مرت أزيد من سنة على تولي الحكومة زمام تدبير شؤون المواطنين المغاربة، بعد أن نصبها الملك محمد السادس في أكتوبر 2021؛ وهي الحكومة التي جاءت في ظل انتظارات المواطنين بتسريع وتيرة التنمية والنهوض بالقطاعات الاجتماعية.
وتزامن انتخاب حكومة عزيز أخنوش مع ورش إعداد نموذج تنموي جديد، دعا الملك إلى بلورة تصور خاص به بعد الوقوف على الأوضاع التي تعيشها مختلف القطاعات في إطار من الموضوعية والمقاربة النقدية، واستحضار مطالب المواطنين والمتغيرات التي يفرضها المحيط الدولي؛ وهو ما سعى إلى بلورته أعضاء اللجنة التي ترأسها شكيب بنموسى.
فهل تناغم برنامج الحكومة، إلى حدود اليوم، مع التوصيات الواردة ضمن التقرير الذي قدمته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد؟ وما هي نقط القصور التي ينبغي للحكومة التوقف عندها ومعالجتها؟
الحكامة والثقافة
إدريس كسيكس، الكاتب والباحث وعضو اللجنة المذكورة وأحد المساهمين في بلورة أفكار التقرير خاصة فيما يتعلق بمجال الحكامة والثقافة، أكد أن النموذج التنموي منظومة متكاملة تحاول تحديد الأولويات الكبرى حتى 2035 وتترك للفاعلين السياسيين حيزا كافيا لوضع الخيارات الظرفية، مبرزا أن “النموذج التنموي تحدث عن ضرورة إحداث آلية مؤسساتية للتتبع لرصد درجة التطابق؛ حتى لا نعلي من شأن التنمية على الديمقراطية التي ما زالت معطوبة”، حسب تعبيره.
وفيما يخص المجال الثقافي، أشار كسيكس إلى أن “الرؤية الموضوعة في حاجة إلى تحرير الطاقات؛ الشيء الذي يستدعي التخلص من كل أنواع الرقابة، وهو أمر لم يتحقق بعد”.
ومن جهة أخرى، شدد المتحدث ذاته على ضرورة إنعاش البنيات التحتية بخلق دينامية ثقافية وإبداعية في كل المدن والأحياء؛ وهو أمر يبدو في طور التحقق بالنسبة له، لكن ببطء شديد.
وقال عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، في تقييمه لحجم حضور الحكامة في تدبير الشأن العام: “نحن بعيدون كل البعد عن حكامة مبنية على الإعلام الحر وما يستدعيه ذلك من ولوج غير مشروط للمعلومة، وعلى عدالة عادلة وتقييم محايد للسياسات العمومية وفصل بين القوة الاقتصادية والسلطة السياسية وما يترتب عن ذلك من ريع ومحاباة”.
وتابع في السياق ذاته: “إن الزيادة المهولة في أثمنة البنزين وما رافقها من صمت مطبق وتعتيم مستمر مثال صارخ عن هذه الهوة التي تتسع داخل المجال العام”، مضيفا: “يبدو أن فهم الحكومة للنموذج التنموي فهم تقني محض؛ بيد أن مدخل الحرية والثقة والحكامة جوهري ولا محيد عنه كمدخل قيمي وسياسي”.
وفي إطار حديثه عن قيم الحرية وخلق الثقة، ذكر كسيكس بالحدث المونديالي والإنجاز المغربي الذي تحقق بقطر، واصفا إياه بـ”ظاهرة شاملة تلقننا دروسا غير مسبوقة في الكفاءة والتسيير العقلاني من جهة وفي القيم ومسألة الانخراط اللامشروط في مشروع جامع وموحد”، مشددا على أن “ذكر النموذج التنموي لضرورة بناء الثقة كشرط مسبق لا محيد عنه لم يكن مجرد تصور على مستوى القوانين والممارسات؛ ولكن قبل كل شيء على مستوى إيماننا بقدرة كل مواطن على ابتكار طرق جديدة للتعايش والإنماء”، لافتا إلى أن “الطاقة الخلاقة التي تذكي هذه الثقة المرفوقة بالحزم والشفافية والمساءلة هي حجر الزاوية الذي نحن في حاجة إلى تزكيته. ولعل ريادة الركراكي المثلى لهذه التجربة الكروية المتفردة أظهرت بالملموس نجاعة هذا النهج”.
