القواعد الموضوعية لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية

المطلب الثاني:أركان وعقوبة جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية

سنتطرق في هذا المطلب بداية للأركان المكونة لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية(الفقرة الأولى)، ثم نعرج بعد ذلك لبيان عقابها(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: أركان جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية.

تتميز جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية على غرار باقي الجرائم بمجموعة من الأركان المكونة لها وهي الركن المادي (أولا)، ثم الركن المعنوي (ثانيا).

أولا: الركن المادي

لا ريب أن أي جريمة كيفما كانت تفترض صدور فعل مادي من الجاني لأن القانون لا يعاقب على مجرد الأفكار والنوايا المضمرة مهما كانت خبيثة و خسيسة ولئيمة[8] ما لم تتحول هذه النوايا الإجرامية إلى أفعال موجودة في الواقع.

وباستقراء مقتضيات الفصل 503-1 من مجموعة القانون الجنائي والغوص في أعماقه نلاحظ أنه ملأ نوعا ما الفراغ التشريعي بخصوص جريمة التحرش الجنسي الالكتروني وبحسب الفصل الأنف الذكر فإن الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية يتمثل في توجيه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية والوسائل المذكورة تعتبر دلائل قوية يمكن الاعتماد عليها في إثبات هذه الجريمة.

وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها بتاريخ 2011/10/19 أن قيام الأجير بإرسال رسائل الكترونية لزميلتين له في العمل وذلك خارج ساعة ومكان العمل وعبر MSN وذلك بين 12 و 13:30 زوالا تحرشا جنسيا عبر الوسائط الالكترونية[9].

وفي قرار أخر صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 2007/5/23 اعتبرت فيه استغلال مساعد لوظيفته وذلك من خلال الاتصال بأحد زبائنه و إرسال رسائل هاتفية خاصة تحرشا جنسيا يشكل خطأ جنسيا يبرر الفصل[10]

ثانيا: الركن المعنوي

لا يكفي للمسائلة على نشاط إجرامي أن يقوم الفاعل أو الجاني بنشاط مادي فقط، بل لابد من توافر الركن المعنوي ويتمثل في القصد والعمد الجنائي(تحقيق الرغبات الجنسية أو الحصول على رغبات ذو طابع جنسي).

ولتحقق الركن المعنوي لابد أن تتوفر في الجاني إرادة تحقيق هذا الفعل ثم العلم بأن الواقعة مجرمة ويتحقق الركن المعنوي بمجرد توجيه هذه الرسائل؛ ذلك أن جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية هي من الجرائم العمدية يشترط لقيامها ركنا معنويا يتمثل في القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة وهو القصد العام إضافة إلى القصد الجنائي الخاص المتمثل في الحصول على رغبات ذات طابع جنسي.

ومن ثم فإن إثبات الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية من خلال تحديد الأفعال الموصوفة بالتحرش وبلوغ الجاني لنتيجة الإجرامية المقصودة والمتمثلة في تلبية رغبات جنسية أو الوصول إلى فضل جنسي يعد من الصعوبة بمكان ويستعصي في غالب الأحيان ما عدا الأفعال الموصوفة بالتحرش والتي تحمل دلالة واضحة لا لبس فيها كإرسال عبارات أو صور جنسية للضحية قصد الحصول على نزوات جنسية[11]

إقرأ أيضا : ملاحظات حول قانون محاربة العنف ضد النساء

و قد قضي في فرنسا بعدم قيام الجريمة في حق مدير مؤسسة أبدى عاطفة حب تجاه مستخدمة كان قد أرسل لها عدة خطب وقصائد شعرية لا تتضمن أي عبارات  فاحشة أو خليعة[12] ومن ثم نستشف من هذا القرار بأن القضاء الفرنسي يستوجب من أجل تحديد القصد الخاص  وقيام جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية، في تسبيب الحكم بالإدانة بذكر عبارة “قصد إجباره على الاستجابة لرغباته الجنسية” حرفيا، وإذا انتفى القصد الجنائي الخاص المتمثل في غاية الحصول على رغبات ذات طابع جنسي من وراء القصد انتفت الجريمة.

تابع قراءة المقال في الصفحة التالية

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية
زر الذهاب إلى الأعلى