أخنوش يبرز بدافوس “تميز النموذج المغربي” واستراتيجية المملكة لمجابهة الأزمات

قال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إن “التغيرات العميقة التي يشهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية تسائلنا وتُلزمنا في الوقت نفسه، كقادة سياسيين واقتصاديين”، لافتا إلى أنه “من واجبنا، جماعيا وفرديا، أن نتعامل مع هذه السنة 2023 باقتناع وتفاؤل”.

وسجل رئيس الحكومة، الذي كان يتحدث صباح اليوم الأربعاء 18 يناير الجاري مع المشاركين في أكبر منتدى اقتصادي عالمي بسويسرا، أن “عالمنا اهتز بأزمات متتالية: جائحة COVID-19، الحرب في أوكرانيا، ارتفاع تكلفة المواد الخام والطاقة، إضافة إلى الاحتباس الحراري”؛ ما أصبحت معه “العلاقات بين الدول معرضة للتفتت، وهو الخطر الذي يداهم أيضا مجتمعاتنا من خلال استمرار عدم المساواة والشعور بالإقصاء لدى شرائح معينة من المواطنين”.

إن وتيرة التكنولوجيات الحديثة، وإلى جانب قدرتها على إحداث تحول في معيشنا اليومي، تتسارع وتتطلب منا التكيف بشكل سريع وحيوي”، أكد رئيس الحكومة المغربية، مشيرا إلى أنه “على الصعيد الفوري، تضعنا أمام الاختبار”، قبل أن يتساءل: “كيف يمكننا معا تحويل هذه التحديات إلى فرص؟”. وتابع: “أما على المدى الطويل، فالسؤال هو ما هو المثل الأعلى للسلام والازدهار الذي يمكن أن نضمنه للأجيال المقبلة؟”.

أخنوش، في معرض كلمته بدافوس، سجل، أيضا، وجوب “تقديم ملاحظتين في وقت واحد: أولاهما أن “العولمة ليست دائما لها أبعاد إيجابية، بل لا تفي بوعودها دائما”، بينما مفاد الملاحظة الثانية أنه “على عكس ما توحي به الأسطورة التي أسست نهاية التاريخ: ما زال يتعين عمل كل شيء والأمر متروك للمغرب، مثل إفريقيا، لكتابة رسالته الخاصة”.

رئيس الحكومة لم يفوت، أمام مؤسس المنتدى كلاوس شفاب، فرصة إبراز واستعراض تميز النموذج المغربي في التنمية؛ قائلا: “في عالم اليوم متعدد الأقطاب، أصبحت المملكة، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نموذجا إقليميا”. وأضاف: “في مواجهة جسامة المهمة التي تنتظرنا، فإن المملكة المغربية تشكل بالنسبة لكم وللعالم شريكا مثاليا لبناء إجابة تكون في آن واحد اقتصادية وسياسية وبيئية واجتماعية”.

وتطرق المتحدث أمام جلسة “دافوس 2023” إلى “دستور 2011، وإصلاح مدونة الأسرة باعتبارهما إجراءين حداثييْن في خدمة المساواة وحقوق الإنسان”، معتبرا أنهما “أبرز شاهد على بناء المغرب لمؤسسات حديثة وديمقراطية”، مبرزا أن الجهوية المتقدمة جعلت “من الممكن إدخال الديمقراطية التشاركية إلى كل جهات المملكة”.

بنيات تحتية عالمية

“لقد قمنا ببناء البنيات التحتية وفقا لأفضل المعايير الدولية، والتي منحت المغرب اتصالا جويا – بريا – بحريا لا مثيل له في المنطقة: 2000 كيلومتر من شبكة الطرق السريعة، أول خط للسكك الحديدية فائق السرعة في إفريقيا، أكبر ميناء في القارة على البحر الأبيض المتوسط، وقريبا أكبر ميناء على المحيط الأطلسي…”، استطرد أخنوش معتبرا أن “المغرب لديه 14 مطارا دوليا توفر قدرة ربط كبيرة جدا بالقارة الإفريقية”.