التعليم والصحة
تضمن تقرير النموذج التنموي الجديد توصيات عديدة، وأطرها بسقف زمني محدد في أفق بلوغ الإصلاحات المنشودة بمنظومتي التربية والتكوين والصحة؛ وهي القطاعات التي تعتمد التدابير الحكومية الخاصة بها على منهجية إيجابية، حسب محمد العمراني بوخبزة، عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل.
وفي هذا السياق، ذكر العمراني بوخبزة ورش الدولة الاجتماعية والورش الملكي المتعلق بإصلاح منظومة الصحة وفق جدولة زمنية واعتمادات مالية مهمة.
وقال المتحدث ذاته إن إشراف شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، على قطاع التربية والتكوين دليل أن هناك رغبة في تفعيل مضامين توصيات النموذج التنموي، مبرزا أن اعتمادات مالية مهمة تم رصدها لهذا القطاع وبرامج إصلاحية تم الشروع في اعتمادها، ناهيك عن وجود رغبة في خلق جو ملائم للقيام بعملية الإصلاح وخلق سلم اجتماعي.
وجوابا عن سؤال هسبريس حول “البلوكاج” الحاصل على مستوى الحوار القطاعي بسبب اختلاف الرؤى حول النظام الأساسي، قال عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل: “هناك إرادة للحوار؛ لكن تسود ثقافة معينة لدى النقابات التعليمية، تحد من نجاعة هذا الحوار بالإضافة إلى تحدي تعدد الملفات والفئات”.
وأضاف بوخبزة العمراني في السياق نفسه: “أحيانا، يقترب الحوار من النهاية، ثم يعود من جديد لنقطة البداية، بسبب ثقافة سائدة في جزء من الوسط النقابي مرتبطة بمخاوف البعض من حل المشكل؛ وبالتالي غياب ورقة للتعبئة وأوراق للضغط”.
وفيما يتعلق بالموارد البشرية في القطاع والتي أكد تقرير اللجنة على ضرورة إيلائها الأهمية اللازمة، قال عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد إن الحكومة وضعت الاهتمام بالموارد البشرية ضمن الأولويات، عن طريق التكوين والاتجاه نحو مهن التعليم والاهتمام بمراكز تكوين الأساتذة واستقطاب الكفاءات بمستوى عال.
التشغيل والبطالة
أكد العمراني بوخبزة أن التوصيات التي وردت في التقرير الصادر عن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد فيما يخص جانب التشغيل ومحاربة البطالة يتم تنزيلها من طرف الحكومة؛ إلا أن التصور الذي كان سائدا لدى أعضاء اللجنة هو أن تكون الوتيرة أسرع، من أجل الرفع من نسبة النمو وخلق مناصب الشغل المطلوبة.
وفي هذا الإطار، أورد المتحدث ذاته أن حكومة عزيز أخنوش بإمكانها تجاوز التحديات المتعلقة بالجفاف ومخلفات الجائحة والحرب في أوكرانيا، مشيرا إلى ضرورة تعزيز التشغيل عن طريق الاهتمام بـ”القطاع الثالث” الذي يعتمد على المجتمع المدني، باعتباره مجالا واعدا في المغرب وله قدرة على أن يساهم إلى جانب القطاعين العام والخاص في التشغيل، داعيا في الآن ذاته إلى إيجاد حلول للشباب المتواجدين خارج مجال الدراسة والأنشطة الإنتاجية والتفاعل مع احتياجاتهم في أقرب وقت.
#أعضاء #لجنة #النموذج #التنموي #يرصدون #تناغم #التوصيات #مع #العمل #الحكومي