ج2.
  • الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، موقع وزارة الأوقاف السعودية، ج1.
  • السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، لعبد الوهاب خلاف. دار القلم، ط 1988.
  • الدستور المغربي لسنة 2011.
  • القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين 15.01.
  • مدونة الأسرة 70.03
  • مجموعة القانون الجنائي.
  • قانون المسطرة الجنائية.
  • القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
  • مرسوم رقم 2.00.485 المحدد لكيفية تطبيق القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
  • مسودة مشروع القانون الجنائي.
  • القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات.
  • القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات.
  • القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.
  • القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.
  • الظهير رقم 1.58.376 المتعلق بالحق في تأسيس الجمعيات.
  • القانون 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
  • الدستور الجديد للمملكة، شرح وتحليل، كريم لحرش، سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي، مكتبة دار الباحث، فاس، ط 2012.
  • الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط3 2014.
  • حقوق الانسان في المغرب بين الكونية والخصوصية، مؤسسة علال الفاسي ط1، 2006.

الهوامش :

[1]عبد الله التركي، الأمن في حياة الناس وأهميته في الإسلام، الناشر: موقع وزارة الأوقاف السعودية، ج 1، ص 6

[2]عبد الرحمان السعدي، تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة، ط1 2000 م، ص 935

[3]الخليل الفراهيدي، كتاب العين، دار ومكتبة الهلال، ج 8 ص 388

[4]علي بن محمد الجرجاني، كتاب التعريفات، دار الكتب العلمية، ببيروت لبنان، ط 1 1983 ص37

[5]جمال الدين ابن منظور الأنصاري، لسان العرب، دار صدر بيروت، ط 3 سنة 1993 ج 2 ص 462

[6]الخليل بن أحمد، م س ج 3 ص 291

[7]أنظر البوابة الوطنية: www.maroc.ma

[8]نفس البوابة الوطنية

[9]كريم لحرش، الدستور الجديد شرح وتحليل، سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي، مكتبة دار الباحث، فاس، ط 2012، ص 17

[10]أنظر م 39 من مدونة الأسرة

[11]لمزيد من التوسع حول هذا المانع من موانع الزواج، أنظر:محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، ط 3 2014 ص 66 وما بعدها

[12]سنن أبي داود ج 1 ص133.

الأمن الروحي في التشريع المغربي. الأمن الروحي في التشريع المغربي. الأمن الروحي في التشريع المغربي. الأمن الروحي في التشريع المغربي.

[13]حميد اربيعي، حقوق الانسان في المغرب بين الكونية والخصوصية، مؤسسة علال الفاسي، ط 1 2016، ص80.

[14]يقابله الفصل 3 من دستور 2011

[15]حميد اربيعي، م س ص 86.

[16]مرسوم رقم 2.00.485 صادر في 6 شعبان 1421 الموافق ل 3 نونبر 2000

[17]عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية، دار القلم، ط 1988، ص 59.

[18]كريم لحرش، م س ص 59.

[19]ينص الفصل 175 من الدستور على ما يلي: لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظامالملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحرياتوالحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور.

[20]أنظر م 118 من القانون التنظيمي 111.14 و م 112 من القانون التنظيمي 14-112 و م 121 من القانون التنظيمي رقم 113.14

[su_button url=”https://www.maroc2droit.online//?s=%D9%86%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86+%D9%85%D8%B5%D9%84%D9%88%D8%AD%D9%8A” target=”blank” style=”3d” background=”#1b2efb” size=”9″ wide=”yes” center=”yes”]جميع مساهمات الأستاذ نورالدين مصلوحي[/su_button]

الصفحة السابقة 1 2
زر الذهاب إلى الأعلى