هذه البنيات التحتية مكنت المغرب من التمتع بفلاحة مرنة وذات سيادة، بقطاع سياحي جد جذاب، وصناعات عالية الأداء، مثل السيارات أو صناعة الطيران اللذين جعلا المملكة وجهين مرجعيَيْن.

المغرب “شريك متميز”

أوضح رئيس الحكومة أن “المملكة ربطت علاقات ثقة تؤسس للمغرب كشريك متميز”، موردا “بشكل خاص في إفريقيا، حيث أجرى جلالة الملك محمد السادس، على مدى السنوات العشرين الماضية، أكثر من 50 زيارة أدت إلى توقيع أكثر من 1000 اتفاقية تعاون”.

وفي مواجهة ردود الفعل الحمائية، رأت النور في إفريقيا منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ZLECAF كأكبر منطقة للتجارة الحرة، أورد أخنوش، مضيفا أنه “بفضل قوة اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطه مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن خلال إنشائها، يتيح الاستثمار في المغرب الولوج إلى سوق يضم مليارَي مستهلك”.

ريادة في التنمية المستدامة والطاقات المتجددة

أوضحت كلمة رئيس الحكومة، توصلت بها هسبريس، أن “المغرب بات، أيضا، رائدا في التنمية المستدامة، التي تشكل التحدي الاقتصادي والبشري لجيلنا الحالي”، مؤكدا أن “الطاقات المتجددة تمثل 38 في المائة من مزيج الطاقة لدينا، إذ نتطلع إلى رفعها إلى أكثر من 50 في المائة بحلول عام 2030”.

وأبرز أخنوش أن “المغرب يعمل من أجل السلام والأمن، في المنطقة والعالم أيضا؛ من خلال المساهمة في حوار الحضارات والمساهمة في التقارب بين الثقافات والأديان والشعوب التي تتعايش في المغرب معا في سلام تام”، لافتا إلى أن “المغرب يتوفر على جميع المؤهلات لتحويل تحديات الظرفية مع شركائه إلى فرص”، باعتبار موقعه في ملتقى الطرق بين أوروبا والمحيط الأطلسي وإفريقيا والإمكانيات الجيوستراتيجية المتميزة للمغرب التي تضعه في موقع إيجابي لإعادة تنظيم سلاسل القيمة العالمية”.

وتابع: “إن ميزة المغرب التنافسية، فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وهو من بين دول العالم الأكثر وفرة وأقلها تكلفة، ستتوج بتنمية قطاع الهيدروجين الأخضر. وبذلك، ستكون المملكة فاعلا رئيسيا في إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي”.

وفي الوقت الذي نشهد فيه “انتقالا تاريخيا”، فإنه “من الضروري أن نقدم للأجيال الصاعدة مثالا جديدا، وميثاقا سياسيا جديدا، يسمح لهم بالتفكير في المستقبل بتفاؤل”. وفي مواجهة هذا المطلب، فإن المغرب ينفتح على مرحلة جديدة من التنمية، تتميز ببناء الدولة الاجتماعية”، أردف أخنوش.

إجراءات مواجهة الأزمات

أكد رئيس الحكومة أن “حكومتنا تمكنت، خلال سنة واحدة، في احترام تام للأجندة الملكية، من وضع الإطار التنظيمي للتأمين الإجباري عن المرض وضمان الحقوق لثلثيْ المواطنين الذين لم يستفيدوا منها حتى هذا الحين”.

وأضاف: “خلال هذه السنة، نطمح أيضا إلى الذهاب أبعد من ذلك، بتعميم الدعم المباشر على شكل تعويضات عائلية، بفضل نظام استهداف فعال للمساعدة الاجتماعية”.

بالموازاة، استعرض أخنوش استراتيجية “مواجهة الحكومة بحزم الأزمات المتعددة التي تخللت سنة 2022: طاقية مع الارتفاع القياسي في الأسعار العالمية… مناخية مع أسوأ جفاف يسجل منذ 40 عاما، ونقدية مع عودة التضخم”، مشيرا إلى أنه “تدابير لمرافقة ودعم الميزانية، وكذلك المحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية، والإصلاحات ذات الأولوية”، مبرزا تمكن “الحكومة من ضمان التموين، واحتواء التضخم والاستمرار في تقليل العجز الموروث من عام 2020. وبالأخص، نواصل الاستثمار في المستقبل. بالنسبة للنظام الصحي الوطني فقد أعيدت هندسته بالكامل، وهو نتيجة تلازمية أساسية لورش إصلاح الحماية الاجتماعية. في 2023، حرصنا على تخصيص ثلث ميزانية الدولة للصحة والتعليم، من بينها 7 مليارات دولار مخصصة للمدرسة”. مستقبلا، يجب استخدام هذه الموارد المهمة بشكل أفضل، للنهوض بنظامنا التعليمي وتعزيز أدائه؛ لأن هدفنا هو إعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية وتقوية المهارات الأساسية لجميع التلاميذ. ومن بين ما ساهم في تسهيل كل هذه الإصلاحات الاجتماعية حدوث تقدم مؤسساتي بارز، لاسيما أن الحكومة اختارت استئناف حوار اجتماعي حقيقي ومستدام مع المركزيات النقابية، يرتكز على الإنصات والتفاوض والمضي قدما معا في جو من الثقة”.

ولفت أخنوش إلى أن “المغرب تبنى ميثاقا جديدا للاستثمار، يضع إطارا جديدا جذابا ومحفزا يستهدف جميع المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، ومختلف أنواع الاستثمارات، صغرى كانت أو كبرى. ويشكل هذا الميثاق، أيضا، الدافع وراء الإصلاحات التي همت مؤخر ا تبسيط الإجراءات الضريبية وملاءمتها مع أفضل المعايير الدولية؛ وذلك عبر خفض العبء الضريبي على المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تشكل واحدة من رافعات النمو الاقتصادي في بلادنا.

وشدد رئيس الحكومة على “الحاجة إلى ضمان مستقبل شبابنا، من خلال مضاعفة الفرص أمامهم للولوج لسوق الشغل وتحرير طاقاتهم الإبداعية، في وقت يتصادم فيه الاقتصاد القديم مع الاقتصاد الجديد، حيث كنا نرغب في دمجهم”، لافتا إلى أن “قضية الشباب أصبحت حاسمة بالنسبة لأي مشروع تنموي متماسك وشامل؛ وذلك “ما يهدف المغرب إلى نشره بحلول عام 2035، من خلال خلق رابط قوي بين ما هو اقتصادي واجتماعي، مع ترسيخ الخيط الأحمر للانتقال البيئي، وهو أمر حتمي الآن بالنسبة لنا جميعا”.

وخلص أخنوش إلى أن “هذا الطموح يطرح سؤالا جوهريا: كيف نسمح للسوق بتحرير طاقته الإبداعية والقيام بوظيفته الاجتماعية، مع حماية بلداننا من أزمة كبرى جديدة؟”، قبل أن يحاول الإجابة قائلا: “في رأيي الخاص، لقد طرحتُ الرهانات ذات الأولوية، لأننا نواجه واجب الحفاظ على الانسيابية حتى لا تتعطل الآلة الاقتصادية، وأيضا التزام اليقظة العالية إزاء المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الجديد”.

“إن الدرس الذي يمكن استخلاصه بشكل جماعي، هو أن العالم لم يعد يحتمل الخضوع للهيمنة، بل للمشاركة”، ختم أخنوش كلمته مؤكدا أن ذلك يتماشى مع المشروع المغربي لمجتمع متضامن ومستدام، انسجاما مع رؤية الملك الذي يدعو إلى إقامة شراكة “على قدم المساواة” مع شركائنا، خالصا إلى “تأكيد التزام المغرب الكامل بمرافقة الفاعلين العالميين “خطوة بخطوة في الفعل الاستثماري، من خلال الإصلاحات المتسارعة والتحسين الدائم لظروف الاستثمار، من أجل أن نبني معا مسار خلق قيمة مشتركة”.

#أخنوش #يبرز #بدافوس #تميز #النموذج #المغربي #واستراتيجية #المملكة #لمجابهة #الأزمات

زر الذهاب إلى الأعلى